كثيرا ما يستخدم الساسة في البلاد العربية والإسلامية خطابات تحمل عبارات كعبارة ( العدوان الصليبي ) أو ( الاستعمار الغربي الصليبي ) أو غير ذلك مما يقصدون به استنكار أي تدخل غربي أو غير عربي في شؤون الدول العربية والإسلامية ، ولو كان ذلك عن طريق منظمات دولية هذه الدول أعضاء فيها ، ولو كان ذلك لحماية الناس الأبرياء من بطش السلطات المحلية التي هي في معظمها تحمل أيديولوجيا سلفية ( معذرة ليس السلفية بما تحمله من ظلال دينية اشتهرت بها عبر الزمن ) بل بمعنى أنها فكر يحمل كراهية الآخر ويخطط على مستوى خريطة الماضي ، ويستخدم الأمجاد والعظمة التاريخية للأمة شعاراً لمواجهة الحضارة الغربية ، فهو بدل أن يخطط على مستوى الحاضر ويستفيد من الحضارة الغربية وإيجابياتها ويعرض مالديه من فكر يفيد وينفع الآخرين ، بدل ذلك يرفضها بدعوى المحافظة على الكيان القومي للأمة الذي يتعرض للخطر أو الكيان الإسلامي الذي يتعرض للمؤامرات ..
نحن نطمح في هذا السياق إلى التركيز على تحليل هذه المصطلحات على مستوى الكشف عن المؤثرات الإيديولوجية التي اكتسبتها على مر الزمن ، الخطر أن كل ما تحمله هذه المصطلحات من معاني حفرت في ذاكرتنا وأصبحت من مخزوننا الثقافي ، بينما هي معان تحمل ظلالا أيديولوجية وليست بريئة كما تبدو لنا ، أو قل هي نوع من : الهيمنة التي يمارسها منتج الخطاب على المخاطبين،(1) فإسلامنا لا خطر عليه وأوطاننا لا خطر عليها البتة ، فنحن نعيش في مجتمع تسوده لغة المنافسة والمصالح ، علينا أن نكون نافعين نتبادل مع الآخرين المصالح نستفيد ونفيد ، وإسلامنا لا خطر عليه وهو ما يدل عليه قوله تعالى : " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم " (2) .. فالمخاطر التي يتعرض لها الدين كانت من الأعداء ، أما الآن بعد ثورة الرسول والصحابة أصبحت الخشية من الله فحسب ، ولا سبيل لخوف أهل الحق من معارضيهم " وإن خشية الله تعني أن أهل الحق في الطور الجديد يلزم عليهم أن يقوموا بمهامهم دون أن يساورهم أيّ نوع من المخاوف والمخاطر ، ويلزم عليهم أن يظلّوا داعين إلى الحقّ ، دون أن يجعلوا أشياء أخرى محطّ أنظارهم " (3)
أمّا الساسة العرب من أجل أن يخفوا وراء هذه الخطابات بطشهم وعدوانهم المحلي فقد روجوا مثل هذه المصطلحات التي تحتاج منا اليوم إلى إعادة كتابة من جديد أو تحليل على مستوى الخطاب لنستبعد ما حملت من ظلال من قبل منتجها بقصد ولأغراض خاصة .
مصطلح العدوان الصليبي أو القصف الصليبي ليس مكونا لغويا بريئا إذن ، بل هو محمل بظلال دينية يستخدم لأغراض سياسية من قبل السياسيين في البلاد العربية والإسلامية .. ففي حالة ليبيا مثلا يتكلم بعضهم عن قصف صليبي يستهدف النخبة .. ليخفوا العدوان والقصف اليومي الذي يستهدف عامة النّاس .. ترى كيف يفكر الناس !
(1) انظر، عماد عبد اللطيف ، بلاغة التنحي وذاكرة الهزيمة: مدخل إلى التحليل البلاغي للخطاب السياسي، جامعة القاهرة.
(2) المائدة : 3
(3) وحيد الدين خان ، الدين الكامل ، الرسالة للإعلام الدولي ، القاهرة 1992 ، ص77 .