حلم و فقْد ... هكذا بدت لك الأشياء ، هكذا بدت لك الحياة ... يقولون إنّنا خُلقنا و لعلّنا وُلدنا لنحيا لكنّك اكتفيت بأن تكتشف أنّ الوجود ليس خيارا و أنّ الحياة قد تُسلب منك ذات لحظة و أنت تبكي أو تبتسم أو تصرخ أو حتّى تنام ، سيّان ... ما يختلف هو تفكير سالبها و إمكان التّبرير ... المهمّ : تنتهي مسلوبا لا سالبا ثمّ يعلّمونك أنّه " يا بخت من بات مظلومْ " فتستكين إلى الظّلم المسلّط عليك أملا في أن يُعلن إنسانيّتك / طيبتك فيعترف الآخر بك أو يمنحك إمكان الدّعاء المستجاب ... الغريب هو أنّك متى خرجت على النّاس أو إليهم - فكلاهما واحد - لم تجد للمسلوبين وجها ... الكلّ ظالم متجبّر لكنّه مع ذلك لا ينسى أن يُذكّرك أنّه على حقّ ، فقط أنت من لا يرقى إلى مرتبة الإدراك الكليّ أو حتّى مجرّد القدرة على التّعايش ...
باطلة هذه الحرب التي تخوضها أو عبثيّة ...
هو باطل أو عبثيّ و إن كان الباطل إقرارا بالذّنب و العقاب معا فإنّ العبثيّة إقرار باللاّجدوى و لأنّك تخاف الباطل تسكن العبثيّة و توغل في الإنتماء حتّى ترتضيها هويّةً و يصبح كلّ شيء عبثيّا . عبثيّا ؟؟؟؟ كأنّك تواجه الكلمة للمرّة الأولى فتكتشف أنّ طفولة ما تسكنها : عبث الأطفال ، قد يكرهه الأهل لكنّه يمتعهم و كثيرا ما يتحوّل إلى حكاياتهم المفضّلة ....
ماذا لو بقيت طفلا ؟؟؟؟ ليكن ... لكن لا سلطة لك على جسدك ، على ملامح وجهك و هي تعلن رغبتها في الكمال ثمّ فجأة تلعن كلّ مظاهر الوهن و القبح . مرّة أخرى تتمنّى القدرةَ و لا تطالها ... تنتهي مغلوبا فتتغشّى السنّ و تخبّئ طفولتك ، تنتظر أن تفاجئك في إبتسامة ، في كلمة ، في لمسة يد ، في خربشات تخطّها كيفما اتّفق على الورق و كلّما عزّ لقاؤها تضخّم الحلم حتّى يتلاشى لأنّه أكبر من الحياة ، من الوجود ، أكبر منك و منه و من كلّ شروط الواقع و من أولئك الذين لا يحيون خارج سطوة الألسنة و الأفكار و الأحذية القذرة ....
تعشق طفولتك ، تخبّئها كقطعة حلوى أُهدِيتها يوم العيد و أنت تعلم أنْ لا عيد يأتي ثانية . تخبّئها و أنت تحلم بمن سيتقاسمها معك لتحيا عيدا لا يحتفل به غيركما و يتضخّم الحلم ....تبحث عن وجهك ، تنتقي له أورف الظّلال و أخصب الحقول حتّى متى التقيته دعوته إلى تلك الشّجرة و حفرت إسميكما تحدّيا لشيخوختك التي ستستفيق ذات يوم كالمارد ، تمزّق مخالبها طفولتك و تسرقها ثمّ تقهقه عاليا لتذكّرك بأنّه لا خيار لك و " يا بخت من بات مظلوم " ...
تهرب إلى الرّسوم المتحرّكة ، إلى أغاني الأطفال بها تستردّ بعض الحياة ، بعض القدرة على الإستمرار ، على الحلم ... تستجدي ذاكرتك المثقوبة . تبكي على عتباتها ... تحرقك دموعك و الذّكرى لا تأتي ... إلاهي كم هي كثيرة طيّاتي ... كم هي عصيّة طرق العودة إلى الدّيار زمن يُفقد الوطن و الأهل ، زمن تَفقد الكلمات جوهرها فتقول غير الذي تحسّ ، تتخفّى وراء جدران ما يُشبه الكلام لأنّك تخشى مواجهة نفسك . تُكنّي و لا تُصرّح حتّى لا تُعاقب و ترتضي لنفسك سجنا أنت سجّانه فقط لتُرضي الآخرين ... ها قد سكنك الوهن قبل الشّيخوخة ، قبل الموت ، قبل الفقد ... لِتكتفِ بالحلم ، الطفولة لا تعود و إن تلبّستَ قناعا و الحلم عبث لا يستعيدها فلِم تحلم أصلا ؟؟؟ أتُراك تكتفي بالفقد ؟؟؟ يضطرب قلبك ، يرجوك ، يتوسّل إليك ألاّ تحرمه الحلم . تضحك طويلا : " كم هو ممتع أن تكون جبّارا و أن يردّد الآخرون " يا بخت من بات مظلوم " " لكنّ قلبك لا يُردّدها ، ينظر إليك ، تنكّس رأسك فيقول :
ـ الظّالم جبان لا يحيا خارج التّيه ، خارج الفقد ... سأحلم كما أشاء و لن أكون إلاّ طفلا لي قطعة الحلوى و الشجرة الوارفة و لك القيد و القبر ... هذه هي الحياة ...