منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارقواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فريال بطاينة
عضو نشيط


القيمة الأصلية

البلد :
الأردن- إربد

عدد المساهمات :
26

نقاط :
64

تاريخ التسجيل :
16/01/2010


قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة Empty
مُساهمةموضوع: قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة   قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة I_icon_minitime2011-05-16, 16:21

الفصل الثالث
قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة
1- التعاون
أ‌- قاعدة الكم
ب‌- قاعدة الكيف
ج- قاعة علاقة الخبر
د- قاعدة جهة الخبر
2- التأدب
أ- قاعدة التشكيك
ب- قاعدة التودد

3- القصد
العبارات الدالة على القصد

4- الإفادة
أ‌- الإفادة وظاهرة التعيين
ب- الإفادة ومسألتا الذكر والحذف
ج- الإفادة والتقديم والتأخير
د- الإفادة والبدل




* قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة
يقوم التخاطب على عدة مبادئ تَداوليّة، كل مبدأ منها يضم مجموعة من القواعد التي تضبط العمليّة التخاطبية، ومن هذه المبادئ* "مبدأ التعاون" المعروف بـ "الجانب التبليغي"، والمبدأ الثاني مبدأ التأدب" المعروف بـ "الجانب التهذيبي". والثالث "مبدأ القصد"، والرابع "مبدأ الإفادة". ستتناول الدراسة قواعد التخاطب من ناحية نظرية، وأخرى تطبيقية.






------------------------
* لا بدّ من الإشارة إلى أن المبادئ الأخرى تقوم على جوانب ليست بالأهمية التي يقوم عليه الجانبان "التبليغي والتهذيبي" والمبادئ الثلاثة، هي: "مبدأ التواجه واعتبار العمل" ، و" مبدأ التأدب الأقصى واعتبار التّقرُّب"، و "مبدأ التصديق واعتبار الصدق والإخلاص" .
فـ "مبدأ التواجه واعتبار العمل" قائم على مفهومين أساسيين، أحدهما مفهوم "الوجه"، والثاني مفهوم " التهديد".
فالوجه هو عبارة عن الذات التي يدعيها المرء لنفسه والتي لا يريد أن تتحد بها قيمته الاجتماعية، وهو على ضربين وجه دافع سلبي يريد المرء به أن لا يعترض الغيرُ سبيل أفعاله، ووجه جالب إيجابي يريد المرء به أن يعترف الغير بأفعاله، فتكون المخاطبة هي المجال الكلامي الذي يسعى فيه كل من المتكلم والمخاطب إلى حفظ ماء وجهه و وجه مخاطِبه. أمّا التهديد فهو الأقوال التي تعوق بطبيعتها إرادات المستمع المتكلم في دفع الاعتراض وجلب الاعتراف.
أمّا "مبدأ التأدب الأقصى واعتبار التّقرُّب" فإنّه مكمل لـ"مبدأ التعاون" فلا داعي لذكره هنا بشكل مفصل، ويصوغ مبدأه في صورتين اثنتين: إحداهما سلبية هي: "قلِّل من الكلام غير المؤدب"، والثانيّة إيجابيّة هي: "أكثِر من الكلام المؤدب.
أمّا مبدأ "التصديق واعتبار الصدق والإخلاص" فيصاغ هذا المبدأ على النحو الآتي "لا تقل لغيرك قولا لا يصدِّقه فعلك"؛ إذ ينبني هذا المبدأ على عنصرين اثنين: أحدهما، نقل القول الذي يتعلق بالجانب التبليغي، والثاني، تطبيق القول الذي يتعلق بالجانب التهذيبي "
انظر عبد الرحمن، طه.اللسان والميزان أو التكوثر العقلي.ط1.المركز الثقافي العربيّ، 1998.ص243-246.



أولا - مبدأ التعاون
ورد نصّ هذا المبدأ في اللّسانيات الحديثة عند الفيلسوف الأمريكي (بول غرايس) ذكره أوّل مرّة في دروسه المعروفة في "محاضرات في التخاطب"، ثم ذكره في مقالته الثانية "المنطق والتخاطب" وصيغة هذا المبدأ هي(1) "ليكن انتهاضك للتخاطب على الوجه الذي يقتضيه الغرض منه*.
وقد نقل لنا طه عبد الرحمن(2) عن (غرايس) "أن هذا المبدأ يوجب أن يتعاون المتكلم والمخاطب على تحقيق الهدف المرسوم من الحديث الذي دخلا فيه، وقد يكون هذا الهدف محدّدا
قبل دخولهما في الكلام أو يحصل تحديده أثناء هذا الكلام".
ويرى شاهر الحسن(3) أنّ المعنى المقصود من العبارة يبنى على الاستنتاج، فإذا كان المعنى المستنتج معلومًا للمتكلم والمخاطب فإن هذا الاستنتاج يدخل في إطار الافتراض المسبق، أما إذا كان المعنى المستنتج غير معروف للمخاطب مسبقًا فإن الاستنتاج يدخل في إطار تضمن المحادثة الذي ربطه (غرايس) بمبدأ التعاون.


------------------------
1- عبدالرحمن، طه.اللسان والميزان أو التكوثر العقلي.ط1. المركز الثقافي العربيّ،1998، ص243-246.
وترجمته فرانسواز بـ "قم بمساهمتك في التواصل، بالطريقة التي يتخذها الهدف التواصلي، المخوض في الفترة اللازمة، انظر أرمينكو، المقاربة التَداوليّة ، ص 53 و ترجمه عادل فاخوري بـ "اجعل مشاركتك على النحو الذي يتطلبه، في مرحلة حصولها، الغرض أو المآل المُسلم به من التخاطب المعقود" انظر فاخوري ، عادل. الاقتضاء في التداول اللّساني، ص 146 ، وترجمه صلاح إسماعيل بـ "اجعل إسهامك التخاطبي كما يتطلبه- عند المرحلة التي يحدث فيها – الغرض أو الاتجاه المقبول لتبادل الكلام الذي تشارك فيه".انظر إسماعيل، صلاح. النظرية القصدية. ص 87، وفي الموسوعة اللغوية ورد بصيغة "اجعل إسهامك بقدر ما هو مطلوب، في المرحلة التي يحدث فيها، من خلال الغاية المقبولة للمناقشة التي تجريها" انظر جيغري ليش، و جيني توماس الموسوعة اللغوية، المجلد الأول. ( االلغة والمعنى والسياق، البراغماتية المعنى في السياق). ص180.
2- عبد الرحمن، طه. اللسان والميزان، ص238.
3-الحسن، شاهر. علم الدلالة السمانتيكية والبراجماتية في اللغة العربيّة ، ص 168-169.
ويرفض (جيفري ليش)(1) ما يعتقده العديد من المعلقين أن مبدأ التعاون عند (غرايس) مبني على نزعة إنسانية تعاونية. ويرى أن مبدأ التعاون هو ببساطة وسيلة لشرح كيفية وصول الناس للمعاني.
لقد استعمل (غرايس) مصطلح "المعنى الضمني"(2) للحديث عما يمكن أن يوحي به المتكلم فوق ما يصرح به ظاهر كلامه، والمعنى الضمني يعتمد أساسا على مبدأ عام يسمى مبدأ التعاون.
إن الهدف من مبدأ التعاون الذي وضعه (غرايس) أنّه أراد أن يضع ضوابط يحقق بها المتكلم فائدة للمخاطب، أو يقيس بها المحلل مدى تحققها اعتمادًا على تمسك المرسل بها.
وبما أن مبدأ التعاون يهدف إلى غاية تبليغية نقصدها من وراء خطابنا وترتكز بشكل أساسي على دور المتكلم، وما يقدمه من معلومات تساعد مخاطبه على إدراك ما ينوي قوله، أو ما تقوله كلماته .
فلا شكّ أن العمليّة التواصليّة تحتاج إلى شيء من البحث الدقيق الجاد، فمن المعروف أن مبدأ التعاون هو ما أسماه (غرايس) بـ "حكم المحادثة"، الذي يفترض أن يكون هناك متكلم ومخاطب و عناصر أخرى- قد تكون استدلالية - تساهم في إتمام العمليّة التواصليّة.





-------------------------------------
1- انظر الموسوعة اللغوية، المجلد الأول. ( االلغة والمعنى والسياق، البراغماتية المعنى في السياق) جيغري ليش و جيني توماس. ص179-181.
2- بروان، ويول. تحليل الخطاب. ترجمة محمد الزليطي، ومنير التريكي، جامعة الملك سعود. ط1. 1997م. ص 40.

و أدرك (غرايس)(1) أن هناك حالات كثيرة يخفق فيها الناس في مراعاة القواعد واحترامها، وقد ينشأ هذا الإخفاق عن تعمد الكذب وخداع الآخرين أو عدم القدرة على التعبير عن المقاصد من وراء الكلام تعبيرًا واضحًا. ولكنه صبّ جلّ جهده على الحالات التي يعجز فيها المتكلم عجزًا بينًا عن ملاحظة القواعد رغبة منه في حثِّ السامع على أن يلحظ معنى إضافيًا يختلف عن المعنى الذي تعبر عنه كلماته. هذا ويتحقق الاقتضاء التخاطبي بطريقتين: الطريقة الأولى هي الامتثال لقواعد التخاطب ومراعاتها، أمّا الطريّقة الثانيّة فهي الخروج على قواعد التخاطب وكسرها.
1 - قاعدة الكم
تعدّ "قاعدة الكم" القاعدة الأولى من قواعد التخاطب التي وضع أسسها (غرايس)؛ إذ تنص هذه القاعدة على أن تكون المساهمة إخباريّة دون زيادة أو نقصان، أي تقديم المتكلم المعلومة لمخاطبه بالقدر المطلوب. وإذا تعدّى ذلك بالزيادة أو النقصان أدى تعديه إلى خرق هذه القاعدة. هذا وقد وجدت هذه القاعدة صدى لها واستعمالا لدى الدارسين، ومن هؤلاء:
(شاهر الحسن) في كتابه "علم الدلالة السمانتكية والبراجماتية في اللغة العربيّة" وقد جاء ذكرها عنده كما يأتي(2) : "أن تكون مساهمة المتخاطبين بالقدر الكافي دون زيادة أو نقصان*"
---------------------
1- إسماعيل، صلاح. النظرية القصدية في المعنى عند بول جرايس.حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، الحولية الخامسة والعشرون، الرسالة الثلاثون بعد المئتين.200م، ص 89.
2- شاهر الحسن، علم الدلالة السمانتكية والبراجماتية في اللغة العربيّة، ص 169.
* (جيفري ليش) في " اللغة والمعنى والسياق" وجاء ذكرها كما يأتي(2): "اجعل إسهامك إخباريًا بقدر ما هو مطلوب لغرض المحادثة الجارية، ولا تجعل إسهامك أكثر مما هو مطلوب" جيفري ليش، اللغة والمعنى والسياق، ص 180. ( فيليب بلانشيه) في كتابه "التَداوليّة من أوستن إلى غوفمان"، الذي ذكرها على النحو الآتي(3): "تقول ما هو ضروري بالضبط ولا تزيد أكثر مما هو ضروري" انظر فيليب بلانشيه، التَداوليّة من أوستن إلى غوفمان، ص84. ( دومينيك) في كتابه "المصطلحات المفاتيح"، وقد أطلق عليها " الحكم الحديثية" ومن تلك الحكم "التحلي بالصدق(4)" انظر دومنيك، المصطلحات المفاتيح، ص33( صلاح إسماعيل) في كتابه ( النظرية القصدية في المعنى عند "جرايس")، إذ ترتبط مقولة الكم لديه بكمية المعلومات التي يجب تقديمها في التخاطب وتتحقق بقاعدتين "الأولى – اجعل إسهامك التخاطبي بالقدر المطلوب بغية تحقيق الأغراض الحالية للتخاطب"، والثانية –" لا تجعل إسهامك التخاطبي إخباريًا أكثر مما هو مطلوب(5)" انظر صلاح إسماعيل، النظريةالقصدية في المعنى عند جرايس، ص 88.

وتتضح كمية المعلومات التي يقدمها الرضيّ لمخاطبه لاستمرار العملية التواصلية في قوله(1):"..وقد تعطف مضارعا على مضارع، وهو قليل نحو: أقوم، لا أقعد، والمجوّز: مضارعته للاسم، فكأنك قلت: أنا قائم لا قاعد".
فسر الرضيّ قلة هذا (أي عطف المضارع على المضارع بلا النافية) ومخالفته على أساس أن التبليغ بالجملة الاسمية، التي تفيد الإثبات ساعة التكلم، غير التبليغ بالمضارع الذي من شأنه أن يفيد تزجية الحدث شيئا فشيئًا، أو أن الحدث مما هو نعت، ووقوعه على نحو متكرر يمكن أن يحمل هذا على "مبدأ التعاون".
وفي موطن آخر يقول الرضيّ(2): "فلا تقول: جاءني العبد كله، وذهب زيد كله، فإن أجزاء العبد لا تفترق بالنسبة إلى المجيء، بأن يجيء بعض منه، ولا يجيء الباقي. فعلى هذا القياس: لا يقال: اختصم الزيدان كلاهما، لأن (الزيدان) لا يصح افتراقهما بالنظر إلى الاختصام، إذ هو لا يكون إلا بين اثنين أو أكثر، فلا يصح أن يقال اختصم زيد وحده".
فسر الرضيّ عدم جواز التركيب (جاءني العبد كله، وذهب زيد كله)- من حيث تضمنه التوكيد بـ ( كل)- بالاستناد إلى ما هو متعارف عليه بين أبناء البيئة اللغوية بأن أجزاء العبد لا تفترق بالنسبة إلى المجيء والذهاب وهذا أمر يفترض- تداوليًا – أن كلاً من المرسل والمتلقي في البيئة الواحدة يعلمه ويبني على أساسه كلامه التبليغي.




----------------------------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 6 /187.
2- السابق 3/10.
وفسر عدم جواز (اختصم الزيدان كلاهما)- من حيث التوكيد بـ (كلا)- بأن فعل الاختصام يحدث بين اثنين، وزيادة (كلاهما) على التركيب تعطي معنى مخالفا للمعنى المتضمن في (اختصم)، فالتبليغ بإضافة (كلاهما) أو (وحده) في (اختصم زيد وحده) مخالف للعرف اللغوي، و مخالف لقواعد التخاطب؛ لأن المخاطب على معرفة تامة بما يفيده فعل الاختصام.
من هنا كانت إضافة ألفاظ مثل (كله) و (كلاهما) و (وحده) تتعارض مع ما يعرفه كل من طرفي الخطاب عن الكيفية التي يجب أن يَرِدَ عليها التركيب بالاستناد إلى طبيعة معناه، ذلك المعنى المقتضي لوجود طرفين لتحققه.

* بيان مواضع دخول الفاء في جواب الشرط
وفي سياق حديثه عن (بيان مواضع دخول الفاء في جواب الشرط)، يقول الرضيّ(1): "ولا يصدّر الماضي شرطًا بلا ، فلا يجوز؛ (إن لا ضرب ولا شتم)، لقلة دخولها في الماضي.
فعلى هذا لا تقول: إن ستفعل، وإن لن تفعل، وإن ما تفعل، وإن قد فعلت وإن قد تفعل، وإن ما فعلت".
تفسيره يستند إلى أن معلومات مشتركة يفترض بطرفي الخطاب أن يكونا على علم بها على نحو ييسر التواصل بينهما تيسيرًا يقوم على "مبدأ التعاون" الذي يقضي بعدم احتواء التركيب على معلومة تتعارض مع ما استقر لدى أبناء البيئة اللغوية من كيفيات التراكيب والمعاني التي يفترض أن تؤديها.


------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 5/12.

* تأنيث ألفاظ العدد باعتبار المعدود
وفي سياق حديثه عن ( تأنيث ألفاظ العدد باعتبار المعدود)، يقول الرضيّ(1): "أمّا جمع المذكر السالم فلا يقع مُمَيِّزًا للعدد عند سيبويه، إن كان وصفًا، إلا نادرًا، فلا يقال: ثلاثة مسلمين، ولا ثلاث مسلمات، إذ المطلوب من التمييز تعيين الجنس، والصفات قاصرةٌ في هذه الفائدة، إذ أكثرها للعموم، فلذا لا نقول في الجمع المكسَّر وصفًا: ثلاثة ظرفاء".
فسر ندرة وقوع جمع المذكر السالم مميزًا للعدد في حال كونه وصفًا على أن التبليغ بالتمييز يعتمد على تعيين الجنس، وأن الصفات تخلو من هذه الفائدة (تعيين الجنس) بالإضافة إلى أن أكثرها يعتمد على العموم؛ لذلك لم يجز أيضا في الجمع المكسرَّ (ثلاثة ظرفاء) لعدم تحقق الفائدة المرجوة من الجمع (جمع المذكر السالم وجمع التكسير). وهذا يعني ضرورة تجنب طرفي الكلام لما يقلل من فائدة الكلام كالتمييز بالوصف الذي لا يعتني عادة بتعيين الجنس الذي يفتقر إليه العدد.

2 - قاعدة الكيف
تعدّ قاعدة الكيف القاعدة الثانية من قواعد التعاون التي وضع أسسها (غرايس)؛ إذ تنص هذه القاعدة على "لا تقل ما تعلم كذبه، ولا تقل ما ليس لك عليه بينة(2)". وهناك من ترجمه بالنوعية من مثل شاهر الحسن، إذ يقول(3): "قاعدة النوعيّة: (Maxim Of Quality)، وتنص على أن تتصف مساهمة المتخاطبين بالصحة، فلا تحتوي أفكارًا أو شيئًًا لا تعززه الشواهد".

--------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 4/244.
2- عبد الرحمن، طه. اللسان والميزان. ص 238.
3- شاهر الحسن، علم الدلالة السمانتيكية والبراجماتية في اللغة العربيّة، ص169.
يقول الرضيّ(1): "واعلم أنه لا يجوز نحو: (مَن عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين) على القطع؟ لأنّك لا تثني إلا على مَن أثبته وعلمته، ولا يجوز أن تخلط مَن تعلم بمن لا تعلم، فتجعلهما بمنزلة واحدة".
فسر الرضيّ عدم جواز (مَن عبدالله وهذا زيد الرجلين الصالحين) على القطع؟؛ بأن التبليغ يقوم على معرفة المتكلم بما هو ثابت ومعلوم لديه، وهذا يتطلب من المتكلم عدم خلط من يعرف بمن لا يعرف، فالمسؤول عنه في قوله (مَن عبدالله) غير معروف لدى المتكلم، في حين أن إشارته إلى زيد (هذا زيد) يعني أن المذكور معروف لديه. من هنا كان استعمال النعت المقطوع غير مناسب لأنه يقدم معلومة غير صحيحة، أو معلومة تحتوي على ما يتناقض، أو على من لا يعرفه المرسل. فلم يجز التركيب السابق بناء على عدم وجود البينة في الجمع بين شيئين الأول يعلمه المتكلم والثاني يجهله.
* وفي سياق حديثه عن (الصلة والعائد)، يقول الرضيّ(2): "إن الصلة ينبغي أن تكون معلومة للسامع في اعتقاد المتكلم قبل ذكر الموصول، على ما تقدم: أن الحكم الذي تضمنته الصلة، ينبغي أن يعتقد المتكلم في المخاطب أنه يعلم حصوله للموصول، فلا يقال: (أنا الذي دوخ البلاد) إلا لمن يعلم أن شخصّا دوّخها".
فسر الرضيّ عدم جواز (أنا الذي دوخ البلاد) على أساس أن الصلة يجب أن تكون معلومة للسامع في اعتقاد المتكلم قبل ذكر الموصول، وأن الحكم الذي تضمنته الصلة معروف لدى المخاطب حسب اعتقاد المتكلم، فهو على هذا لم يجز (أنا الذي دوخ البلاد) إلا في ظل ظرف يتساوى فيه المتكلم والمخاطب في العلم بمن يصفه الموصول مع صلته.

-------------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 3/48.
2- السابق 3/241
3- قاعدة علاقة الخبر*
تنص هذه القاعدة على "لِيُناسِبْ مقالُكَ مقامَكَ(1)". بمعنى آخر (كن ملائما)، ويترجم عادل فاخوري هذه القاعدة بـ (مقولة الإضافة)، وتنفرد بقاعدة واحدة ، وهي(2): "اجعل مشاركتك ملائمة". ويرى أن هذه المقولة المجملة تخفي كثيرًا من المشاكل منها(3):
أ- معرفة طرق افتتاح الكلام،
ب- ومعرفة أنواع التدخل المناسب،
ج- وتغيير موضوع المحادثة،
د- وحسن التخلص واختتام التخاطب.
* نائب الفاعل
يقول الرضيّ في سياق حديثه عن (نائب الفاعل)(4): "وكذا تشترط الفائدة المتجددة في كل ما ينوب عن الفاعل، فلا يقال: ضُرب شيء، وجُلس مكانٌ أو زمانٌ أو في موضع، لأن هذه الأشياء معلومة من الفعل ولا فائدة متجددة في ذكرها".
فالأصل في الكلام حصول الفائدة وتشترط الفائدة المتجددة في كل خبر عن الفاعل، ففسر عدم جواز (ضُرب شيء) بأنه معلوم من الفعل ولا فائدة متجددة في ذكره، فكل خبر معلوم لدى المتلقي، أو مثله لا ينكر، يعني ذلك أن المتكلم لم يقدم للمتلقي ما يفترضه تداول الكلام من فوائد تستدعي من المتلقي ردودا أو مواقف.

----------------------------
* فقد ورد ذكرها عند مسعود صحراوي في كتابه "التَداوليّة عند العلماء العرب، ص33، على النحو الآتي: "مسلمة الملاءمة: وهي عبارة عن قاعدة واحدة: "لتكن مشاركتك ملائمة".
1- عبد الرحمن، طه. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص 238 .
2- فاخوري، عادل."الاقتضاء في التداول اللّساني" عالم الفكر(1989):147.
3- السابق، نفس الصفحة.
4- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 1/216.
ولما كانت مثل الأخبار المذكورة، أعلاه، مما هو معلوم أو مما لا يُنكَر مثلُه، انتفت الفائدة واقتضى التحليل التَداوليّ الحكم على مثلها بعدم الفائدة نظرًا إلى أن قاعدة "اجعل مشاركتك ملائمة" لم تتحقق، وعليه يكون المتكلم قد خرق قاعدة الخبر القائلة "لِيُناسِبْ مقالُكَ مقامَكَ"
*خصائص أفعال القلوب
وفي سياق حديثه عن (خصائص أفعال القلوب)، يقول الرضيّ(1): "اعلم أن حذف مفعولين معًا في باب أعطيت، يجوز بلا قرينة دالة على تعيُّنهما فتحذفهما نسيا منسيًا، تقول: (فلان يُعطي ويكسو)، إذ يستفاد من مثله فائدة من دون المفعولين، بخلاف مفعولي باب (علمت وظننت) فإنك لا تحذفهما معا نسيا منسيا، فلا تقول: (علمت، ولا ظننت) لعدم الفائدة، لأنه من المعلوم أن الإنسان لا يخلو في الأغلب من عِلْم أو ظَنّ، فلا فائدة في ذكرهما من دون مفعولين".
فقد فسر عدم جواز حذف مفعولي (علمت، و ظننت)؛ بأن البيئات اللغوية لا تخلو من استعمال هذين الفعلين (علمت، وظننت). فبدون ذكر المفعولين لا يتحدد قصد المتكلم من خطابه.
فالتبليغ قائم على ذكر الفائدة من الخطاب، ولا تتحقق الفائدة إلا بذكر المفعولين حتى يتمكن السامع من إدراك ما يقصده المتكلم من خطابه. فأن يكون من إنسان معين إعطاء و كساء للآخرين فذلك مما قد يُنْكَرُ مثله، ولو لم يُذْكَر مفعولا كلٍّ من الفعلين، غير أن وقوع العلم أو الظن من إنسان مما لا ينكر مثله، ولا ينكر مثله إلا بقيد مفعولي كل منهما. وعليه لا تكون المشاركة ملائمة بعدم ذكر مفعولي (علم) و (ظن)، في حين تكون المشاركة ملائمة في الإبلاغ بكلٍّ مـِن (يعطي) و (يكسو) ولو لم يذكر مفعولا كل. وعليه يكون الإبلاغ بمجرد (العلم) و (الظن) غير مقبول تداوليًا، في حين هو مقبول تداوليًا عند الإبلاغ بمجرد (الإعطاء) و (الكساء).

--------------------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 5/164.
4 - قاعدة جهة الخبر*
وهذه القاعدة لا تهتم كسائر القواعد بما هو مقول أو منطوق، بل بكيفية قوله أو النطق به(1). وتضم هذه القاعدة عدة قواعد(2):
أ-لتحترز من الالتباس.
ب-لتحترز من الإجمال.
ج- لتتكلم بإيجاز.
د- لترتب كلامك.
تتجلى القواعد السابقة الذكر، التي وضعها (غرايس)، على نحو ما في كلام الرضيّ في شرحه على كافية ابن الحاجب، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي: يقول الرضيّ(3): "أما إذا ألبس، فالمطابقة لا غير، فلا يجوز: (زيد طيب أبًا) وأنت تريد آباءً أو أبوين، وكذا لا تقول: (طاب زيد دارًا) وأنت تريد دارين، قال تعالى:" وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيونًا(4)"، وأمّا قول الحطيئة: [البسيط]

والأَكْرَمِين إذَا ما يُنْسَبُون أبًا(5)

فإنما وُحِّد الأبُ فيه، لأنهم كانوا أبناء أبٍ واحد".

---------------------------
* فقد ورد ذكر هذه القاعدة عند مسعود صحراوي في كتابه "التَداوليّة عند العلماء العرب، ص34، على النحو الآتي: "مسلمة الجهة، التي تنص على الوضوح في الكلام وتتفرع إلى ثلاث قواعد فرعية: أ- ابتعد عن اللبس، ب- تحرّ الإيجاز، ج- تحر الترتيب.
1- فاخوري، عادل. الاقتضاء في التداول اللّساني، ص 147.
2- عبد الرحمن، طه. اللسان والميزان، ص 238-239.
3- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 2/113
4- سورة :القمر آية : 12
5- ديوان الحطيئة.ط1. شرح يوسف عيد، دار الجيل: بيروت، 1992م. قصيدة ( طَافت أمامُهُ بالبركانِ) البيت 19، ص 25، وجاء الشطر الأول جاء في الديوان على النحو الآتي: سِيري أمَامَ فإنَّ الأَكْثرِيْنَ حَصًى.
هكذا فسر الرضيّ عدم جواز (زيد طيب أبًا، وطاب زيد دارًا) بناء على عدم مطابقته لقصد المتكلم. هذا الإجمال الذي قد يقوم به المتكلم يؤدي إلى الالتباس، فيظن أن أبًا واحدًا قد طاب من آبائه لأن المعنى الذي يصل إليه المتلقي لن يكون هو مراد المتكلم. فالمتكلم يقصد الجمع أو التثنية.
أما إجازة الرضيّ الإفراد في قول الحطيئة: (والأكرمين إذا ما ينسبون أبًا) فلأن المقصود بـ (أبًا) أنهم أبناء أبٍ واحد، فلا داعي للتثنية أو الجمع.

* خبر كان وأخواتها
وفي سياق حديثه عن (خبر كان وأخواتها)، يقول الرضيّ(1): "فممّا قيل: إنه من خصائص ما ذهب إليه ابن درستويه، وهو أنه لا يجوز أن يقع الماضي خبر كان، فلا يقال: (كان زيد قام*)، ولعلّ ذلك لدلالة كان على المضيّ، فيقع المضيّ في خبره لغوًا، فينبغي أن يقال: (كان زيد قائمًا أو يقوم). وكذا ينبغي أن يمنع نحو: (يكون زيد يقوم) لمثل تلك العلة سواء".
لقد فسر الرضيّ عدم جواز (كان زيد قام، ويكون زيد يقوم) بالاستناد إلى ترتيب الكلام، فلا يجوز الإخبار عن (كان) بالماضي لأن (كان) دالة على الماضي، ولا يجوز الإخبار عن (يكون) بالمضارع لأن (يكون) دالة على الحاضر أو التجدد. فعلى هذا يكون التبليغ بترتيب الكلام على نسق يكون فيه الإخبار مخالفا لزمن الفعل (كان، يكون).


----------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 2/198.
* قد ورد في كلام القدماء مثل ( كان قَتَل). ومثل هذا، في الواقع، مقبول لأن فيه إشارة لماض بعيد في سياق الإشارة إلى حدث ماضٍ غير أنه أقرب من ذلك.
* لا يسوغ الفصل إلا لتعذر المتصل
وفي سياق حديثه عن (لا يسوغ المنفصل إلا لتعذر المتصل)، يقول الرضيّ(1): "ولا يجوز أن تقول: (الذي علمته زيدًا أبوك)، ولا: (الذي أعطيته زيدًا عمرو) لأنه يلتبس المفعول الثاني بالأول فأمّا إذا لم يلتبس، فالاتصال في باب (أعطيت) أولى، والانفصال في باب(علمت)، كما إذا أخبرت عن المفعول الثاني في: (أعطيت زيدًا درهمًا)؛ فقولك: (الذي أعطيته زيدًا درهم) أولى من قولك: (الذي أعطيت زيدًا إيّاه درهم)، لأنك تقدر على المتصل بلا مانع من فساد اللفظ والمعنى. ومَن جوّز المنفصل، فتوطئة لإزالة اللبس في المفعولين اللذين يحصل فيهما اللبس بالاتصال نحو: أعطيت زيدًا عمرًا".
لقد فسر عدم جواز (الذي علمته زيدًا أبوك، و الذي أعطيته زيدًا عمرو) بالتباس المفعول الثاني بالأول، من حيث كان كل من المفعولين يصلح أن يكون مفعولاً أول أو مفعولا ثانيًا. وعلى هذا يخلو الكلام من الترتيب المناسب الذي يمنع اللبس، و "الترتيب" أحد القواعد الجزئية المتفرعة عن قاعدة "جهة الخبر". وإن قدرة المتكلم على الإتيان بالتركيب مرتبًا على نحو يزيل اللبس أولى بل ألزم ، فالتبيلغ يجب أن يكون واضحا.
ويرى الرضيّ أن استعمال التركيب (الذي أعطيته زيدًا درهم) أولى من استعمال التركيب (الذي أعطيت زيدًا إيّاه درهم) لأن التقدير على المتصل لا يترتب عليه فساد اللفظ والمعنى: فساد اللفظ من حيث كان اتصال الضمير بالفعل ممكنًا، وفساد المعنى من حيث إمكان (إياه) على غير (درهم).


------------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 3/171-172.

ثانيًا – مبدأ التأدب
يعد التأدب المبدأ الثاني الذي ينبني عليه التخاطب بعد مبدأ (التعاون)، فقد أرست قواعده(1) "روبين لاكوف" في مقالتها الشهيرة "منطق التأدب"، وصيغته "لتكن مؤدبًا"، ويقتضي هذا المبدأ التزام المتكلم والمخاطب، في تعاونهما على تحقيق الغاية التي من أجلها دخلا في الكلام، من ضوابط التهذيب ما لا يقل عما يلتزمان به من ضوابط التبليغ.

* قواعد التخاطب المتفرعة على مبدأ التأدب
لقد فرعت "لاكوف" على "مبدأ التأدب" القواعد التهذيبية الثلاث الآتية: قاعدة التعفف، وقاعدة التشكيك، وقاعدة التودد. وستقتصر الدراسة على دراسة القاعدتين (قاعدة التشكيك، و قاعدة التودد)، وإهمال قاعدة التعفف*.


-----------------------------
1- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص 240.
* تنص قاعدة التعفف على " لا تفرض نفسك على المخاطب"؛ إذ توجب قاعدة التعفف على المتكلم ألا يستعمل من العبارات إلا ما يمكنه من حفظ المسافة بينه وبين المخاطب، وهذا يتطلب عدة أمور على النحو الآتي:
أ- المتكلم لا يفاتح مخاطبه بما يكشف أحوال أحدهما للآخر،
ب- و يتجنب المتكلم الصيغ التي تحمل دلالة وجدانية مثل أفعال القلوب،
ج- المتكلم لا يحمل مخاطبه على ما يكره،
د- ويحترز المتكلم من استعمال عبارات الطلب المباشر،
ه- ولا يقتحم عليه شؤونه الخاصة إلا بالاستئذان قبل الكلام فيها والاعتذار بعده. انظر طه عبد الرحمن اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص240. وقد آتر ترجمة اللفظة الأجنبية "Formality" باللفظة العربيّة" التعفف"، وإن كان المقابل الحرفي هو: "التأدب بالآداب العامة"، وذلك لما في مصطلح التعفف من معنى عدم الإلحاح على الغير. ولم تجد الدراسة في تحليلات الأستراباذي ما يعين في التمثيل لـ "قاعدة التعفف" في الدرس التَداوليّ.
1- قاعدة التشكيك
وتنص هذه القاعدة على "لتجعل المخاطب يختار بنفسه"(1)، وتقتضي هذه القاعدة(2) بأن يتجنب المتكلم أساليب التقرير ويأخذ بأساليب الاستفهام كما لو كان متشككا في مقاصده، بحيث يترك للمخاطب مبادرة اتخاذ القرارات.
* همزة التسوية و أم التسوية
ففي سياق حديثه عن (همزة التسوية و أم التسوية)، يقول الرضيّ(3): "ولو قلت: (أزيد أفضل أو عمرو)، لم يجز، إلا إذا كان المفضول معلومًا للمخاطب، إذ المعنى: أأحدهما أفضل، وذلك إنما يكون إذا قال لك، مثلا، شخص: رجل أفضل من بكر، ثم حضر زيد وعمرو، فتقول: أزيد، أو عمرو أفضل، أي: أأحدهما أفضل من بكر".
فسر الرضيّ عدم جواز (أزيد أفضل أو عمرو) على أساس أنّ المفضول غير معلوم عند المخاطب من حيث كان شخصًا ثالثًا غير المذكورين في التركيب، فاختيار المخاطب أفضلية أحدهما على الآخر يجب أن تكون مقرونة بما لديه من معرفة مسبقة عما يقصده المتكلم.
فالمعنى المترتب على (أأحدهما أفضل) هو وجود رجل معروف لدى المتكلم والمخاطب هو (بكر) وأنه المفضول، وعلى أساسه يطلب المتكلم من المخاطب أن يختار أفضلية (عمرو أو زيد) على (بكر) فيكون المعنى (أأحدهما أفضل من بكر)، ففي هذه الحالة يكون التركيب صحيح الاستعمال بناء على الحوار المذكور سابقًا.


-------------------------
1- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص 241 .
2- السابق، 241 .
3- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 6/186.

*معاني حروف الجر " حرف الباء"
وفي سياق حديثه عن (معاني حروف الجر "حرف الباء")، يقول الرضيّ(1): "قوله: وزائدة في الخبر والاستفهام، بهل، لا في مطلق الاستفهام، فلا يقال: (أزيد بقائم)، كما يقال: هل زيد بقائم؟".
ذكر الرضيّ جواز دخول الباء الزائدة على الاستفهام بـ (هل) وعدم دخولها على الاستفهام بالهمزة؛ لأن المعنى المترتب على الاستفهام بهل غير المعنى المترتب على الاستفهام بالهمزة؛
فوقوع زيد بعد الهمزة يجعل التكملة بـ "أم" واقعًا بعد اسم آخر ممكنًا، فيكون المراد بالاستفهام (التصور) في حين لا يقصد بالاستفهام بـ (هل) إلا التصديق؛ فاحتمال إرادة المتكلم معنى (التصور) يمنع من زيادة (الباء) في الخبر، لأنها إنما تزاد على الخبر الذي تأكد أنه خبر، وذلك يكون في التصديق لا في التصور المحتمل بعد الهمزة.
2- قاعدة التودد
تنص هذه القاعدة على "لتُظْهِر الود للمخاطب"(2)، وتوجب هذه القاعدة على المتكلم(3) أن يعامل المخاطب معاملة الند للند أي أن يجعل المتكلم مخاطبه في مستواه – وهو يخاطبه- فلا يشعره بأنه (أي المخاطب) أدنى منه (أي من المتكلم)؛ إذ لا تفيد هذه المعاملة إلا إذا كان المتكلم أعلى مرتبة من المستمع أو في مرتبة مساوية مرتبته، ومتى قام المتكلم بشروط المعاملة بالمثل، مستعملا لذلك الأدوات والأساليب، والصيغ التي تقوي علاقات التضامن بينهما نحو استخدام ضمير المخاطب. فالمخاطب يأنس ويطمئن اطمئنانا إلى ما يبديه له المتكلم من ثقة وعناية.

------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 6/27.
1- طه عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص241.
2- انظر السابق نفس الصفحة.
* الجوامد الواقعة صفة
وفي سياق حديثه عن (الجوامد الواقعة صفة)، يقول الرضيّ(1): "ويجوز على ضعف: (أنت المرء كلَّ الرجل وجدَّ الرجل وحقَّ الرجل). ولا تتبع غير الجنس، فلا يقال: (أنت زيد كل الرجل...) وذلك لأن الوصف بهذه الألفاظ الثلاثة كالتأكيد اللفظي، فلهذا لم يحسن أنت المرء كلّ الرجل، وليس في زيد معنى الرجوليّة حتى يؤكد بكلّ الرجل".
يرى الرضيّ أن الوصف بهذه الألفاظ الثلاثة (كلّ، وجدّ، وحقّ) كالتأكيد اللفظي، فالتأكيد عبارة عن تمكين المعنى في نفس المخاطب وإزالة الاحتمال في التأويل، إذ ليس مناسبًا أن يُقال (أنت زيد كلّ الرجل) لأن لفظ (زيد) لا يوحي بمعنى الرجولية حتى يؤكد بها، فالتأكيد تقوية المعنى في الذهن، ولفظ (زيد) لا يفيد معنى الرجولية ليكون في التأكيد بـ (كلّ الرجل) تقوية لمعنى سابق (هو الرجولية) لم يؤده لفظ (زيد).

* فعل التعجب
وفي سياق حديثه عن ( فعل التعجب)، يقول الرضيّ(2): "ثم إن الزجاج اعتذر لبقاء (أحسن) في الأحوال، على صورة واحدة بكون الخطاب لمصدر الفعل، أي: (يا حُسن أحسن بزيد)، وفيه تكلف وسماجة من حيث المعنى، وأيضا، نحن نقول: (أحسن بزيد يا عمرو)، ولا يخاطب شيئان في حالة واحدة إلا أن نقول: معنى خطاب الحسن قد انمحى. ويجب كون المتعجب منه مختصّا، فلا يقال: (ما أحسن رجلا)، لعدم الفائدة، فإن خصصته بوصف نحو: (رجلا حاله كذا)، جاز".


---------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 3/17.
2- السابق 5/252.
يرى الرضيّ أن الخطاب لمصدر الفعل فيه تكلف وسماجه من حيث المعنى، وأن التكلف والسماجه لا ينسجمان مع المخاطب، فالمتكلم يوجه خطابه لمصدر الفعل (يا حسن أحسن بزيد)، ولا يخاطب شيئان في حالة واحدة إلا إذا كان في ذهن المخاطب والمتكلم أن خطاب الحسن قد انمحى، في هذه الحال يمكن الحكم على صحة التركيب، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون المتعجب منه مختصا حتى تتم الفائدة، فعندما يتعجب المتكلم من أمر ما يقول (ما أحسن رجلا) لا تتحق الفائدة، وحتى يصبح الأمر مفيدا بالنسبة للمخاطب على المتكلم أن يخصص المتعجب منه بالوصف (ما أحسن رجلا حاله كذا)، فبهذا الوصف تتحق الفائدة لدى المخاطب.

ثالثًا - مبدأ القصد (الغرض)
يراد بالقصد: (الغاية التواصلية التي يريد المتكلم تحقيقها من الخطاب وقصده منه). فقد فرق أبو هلال العسكري بين القصد والإرادة(1) "أن قصد القاصد مختص بفعله دون فعل غيره، والإرادة غير مختصة بأحد الفعلين دون الآخر، والقصد أيضا إرادة المتكلم الفعل في حال إيجاده فقط وإذا تقدمته بأوقات لم يسم قصدا ألا ترى أنه لا يصح أن تقول قصدت أن أزورك غدا".
فالقصد -كما يرى العسكري- قائم على فعل المتكلم وإرادته له في وقته الذي ينطق به، ويرى طه عبد الرحمن(2) أن مبدأ القصدية ومقتضاه "أنه لا كلام إلا مع وجود القصد، وصيغته هي: الأصل في الكلام القصد".



---------------------------
1- العسكري، أبو هلال.الفروق اللغوية. تحقيق حسام الدين القدسي. دار الكتب العلمية: بيروت،( د ت)، ص 103.
2- عبد الرحمن،طه.اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص 103.
ومما لا شكّ فيه أن ما قصده طه عبد الرحمن مطابق لما قصده أبو هلال العسكري أن المتكلم عندما يتكلم في أي موضوع كان في لحظة معينة فهو يقصد ما يقوله. فالمتكلم لا يتكلم إلا وهو قاصد وإلاّ ما الداعي للكلام؟. ففي كلّ عمليّة تواصليّة نقوم بها بشكل يوميّ يتطلب منّا الأمر قبل كلّ شيء أن نتوجه إلى الطرف الآخر "المخاطب أو المتلقي".
فقد اعتمد النحاة العرب، ولا سيما الوظيفيين منهم، على مبدأ(1) "مراعاة غرض المتكلم من كلامه" بوصفه قرينة تَداوليّة قوية في الدراسة اللغوية.
و للقصد عند أحمد بن فارس مفهوم متصل بالغرض الذي من أجله يستخدم اللفظ الموضوع للدلالة على المعنى المقصود، لذلك اعتبر أن(2) "المعنى هو القصد المراد. ويقال: "عنيت بالكلام كذا "أي: قصدت وعمدت".
ويعلق خالد ميلاد(3) على ما ذكره أحمد بن فارس أن القصد بهذا المفهوم متلبس بمعاني النحو الثواني المتولدة من استخدام النحو ومعانيه وتوخيها في معاني الكلم النظم الأغراض بحسب تلك الأحكام والمعاني.
ويضيف خالد ميلاد في موطن آخر أن القصد(4) "مفهوم يخرج النحو والإعراب من طبيعتهما الشكلية المجردة ليجعلهما يبنيان على ما ينشئه المتكلم المعرب عن علاقات مع الكون الخارجي في المقامات المختلفة . وهو مفهوم يقحم المتكلم في عمل الإعراب ويُبَوِّئُهُ في مستوى الإنجاز مركزًا محوريًا عند إنشاء المعاني".

----------------------
1- صحراوي، مسعود. التَداوليّة عند العلماء العرب. ص201.
2- ابن فارس، أحمد . الصاحبي في فقه اللغة ومسائلها وسنن العرب في كلامها. ط1.تعليق أحمد حسن بسبح. دار ا لكتب العلمية:بيروت،1997، ص 144.
3 – ميلاد، خالد، الإنشاء في العربيّة بين التّركيب والدّلالة دراسة نحويّة تَداوليّة.ط1. جامعة منوبة: تونس،2001م، ص 570.
4- السابق، ص 237.
ويرى محمود نحلة(1)أن القصد من وجهة نظر الأصوليين محدد عند المتكلم وثابت لا يتغير، وهو يتّخذ من الوسائل الكلاميّة والمقاميّة ما يعين السامع على إدراك ما يريد، ولكن مراتب السامعين تتفاوت في إدراك مقصود المتكلمين تبعا لتفاوت قدراتهم العقلية واللغوية والثقافية.
كما يرى أن القصد قد يلتبس على بعض أهل اللغة إذا وقف عند المعنى الأصلي للألفاظ دون إدراك للمعنى الاستعمالي. ويصنف عزمي إسلام المعنى صنفين أساسين هما: "المعنى الخاص بالألفاظ"، و"المعنى الخاص بالعبارة" بوصفها مركبات أو سياقات ذات معنى.
ويرى عزمي إسلام(2) أن المعنى الخاص بالألفاظ ينقسم إلى قسمين: الأول: "المعنى اللفظي" وهو خاص بمعاني الألفاظ المفردة و ما يفهم منها، وما تدل عليه، فالمعنى اللفظي طبقًا لرأي الجرجاني هو المفهوم أو الدلالة. أمّا الثاني: فهو "المعنى السياقي" يتعلق بمعاني الألفاظ حين ترد وتنتظم في سياقات هي الجمل والعبارات المختلفة.
و يذكر عزمي إسلام(3) أن معنى الصورة اللغوية عند بلومفيلد هو الموقف الذي ينطق فيه المتكلم بها، والاستجابة التي تحدثها تلك الصورة اللغوية في السامع فالمعنى عنده في هذه الحالة يتلخص في الموقف (situation)، فضلا عن استجابة لهذا الموقف.
ويرى القاضي عبد الجبّار(4) "أن القصد شرط في بلوغ الكلام تمامه على نفس مستوى الاعتبار الذي للمواضعة معتمدًا على ملاحظة أنّ الكلام في الشاهد يكون أمارة لما يريده المتكلم بحيث يكون دليلا على مقصود المتكلم وعلى أن المتكلم أراد أن يبلغ مراده بمقصوده".

--------------------------
1- محمود نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص 91،89.
2- انظر عزمي إسلام ، مفهوم المعنى دراسة تحليلية، ص 26.
3- السابق، ص 38.
4- القاضي، أبو الحسن عبد الجبار.المغني في أبواب التوحيد والعدل.ط1. تحقيق أمين الخولي،مطبعة دار الكتاب:وزارة الثقافة،1960، 16/350 .

فالكلام(1)- كما يرى عبد السلام المسدي- يختلف قوة وضعفًا بحسب علمنا واعتقادنا في حال المتكلم، فإذا قوي عندنا أنه ممن لا يُلبس ولا يكذب قوي في كونه أمارة فلو لم يكن من حقه أن يدلّ إذا علم من حال المتكلم ما وصفناه لم يجب أن يقوي الظنّ عنده، لأنّ كونه أمارة في هذا الوجه كالتابع دلالة أو لكونه طريقا للعلم.
وقد أشار حميد لحميداني(2) إلى وجود ألفاظ ومصطلحات تدل على القصد، وهي خاصة بالمتكلم، من مثل: أراد، عمد، المراد، المقصود، الفائدة، الغرض، التدقيق.
وقد اتخذ مهفوم القصد في النظرية اللغوية العربيّة أبعادًا مهمة ووجوها من الاتساع والضيق تختلف باختلاف السياقات النظرية التي استخدم فيها.

* العبارات الدالة على قصد المتكلم في شرح الكافية:
لقد تداول الرضيّ كلمات دالة على الغرض في مواطن عديدة، منها: "القصد"، و"المقصود"، و"الفائدة"، و"أراد"، و"المراد"، و"عمد". و كثيرًا ما يستعمل الفعل (يعني) مرادفًا للفعل (يقصد)، كما في الجملة (أنا أعني أن أزورك غدا(3)). واستنتج بعضهم من هذا الاستعمال أن معنى الجملة يتم تحليله في حدود قصد المتكلم(4)؛ إذ نجد الرضيّ أكثر من استخدام كلمة (أعني ، ويعني) كثرة واضحة.
ولعلنا ذكرنا في موطن سابق الفرق بين (أراد) و(قصد) بأن القصد مختص بفعل القاصد دون غيره، وإرادته الفعل في حال إيجاده فقط، والإرادة غير مختصة بأحد الفعلين دون الآخر.

-------------------------
1- المسدّي، عبد السّلام. التفكير اللّساني في الحضارة العربيّة. الدار العربيّة للكتب، 1981، ص 152.
2- انظر لحميداني، حميد." المقصدية ودور المتلقي عند عبد القاهر الجرجاني" أعمال ندوة قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية مكناس المغرب،2000.ص150.
3- عبد الحق، صلاح إسماعيل. التحليل اللغوي عند مدرسة اكسفورد.ط1. دار التنوير للطباعة والنشر، 1993، ص 279.
4- السابق نفس الصفحة.

فعلى هذا يعد القصد عنصرًا محددًا لا يمكن تجاوزه فخطوطه واضحة، وخير مثال على ذلك ما ورد في لسان العرب(1)؛ إذ يقول ابن جني: "أصل ( ق ص د) ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء، على اعتدال كان ذلك أو جَوْر، هذا أصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل".
وقد جمع الرضيّ بين القصد والفائدة والإرادة في مواطن كثيرة، ولكل من ذلك مقصد تداولي يسعى الرضيّ إلى إيضاحه من خلال عباراته المستخدمة في هذا المقام، ويجدر بنا أن نقوم بعملية رصد لهذه العبارات، ومن ثمّ تحليلها وبيان الجانب التخاطبي فيها.
و تعددت عبارات الرضيّ في الإشارة إلى القصد، أو غير القصد لإتمام العملية التواصلية القائمة على مدى عنايته بالغاية التواصلية التي يريد المتكلم تحقيقها من الخطاب، وقصده منه. وهذه العبارات على النحو الآتي :
* المبتدأ والخبر
يقول الرضيّ في سياق حديثه عن (المبتدأ والخبر)(2): "وأمّا قوله في نحو: أرجلٌ في الدار أم امرأة: إنّ التخصيص حاصل عند المتكلم، لأنه يعلم كون أحدهما في الدّار، فنقول: لو كفى الاختصاص الحاصل عند المتكلّم في جواز تنكير المبتدأ لجاز الابتداء بأيّ نكرة كانت مخصوصة عند المتكلّم، بل إنما يطلب الاختصاص في المبتدأ عند المخاطب على ما ذكروا ولو كان المجوِّز للتنكير في: (أرجل في الدّار أم امرأة) معرفة المتكلّم بكون أحدهما في الدّار للزم امتناع أرجل في الدار؟ وهل رجل في الدّار؟ وأرجل في الدّار أو امرأة؟ لعدم لفظه (أمْ) الدّالة على حصول الخبر عند المتكلّم، وعدم شيء آخر يتخصص به المبتدأ"

----------------------
1- ابن منظور، لسان العرب، مادة ( قصد).
2- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 1/227-228.
"فقوله(1): (ما أحدٌ خيرٌ منك) يعني أن وجه التخصيص فيه أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم
فقولك: (أحدٌ) عمّ جنس الإنس حيث لم يبق أحد منهم. وفيه نظر، وذلك أن التخصيص: أن يُجعل لبعض من الجملة شيء ليس لسائر أمثاله، وأنت إذا قلت: ما أحدٌ خير منك فالقصد أن هذا الحكم هو عدم الخيرية ثابت لكل فرد، فلم يتخصص بعض الأفراد لأجل العموم بشيء، وكيف ذلك، والخصوص ضدّ العموم؟ بل الحقّ أن يقال: إنما جاز ذلك لأنك عيّنت المحكوم عليه، و هو كل فَرْد فَرْد".
نلاحظ مما سبق ما يلي :
أولا- أن التخصيص حاصل عند المتكلم في عبارة "أرجلٌ في الدار أم امرأةٌ"، لأنه يعلم كون أحدهما في الدار. ولكن المتكلم لا يعرف أيهم في الدار بدليل استخدامه لفظ (أم).
ثانيًا- امتناع التخصيص عند المتكلم لعدم استخدامه (أم) في مثل :
1- أرجل في الدار؟
2- هل رجل في الدار؟
3- أرجل في الدار أو امرأة؟
ثالثًا- التخصيص أن يُجعل لبعض من الجملة شيء ليس لسائر أمثاله. فعبارة من مثل "ما أحدٌ خير منك" يقصد بها أن عدم الخيرية ثابت لكل فرد.




------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 1/227-228.
* تقديم الخبر وجوبًا
وفي سياق حديثه عن (تقديم الخبر وجوبا)، يقول الرضيّ(1): "وإذا كان تقديم الخبر يُفْهم منه معنى لا يُفْهم بتأخيره وجب التقديم نحو قولك: "تميميٌّ أنا"، إذا كان المراد التفاخر بتميم أو غير ذلك مما يقدّم له الخبر".
فسر الرضيّ جواز تقديم الخبر (تميمي) على المبتدأ (أنا) لأن مراد المتكلم التفاخر بتميم، وعليه يجوز التركيب (تميمي أنا) بناء على الغرض المراد (أي التفاخر بأنه من تميم) على العكس من قوله (أنا تميمي).

* وقوع الحال جملة
ويقول الرضيّ(2): "والإنشائية إمّا طلبية أو إيقاعية بالاستقراء، وأنت في الطلبيّة لست على يقين في حصول مضمونها، فكيف تخصص مضمون العامل بوقت حصول ذلك المضمون؟ وأمّا الإيقاعية نحو: بعتُ، وطلّقت، فإن المتكلم بها لا ينظر أيضا إلى وقت يحصل فيه مضمونها، بل مقصوده مجرّد إيقاع مضمونها، وهو مناف لقصد وقت الوقوع؛ بلى، يعرف بالعقل، لا من دلالة اللفظ: أنّ وقت التلفظ بلفظ الإيقاع: وقت وقوع مضمونه".
تظهر عناية الرضيّ بمقصد المتكلم من الأفعال "بعت، وطلقت" أن المتكلم عندما ينطق بهذه الأفعال يقصد ما تقوله هذه الأفعال في تلك اللحظة لأن المخاطب لا يعرف مضمون الجملة إلا بعد ذكرها، فبنطق المتكلم تحصل الفائدة لدى المخاطب.


----------------------
1- شرح الرضيّ على كافية ابن الحاجب 1/259
2- السابق 2/81 .
هذا الكلام يؤكد ما سبق من أن أول دلائل المضمون الذي قد ينبني عن القصد هو التركيب المنطوق. من هنا كان لا بدّ من عناية المتكلم ببناء التركيب، وعناية المتلقي العناية الأولى بالتركيب وتحليله للوصول إلى المضمون فالمقصود.
ومن العبارات الدالة على القصد، قول الرضيّ(1): "قلنا: إن كل واحد من المبتدأ والخبر متقدّم على صاحبه من وجه متأخر عنه من وجه آخر، فإذا اختلفت الجهتان فلا دور. أما المبتدأ فلأن حق المنسوب أن يكون تابعًا للمنسوب إليه، وفرعا له، وأما تقدّم الخبر فلأنه محطّ الفائدة، وهو المقصود من الجملة، لأنك إنما ابتدأت بالاسم لغرض الإخبار عنه، والغرض وإن كان متأخرًا في الوجود إلا أنه متقدّم في القصد، وهو العلّة الغائية، وهو الذي يقال فيه: أولّ الفكر آخر العمل، فيرفع كل منهما صاحبه بالتقدم الذي فيه".
*وفي سياق حديثه عن (العطف)، يقول الرضيّ(2): "واعلم أنه تجوز المخالفة في الإعراب، إذا عرف المراد نحو: مررت بزيدٍ وعمروٌ، أي: وعمرو كذلك، ولقيت زيدا وعمروٌ، أي: وعمرو كذلك: قال:
وَعَضُّ زمانٍ يا ابنَ مَرْوانَ لمْ يَدَعْ مِنَ المالِ إلا مُسحَتا أو مُجلَّفُ(3)
المسحت: المذهب، والمجلَّف: المأخوذ الجوانب الذي بقيت منه بقيّة، فقوله: مجلف حُمِل على المعنى، إذ معنى (لم يدع إلاّ مسحتا) لم يبق من جوره إلا مسحتٌ. ويجوز أن يكون المعنى: أو هو مجلف، و (أو) منقطعة، أي: بل هو مجلف كما يجيء في حروف العطف- أو يكون (مجلَّف) مصدرا عطف على (عضّ) ، كما في قوله تعالى(4): "وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّق".
--------------------
1- شرح الرضي على كافية ابن الحاجب 1/54.
2- السابق 3/88.
3- البيت للفرزدق المجلد الثاني، ص 23 قصيدة ( عزفت بأعشاشٍ)، وقد ورد الشطر الثاني في الديوان على النحو الآتي: من المال إلا مسحتا أو مجرف.
4- سورة سبأ، آية :19 .

فسر الرضيّ جواز المخالفة في الإعراب بناء على أن مراد المتكلم من كلامه مفهوم لدى السامع، فقوله "مررت بزيد وعمرو" يفهم السامع أن ما يقصده المتكلم هو "وعمرو كذلك".
أما فيما يخص تفسيره للمخالفة الحاصلة في البيت الشعري فنجده يعتمد على الإقناع العقلي، وذلك من خلال توضيحه المقصود بالمفردات المعطوفة (مسحت أومجلّف)، ومن ثم حمل مجلف على المعنى، إذ معنى لم يدع إلا مسحتا أي لم يُبْق ِ من جوره إلا مسحتًا.
* مواضع تقديم المبتدأ وجوبًا
وفي سياق حديثه عن (مواضع تقديم المبتدأ وجوبًا)، يقول الرضيّ(1): "قوله: "أو كانا معرفتين أو متساويين" ليس على الإطلاق، بل يجوز تأخّر المبتدأ عن الخبر معرفتين أو متساويين من قيام القرينة المعنو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» العناصر التَداوليّة الأساسية في تحليل الرضيّ
» علم أولادك قواعد اللغة العربية مع برنامج ( قواعد اللغة العربية ) تعليمي ترفيهي.rar
» علم أولادك قواعد اللغة العربية مع برنامج ( قواعد اللغة العربية ) تعليمي ترفيهي
»  برنامج تحليل التواقيع بقواعد القوس والوتر .. برنامج تحليل الرسومات والأشكال
» بحث في علم التراكيب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  أروقة المدارس اللسانية :: اللسانيات البراغماتية: التداولية أوالتخاطبية-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


قواعد التخاطب في تحليل التراكيب التَداوليّة 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
النحو الحذف المعاصر العربية ننجز على موقاي مدخل التداولية مجلة الخطاب اسماعيل اللسانيات كتاب الأشياء بلال ظاهرة محمد النص الخيام النقد مبادئ البخاري العربي قواعد اللغة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | انشاء منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع