" عقدة الخواجة "
نعم ، إنها عقدة خواجة سايكلوجية تختزل نفسها بفقدان الثقة بالذات والثقافة والتفكير .. تتوزعها الثقافات الشرقية قاطبة إزاء الغرب .. الخواجة هو الذي يمثل الغرب ، وبشكل ممجوج يكاد يبعث في نفسك شعور ( العجز ) أحيانا والغثيان أحيانا أخرى ، وقد ترسخّت في الضمائر والسايكلوجيات الشرقية ، عموما ، انه الأقوى والأجمل والأعلى والعارف بكل الأمور .. فهو الوحيد الذي يملك شهادة حسن سلوك ومعرفة وتفكير وقوة . إن الطفيليين الذين يحملون هذه النزعة إنما عاشوا مقهورين أو منهزمين أو متماهين مع الجهالة أو مهتزين في التفكير .. عقدة الخواجة أن ترى الأجنبي الأوربي والأمريكي ، خصوصا ، مثلا أعلى ليس للتعلم منه ومن خبراته ، بل لكي تجد نفسك تقلّده في ما تستطيع من حركاته وسكناته .. وليس لك إلا أقواله وأفعاله .. ولما كان هو بالمقابل سريع الفهم ، فهو القادر على فهم ما تفعله إزاءك ، فربما يستهزئ بك أو ربما يضحك عليك ! وهو لا يريد عموما التكافؤ معه . وهنا ، لا أقول أننا نمتلك قوته أو معرفته أو تفكيره .. ولكن بالمقابل ، لنا ثقافاتنا وأصولنا وقيمنا .. وكثيرا ما أجد من الغربيين من يعشق روحانيات الشرق ويعجب بثقافاته كثيرا .. ولكنه ، ليس كمن أصابته لوثة ، أو تمكنّت عنده عقدة ، بحيث يغدو طفيليا في مجتمعاته التي لها ثقافاتها ومقوماتها ..
عقدة الخواجة : مرض نفسي متجذر في مجتمعاتنا
لم تنشأ عقدة الخواجة منذ وصول نابليون مصر ، بل أجدها مترسّخة في تواريخ شرقية لمجتمعات عدة منذ أكثر من ألف سنة .. وخصوصا عند العرب الذين من عادتهم احتضان الغرباء والاعتزاز بهم ، وثمة قصص عن سايكلوجيات تتذلل للأوربيين .. ويحدثنا الرحالة الأوربيون على امتداد أربعة قرون مضت ، عن حكايا تعامل العرب مع الأوربيين ، وخصوصا في البوادي والمجتمعات غير المتمدنة كيف جعلوهم ربابنة لهم ! .. وفي المدن ، عاش الخواجات معززين مكرمين في أوساط المجتمع ، وخصوصا ، عندما كانوا قد حظوا بمكانة خاصة لدى السلطات الحكومية ودوائر الدولة .. وهذا ما تخبرنا عنه تواريخ العثمانيين والصفويين والمعنيين والشهابيين والخديويين وكل الحكام السلاليين في الشرق الأوسط الحديث ..
إن عقدة الخواجه موجودة وراسخة منذ القدم ، ولكنها لم تكن مكتشفة حتى بدأ الوعي بها منذ أربعين سنة .. وغدت ذات مفاهيم مختلطة اليوم ، بكل أسف ، إذ أصبح كّل من يسعى للانعتاق من أوهام الواقع المضني ، وتناقضات الماضي العقيم ، يوصم بصاحب عقدة خواجه ، وكأن حياتنا لا تستقيم أبدا ، إلا باستمرار التقاليد البالية التي عفا عليها الزمن ! عقدة الخواجة موجودة ، ولكننا نجدها عند أناس مشوّهين أصلا ويتصنعّون المثل الغريبة ، وهم يعيشون حياتهم الشرقية بكل تفاصيلها .. إنهم يتشبهون بنماذج حياة غربية وسط بيئة لا تعرف إلا طبيعتها الشرقية المألوفة سواء كانت في مجتمعات هندية وأفغانية وإيرانية وتركية وعربية وكردية .. الخ عقدة الخواجه أجدها صارخة عند حكواتي تلفزيوني منبهر بـ ( أصدقائه ) الغربيين ، وكأن ليس هناك في بيئته العريقة أي ثقافات وأي ممثلين لها ..
ولاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم !!!!
نشرت في مجلة روز اليوسف المصرية ، 16 أغسطس 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com