نقرأ في تعليل كلمة : الإنسان ، أنه من الأنس مرة ، ومن النسيان مرة أخرى ،
ثم تكد العقول لتثبت أنه لابد أن يعود إلى واحد منهما ، وثمة اختلاف في
هذه المسألة ... والحقيقة أن المشكلة تكمن في الرغبة التي لا تريد إلا أن
تثبت واحدا من هذين المعنيين وتلغي الآخر . ماذا لو اعتقدنا أن كلمة
الإنسان من كليهما معا ، وجهها الأول الأنس الذي هو : القرب ، و الذكر ،
والحضور ، ووجهها الآخر النسيان الذي هو : البعد ، والإعراض ، والغياب ؟
وهناك في القرآن كلمتان تعبران عن هذين الوجهين من المعنى في الإنسان خير
تعبير ، وهما : الذكر ، والنسيان .وهما درجات مختلفة على خط ممتد ... في
طرفه الأيمن كلمة الرحمان ، وفي طرفه الأيسر كلمة الشيطان ، والإنسان يتدرج
بينهما صعودا باتجاه الذكر نحو الرحمن ، أو هبوطا باتجاه النسيان نحو
الشيطان . وأكتفي بإيراد هذه الآيات السبع الكريمات من بين آيات القرآن
الكثيرة في هذه المسألة :
ـ ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين .
ـ فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره .
ـ اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه .
ـ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله .
ـ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه .
ـ وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين .
ـ فاذكروني أذكركم .
الإنسان علامة لا يمكن أن نفهمها إلا بوصفها حركة مترددة في خط ممتد ...
بين نقطتي الرحمان والشيطان ، فإذا كان الإنسان في لحظة الخلق هو: مثنى
الروح والطين ، وفي لحظة الفعل هو : مثنى الخير والشر ، وفي لحظة الاعتقاد
هو: مثنى الشكر والكفر ، أفلا يكون في لحظة الإنسانية هو مثنى الذكر
والنسيان ؟
2011-04-03, 04:35
