1- ماهية الضمير
ضمر ضمورا هزل وقل لحمه , وأضمرت المرأة ونحوها حملت , وضمه أي ذلله , وأضمر في نفسه أمرا أي أخفاه , والإضمار في العروض تسكين الحرف الثاني , كالتاء في متَفاعل , فيصير متْفاعل .
والضامر : القليل اللحم الرقيق , ويقال جمل ضامر , وناقة ضامر وضامرة . زفي التنزيل العزيز ( وأذن في الناس يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) .
والضمار الغائب . ويقال مال ضمار : لا يرجى عوده . ودين ضمار ليس له أجل معلوم , أو لا يرجى أداؤه , ووعد ضمار : فيه تسويف .
والضمر الضيق . ويقال رجل ضمر أي ضامر البطن . والضمير المخفي أو الخفي . ومنها الضمور , المضمر , والمضمار ( اسم مكان انعقاد سباق الخيل )
والضمير ( عند النحاة ) : مادل على متكلم كأنا , أو مخاطب كأنت , أو غائب كهو , والجمع ضمائر . (1)
ولا يخفى على القارئ العزيز أن القاسم المشترك بين المعاني الحسية السابقة هو الخفاء أو الإبهام : فالهزال , والحمل , وضمور البطن , والغائب : فيها نوع من الخفاء أو الإبهام .
لهذا قالت النحاة بإبهام المضمر , وافتقاره إلى ما يوضح إبهامه , ويفسره , ويحدد المقصود منه .
يقول العلامة عباس حسن : " المتكلم والمخاطب يفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام , فهو حاضر يتكلم بنفسه , أو حاضر يكلمه غيره مباشرة أما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف , لأنه غير حاضر ولا مشاهد , فلابد لهذا الضمير من شيء يفسره ويوضح المراد منه ".(1)
على أن هذا الإبهام لا يفقد الضمير تعريفه , ولا يعني أبدا أن الضمير نكرة لأن الإبهام غير التنكير .
يقول ابن الخشاب " واعلم أن الأسماء المضمرة من قبيل المعارف التي لا يصح تنكيرها , هذا على الإبهام الذي فيها , وذاك أن الاسم لا يضمر إلا بعد أن يعرف كل العرفان " (2)
(1) مجمع اللغة العربية : المعجم الوسيط ج1 (543/544)
(2)عباس حسن النحو الوافي ( 1- 255)
(3)ابن الخشاب المرتجل (284)
ويزيد هذا الأمر وضوحا ما ذكره المبرد في كتابه المقتضب :
" وإنما صار الضمير معرفة لأنك لا تضمره إلا بعدما يعرفه السامع , وذلك أنك لا يقول مررت به , وضربته , ولا ذهب , ولا شيئا من ذلك حتى تعرفه , وتدري إلى من يرجع هذا الضمير " (1).
والنص السابق يلفت نظرنا إلى قضية خطيرة لم يلتفت إليها علماء اللغة إلا في العصر الحديث ألا وهي جعل المتكلم عنصرا من عناصر الكلام , وقد رأى مالينوفيسكي فيرث " أن وصف اللغة لا يكتمل ما لم يكن معتمدا على السياق المقامي الذي ترد فيه , لأن مذهبهما يرمي إلى شرح العناصر اللغوية مستندا إلى الموقف الذي تستعمل فيه " . (2)
فالدلالة لا تنعقد للضمير بل للكلام ما لم يكن السامع على علم تام بالموقف الذي حدث فيه الكلام .
ويؤكد ابن يعيش هذا المعنى بقوله " فأنت لا تضمر الاسم إلا وقد علم السامع على من يعود" . (3)
وقد صور ببلومفيلد ذلك بالقصة المعروفة عن "جاك وجيل ":
" جيل جائعة , ترى تفاحة , تحث جاك بكلامها ليعطيها التفاحة ", فلو كانت "جيل" وحيدة في هذا المقام لتشكل لديها رغبة في تلقي مثير يدفعها إلى رد فعل , يترجم إلى حركة ملائمة تقوم بها لتحصل على التفاحة , ومن الممكن تصوير هذه العملية على النحو الآتي :
مثير (التفاحة ) ـــــــــــــ← رد فعل لغوي (مخاطبة جاك )
ونظرا لكون جاك عندها فإن المثير لا يؤدي إلى رد فعل سلوكي بل إلى رد فعل لغوي يتبلور في مخاطبة جاك الذي يرمز له بـ "ر" وتشكل الأصوات الناجمة عن هذا الخطاب مثير لغوي عند جاك "م" يدفعه إلى سلوك غير لغوي يتمثل في جلب التفاحة كما هو مبين فيما يلي : (4)
مثيرـــــــــــــ← ر استجابة .................................. مثير م ـــــــــــــــــــ← استجابة
↓ ↓ ↓ ↓
مشاهدة التفاحة مخاطبة جاك تأثير الكلام فبه جلب التفاحة
(1) المبرد المقتضب (4 -ــــ 280)
(2) فرانك بالمر مدخل إلى علم الدلالة ترجمة د0 خالد محمود جمعة (97).
(3) ابن يعيش شرح الفصل (5- 86)
(4) فانك بالمر مرجع سابق (103)
خلاصة القول أن السلوك المقامي (غير اللغوي ) الذي يتم فية الحدث اللغوي يساهم بدور كبير في تجلية إبهام الضمير , وقد أشار علماؤنا إلى ذلك .
2- مرجع الضمير
أما السياق اللغوي فقد اشتمل على عناصر لغوية تساهم هي الأخرى في توضيح الضمير , وكشف إبهامه , سماها البعض "عودة الضمير " أو "مرجع الضمير " , وأكد العلماء على ضرورة مرجع يرجع له ضمير الغائب .
ويمكن أن نجمل ما يكشف إبهام الضمير في ثلاثة مراجع :
(1) الرجوع إلى اسم سابق على الضمير في اللفظ مثل :
الحق أديته .
(2) الرجوع إلى مذكور قبله معنًا لا لفظا مثل
أيها المسلمون جاهدوا يكن خيرا لكم .
أي جاهدوا يكن الجهاد خيرا لكم .
(3) الرجوع إلى غير مذكور لا لفظا ولامعنا , إن كان مفهوما من
سياق الكلام مثل :
قوله تعالى " واستوت على الجودي " . فالضمير يعود إلى
سفينة نوح المعلومة من المقام .
إذا ما غضبنا غضبة مضرية * هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
فالضمير في قطرت دما يعود إلى السيوف التي يدل عليها سياق الكلام .
3- أنواع الضمير
أ- ضمير الشأن : " هو ضمير يلزم الإفراد والغيبة , ويختلف ضمير الشأن عن سائر الضمائر فيما يلي :
• لا يعطف عليه .
• لا يؤكد .
• لا يبدل منه .
• لا يتقدم خبره عليه .
• لا يفسر إلا بجملة اسمية خبرية .
• لا يقوم الظاهر مقامه .
• جملته المفسِّرة لها موضع من الإعراب .
ومن شواهده : قول ابن الفارض :
هو الحب فاسلم بالحشا ما لهوى سهل
فما اختاره مضنا به وله عقل .
وقوله تعالى :
( إنه من يتق ويصبر............ )
وقوله تعالى :
( إنها إن تكن مثقال حبة من خردل..............)
ب- ضمير الفصل ( القاضي ) : هو ضمير رفع منفصل يأتني لإزالة اللبس في الكلام , فبفصل بين المبتدأ والخبر , أو بين ما أصله مبتدأ وخبر .
ومن شواهده :
قوله تعالى : " كنت أنت الرقيب عليهم "(المائدة 117)
وقوله تعالى : " وكنا نحن الوارثين " (القصص 58)
ولك في أعراب هذا الضمير وجهان :
الأول : ضمير فصل مبني لا محل له من الإعراب , ويجوز إعرابه مبتدأ ثاني وخبره ما بعده , والجملة الثانية في محل رفع خبر المبتدأ الأول .
ج- الضمائر المنعكسة في اللغة العربية !!
الانعكاس هو أن يوقع الفاعل الفعل بنفسه , فيكون الفاعل مفعولا . وقد عرف النحاة العرب ظاهرة الانعكاس , وإن لم يضعوا لها مصطلحا كما وضع الغربيون .
ولقد وردت نصوص في كتب النحو تعالج هذه الظاهرة اللغوية , وتصفها وصفا دقيقا :
جاء في كتاب سيبويه : " هذا باب لا تجوز فيه علامة المضمر الخاطب , ولا علامة المضمر المتكلم , ولا علامة المضمر المحدث عنه الغائب , وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول للمخاطب : اضربْك , ولا اقتْلك , ولا ضربْتَك , لما كان المخاطب فاعلا وجعلت مفعوله نفسه قبح ذلك , لأنهم استغنوا بقولهم اقتل نفسك وأهلكت نفسك , عن الكاف هاهنا وعن إياك .
وكذلك المتكلم , لا يجوز له أن أهلكتُني ولا أُهلكُني لأنه جعل نفسه مفعوله فقبح , وذلك لأنهم استغنوا بقولهم أنفع نفسي عن "ني" , وعن "إياي" .
وكذلك الغائب لا يجوز لك أن تقول ضربه إذا كان فاعلا وكان مفعوله نفسه , لأنهم استغنوا عن الهاء وعن إيا بقولهم ظلم نفسه وأهلك نفسه , ولكنه قد يجوز ما قبح ها هنا في حسبت وظننت وخلت , وأرى وزعمت , ورأيت إذا لم تعن رؤية العين , ووجدت إذا لم ترد وجدان الضالة , وجميع حروف الشك , وذلك قولك حسبتُني ووجدتُني فعلت كذا , ورأيتني لا يستقيم لي هذا . وكذلك مأشبه هذه الأفعال , تكون علامات المضمرين المنصوبين فيها إذا جعلت فاعليهم أنفسهم كحالها إذا كان الفاعل غير المنصوب .
ومما يثبت علامة المضمرين المنصوبين هاهنا أنه لا يحسن إدخال النفس ها هنا . لو قلت يظن نفسه فاعله وأظن نفسي فاعله على حد بظنه وأظنني لتجزيء هذا من ذا لم يجزئ كما أجزأ أهلكت نفسك عن أهلكتَك ,فاستغنى به عنه 000وإذا أردت برأيت رؤية العين لم يجز رأيتُني , لأنها حين~ذ بمنزلة ضربت " (1).
ويمكن أن نستنبط القواعد الآتية كخلاصة سريعة , لأن المقام ليس مقام تفصيل :
القاعدة الأولى :
" إذا كان الضمير مفعولا أول لفعل من أفعال القلوب عائدا على الفاعل كان ضميرا منعكسا " .(2)
القاعدة الثانية :
" إذا كان الضمير عائدا على الفاعل في غير أفعال القلوب مسبوقا بكلمة نفس أو إيا كان ضميرا منعكسا " (3) .
القاعدة الثالثة :
" إذا كان الضمير عائدا على الفاعل أو نائب الفاعل في غير أفعال القلوب مسبوقا بكلمة (نفس) أو بكلمة ( إيا ) كان ضميرا منعكسا " (4)
(1) سيبويه : الكتاب 2/366- 368
(2) محمود نحلة ك الضمائر المنعكسة (12).
(3) المرجع السابق (13)
(4) المرجع السابق (23)