الأسطورة و الرمز في الشعر المعاصر( الجزء الأول )
من إعداد : عبد القادر الجزائري – الجزائر –
يشكل الموروث الحكائي العربي و العالمي أحد أهم العوامل التي شيدت معمار القصيدة العربية المعاصرة ، و تمثل الأسطورة بوصفها واحدا من أهم منابع هذا الموروث مرجعا أساسيا من المرجعيات النصية الرمزية و الفنية التي مكنت الشعر العربي المعاصر من تحقيق تقدم النوعي على المستووين المضموني و الجمالي .
و لقد شكل توظيف الأسطورة في النص الشعري نظام خاص داخل بنية الخطاب الشعري المعاصر مما أغنى التجربة الشعرية و أضفى عليها عمقا و كثافة و إيحاء ، حيث أصبح استدعاء الأسطورة ضرورة في بناء معمار القصيدة الحديثة ، ولقد مكن هذا الاستدعاء الشاعر من امتلاك ثقافة عالمية واسعة و الحصول على تراث ثقافي نهل الشاعر منه ما انسجم مع تجاربه و مشاعره و همومه اليومية . ولقد وجد الشاعر المعاصر في الأسطورة الملاذ الوحيد للهروب من خيباته ولتخطي فواجعه على المستوى الذاتي أما على المستوى السياسي كانت محاولة منه لخلق بديل جديد أكثر إشراقا وجمالا، إذ وجد في الأسطورة البؤرة التي رأى منها النور و الفرح و الحزن و الألم لأنها شكلت له حالة توازن نفسه مع محيطه و مجتمعه من خلال عملية الحلم و التخييل و الاستذكار .
الرمز و القناع في الأسطورة:
لقد غرف الشعر العربي الحديث من الموروث الثقافي ووظفه بطريقة فنية بهدف إيصال الرسالة التي ينهض بها وتبليغ المضمون الذي ينطوي عليه ، و لقد لجأ شعراؤنا إلى استحضار الأساطير البابلية و الأشورية و الفرعونية و إلى الكتب المقدسة فنهلوا منها وجعلوها سبيلا للتعبير عن خواطرهم وبسط أفكارهم ، فكان القناع و الرمز المتكأ الذي استند عليه الشعراء ليعبرا عن المتناهي و اللا متناهي من الصور المباشرة و الغير المباشرة .
و يرى د. جابر عصفور : ( بأن القناع رمز يتخذه الشاعر فيضفي على صوته نبر موضوعية شبه محايدة تنأى به عن التدفق المباشر للذات ) .
فهو قناع يبطأ من التدفق الآلي لانفعالات الشاعر ويخفف من التقاء القارئ بصوت الشاعر ويرى . بعض النقاد أن القناع أخذ ثلاثة أشكال على مستوى التوظيف.
أ- القناع الأسطوري : تجسد في شخصيات أسطورية مثل ( جوكست، أفروديت، أدونيس). ب- القناع الديني : وتجسد في شخصيات دينية مثل ( قابيل وهابي ، المسيح، أبرهة، العجل الذهبي ) .
ج- القناع التاريخي: تجسد في شخصيات تاريخية مثل( الرشيد، ذي قار، المعراج، الحلاج).