فضائحُ ( أبي الفرج الأصفهانيّ في كتـابِهِ ( الأغـاني ّ)
الدكتور أيّوب جرجيس العطيّة
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, أمّا بعدُ:
فإنّ كتاب( الأغاني ) للأصفهاني له وقعه عند أهل الأدب والتاريخ, خاصّتِهم وعامّتِهم, وله صدى أكثر من غيره من الكتب, لا لدسمه, ولكن لما حوى من أخبار متعددة وكثيرة عن الغزل والغناء والنوادر وغيرها.
ومازال الكثير منا مخدوعا بهذا الكتاب الطويل العريض لهذا السبب, وللأمانة العلمية, ودفاعا عن العقيدة والرجال الأفذاذ, وكشفا لفضائح الأصفهاني, رأيت أن أتحدث عنه, وقد أثار قلمي ما كتبه (عبد الستار فرّاج) من مدح فيه فيقول: "ويجيء أبو الفرج الأصفهاني فيؤلف كتابا يبلغ الغاية من الروعة والنهاية في الإبداع...."( )
والأصفهاني هو علىّ بن الحسين، ولد في أصفهان سنة284هـ ، ونشأ في بغداد والكوفة, وأخذ العلم عن ابن دريد الأنباري, والأخفش وغيرهم ، وله تصانيف منها: أخبار القيان, وأدب الغرباء, الأخبار والنوادر وله شعر كثير فيه فحش وبذاءة .
ألف كتابه( الأغاني) في عهد آل بويه, فتكلم عن الغناء منذ الجاهلية إلى عصر المعتضد بالله المتوفى سنة289هـ وسكت عما بعد ذلك وكأنه أراد رضا آل بويه!
وكأنّ الهدف من تأليف كتابه لم يكن الأدب ولا الشعر إنما كان هدفه ذكر الغناء والمغنين, لذا نرى أغلبه يتضمن الغناء وأخبار اللهو والطرب والسخرية ونذكر أقوال العلماء فيه فقال الخطيب البغدادي رواية عن ابن النونبختي "الأصفهاني أكذب الناس, كان يشتري شيئا كثيرا من الصحف ثم تكون كل روايته منها"( ) .
وقال ياقوت أيضا: (( كان أبو الفرج الأصفهاني إذا أورد عنه شيئاً في كتابه أعقبه بالوقيعة فيه، والتنقيص له؛ ويقول: إنه كثير التخليط، قليل التحصيل. ومن تصانيفه: كتاب المسالك والممالك؛ كتاب أدب السماع؛ كتاب الطبيخ؛ كتاب اللهو والملاهي؛ كتاب جمهرة الأنساب للفرس؛ كتاب الأنواء؛ كتاب الندامى والجلساء؛ كتاب الشراب. وكان أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني من ندماء الوزير أبي محمد الخصيصين به، وكان وسخاً قذراً لم يغسل له ثوباً منذ فصله إلى أن قطعه، وكان المهلبي شديد التقشف عظيم التنطس، وكان يحتمل له ذلك لموضعه من العلم.
وقال فيه: كان أبو الفرج على بن الحسين الأصفهاني، أموي النسب عزيز الأدب......وله تصنيفات منها: كتاب الأغاني، وقد أورد فيه ما دل به على اتساع علمه وكثرة حفظه، وله شعر جيد الأ إنه في الهجاء أجود، وإن كان في غيره غير متأخر، وكان الناس في ذلك العهد يحذرون لسانه، ويتقون هجاءه ويصبرون في مجالسته ومعاشرته ومواكلته ومشاربته على كل صعب من أمره، لأنه كان وسخاً في نفسه، ثم في ثوبه ونعله، حتى إنه لم يكن ينزع دراعة الأ بعد إبلائها وتقطيعها، ولا يعرف لشيء من ثيابه غسلاً، ولا يطلب منه في مدة بقائه عوضاً )) .
قال الأستاذ شوقي أبو خليل مقوماً مصادر فيليب حتَّى في كتابه تاريخ العرب المطوّل ما نصه )): واعتمد حتى كتاب الأغاني للأصفهاني ، وهو ليس كتاب تاريخ يعتمد أيضاً ، إنّه كتاب أدب ، وهذا لا يعني مطلقاً أن كل كتاب أدب لا يؤخذ به ، بل يعتمد إن كان صاحبه ثقة ، معروفاً عنه الأمانة في النقل والرِّواية . إن كتاب الأغاني الذي جعله حتَّى مرجعاً تاريخياً معتمداً ، صاحبه متَّهم في أمانته الأدبيَّة والتاريخية ، جاء في ميزان الاعتدال في نقد الرّجال : أن الأصفهاني في كتابه الأغاني كان يأتي بالأعاجيب بحدثنا وأخبرنا . ومن يقرأ الأغاني يرى حياة العباسيين لهواً ومجوناً وغناء وشراباً .. وهذا يناسب المؤلِّف وخياله وحياته ، ومن يرجع إلى كتب التاريخ الصحيحة يجد صورة أخرى فيها علم وجهاد وأدب ، فكتاب الأغاني ليس كتاب تاريخ يحتج به)) .
و قال ابن الجوزي: (( ومثله لا يوثق بروايته، يصح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر)).
وذكر د. الصلابي أنه إذا كان كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني كتاب أدب وسمر وغناء، وليس كتاب علم وتاريخ وفقه، وله طنين ورنين في آذان أهل الأدب والتاريخ، فليس معنى ذلك أن يسكت عما ورد فيه من الشعوبية والدس، والكذب الفاضح والطعن والمعايب، وذكر أنه قد قام الشاعر العراقي والأستاذ الكريم وليد الأعظمي بتأليف كتابه القيم الذي سماه ( السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) ، فقد شمر -جزاه الله خيرًا- عن ساعد الجد، ليميز الهزل من الجد، والسم من الشهد، ويكشف ما احتواه الكتاب من الأكاذيب ونيران الشعوبية والحقد، وهي تغلي في الصدور، كغلي القدور، وأخذ يرد على ترهات الأصفهاني فيما جمعه من أخبار وحكايات مكذوبة وغير موثقة تسئ إلى آل البيت النبوي الشريف، وتجرح سيرتهم، وتشوه سلوكهم، كما تناول مزاعم الأصفهاني تجاه معاوية بن أبي سفيان والخلفاء الراشدين الأمويين بما هو مكذوب ومدسوس عليهم من الروايات؛ وتناول الأستاذ الكريم والشاعر الإسلامي القدير وليد الأعظمي في كتابه القيم الحكايات المتفرقة التي تضمنها الكتاب التي تطعن في العقيدة الإسلامية والدين الإسلامي، وتفضل الجاهلية على الإسلام وغيرها من الأباطيل .
قد امتلأ كتاب( الأغاني) بالكفر والسخرية من الوحي واليوم الآخر والصلاة والافتراءات على آل البيت والقدح في سلوكهم, ويسمهم بالغفلة والجبن, ويتهمهم بسماع الأغاني وقضاء أوقاتهم في اللعب واللهو.
من ذلك سخريتُهُ من اليوم الآخر حينما لفق قصة من نسخ خياله المريض وهي أن ( الغريض ) المغني غنى للقوم وأعجبه غلام فطلب أن يكلم الغلام خلوة فوافقوه وقال : " فانطلق مع الغلام, حتى توارى بصخرة, فلما قضى حاجته أقبل الغلام إلى القوم : وأقبل الغريض يتناول حجرا, يقرع به الصخرة ففعل ذلك مرارا. فقالوا له ما هذا يا غريض ؟ قال: كأني بها قد جاءت يوم القيامة, رافعة ذيلها تشهد علينا بما كان منا إلي جانبها فأردت أن أجرح شهادتها على ذلك اليوم )) .
ما أقبح الخبر, وما أتفهه ! يستخف من اليوم الآخر ومن علم الجرح والتعديل, إنها إساءة إلى دين الله, وإلى العقيدة.
إما سخريته من الصلاة فقد نسج قصة من خياله المريض أن يحيى بن زياد ومطيع بن إياس اجتمعوا يوما فشربوا وسكروا ثم قاموا فتذكروا أنهم ما صلوا منذ أيام قال في: " فقام مطيع, فأذن وأقام, ثم قالوا: من يتقدم ؟ ، فتدافعوا لذلك, فقال مطيع للمغنية: تقدمي فصلي بنا. فتقدمت تصلي بهم عليها رقيقة مطيبة بلا سراويل فلما سجدت, بان فرجها, فوثب مطيع وهي ساجدة فكشف عنه وقبله وقطع صلاته ثم قال...(أبياتا)…….. فقطعوا صلاتهم, وضحكوا ثم عادوا إلى شربهم.
ثم يعلن الكفر البواح ولكن على لسان زانية اسمها ( بصيبصة ) جارية ابن نفيس عندما أرادت أن تدبر حيلة لتأخذ درهما من ( مزبد) البخيل المديني صاحب النوادر فيقول : " بعد أن شربوا الخمر وأكلوا, قالت: أبا إسحاق- مزبد- كأن في نفسك تشتهى أن أغنيك الساعة فقال: زوجتي طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ. فغنته.
فقالت: أبا إسحاق كأنّ في نفسك تشتهي أن تقوم من مجلسك فتجلس إلي جانبي فتقرصني قرصات, أغنيك.
فقال: زوجتي طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام, وماذا تكسب نفسي غدا, وبأي أرض تموت.فغنته ،ثم قالت: برح الخفاء, أعلم أنك تشتهي أن تقبلني. فقال: أنت نبية مرسلة. فقالت: إيْ أبا إسحاق هلمَّ درهما نشتري به ريحانا. فوثب فصاح: واحرياه, أي زانية ! أخطأت, استك الحفرة. انقطع عنك الوحي الذي كان يوحي إليك )) .
هكذا يسخر أبو الفرج من الوحي, ومن النبوة, وهكذا الكفر لم يستطيع أبو الفرج أن يعلنه ولكن زور حكاية على ألسنة المغنيين الذين يطربون أبا الفرج, فينطلق لسانه بالطعن وبث السموم ليعلم الناشئة ذلك الكفر.
ويشبه الخلفاء بقوادات القرن العشرين قال : فدخل- أشعب المغني- فلما رآه الوليد(بن يزيد) كشف عن أيره وهو منعظ . قال أشعب: فرأيته كأن مزمار أيفنوس . قال لي: أرأيت مثله قط؟ قلت: لا ياسيدي . قال: فاسجد له. فقال أشعب : فسجدت له ثلاثا. فقال: ما هذا ؟ قلت: واحدة لأيرك, واثنتين لخصيتك..... ))
لقد سخر الأصفهاني من السجود, والخلافة, والصلاة. وكأنّ الرجل طبع على المجون والدعارة فلطخ بها الأطهار حقدا وكيدا.
وسخريته واضحة بآل الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فيذكر أن المنصور كان يريد البيعة لابنه المهدي وكان ابنه جعفر يرفض ذلك فيجتمع الناس وتحدثوا, وفيهم مطيع بن أياس فقال للمنصور: يا أمير المؤمنين حدثنا فلان أن النبي قال المهدي منا محمد بن عبد الله... يملؤها عدلا كما ملئت جورا, فتمت البيعة له وشهد على ذلك العباس بن محمد أخو المنصور فشهد خوفا من المنصور فلما انفض المجلس قال العباس: أرأيتم هذا الزنديق: إذ كذب على الله ورسوله, حتى استشهد على كذبه فشهدت له خوفا... قال وكان جعفر بن أبي جعفر ماجنا فلما سمع قول مطيع بن أياس هذا غاضه, وشقت عليه البيعة لمحمد , فاخرج أيره وقال: إن كان أخي محمد هو المهدي, فهذا القائم من آل محمد )) .
إلى هذا الحد بلغت الوقاحة بالأصفهاني حتى يصف بني العباس بالناس الأراذل ويجري على ألسنتهم الألفاظ التي لا يتلفظ بها إلا الماجنون من أمثاله ؟.
ويذكر أنّ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كان يشرب الخمر ويحرك رأسه و(عزة الميلاء ) بين يديه( أي المغنية ) .
أما عن حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال عنه أنه كان يستمع للغناء ويطرب لعزة الميلاء .
ويصور أبو الفرج أن الخليفة وحجاج بيت الله الحرام أولاد زنا فقال على لسان الوليد بن يزيد للبندار- الخازن-: " ثم قال: البندار ولد زنا, والوليد ولد زنا وكل من ترى حولنا ولد زنا أفهمت. قلت نعم..." واختلق حكاية لقذف المسلمين على سبيل المزاح.
ويلفق خبرا يُعلي به شان أجداده, فادعى أن أهل فارس هم الذين بنو الكعبة : " وكان سعيد بن مسجح مولدا.... فرأى الفرس وهم يعملون الكعبة لابن الزبير, ويغنون الفارسية...."
ولم تشر مصادر التاريخ أن الفرس هم الذين بنوا الكعبة في يوم من الأيام !! إن هو إلا اختلاق أبي الفرج.
ويذكر الأصفهاني " أن أباعتيق توسط وطلب من الحسن والحسين إرجاع لبنى إلى قيس ففعلا ذلك, ثم حصل بينهما فراق حتى طلقها أبوه ثم جاء ثانية أبو عتيق يطلب منهما التوسط عند زوجها الثاني وهما لا يعرفان القضة.
فقالوا: لقد جئناك بأجمعنا في حاجة لابن لأبي عتيق. قال: هي قضية كائنة ما كانت...... قال تهب لهم ولى لبنى زوجتك وتطلقها.قال: أشهدتهم أنها طالق ثلاثا. فاستحيا القوم واعتذار إليه وقالوا: والله ما عرفنا حاجته ولو علمنا أنها هذه ما سألناها إياك؟
فهل كان الحسن والحسين أبلهين لا يعرفان فيم يمشيان! ثم لماذا يطلبون الطلاق من زوجها الثاني؟ تلبية لهوى قيس أم هوى الأصفهاني في اللعب والدس ؟
ويذكر أن يزيد يشرب الخمر بمجلس الحسين فلا ينكر عليه:
قال: ولما رجع في خلافة أبيه جلس بالمدينة على شراب فاستأذن عليه عبد الله بن العباس والحسين بن على فأمر بشراب..... فقال: أسق أبا عبد الله يا غلام. فقال الحسين:عليك شرابك. أيها المرء, لا يمين عليك مني )) .
وقال أبو الفرج إنّ " أشعب دخل يوما على الحسين بن علي, وعنده إعرابي قبيح المنظر, مختلف الخلقة, فسبح أشعب حين رآه. وقال للحسين عليه السلام: بابي أنت وأمي أتأذن لي أن أسلح عليه.....))
إنّ الإنسان ليخجل أن يذكر خبرا فيه بذاءة أو فحش أمام زميله فكيف إذا كان الخبر مع علم من أعلام الصحابة ؟وما الدافع لذكره ؟ هكذا أراد الشعوبي الحط من أقدار الرجال.
أما زوجة الحسين بن علي فيقول عنها: (( أسنّت فلما مات عنها زوجها كشفت قناعها ,وبرزت للرجال, ولما جاءها معبد(المغني) في حاجة غنى لها... فطربت العجوز لذلك... وقالت: أنا والله يومئذ أحسن من النار الموقدة في الليلة القرّ (الباردة) )) .
وقال أبو الفرج عن الحسن بن الحسن بن علي أنه طلب من ابن عائشة أن يغني له: "قال لئن لم تغن مائة صوت, لأمرنهم- إشارة إلى من حوله- بطرحك في البئر, وهما حران لئن لم يفعلا لأقطعن أيديهما..."
إنها الرعونة وفساد الأخلاق, يصور الحسن بن الحسن رجلا سفاحا وشريرا, وهمه اللهو والطرب ما أسفهك يا أبا الفرج!
ويحكي أبو الفرج أن سكينة بنت الحسين أرجعت أبن سريح المغني إلى الغناء بعد توبته منه, فيورد قصة طويلة بين سكينة وأشعب يقول في آخرها أنها تقول:" برئت من جدي, إن برحت داري ثلاثا, وبرئت من جدي إن أنت لم تغن...."
أيفرح مسلم برجوع إنسان إلى المعاصي فضلا عن شخص من آل البيت ؟ وهل سكينة لهذه التفاهة لتتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أهكذا تكون أخلاق أحفاد الرسول ؟ أم هي صفات أجداد الأصفهاني في بلاد فارس ؟
ثم يذكر قصة بين سكينة والفرزدق أنه مر بها يسألها عن شعره ومن أشعر الناس فطردته فقال لها: "ومنعك إياي أن أنشدك شيئا من شعري, وبي ما قد عيل صبري, وهذه المنايا قد تروح لعلى لا أفارق المدينة حتى أموت, فإذا أنا مت, فمري( ) لي أن أدرج في كفني وادفن في حر( ) هذه- إشارة إلى جارية أعجبته- فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية..."
أكانت هذه الألفاظ التي تعاف الألسن عن ذكرها تمر على لسان المرأة الطاهرة التقية؟ ثم هل ذكر التاريخ أن الفرزدق كان بذيء اللسان لهذه الدرجة ؟
ويحكي أن بنت الخليفة تعطي ثوبها الداخلي للشاعر عمر بن أبي ربيعة .
ويذكر أن أبا الأسود الدؤلي (( كان كثير الركوب فسأله أحدهم عن السبب فقال: أشد أعضائي...واسمع الأخبار... ولو بقيت في بيتي لاغتم أهلي... حتى لعل العنزات تبول على فلا يقول لها أحد هش )) .
ويقول: إن أبا الأسود كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط. فقال لمعاوية: استرها عليّ. فقال معاوية: نعم. ثم يذكر أن الناس كانوا يسخرون منه باختلاف حكايات عليه وهذا ديدن أبي الفرج في كتابه )) .
وذكر الشاعر الأحوص المعروف حفيد الصحابي عاصم يراود وصفاء الوليد : "فكان الأحوص يراود وصفاء الوليد- بن عبد الملك- عن أنفسهم ويريدهم أن يفعلوا به..."
وقد وصف القرنين الثاني و الثالث والرابع بشيوع الفاحشة فأراد أن يسود تاريخ الإسلام ويبعد حديث: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" حسدا من نفسه وحقدا على الإسلام.
ولم يكتف أبو الفرج صاحب القلب الأسود والخيال المريض من نسخ قصصه بل ظل يؤلف ويسخر من دين الله ومن رجاله فيذكر أن ابن جريج وعطاء بن رباح- وهما من سادات التابعين- قام ابن سريح المغني ليغني لهما.." وعناهما...فغشي على ابن جريج, وقام عطاء يرقص"
هكذا يفتري على أجلاء علماء التابعين الذين يشهدا لهم التاريخ بالعلم والتقوى.
ويذكر أنه " دخل النعمان بن بشير الأنصاري المدينة أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير, فقال: والله لقد أخفق أذناي من الغناء فأسمعوني, فقيل: لو وجهت إلى غرة الميلاء فإنها من قد عرفت.
قال : إي ورب البيت, إنها لمن يزيد النفس طيبا, والعقل شحذا, ابعثوا إليها عن رسالتي فأن آبت صرنا إليها.. فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف )) .
النعمان رجل معروف بتقواه وكرمه, وأبوه الصحابي الجليل بشير الأنصاري الذي روى الأحاديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم.
هذا ما ذكرناه من فضائح الأصفهاني ومخازيه في كتابه " الأغاني" ومالم نذكره أكثر فهو لا يترك خبرا أو مناسبة في الجاهلية أو في الإسلام خاصة إلا ولطخها بالافتراء والحقد والحسد والطعن والكفر.
وبعد هذا كله يقول عبد الستار فراج " ويجد أكثر المتأدبين في عصرنا أن المشكلة التي يضيقون بها في مثل كتاب الأغاني هي كثرة الأسانيد وحدثنا فلان عن فلان, وتعدد الروايات للخبر الواحد... وتلك إحدى الميزات التي يعتز بها المؤلفون القدامى, ليؤلفوا عملهم, وليبرؤوا مما قد يكون في الخبر من غرابة... والحق أن المشتغلين بالدراسات الأصلية والباحثين وراء الخبر الصحيح ينتفعون كل الانتفاع يذكر الرواة, لأن ذلك يرشد إلي المنبع الذي تسلسل عنه الخبر" ( ) يمدح ويزكي فراج أبا الفرج بأنه ذكر تسلسل الخبر, وما درى فراج أن أخبار أبي الفرج أغلبها كذب وافتراء لا حقيقة له على الواقع.
لقد مرت كل هذه الأخبار والافتراءات المحزنة من الشعوبي الأصفهاني بلجنة التحقيق التي حققت الكتاب ومنهم طه حسين وشفيق جبري ولم تعلق اللجنة شيئا عليه ! فطه حسين قد شك في الأدب والتاريخ ولم يشك في كتاب الأغاني.
يقول( فراج) " مما جعل كتابه مرجعا أدبيا وتاريخيا حافلا... وظلت الأساليب الأدبية والأوصاف الباهرة والمعاني العميقة والألفاظ الرشيقة تتحدى الزمن عذوبة وحلاوة وتقيم الألسن وتيسر الصياغة البارعة لمن تشاء( )
حافلا بماذا ؟
حافلا بالأعاجيب والأكاذيب والافتراءات على الإسلام والنبوة والوحي وعلى أعلام الصحابة والتابعين, وهل يكون مرجعا أدبيا ولا أدب فيه؟ وتاريخيا وكله تزوير واختلاق؟
والألفاظ الرشيقة, أية رشاقة يا( فراج ) فيه بل هي ألفاظ بذيئة ودنيئة وقبيحة. وكيف يقوم اللسان بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة, وبالألفاظ التي يندى لها الجبين خجلا من ذكرها؟
ويقول(فراج): " إنه كتاب فيه مجال للدراسات عظيم للدراسات عظيم ومعين للبحث لا ينضب, وروضة تنعم في مغانيها النفوس"( ).
أقول: إنّ الأغاني فيه كفر عظيم, ومعين لا ينضب من المهازل, وحفرة وحضيض تنعم في جحيمها النفوس المريضة.
ويقول " فهو أمين فيما يسرد علينا...."( ) وما ذكرنا من مطاعن ومهازل أبي الفرج لكفيلة ببيان تفاهة الكتاب وكفر وطعن الأصفهاني في دين الله ورجاله, وكفيل بالرد على(فراج) وأمثاله.
الفهارس
1) الأغاني الأبي الفرج الأصفهاني ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية .
2) تاريخ بغداد لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
3) سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لعلي محمد محمد الصلابي الطبعة الأولى 1426هـ .
4) كتاب الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعلي محمد محمد الصلابي .
5) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري (المتوفى : 975هـ)تحقيق بكري حياني و صفوة السقا مؤسسة الرسالة الطبعة الخامسة ،1401هـ/1981م
6) مجلة العربي الكويتية العدد(140) لعام1970.
7) معجم المؤلفين لعمر كحالة ، مكتبة المثنى ، دار إحياء التراث العربي بيروت.
8) ميزان الاعتدال في نقد الرجال لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي تحقيق علي محمد البجاوي المجلد الأول دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت .