تكنيك القصيدة الحداثية في اليمن
قراءة في شعر حسن اللوزي وعبدالودود سيف
عمار زعبل الزريقي
إن طبيعة الشعر العربي منذ بدايته هي الكشف والإيضاح عن مشاعر وأحاسيس النفس البشرية، وتحديد وتفنين صفات راسخة عند الشاعر العربي، أو التعبير عن المعاني الوجدانية العميقة التي يعبر عنها الشاعر من خلال الصور الفنية المشحونة بالإيماء.
ومع ظهور الشعر الحر، وتغير نظرات الشعراء إزاء الصورة وتشكيلها، وبعد صرخة نازك الملائكة بعدم التقيد بقانون فرض منذ زمن الخليل والمعروف بظهور التقعيد «أي علم العروض» وظهور الأفق الواسع في سماء الإبداع الأدبي، فتم الانتشار والتعامل مع الرمز والأسطورة في الشعر المعاصر مثلاً، فظهر الغموض كثيراً على حساب الوضوح، وذلك لتعقد الحياة، وكثيراً مايكون هذا الغموض مغلفاً بالرموز، والرموز ماهي إلا تعبيرات فنية إبداعية، مشحونة بالإيماء، بل هو أسلوب يلجأ إليه الشاعر لإشاعة جو من الغموض المحبب كما عرفنا ذلك في عصر آخر، كان فيه انفتاح من نوع آخر، انفتاح كانت لديه الجدة في إعمال العقل في كل شيء، فكان النضج العقلي، وموسوعية الفكر ذلك هو العصر العباسي زمن أبي تمام الذي عرف عنه الغموض المحبب، أو المعاني الجديدة التي ابتكرها في شعره واستخدامه الكثير للتجسيم المشبع بالإيماء والرمز، والرمز كما عرف في الدراسات الحديثة بأنه إعادة معطيات إحدى الحواس إلى حاسة أخرى لخلق حالة نفسية يريدها الشاعر.
ففي قصيدة بديعة لشاعر يمني معاصر وهو الأستاذ حسن اللوزي نرى هذه الرموز التي أعطتنا معاني متشعبة، وهي رموز تضفي على النص غلالة من الحزن، ومقصد الشاعر منها هو الحزن والتحسر على شهيد الوطن «الزبيري» الذي مات شهيداً في سبيل الوطن.
لقد اصطادته وطاويط الليل قبل أن تقطف زهرة المستحيل وفجع الوطن بسقوط الشمس، ومازالت تتبرعم داخل أيقونة المستحيل، وتتسلق عتبات التكوين.
وفجع الناس بوردة حمراء تتفتح
وتلقي جسدها على امتداد هذه الأرض الطيبة
وبقامةٍ ترتفع وتعلو، وتناطح الأقاصي البعيدة
ولم تكن الأرض مجرد وديان وسهول، وجبال صماء
كانت الأرض تعول، وتمزق ثيابها في هلع مجنون
آه كل الأيدي ترتعش، فمن يسمل عيني العملاق المقتول؟!
رفقاً ياساعات الهول
رفقاً بهياكلنا المحنية بالعجز، بعد أن تهاوت أعمدتها الفقرية
إذ يبدو ـ لنا ـ بأن الشاعر حريص على إيصال الصورة كاملة عن ذلك الشهيد الذي ـ سقط غدراً ـ ذلك الشهيد الذي هو امتداد للأرض عبر كل العصور، فهو تصوير يوضح الطريقة القذرة في اغتيال العملاق المقتول فهي فاجعة، ويالها من فاجعة بينتها دلالة التعبير وأوصلتها الصورة الرمزية اللغوية التي أثارت لدينا أي لدى القارئ الصور المماثلة ومن ثم إعانتنا على تكوين مثل تلك الصور ممايشبه عملية النقل من نفس إلى نفس فقد قال الأدباء الرمزيون بأن معطيات الحواس متداخلة متبادلة تصل إلى المتلقي بعدها وتكشف عن جمال المحتوى الفني، فتكون تلك الدلالة الفنية التي رسخّ دلالاتها الرمز غير الموغل في الغموض أو الغامض، وكلما كان الرمز كاشف الدلالة في «حياء وخفر» كان ذلك أمتع للنفس، وأجمل في التصوير.
وفي نص آخر نلاحظ ـ أيضاً ـ ذلك النقل وإن بدأ الغموض أكثر إغراقاً وإن كان المعنى المراد منه يولد فينا إحساساً ممتعاً، ويثبته فينا، إنه حب الوطن، فالأستاذ اللوزي أراد أن يجسد لنا حبه لوطنه تجسيداً نابضاً بالشوق والمعاناة والعذاب إذ يقول:
أحبك..
أحبك ريح تعبئ رماداً وقار
وتنزع جلدي المزيف
تعري الشقوق بصدري
وتزرع فيها إله المجوس، فتلتف حولي المجوس وتعبدني
وتكفر بي حين ـ أغدو ـ شفاهاً مقيحة بالخصوبة
هلالاً كسيح الإنارة
فاهوي..
ولكن حبك باقٍ معي
نجوم تلألى في جبهتي المطفأه
أزيغها في الصباح، وأعصرها في المساء
سفينة «فاسكو دجاما» الغريقة في حوض ماء
ولكنها تجوب عباب دمي
تدور.تدور
تغالب موجاته في إباء
فنلاحظ أن هذا النص عميق الدلالة، عسير الفهم، إذ يصعب تحليل رموزه، والكشف عن معانيها المغرقة في الدلالة، وذلك لاستخدام الشاعر تلك الألفاظ المرموزة الموغلة في الغموض من مثل «تعبئ رماداً وقار» «تزرع فيها إله المجوس» «هلالاً كسيح الإنارة» وهكذا وقد يتساءل المرء من تلك التي «تجوب عباب دمه»؟ بالطبع هو يجسد حبه لوطنه ، فنلاحظ مدى نضوج الفكرة وعلى الرغم من استخدامه لرموز يستعصى فكها، إلاَّ أنه استطاع أن يعبر عما يجيش به صدره من حب وشوق لوطنه، ذلك الحب الذي يحمله في كل رحالاته، فهو باقٍ معه رغم كل الظروف.
فالقصيدة سعت إلى خلق حالة نفسية خاصة، والإيماء بتلك الحالة في غموض وإبهام بحيث لانستطيع أن نحلل عقلياً تفاصيل المعاني التي يمثلها في هذه القصيدة وإن كنا نحس بالحالة النفسية التي صدر عنها، والرمزية كما يقال لا تستخدم الشعر للتعبير عن معان واضحة أو مشاعر محددة، بل تكتفي بالإيماء النفسي والتصوير العام عن طريق الرمز ثم تمتد بعد ذلك إلى أن تتناول المشاكل الإنسانية والأخلاقية العامة، تعالجها بواسطة الخيال وتصوراته، فيكون الشعر حينها تعبيراً عن قضايا تهم الشاعر والمجتمع من حوله، ومن أكثر القضايا التي تشغل المجتمع العربي والإسلامي بل والعالم أجمع هي قضية فلسطين وشعبها المنكوب، إنها مأساة العصر بل كل العصور، فالشاعر الأستاذ حسن اللوزي يتحدث عن المناضل الفلسطيني، الذي يناضل من أجل الحرية، ففي القصيدة المعنونة بـ «يوسف والقرية وآخرون» يعبر عن أن الفدائي هو وحده الذي يفتدي أرضه بالدم ويدافع عنها بأعز مايملك وهي الحياة، ويعبر أيضاً ن اهتمامه بهذه القضية الإنسانية التي يجب أن يسخر لها كل الإمكانات وفي كل الظروف، إذ يقول مخاطباً المناضل الفلسطيني:
القرية يايوسف خلفك وأمامك
لكن عزيزاً، وعزيزاً وزنوك بشهوتهم
قربت عنك، فباعوك
وباعوا عزتهم
أنت الآن الهندي الأحمر، خصلة شعر منك بدولار
أما رأسك لا أذكر
كم أخذوا فيه..
فهذا مقطع من قصيدة يقول عنها الدكتور عبدالعزيز المقالح: بإنها من أنجح قصائد اللوزي، إذ أنها تشكل في حياة الشاعر انعطافاً جديداً نحو القالب التجريبي، الذي أصبح آخر الصيحات الشكلية في تكنيك القصيدة الجديدة ويوسف الذي تتحدث عنه القصيدة هو المناضل الفلسطيني الذي تضافرت كثير من الجهود اللاإنسانية على إحباط دوره في تحرير أرضه المستباحة وهي لاتكف عن المسأومة على رأسه الثمين، وبيعه للأعداء بدولارات معدودة.
وهكذا تظل الرموز المحببة تطل في ثنايا القصائد تعبر عن الأحداث والوقائع وكثيراً مايلجأ الشعراء المعاصرون إلى الأساطير القديمة للتعبير عن أفكارهم التي يريدون إيضاحها ومناقشة حقائق إنسانية فتتبلور الشخصيات الأسطورية، والأسطورة كما يقول الدكتور محمد فتوح أحمد أهي انعكاس للاشعور الجمعي، وهي بهذا الاعتبار مصدر مشروع للفنان، وبخاصة بعد أن طغت آلية الحياة المعاصرة على الفكر المنطقي الواضح، فكان على الشعر أن ينصرف عنه إلى الحياة كما مثلها الإنسان القديم في أساطيره، تلك الأساطير التي لم تعد أوهاماً يهرب إليها الإنسان فراراً من واقع الحياة القاسية، وماأجمل أن تتداخل الرموز بالأساطير على نحو مانشاهد في قصيدة «عن سر مفتاح الفصول» وفيها الشاعر يحكي حكاية الانتظار الطويل للأمل القادم، وينثر في ثنايا حكايته الحزينة عدداً من الرموز مثل «الربيع، الخفافيش، نيرون، الوشاح، ليل العنكبوت» إذ يقول:
كنا معاً في الانتظار
حتى يئست من الفؤاد إلى النخاع
ومايئست ، وظل يرتقب المساء
أن تيأسي..لاتيأسي
مهما الخفافيش استباحت قرص شمس الخبز في عينيك
والتهمت بذور الأمنيات
أو صدرت منا المشرد للملاجئ والقبور
فغد النوارس قادم
وغداً يمور الفيض في أعماقنا ويثور
وغداً أغني في الشوارع والمصانع والحقول
باسم الربيع، وسر مفتاح الفصول
«نيرون» مات وكل «نيرون» يموت
وحيثما «كان الوشاح» فخلفه قدر صموت
وغداً يموت
ينهار ليل العنكبوت
فمع التكثيف للرموز والتداخل مع الرموز الأسطورية، يظل التكثيف العميق في الإلحاح والإصرار على أن الصورة ستتغير وستتبدل وأن القادم أجمل وأن في غدٍ سيموت الظلم وسينتهي كل هذا يتضح من خلال مخاطبة الشاعر لبلاده اليمن، بأن لاتيأس فلابد للظلم أن ينتهي الطاغية نيرون، وقد أصابت سهام القدر الوشاح، الذي هو رمز للإمام يحيى بن حميد الدين فلابد أن يكون الأمل بموت الطاغية الابن «أحمد» وحكمه الكهنوتي البغيض الذي رمز إليه الشاعر برمز «ليل العنكبوت» الذي يوحي بمدى ظلمه لهذا الوطن.
مع عبدالودود سيف
وعندما نتحول إلى شاعر آخر من شعراء الحداثة في اليمن باحثين عن تكنيك القصيدة الجديدة، ووسائل تحديدها، تتجه الأفكار نحو عبدالودود سيف الذي يعد من شعراء التجربة الحداثية في اليمن، ومن الشعراء الذين برز لديهم توظيف الرمز ذي المعاني المغرقة في الدلالة، فتبدو القصيدة الحديثة أكثر وضوحاً، وذلك لنضج ملكاته الشعرية، ولتمكنه من اللغة تمكناً أوجد الأثر الكبير في تشكيل الصورة، وذلك لأن اللغة لها قدرتها في نقل الأفكار ونقل حقائق الأشياء، وهي لاتثير الصور الذهنية فقط، إنما تجمع بين الصور وتعمل على تشكيلها وعلى هذا الأساس لاتصبح اللغة وسيلة لنقل المعاني المحددة أوالصور المرسومة الأبعاد وإنما تصبح وسيلة للإيماء وتعمل على توليد المشاركة الوجدانية بين الشاعر والمتلقي يقول عبدالودود سيف في قصيدته «مقطع من حنين»:
رأيتك عند المساء تحومين في ردهة الانتظار
ووجهك ـ أذكر ـ أسئلة والعيون
بقايا رجاء
ورغم انصرام السنين
عرفتك ـ حين رأيتك ـ ياوجه قلبي الحزين
وددتُ من الشوق أن أرتمي إليك وأبكي
أمزق مر الحنين
ولكنني ـ ياحبيبة ـ أعلم أن بحاراً من الدَّهر تفصل مابيننا تنائي ظل الطريق
وأنى لي المعجزات
أجوس خيام الأحبة في غربتي
وحيداً أجرجر ظلي الكسير
وأبعث في نفسي الأمنيات
يعود، يسل النعاس الكسول
ويدرأ أضغاث أخوتي الطيبين
أود من الشوق أن أعتلي صهيل الرياح
لأتي إليك..
وأشعل في قلبك المعتكر حنين الأغاني وآياته
أعلمك الكشف والاتصال
وأسفار بدئك والقبلتين
وأنت المحبّ وأنا الحبيب
وأنت هوأي الذي أحمل
وأنا ـ قيسك ـ المغرم الشاعر
وأنت أنا ـ قلبك الذابل
من ياترى يخاطب الشاعر في هذا النص الحزين، من هي ياترى؟ التي ينظر إليها شزراً، بل يطير إليها على صهيل الرياح ليعلمها لغة جديدة هي لغة الكشف والاتصال ولغة التجاوز والانعتاق، وهنا تتجلى فكرة الصيرورة والتحول في النص للسعي نحو الاتقان، وهو نظر إلى القادم الذي لابد أن يكون أجمل، وهو رفض للواقع مع تجاوز الماضي، وليس الواقع في نظر الحداثة بأفضل من الماضي لكن هنا على العكس نرى اهتمام الشاعر بالمجتمع كأنه جزء منه فهو يسعى إلى تغيير المستقبل من أجل حياة منعمة رغيدة لكل جموع الشعب وفئاته بل إنه يتحدث بلسان الشخصية الأسطورية «ذي يزن» الذي سعى يوماً إلى خلاص الشعب، فتتجلى هذه الشخصية هنا لتبين هموم الثورة في الوطن الحبيب ومن خلال قراءة القصيدة نلاحظ أنه كان لقاء حميمياً بين اثنين فهما محبوبان، مبهان ثم يذكر قيساً ومحبوبته فيزداد الابهام، وأين ياترى تم اللقاء؟ فلا أرى إلاَّ أنه كان في عالم المثل والجمال، في الحلم الجميل، إنه عالم آخر تم فيه هذا اللقاء المقدس، «رأيتك» «تحومين» فهو انصراف من الواقع المحسوس إلى عالم آخر لايدرك، بل لايتصور إلا بالذات ومجاهداتها وإدامة الفكر ومن ثم استغلال اللغة استغلالاً إيمائياً واستغراقياً لتوضح الصورة بعد غموض وإبهام فتكون المعاني حينها واضحة كما رأينا أن الشاعر لايريد إلا أن يعبر عن الآم وطنه، ونحن نعلم بأن الشعر الحداثي تكون الفكرة عنده غير واضحة، والشعور أيضاً غير محدد، ونقل الأخبار حرفية ليس الغاية إنما هي غموض الأحاسيس وتصوير الحالات النفسية الغامضة بما يشاكلها من تعبير غامض.
وفي قصيدة أخرى للشاعر عبدالودود سيف، وهو يعبر أيضاً عن حزنه وأسفه، ونراه مهموماً بوطنه، ولايكون هذا الحز والأسف إلا من خلال الرموز التي استخدمها في تعبيره في قصيدة «حول جدار التطواف في شارع علي عبدالمغني».
أتابط حزني في صمت
أعدو بين جموع الزحمة كي أتفرس من حولي
الأوجه، نفس الأوجه
والوقت هو الوقت، وكالمعتاد
سيل ٌ يأتي، سيل يمضي
وعيون الجمع تزيغ بعمق
من ذا يحمل عنها الأحزان
فنلاحظ مدى استيعابه للتجربة الشعرية الجديدة حيث جعل للرمز دلالة محلقة، فهو يعيش في ملل وكآبة، ضجر من هذا المنظر المتكرر، من هذه الجموع التي نهشتها الأحزان وإن كانت الصورة ذاتية فهو أيضاً يحمل هم المجموع بسيلٍ يأتي وسيل يذهب، وهي حالة المدنية التي نعيش ضنكها اليومي وهذا قد يكون فهماً للقصيدة، وقد تتعدد التفسيرات باختلاف القراء بسبب اللغة ومافيها من رموز لاتحدد المعنى، فلو جعل الشاعر مثلاً تحديداً لسبب كتابته القصيدة لكان أجدى، ولما ذهب إلى تأويلها أكثر من مذهب، وإلى جانب هذا قد يحدث غياب للضمير وإلى أين يعود، فيكون الغموض، ولكن قد نجد في بعض القصائد ماهو قابل للفهم والإدراك، ولكن عندما نأتي لنقرأ قصيدة لعبدالودود سيف أيضاً يبدأها مخاطباً أنثى بحيث يتضح وبصعوبة بعدئذٍ وكما يستنبط أنه يقصد قريته التي عاد إليها بعد طول اغتراب، فوجد أن أكثر أهلها قد رحلوا أو ماتوا.
لعينيك ـ لون السنابل ـ حين تماوجها الريح
لكنني، أتمعن فيها، فأشهد جرحاً
وأمعن فيك، فيشتفي الجرح
إنَّ المرارة تجتذي من جذوعي
فأهوى بقاعك مشتبكاً في ذهولك
أبحث بين القبور الحزينة عن شاهد
قد يكون بصمت اغترابي
وابحث.. وابحث..كل الشواهد تومئ
أن الطريق لعينيك، يعبر من فتحة الموت
سيدتي: بعد هذا الطواف الطويل
تكونين مقبرة
كيف لي؟ أن أمارس زهوي بعينيك
حين يراودني في الحلم، أو تعتريني القصيدة
إني أراك فأحشد نفسي
لموعد حزن جديد
نعم إنها قصيدة بكائية والجرح الذي يرمز به هو مدى فاجعته بقريته التي غدت ثكلى، وصارت فتحه للموت يعبر منها إلى الحلم، وإلى الحياة وربما يرمز إلى اغترابه الإنساني، أكثر من اغترابه المكاني، ويبحث في المقبرة عن شاهد بحجم اغترابه، فهنا يكون قمة الاغتراب الإنساني فهو الهروب من هذا الاغتراب الذي اتخذ مساراً تصاعدياً فكان صراعاً مراً مع الكلمات «فتحة الموت ـ الجرح» فهو تعذيب للقوى العقلية من أجل الوصول إلى مرحلة الادراك، بأنه لابد من البكاء، لابد من تعذيب النفس، وهو أتى هارباً إليك فوجدك تئنين وتبكين والبكاء أيضاً هو صلاة المحاصر كما عبر عن ذلك في آخر القصيدة.
أم أبدأ النزف في حد عينيك
إن البكاء صلاة المحاصر
فليسمع الدمع نافلتي وفروضي
ومن هنا رأينا شعر الحداثة في بلادنا اليمن متمثلاً بقامتين شعريتين أثريتا الساحة الأدبية لعقود من الزمن،وأصبح للشعر الحداثي في اليمن نكهة خاصة برموزه وأساطيره، وإن اتحدت اللغة الرمزية في التعبير وبما امتازت به من مرونة في البناء وقدرة على التشكيل الدرامي، وعلى الإيماء وإن شاب ذلك الغموض الذي تغلف به الشعر العربي بأسره، والشعر الحداثي اليمني لم يكن أيضاً بمنأى عن ذلك.
المراجع:
1ـ دراسات نقدية ـ د/عز الدين منصور.
2ـ قراءة في الأدب اليمني المعاصر د/عبدالعزيز المقالح
3ـ الأبعاد الموضوعية والفنية د/عبدالعزيز المقالح
4ـ من البيت إلى القصيدة د/عبدالعزيز المقالح
5ـ الشعر اليمني المعاصر بين الأصالة والتجديد د/أحمد المخلافي
6ـ الإبهام في شعر الحداثة د/ عبدالرحمن محمد القعود
7ـ الأدب وفنونه د/محمد مندور
8- الرمز والرمزية د. محمد فتوح أحمد