المذاهب الأدبية العالمية
رؤية نقدية تاريخية
بداية وقبل الحديث عن المذاهب الأدبية أود أن أوضح لبساً قد أحاط بالمصطلح الأدبي وخلق خلطاً في المفاهيم بين الأدب والنقد والفلسفة، وإن كانت العلاقة قوية جداً بينها إلا أن فصل الأمور بساعدنا أكثر علي إدراك محتواها، ذلك الخلط يلام عندما يتحدث الدارسون عن المذهب الأدبي، والمنهج النقدي دو تميز، أو عندما يتحدث آخرون دون تفريق بين المنهج والاتجاه، وقد نلتقي بمن يخلط بين الفلسفة والأدب، فتجعل من الفلسفة المثالية اسماً لمذهب في الأدب.
إن الميدان الأدبي ينزل الأفكار التجريبية بالوسائل الفنية إلى عالم التجسيد، أما كلمة مذهب فتعني «المعتقد الذي يذهب إلية وذهب فلان لمذهبه أي لمذهبه الذي يذهب فيه» [1] أودعنا نقل عنه «مجموعة مبادئ وآراء متصلة ومنسقة لفكر أو لمدرسة ومنة المذاهب الفقهية والأدبية والعلمية والفلسفية» [2] من هنا فكلمة مذهب تستند في جذورها علي مرجعية فكرية وأطر معرفية مسبقة منسقة، ودعني أقول أن المذهب في الأدب غير المذهب في النقد وذلك رغم الالتقاء الواسع بينهما، ففي النقد نلتقي بالمذهب التاريخي والمذهب الاجتماعي، والمذهب النفسي والمذهب التأثيري، والمذهب الجمالي، والمذهب التكاملي وإن اختلفت المسميات، أما في الأدب فنلتقي بالمذهب الكلاسيكي، والرومانسي، الواقعي، الرمزي، البرناسي، الوجودي، العبثي وما انبثق منها أو زاد عليها. ونلتقي بالخلط يزيد بين منهج البحث في الأدب والنقد التنظيري له، أما المنهج فهو عبارة عن «قواعد وثيقة وسهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من أن يؤخذ الباطل علي أنة حق وتبلغ بالنفس إلي المعرفة الصحيحة بكل الأشياء التي تستطيع إدراكها دون أن تضيع في جهود غير نافعة، وهي تزيد ما في النفس من معلم بالتدرج» [3] وتنقسم المناهج إلي مناهج خارجية (تاريخي مقارن، ومناهج داخلية،وصفي تحليلي)، وأما الاتجاه فهو «رؤية أو فكر نظرية تجريدية إذا طبقت من خلال خطوات إجرائية تصبح منهجاً، وقد يضعنا ذلك التوضيح البسيط في الطريق الصحيح للبحث».
ويبقي حديثنا عن المذاهب أو الدروس الأدبية في أصولها ونشأتها وسماتها الفنية، ولانغفل أن الحديث عن مدرسة في الأدب يعني قبل كل شيء بوجود مرجعية فكرية وآراء مسبقة ومنسقة بنيت عليها وطبقت أفكارها، ولا أنكر كثرة الدراسات والبحوث حول هذا الموضوع حيث نلتقي بمؤلفات خاصة لمذهب بعينه، ولكنني سأبسط الأمور في هذا الجهد منطلقاً من مجموعة محاور انطلقت المذاهب من خلال نظرتها وهي: المرجعية الفكرية، الانطلاق في عملية الإبداع من العقل، الخيال، المخلية، الشعور الانتصار للشكل وللمضمون أوكليهما، التقاطع بين الذات والموضوع والواقع، أو التعامل بينهما، الجنس الأدبي والطبقة الاجتماعية. لو أخذنا هذه المحاور بمعنى آخر لقلنا أن الاختلاف بين المذاهب الأدبية جاء من اختلاف نظرتها لمفهوم الأدب وكبيعته من زاوية وتحديها لوظيفة من زاوية أخرى.
المذهب الكلاسيكي:
يتفق غالبية رجال الأدب على أن الكلاسيكية هي أقدم مذهب أدبي في الظهور والانتشار سواء في إيطاليا في القرنين الخامس عشر، السادس عشر ميلادي،أو في فرنسا في القرن السابع عشر الميلادي، وهذا لايعني مطلقاً الرابط بين نشأة الأدب ونشأة الكلاسيكية، فبديهي أن الأدب أقدم في الظهور من المذهب الأدبية، فمتى نشأ المذهب الكلاسيكي، فبديهي أن الأدب أقدم في الظهور من المذاهب الأدبية، فمتي نشأ المذهب الكلاسيكي، منا هي الخصائص والسمات التي تميز بها هذا المذهب؟.
إن الحديث عن نشأة المذهب الكلاسيكي يدفعنا حتماً للحديث عن عركة النهضة الأوروبية وتكروها في مجالي الأدب والفن، ولكننا لن نطيل في هذا الجانب بل سنضيء بعض الإشارات التي يتسنى لنا بها فهم النشأة "كلمة كلاسيكية وكلاسيكي مشتقة من الكلمة اللاتينية classis، وأصل معناها وحدة في الأسطول من هذا المعني أصبحت تفيد هذه اللفظة معني الوحدة الدراسية أي الفصل الدراسي…
والسبب في تسمية نوع من الأدب بهذا الاسم ـ أي تسميته بالأدب الكلاسيكي ـ هو أنه أدب خلد على الزمن وثبت صلاحيته في تعليم الشبان وتربيتهم في فصول الدراسة" [4] وبداية مع الكاتب أولوس جيليوس في القرن الثاني الميلادي حيث ظهر هذا المصطلح لأول مرة وكان بتعين به الكاتب الأرستقراطي الذي بكتب للنبلاء وصفوة الشعب ومثقفيه، وفي عصر النهضة انطبق مفهوم الكلاسيكية علي الأعمال اليونانية والرومانية فقط من منطلق أنها الوحيدة التي ترقي إلى مستوى التراث الإنساني بحكم الأرستقراطية الفكرية، وتطور المصطلح فيما بعد لينطبق على الأدب الذي يمثل القيم الإنسانية الخالدة والكامنة في الخير والحمال والتي لاتتغير رغم تغيير الوقت أو اختلاف المكان" [5]
هذا يعني أن المصطلح نفسه عبر محطات تطور من فترة إلى إلى أخري، وتعتبر إيطاليا المهد الأول للكلاسيكية، حيث عكف الإيطاليون على دراسة أرسطو جيدا وعمدوا إلى تقليده ويعترف بذلك فيليب فان بقوله: " إن الشر وعين الفرنسيين يدينون للإيطاليين بكل شيء والواقع إن هؤلاء كانوا قد سبقونا مائة سنة تقريباً" [6].
في حقيقة الأمر يتفق كل من الإيطاليين والفرنسيين في تبنيهم للاتجاه إلا أن الإيطاليين ساروا على النهج اليوناني بينما سار الفرنسيون على النهج اللاتيني وقلدوا كتابهم وأدبائهم " فقد كان راسين يطمح في أن يصح مجرد نسخة من الكاتب المسرحي اللاتيني…وليس نسخة من سوفوكليس الإغريقي وقد أحال الأديب الفرنسي (بوالو) أعماله إلى مجرد تطبيقات لما ورد في كتاب فن الشعر للشاعر اللاتيني هوارس" [7] وليس خفياً علينا تأثر هوارس المباشر أرسطو. من خلال تلك النبذة البسيطة عن نشأة الكلاسيكية مصطلحاً ومذهباً في الأدب نستطيع أن نحدد المبادئ التي سار عليها منظورة وأدباؤها، ومن خلال تلك المحاور التي وضعناها في المقدمة يمكننا تحديد خصائص المذهب الكلاسيكي في تقليد الأقدمين, وعلق د. محمود ذهني على ذلك بوصفه للأدب الكلاسيكي أنه " أدب تقليدي إتباعي ينسج على منوال سابقه ويستمد موضوعاته من منبع قديم معروف ثم يلبسها شكلا مصنوعا على مثال" [8] إن إيمان د. ذهني بمبدأ التقليد للمذهب الكلاسيكي فلا أرى تحتيما في ذلك الأمر بهذه الصورة وذلك لأمرين:
الأول وهو كون الأدب الإغريقي المتبع الرئيسي للكلاسيكية فإنه أدب بكر لم يتم فيه تقليد أحد أما الثاني وهو الإيمان بالتمييز والاختيار" ولقد اعترف مشرعوا التقليد جميعهم بضرورة الاختيار" [9]ومن هنا يتداخل مع مبدأ التقليد مبدأ آخر ألا وهو مذهب العقل. ومن مبدأ التقليد نستنتج الأساس الفلسفي للمذهب الكلاسيكي الذي يكمن في الأخذ بنظرية المحاكاة الأرسطية لمصدر الإبداع الأدبي, والخاصية الثانية للمذهب الكلاسيكي" لعقل", انتصر الكلاسيكيون للعقل على حساب الخيال والشعور, ولا نجاملهم إذا قلنا أنهم لم يهملوا العاطفة تماما أو يقيدوا الخيال مطلقا ولكنهم حاولوا تسيير الخيال في أطر محدودة ومن هنا كانوا يعلمون أن إهمال الخيال والعاطفة عيبا لهذا وصفوا واحدا من أكبر أدبائهم وهو راسين بأنه كن" يفكر بقلبه, ويحس بعقله, ويدرك بخياله" [10]
ومن خلال ما سبق يمكننا أن نضع أيدينا على السمات الفنية للمذهب الكلاسيكي المتمثلة في انتصار الشكل بالمضمون, حيث كانوا يحرصون على جزالة الألفاظ ومتانة التراكيب وفصاحة الأسلوب, والوضوح والبعد عن الغموض والتعقيد وبه زادت أهمي الموضوع على الذات, فالأديب عليه أن يسير ما بداخله من إبداع في وضوح ويسر وإن كنت ألتمس خلطاً عند د. ذهبي عندما وصف الأدب الكلاسيكي بأنه يهتم بالشكل قبل الموضوع [11] فالموضوع حسب علمنا بأخذ شكلاً ومضموناً إلا إذا كان يقصد بالموضوع هنا مضمونه والاتجاه نحو المسرحية أما الشعر فلم ينتصروا له كثيراً وإن راج عندهم الشعر المسرحي.
المذهب الرومانسي:
إن ميلاد مذهب في الأدب لا يتم بين ليلة وضحاها ولكنه كميلاد العصور والحضارات يأخذ وقتاً ونستند إلى مقومات تنظيرية قد تطول وبقصر، والحق إنها (لقاء) معركة أدبية ينتصر فيها روح العصر السائد، ومن هنا جاءت الرومانسية ثورة على القواعد الكلاسيكية بكل ما تحمله من سمات، كلمة رومانسية "مشتقة من كلمة رومانيوس Romanius التي أطلقت على اللغات القديمة والتي كانت تعتبر في القرون الوسطى كلهجات عامية للغة روما القديمة أي اللغة اللاتينية " [12] وأرجع د. نبيل راغب أصل المصطلح إلى كلمة رومانس الفرنسية بمعنى القصة أو الرواية خيالية كانت أم واقعة ثم أصبحت في الأدب الإنجليزي تعنى بالأشياء المرتبطة بالخيال فقط، ومن المرجح أن أول ناقد استخدم المصطلح في الأدب والنقد هو الباحث الفرنسي "تيودونير" 1776ك بينما يعتبر"فردريك شليجل" أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية ثم تبعته بعد ذلك " مدام دي ستال" الفرنسية " [13]
هذا عن نشأة المصطلح أما ما يدور في فلكه فقد امتد إلى قبل ذبك بكثير ويمكن أن نعتبر "جان روسو " مبشراً للمذهب الرومانسي حيث قدم جان روسو في قصته هيلوني الجديدة نموذجاً للبحث الرومانسي " [14]. وبرى د. شكري عياد أن "شاتوبريان" هو أبو الرومانسية بأفكارها وروحها [15] وإني لا أتفق مع د. ذهني بأن الرومانسية عاشت مع الكلاسيكية منذ اللحظة الأولى، في البداية كانت الكلاسيكية سائدة والرومانسية وليدة ثم جاءت المقومات لتجعل من الوليد شاباً ومن الكلاسيكية شيخاً " [16] ولعل أبرز تلك المقومات يكمن في أحوال أوروبا في القرن الثامن عشر حيث كان عصر زلزلة وطبقات اجتماعيه سائدة واستخفاف بالمبادئ القائمة الأمر الذي مهد الثورات التحررية في السياسة والفكر في كافة أنحاء أوروبا ولعل أوضح النتائج ظهرت في قوة اللغات القومية أقصد الإقليمية، فرنسية……الخ
وانتصار البرجوازية على حساب الأرستقراطية.
يمكننا أن نجعل الأساس الفلسفي للمذهب "الرومانسي" أو "الرومانتيكي " كما يطلق عليه د. محمد غنيمي هلال "للرومانتيكية طابع مثالي مبني علي أسس جمالية منها نسبية الجمال واستقلال الحمال كما دعا إلى ذلك "ديدرو"ثم "كانت" [17]يويرجع في موضع آخر إلى قبل ذلك حين يقول " ومن قبل كان للناحية العاطفية مكان في فلسفة لوك الإنجليزي وكوندورسيه الفرنسي" [18].
ومن تلك الأطر الفلسفية نستطيع أن نلمس الانتصار للذاتية والعواطف وإطلاق العنان للخيال ممثلة بذلك قمعاً لقواعد الكلاسيكية ولو أردنا تحديد السمات العامة للمذهب الرومانسي لوجدناها تنحصر في الانتصار للذات وإطلاق العنان للأديب أن بعبر عن ذاته بنا يراه مناسباً من أشكال، فالرومانسية تعترف بالمشاعر الإنسانية ومن هنا نلمس لمحات الحزن والألم والوحدة والحب التي تجلت في كتاباتهم، واللجوء إلى الطبيعة حيث تفيض مشاعرهم بالعواطف الذاتية، لأن عملية الإبداع قوامها الخيال والعاطفة، ويجمل د.عز الدين ]إسماعيل خصائص المذهب الرومانسي بقوله "هو أدب العاطفة والخيال والتحرر الوجداني والفرار من الواقع والتخلص من…الأصول الفنية التقليدية للأدب والأدب الرومانتيكي يمثل الروح… الانطلاق والحرية " [19] وهذا وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً أخذت الرومانسية في الزوال.
المذهب الواقعي:
إن مصطلح الواقعية كمذهب في الأدب والفنن كلمة جديدة نزعم أنها دخلت الدائرة الأدبية في منتصف القرن التاسع عشر،أما دلالتها اللغوية من حيث تصوير الواقع والتعبير عنه قديم قدم الفن والأدب قبل أن يكون لنا مفهوم وأنصار، وفي نشأتها عاصرت الرومانسية وأن لم يكن وطيس المعركة محتداً بينهما كما كان بين الكلاسيكية والرومانسية، وإن كان المدلول الاصطلاحي للكلمة لاينفصل كلياً عن دلالته اللغوية إلا إنها نظرة خاصة لأشكال الحياة ذات معايير فكرية اختلفت من قطر إلى أخر، وهذا يعني أننا نلتقي بأكثر من تيار واقعي، حيث نلتقي "بالواقعية النقدية"التي يسميها البعض" بالواقعية الأوروبية" أو الواقعية الغربية، ونلتقي بالواقعية الاشتراكية والواقعية الطبيعية وإن اختلفت تلك الأطر في بعض الأمور إلا أ،ها تلتقي جميعاً في رفضها للمثالية وتلتفت إلى الواقع.
ولعنا نلمس في أسباب ضعف المذهب الرومانسي عوامل القوى التي نشأة في كنفها الواقعية، ويمكننا أن نقول: إن رغبة المجتمع الغربي في التخلص من الأحلام التاعسة للرومانسية والتطور السريع في مجالي الفنون والعلوم وانتشار روح العمل في المجتمع الأوروبي بالإضافة إلي الفوضى والاضطرابات الاجتماعية آنذاك… كل دلك في قيام المذهب الواقعي في الأدب.
الـواقعية النـقدية:
إن الحديث عن المرجعية الفلسفية للواقعية النقدية يرجع بنا إلى القرن الثامن عشر مع "مولتير" الفرنسي الذي مهد لها بسخرية من مثالية شعراء انجلترا " بروب " وغيره حيث كان يرى في مثاليتهما سذاجة بلهاء، وإن تعمقت عند الفيلسوف الإنجليزي "هونز" والذي يرى أن الإنسان للإنسان ذئب ضار وذلك في تصويره لسوداوية العالم " [20] ونلتقي أيضاً في الإطار الفلسفي بتأثير فلسفات " أوجست كونت " و" ستيوارت ميل " في نصها على إن المعرفة المثمرة هي معرفة الحقائق والتخلي عن الذاتية [21].
وعلى الصعيد الأدبي يعتبر شانفلوري1821-1889م، أول من نقل فكرة الواقعية إلى الأدب متأثراً بصديقه الرسام " كوربيه " في حين يعد "بلزاك" و" فلوبير" من أكبر كتاب الواقعية النقدية، ويمكننا عرض أبرز السمات العامة للواقعية النقدية.
اتجهت الواقعية إلى الأدب الموضوعي، حيث انتصرت للنثر خاصة للرواية، وأخذت من دقة التصوير والتعبير بديلاُ من الأحلام والتهويل، وعنيت بالمشكلات الاجتماعية أكثر من عنايتها بالفرد، زمن هنا كان إيمانها بجمال المضمون [22]، وكما اهتمت بتصوير الجانب الوادي في العالم والمنهار من العام دون أن تطرح الحلول، فقد كانت تدعو للتغيير عن طريق التصوير لاعن طريق الثورة.
تؤمن الواقعية النقدية على الصعيد المعرفي بالحركة الفاعلة بين الذات والموضوع، فقد أعطت عناية واضحة بالموضوع من حيث الاهتمام بالواقع في جانبي التصوير والتاريخ، كذلك أعطت الذات قدراً من العناية والاهتمام لتقدم الذات في أخطر جوانبها وهي سمات الصدق، وتؤمن الواقعية النقدية بتحقيق الجمال في القص عبر أبعاد الذات والواقع والمعاناة [23] وصور الواقعيون النقديون آفات الشر والسواد في قصصهم من واقع الطبقات المسموعة، ولكنهم لم يدعو إلى سلوك طيقي معين، فهم يتفقون مع الوجوديون، كما سيتضح لنا ذبك في الإيمان بتحقيق محتوى إنساني يتجاوز البعد الطبقي [24]، ومن هنا كان التداخل بين الوجودية والواقعية النقدية من ناحية، ومعارضة الواقعية الاشتراكية من ناحية أخرى.
الواقعية الاشتراكية:
نجد بذورها الأولى في فلسفة "سان سيمون 1760-1825م" في دعوته لتوجيه الفن وجهة اجتماعية، وفلسفة " جوزيف برودون 1809-1865م" الذي نادى بوجوب خدمة الفن للمبادئ الاجتماعية ثم أصبحت مادية اشتراكية فيما بعد [25]،.
ويرى د. نبيل راغب أن جوركي هو أول من صاغ اصطلاح الواقعية الاشتراكية كمقابل مضاد للواقعية النقدية وحاول تطبيقها في أعماله وفي بلورتها في اتجاه أدبي له ملاحمه المتميزة ولكنها تطرفت بعد ذلك في العشرينات والثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن وأصبحت المرجعية والنقدية اللعبة المفضلة لأدباء الواقعية الاشتراكية" [26].
هذا عن نشأة الواقعية الاشتراكية أما مبادئها وسماتها، فإن الحياة الاجتماعية تتكون من بنيتين، بنية تحتية وبنية فوقية تكمن فيها النظم الثقافية والسياسية والوعي الذي فيه الأدب، والبنية التحتية المؤثرة والفعالة في البنية الفوقية وبالتالي فإن أي اهتزاز في البنية التحتية لابد وأن يوافقه تغيير في البنية الفوقية إلا " أن ذلك الدور السلبي للوعي والثقافة، لم يكن عند الفلاسفة الأوائل ولكنة تجلى في قو ل ماركس: ليس وعي الإنسان هو الذي يحدد وجودهم بل العكس من ذلك وجودهم الاجتماعي هو الذي يجدد وعيهم، ومن هما نلتقي بالمعادلة الآتية:
اهتزاز في البنية التحتية —< تغير طبقي
تغير طبقي —< وعي + أدب متغير جاعلة للصراع الطبقي بين الإقطاع والبرجوازيين، أهمية باللغة في تعبير الأدب [27]، ومن ما تميزت به عدم انتصار الذات على الموضوع في الأعمال الأدبية،وانتصار المضمون على حساب الشكل، وكان الإصلاح يتم عن طريق النقد المباشر، وكما عنيت بتصوير واقع جديد "ليس من الضروري لكي يوصف الأديب بالصدق أن يقص ما يحدث فعلاً أو ما يغلب حدوثه، بل يكفي أن يقص ما يمكن حدوثه دون أن يوصف بالاستحالة أو عدم المعقولية [28]، وهي بذلك تختلف عن الواقعية النقدية التي تؤمن بتصوير السواد والتشاؤم كما هو دون تغيير وإذا كانت الواقعية النقدية انتصرت للسريات والرواية الخاصة إلا أن الاشتراكية،بالإضافة إلى ذلك وتحديداً نلتقي" بماياكونسكي " الشاعر الروسي يدخل الشعر الغنائي في أولويات الواقعية الاشتراكية ولكنة يبقى يحمل رسالة اجتماعية لابتجاوزها [29].
الواقعية الطبيعية:
يعد "أميل زولا" المؤسس الأول للطبيعة في الأدب والتي تعتبر امتداداً مباشراً للواقعية النقدية، إلا إن هناك بعض نواحي الاستقلالية جاء بها "زولا" الذي ردد دائماً لا لوجود مدرسة طبيعية في الأدب ومن هنا أميل إلى إنها عبارة عن تطور للواقعية النقدية، وليست مذهباً مستقلاً "فزولا" نفسه يقول "إن الطبيعة ليست سوى طريقة أو هي على الأقل تطويراً " [30].
فالطبيعة تسعى لتصوير واقع الحياة وفهمها ولكنها تمتاز برؤيتها الخاصة في كون التصوير الواقعي لحياة الإنسان يحب أن يكون على اعتبار انه مادة عضوية، و"أهم خصائص الواقعية الطبيعية هو وصف طبائع الإنسان وحقائق الأشياء أي للحياة الطبيعية وتحويلها فن يطابق الواقع" [31]، ولعل أبرز ما يميز تلك النظرة هو أن القاص لابد وأن ينتهي بقصته أو روايته بما يتفق مع التطور العلمي، فهو يرى أن نتائج القصة لابد وأن تؤيدها العلوم بما توصلت إليه وإن كان يعترف أن التجارب الأدبية لا يمكن أن كتابتها جميعها علوم العصر ومن هنا نكشف أن الهدف الذي يقترحه "زولا" هو أن يدخل الكاتب في الأدب الطرق العلمية الخاصة بالطبيعة [32].
ويؤمن "زولا"بالفردية ويعتبرها أثمن طابع للعمل الفني، وتدعو الطبيعية إلى التغيير كالواقعية النقدية عبر طريق التصوير والتحليل وفي ذبك يقول "زولا": أننا نقدم الوثائق اللازمة لأن يتبين الخير من الشر وعلى الشرعين ان يكافحوا الشر ويتبنوا الخير [33].
ونلتقي بعد "زولا" بعدد من الكتاب الطبيعيين أبرزهم هو "أوجه سترندبرج" و"هنري بك" في حين جمع بين الواقعية والطبيعية "تولنستوي"، و" ديستونيسكي " [34]، وفي النهاية أقول أن "زولا" لم يعمد مطلقاً لإنشاء مذهب خاص في الأدب فبلزاك هو السيد الذي يعترف به دائماً ويؤمن بكل نتاجه، ومن هنا يصح القول إن الطبيعة امتداد للواقعية النقدية.
المذهب البرناسي:
في بداية الأولى كان يمكن أن تدخل تحت نطاق البرناسية مجموعة من الميول الفنية والأدبية عبرت عن ذاتها في القرن التاسع عشر، وإن كانت تنطلق من فكر واحد ألا إن أقطاب تلك الميول اختلفت أمزجهم بعد فترة ليست بعيدة وتعارضت في بعض الأحيان إلى إن انتهت إلى مذهب مستقلة، ومن رواد ذبك الفكر نلتقي "ببودلير" الذي يعد الأدب المباشر للمذهب الرمزي، ونلتقي "بيتوفيل جوته" الذي يرتبط اسمه بالفنية أو " الفن للفن " ومنهم " لوكونت" الذي يعتبر زعيم البرناسية، وسأتحدث عن البرناسية" والفن للفن" كمذهب عالمي واحد.
كلمة برناسية تنسب إلى جيل البرناس الشهير ببلاد اليونان، والذي تحكي الأسطورة أن آلهة الشعر كانت تسكنة، عبارة " الفن للفن" ترجع إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر" وقد يكون "فكتورهوجو" هو أول من أطلق عبارة الفن للفن في نقاش أدبي جرى عام 1829م محتجاً على الصفات المجردة التي يضيفها " فولتير" على أشخاص التراجيديين" [35]، وقد حاول الناقد الإنجليزي "برادلي" سنة1901م بلورة فكرة الفن للفن عندما هتفت بأن الشعر الجيد هو الذي بكتب من أجل الشعر فقط [36]، ثم جاء جوتيه الذي أطلق عناصره وسماته، وأجمع بين الفن للفن والبرناسية من منظار أن كليهما يسعى إلى أن يكون الفن غاية في ذاتها لا وسيلة لتعبير عن غاية وأرجع د. هلال نشأة مصطلح الفن للفن إلى عام1818م إلى "فكتور كوزان" [37]،
ومن هنا يمكننا القول إن ذلك المذهب موجود منذ القدم ولكنه بدأ يظهر كمذهب أدبي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين معتمداً له أسس فلسفية مناهضة للواقعية من جانب والرومانسية من جانب آخر، حيث كانت مرجعيته الفكرية هي الجمع بين الفلسفتين المثالية، والتجريبية التي سادت أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر [38]، وعودة إلي"لوكونت" زعيم البرناسية الذي كان يحلو له دائماً أن يرجعها إلى الديانة البوذية التي ربما كان سبب انسايقة نحوها هو ميلاده ونشأته في جزيرة "بربون"إحدى مستعمرات فرنسا في جزر الهند الشرقية، وملخص تلك الفلسفة السخرية من ألم الإنسان وبكائه وخلاص الإنسان يكمن في الزفانا [39] وذلك بإمالة الرغبة في ذات الأنسان، وبعد أن وضعنا أيدينا على الأساس الفلسفي لهذا المذهب يمكننا أن نتطرق إلى سماته الفنية مع إيماننا المطلق أن للأدب والفن وظيفة كما اتضح لنا في الفصل الأول.
الفن عند البرناسيين غاية لا وسيلة للتعبير عن ذات الفنان ومادته هي الصور الجميلة التي تستمد وجودها من اللغة وهي بالتالي تنتصر للموضوع وتحرص على تنحية الشاعر من مشاعره وآلامه [40] والانتصار للشكل فى المصمون من منطلق قولهم "ليس المهم ما تقول ولكن كيف تقول أوكيف تعبر عنه" [41]ويرى "فان تيجم" أنهم يقرون بجمال الشكل والمضمون معاً وذلك من منطلق أن الشكل يفيد الجمال مباشرة والفكرة تصيبه بشكل غير مباشر [42]، وناصر الرومانسيون الخيال ولكنه ليس خيالاً رومانسياً هارباً من الواقع ومعترك الخيال بل كان خيالاً علمياً يستند على الأسطورة والاغتراب في مخلفات الزمن، ومن هنا نادوا بأن تنحت عصور الشعرية نحتاً كالفنون التشكيلية [43] واختار البرناسيون صفوة المجتمع ليكونا جمهوراً لهم، حيث ضايقوا سواد الشعب وترافعوا بهم إلى الصفوه [44]، ولفد عاصرت البرناسية الواقعية في الأدب إلا إن الواقعية اتجهت إلى القصة والمسرح بينما حتضنت البرناسية الشعر الغنائي حيث وجدوا فيه فرصة أكبر لأطلاق عنان الخيال والأساكير، وأن كان هناك نقد موجه للبرناسية هو قطعهم بين الأدب والحياة، وكيف يكون ذلك، فهل يمكن أن يبدع الاديب بعيدأ عن الحياة وبعيداً عن ذاته؟ ذلك الأمر الذي وجهه الانتقادات الكثيرة للمذهب البرناسي، حيث كان عاملاً حاسماً في صراعه الادبي ومن ثم ضعفة وتقصه.
المذهب الرمزي:
إن الرمزية كمذهب أدبي لم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإن كانت أصولها الفلسفية أقدم من ذلك بكثير، لا نغالي إذا قلنا إنها تمتد إلى المثالية الأفلاطونية، حيث كان يري أفلاطون أن حقائق العالم المحسوسة لم تعد سوى مجرد رموز للحقيقة المثالية البعيدة. وتعد الرموز من أقوى المذاهب الأدبية العالمية، في انتصارها للشعر الغنائي بعد الرومانسية وتنطلق من كون اللغة عبارة عن رموز للعالم الخارجي والعالم النفسي وتكمن وظيفتها في إثارة الصور الذهنية التي يتلقاها المرء من الخارج أو يجعلها من أشتات الصور العي تستند في وجودها للعالم الخارجي، ومن ثم تصبح وسيلة للإيحاء وليس للنقل المباشر،
وفي إطار ذلك يكمننا القول : إن الرمزية سارت في ثلاثة اتجاهات، اتجاه غيبي يختص بالعالم الذهني، وكيفية إدراكه للعالم الخارجي، واتجاه باطني يختص بكشف عالم اللاوعي والعالم الداخلي للفرد، واتجاه لغوي يكمن في وظيفة اللغة ومقدرتها على التداخل بين الحواس، ومما لا شك فيه أن التفاعل والتداخل قوي جداً بين تلك الاتجاهات [45]، وكما ذكرنا آنفاً إن الرموز تعود إلي مثالية أفلاطون وتلتقي أيضاً مع مثالية "كانت" أما عن مؤسسي الرمزية كمذهب في الأدب فلا يختلف أحدً علي أن"بودلير" و" فرلين" و"مالارميه" أول من أدخل الرمزية في شعره على الشكل و" بودلير" أول من أدخلها على المضمون أما " فرلين" فهو شاعر الرمزية العاطفي " [46] أما إعلان الرمزية كمذهب عالمي في الأدب فكان ذلك في " الثامن عشر " من أيلول 1886م عندما أصدر عشرون كتاباً فرنسياً في جريدة " الفيجارو" الأدبي الفرنسية عن الميلاد الرسمي للمدرسة الرمزية [47].
هذا عن النشأة والبداية، أما عن السمات العامة للمذهب الرمزي كمذهب عالمي، اكتفاء الشاعر بالتلميح عن الأشياء، والاهتمام بالموسيقى وتحرير الشعر من الأوزان التقليدية حتى تتمكن الحركة الموسيقية من مواكبة الدفق الشعوري للفنان [48] وقدم الرمزية نجاحاً بارزاً ًفي الشعر أما علي صعيد السردي فكان نجاحهم محدوداً ولكنهم قدموا قصصاً مسرحيات في غاية الروعة" ومن أبرع من نجحوا في المسرحيات الرمزية "ماترلنك" البلجيكي، وفي القصة "كافكا" التشيكي الذي كان يكتب بالألمانية [49]، ومزج الرمزيون بين الحواس واعتبار الألوان وسيلة للتعبير [50] مع كثرة الغموض، أطلق الرمزية العنان للخيال في الإيحاء لكنهم يؤمنون بالصنعة والإحكام بل وخضعون خواطرهم الأولى إلى التفكير الفني بقصد السيطرة علي ضبابة الشكل.
المذهب السريالي:
يرتبط المذهب السريالي في الأدب بـ"فرويد" الذي قسم حياة الإنسان النفسية إلى "الشعور" و"لاشعور" في نظريته الغريزية، وفرق "فرويد" بين الإدراك العقلي والشعور والانفعال والنزوع السريالية تعتبر اللاشعور هو مصدر تغذيتها بما يحوي عليه من كبت في مراحل نمو الفرد المختلفة يرى السرياليون "أن التعبير الفني مرتبط باللاشعور أكثر من ارتباطه بالشعور" [51] وأخذوا يدللون على ذلك بأن اللاشعور في حالة تهييج مستمرة على العكس من الشعور الذي يكون مستقراً بسبب تحقيقه، وإن وعي الإنسان بغيب في حالة تذوقه للعمل الفني فيصبح الإنسان كالحالم.
كلمة "سرييل" الفرنسية معناها ما وراء الواقع، وهي منعناها المذكور حير تعريف للمذهب السريالي" [52]، فهي " حركة ذاتية نفسية صافية يقصد بها التعبير إما شفاهة وإما كتابة أو يأتي طرقة أخرى، عن العامل الواقعي للفكر في غياب كل مراقبة يمارسها العقل بعيداً عن كل انشغال جمالي أو أخلاقي،… أن السريالية مبنية على القوة العظيمة للحكم [53]، فلغة الفكر النزيهة تهدف إلى هدم جميع الحركات الذاتية النفسية الأخرى، تعتبر الدادية الأصل المباشر للسريالية، فقد تميزت بعدم خضوعها لأي قيد أو شكل تفرضه الأصول الفنية [54]، وهي في الواقع مناهضة للمجتمع الرأسمالي، وعلى قينه ومثله، ورائدها الأول هو"أندريه بريتون" ومن أعلامها الأدباء "بول ايلوار"و"لويس أراحون" ومن أشهر رساميها "بيكاسو".
السريالية تسعى لخلق شكل جديد للشعر، لايهتم بالمضمون مطلقاً فهم يرون "أن نبدأ عن خلق القصيدة بالكلمات بدلاً أن نبدأ بموضوع أو عاطفة أو فكرة " [55]، خيالهم خيال أسطوري غير واع، ووجدنا في الشعر أرضاً خصبة لإبداعهم حيث امتلأت بالأساطير الموجودة وغير الموجودة، وإن كان لهم مسرحيات، فمسرحياتهم يغلب عليها الطابع الأسطوري، استنكر د.محمد مندور أن تندرج السريالية ضمن المذاهب الأدبية، إذا رأي أنها لم توافق إلى خلق صورة أدبية خاصة بها [56].
المذهب الدادي:
لقد أثرت الحرب العالمية الأولي على كل مجريات الحياة ومن ضمنها الأدب، التي كان من مخلفاتها المذهب الدادي الذي يعتبره مثيرون مورداً طبيعياً للسريالية، وهي نتيجة أيضاً إلى اللاشعور ولكنها تختلف عن السريالية في كونها تعني بالواقع.
والدادية كلمة لاتحمل معنى وإنما جاءت من اختراع "تريستان تسارا " 1916، بحيث تعني أي شيء ولاشيء في الوقت نفسه [57]، فهي ولدت من الكفر العميق بكافة المثل السائدة التي أنجبتها الحرب ولقد عبر عنها "فيليب سولر" بقوله"ضع الألفاظ في قبعة ثم أخرج منها ما يعيد لك،فبهذا يصنع الشعر الدادي" [58] الدادية لا تعتمد على أساس فلسفي أو مرجعية فكرية ولم تدخل الأجناس الأدبية سوى الشعر"فليس هناك أية شروط للانتقام إليها ولا مكان محدد للاجتماعات بل كانت تعقد في الحانات والأزقة والميادين الجانبية وكان مسموح لأي شخص حاضر أن يقول كل ما يخطر على باله حتى ولو كان مجرد هذيان " [59]ومن هنا فقد كان مذهبا ضحلاً لم يستمر طويلاً حتى ترك زمام الأمور للمذهب السريالي الذي اعتمد مباشرة على الأسس النفسية واللاوعي.
المذهب العبثي:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ثبت للإنسان أن كل ما بناه يمكن أن ينهار في لحظة واحدة فأصبح العبث والحشية وانعدام المعنى يمثل الجزء الأكبر من فكر الإنسان وسلوكه، ومن هنا تولد معنى العبثية في رفض أي معنى منطقي متماسك ككل ما يقوم به المرء من تصرفات، ولنقل أنها عبرت عن انعدام المعنى في السلوك الإنساني ومدرسة العبث لم بأتِ من فرغ في الأدب العلمي بل إن لها جذورها في المذهب السريالي بما يحويه من شطحات للعقل الباطن وهلوسة وأحلام، ويرجع "أرنست فيشر" بالعبثية إلى الذاهب الرمزي الفرنسي، وقد يرى البعض أنها تدعو للعبث وهي في حقيقة الأمر تحاربه من خلال مسرحياتها وأعمالها الأدبية، خاصة أن انعدام المعنى أصبح داء يسري في وعي القرن العشرين
ويعتبر"صمويل بكييت " و"يوجسن يونسكو" و"أرثر أداموف" من أكبر الأدباء الذين عبروا عن العبثية في أعمالهم المسرحية حيث وجدوا في المسرح طريقهم للتعبير عن أفكارهم [60].
المذهب الوجودي:
عند الحديث عن الفلسفة الوجودية فأننا نتحدث عن أهم مذهب عالمي فلسفي استقر في أوروبا في القرن العشرين، ومن ثم كان المذهب الوجودي في الأدب من أبرزهم المذاهب الأدبية أيضاً وملخص تلك الفلسفة يمكن في معتقدات "سورين كيركاجورد"1813 -1855عند الإنسان، فذلك الفيلسوف يعتبر المؤسس الأول للوجودية حين قال"الحقيقة ذاتية والإنسان مؤسس تلك الحقيقة" [61]، فالأساس العام والأبرز للوجودية هو إنكار وجود ماهية سابقة وعدم القبول إلا بالوجود الإنساني فقط، ومن هنا يمكننا أن نرجع بالوجدانية إلي آراء "فولتير" وإن برزت بشكل أكبر في فلسفة ديكارت فيما بعد، وهي جهداً تعارض مسألة الشعور واللاشعور من ناحية والفلسفة الإغريقية في فصلها بين الصورة والمثال من ناحية أخرى.
ومن أبرز رواد الوجودية بعد كير كاجورد نلتقي"بمابريل درسيل" و"مارتن هايدجر" و"جان بول سارتر" ولو تحدثنا عن أهم ركائز الفلسفة الوجودية لوجدناها مبنية على مبادئ الحرية والمسؤولية والالتزام وهم يرون أن الإنسان ليس حراً في تصرفه بحسب ولكنة في مشاعره أيضاً… وحريته تتحقق حين يختار أيخضع لهذه المشاعر أم يقاومها، ومن هنا نلتقي بمشاعر القلق والبأس والهجران كمشاعر رئيسية ناتجة عن مرتكزات تلك الفلسفة، وهناك أمور يؤمن بها الوجوديون أن الإنسان لايمكن أيكون حراً في تصرفاته كظروف نشأته ولادته من أسرة معينة وعوامل الوراثة، فحرية الفرد عندهم "حرية يقف فيها بنفسه على المواقف التي تتوافر فيها القيم فلا يكون خدعة الغيرة باسم المبادئ التي تنادي بها طبقة أوفئته [62]، ولما اختار الإنسان بحريته فهو مسئول عن ذلك الاختيار وملتزم بواقفه، وهي بذلك ترفض الأخلاق العامة والمعتقدات السياسية.
والوجودية تخالف الاشتراكية في كونها ترى أن الإنسان يتكيف بذاته وبتصرفه الذي يختاره لابمشيئة الواقع وتغيره، وإن كانوا يشتركون معاً في بغضهم للفلسفة المثالية، وقد يقول لنا قائل: الوجوديون ذاتيون فهم ينطلقون من ذات الإنسان الموجود، والمثاليون ذاتيون ينتصرون للذات أيضاً، وردنا على ذلك بأن المثاليين "يرون أن العالم يقتصر على الأفكار لا على الحقائق فالموت والبطالة والبؤس وغيرها من الأمور التي يرون أنها تستدعي التفكير بينما يرى الوجوديون مع الواقعية النقدية في الأيمان بالتحرر من المستوى الطبقي والمادي والسعي لتحقيق مبادئ إنسانية عامة وباقية، وتتسم الوجودية كمذهب أدبي عالمي بالانتصار للنثر على الشعر من منطلق أن الكلمة في النثر مجرد أداة لتوصيل المعنى فهي تتسم بالوضوح،أما في الشعر تتحول الكلمة إلى غاية في حد ذاتها وأن الكاتب عندما تعبر عن مشاعره بالنثر يزيدها وضوحاً لذلك أخرجوا الشعر كالنحت والموسيقى من الالتزام [63]، وعدم الفصل بين الشكل والمضمون، ولا قيمة للشكل من حيث هو شكل فقط لا قيمة لجمال ليس له مضمون، بعبر الأديب عن مشاعره من وجوده الحقيقي لا من خياله المفرط..
الأدب الوجودي وسيلة أصلاح يحددها ضمير الكاتب وصدقه، وهم يخشون أن يصبح الأدب نوعاً من الدعاية لتسخير بعض الغايات غير الإنسانية، ونقول من خلال ذلك أن المذاهب الفنية العالمية إجمالاً تيارات تتجه فيها الآثار الإبداعية العالمية وجهات جمالية خاصة في مختلف أنواع الفن العالمي بما فيها فن الأدب بقسيمه النظري النقدي والإبداعي الفني [64].
حواشي
[1] نظرية الأدب،ص60.
[2] ابن منظور،لسان العرب، ص1522، الجزء الثالث، دار الجيل، بيروت،1988.
[3] مجدي وهبة، معجم المصطلحات في اللغة والأدب، ص346، مكتبة لبنان،1984.
[4] مقال عن المنهج، وفيه ديكارت، ترجمة محمود الخضري،ص141، الهيئة العامة للكتاب 1985.
[5] د. محمد مندور ن الكلاسيكية والأصول الفنية للدراما،ص10، دار النهضة،1994.
[6] انظر: د.نبيل راغب، المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية،ص13، الهيئة العامة للكتاب 1977.
[7] فيليب فان، المذاهب الأدبية الكبرى،ص39، ترجمة فريد أنطوليوس، عويدات بيروت 1967.
[8] المذاهب الأدبية، د.نبيل راغب،ص13.
[9] تذوق الأدب،ص293
[10] المذاهب الأدبية الكبرى،ص45.
[11] تذوق الأدب،ص294
[12] نفسه،ص293.
[13] د.محمد مندور الأدب ومذاهبه،ص59،دار النهضة، بدون.
[14] انظر: د. نبيل راغب، المذاهب الأدبية،ص24،مرجع سابق.
[15] محمد الشوباشي، الأدب ومذاهبه، ص106، الهيئة المصرية،1970م.
[16] انظر:د. شكري محمد عياد، المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين،ص173،سلسلة عالم المعرفة، الكويت 1993.
[17] انظر:تذوق الأدب،ص309.
[18] النقد الأدبي الحديث،ص293.
[19] د. محمد غنيمي هلال، الرومانتكية،ص37، دار الثقافة،1973.
[20] عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونة،35.
[21] انظر: د.محمد مندور،الأدب ومذاهبة،ص92.
[22] انظر:د. محمد هلال،النقد الأدبي الحديث،ص329.
[23] انظر: محمد الشوباشي،الأدب ومذهبة،ص122.
[24] من محاضرات في النقد الأدبي الحديث، د.كريم الواثلي، ليبيا جامعة ناصر، 1994.
[25] د.محمد هلال، النقد الأدبي الحديث،ص328.
[26] د.نبيل راغب، المذاهب الاأدبية،ص42.
[27] انظر: نفسه،ص331.
[28] د.محمد مندور، الأدب ومذاهبه،ص104.
[29] انظر: محمد هلال،الأدب المقارن،397، دار العودة بيروت،1987.
[30] فيليب فان، المذاهب الأدبية،ص249.
[31] عباس خضر، الواقعية في الأدب،ص8.
[32] انظر :فيليب فان، الذاهب الأدبية،ص251.
[33] عباس خضر، الواقعية في الأدب، ص10، دار الجمهورية،1967،بغداد.
[34] محمد الشوباشي، الأدب ومذاهبه، ص123.
[35] فيليب فان، المذاهب الأدبية،ص258.
[36] انظر : د. نبيل راغب، المذاهب الأدبية،ص92.
[37] محمد هلال،الأدب المقارن،ص386.
[38] انظر: د. عز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية في النقد العربي،ص380، دار الفكر العربي،1974.
[39] انظر:د.محمد مندور، الأدب ومذاهبه،ص111.
[40] الزفانا في البوذية يقصد بها حالة نفسية تهيئ الإنسان للجنة.
[41] إيليا الحاوي، البرناسية،ص12.
[42] إيليا الحاوي، البرناسية،ص20، دار الثقافة،1983.
[43] فيليب فان،المذاهب الأدبية،ص262.
[44] د. عز الدين إسماعيل،الأسس الجمالية،ص390.
[45] انظر :د. محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن،390.
[46] انظر : د. محمود ذهني، تذوق الأدب،ص321.
[47] محمد الشوباشي، الأدب ومذاهبه،ص136.
[48] انظر : د. نبيل راغب، المذاهب الأدبية،ص111.
[49] انطوان غطاس، الرمزية والأدب،ص76، دارا لكاشف،19149بيروت.
[50] محمد هلال، الأدب القارن، ص404.
[51] انطوان غطاس، الرمزية والأدب،ص92.
[52] د.محمود ذهني، تذوق الأدب،ص327.
[53] محمود الشوباشي،الأدب ومذاهبه،ص138.
[54] فيليب فان، المذاهب الأدبية،ص317.
[55] انظر :والاس فاولي،عصر السريالية،ص24، ترجمة د. خالدة سعيد، منشورات فرلنكين 1967بيروت.
[56] نفسة، 73.
[57] انظر: نفسه،ص151.
[58] انظر: د. مندور، الأدب ومذاهبه،ص148.
[59] انظر: د. نبيل راغب، المذاهب الأدبية، ص233.
[60] د.عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه، ص39.
[61] د. نبيل راغب، المذاهب الأدبية، 234.
[62] انظر نفسه،ص239 وما بعدها.
[63] د. عزالدين إسماعيل، الأدب وفنونه،ص41.
[64] محمد الشوباشي،الادب ومذاهبه،ص141.