[center]بسم الله الرحمن الرحيم
[right] إلى إخوتي في المنتدى...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أضع بين يديكم أولى مشاركاتي في هذا المنتدى، وهو عبارة عن بحث لي في مساق الأدب المُقارن بعنوان "العندليب والوردة في الآداب العالميّة"، وقد تناولته في 4عنواين فرعية:
1- البلبل والوردة في الآداب العربية
2- البلبل والوردة في الأدب الفارسي والتركي
3- البلبل والوردة في الأدب الأوروبي
4- البلبل والوردة في الأدب الهندي
ولأن البحث كبير جدا لذلك أرفق لكم فقط موضوع البلبل والوردة في الأدب الهندي، لأنه يخصني وفيه جهدي الخالص وأحببت أن تشاركوني فيه، لأنني استمتعت كثيرا بكتابة هذا البحث خصوصا في هذه النقطة في الأدب الهندي.
أترككم مع قصة البلبل والوردة على أمل أن تعجبكم، وأسمع تعليقاتكم عليها، وانتقاداتكم فيها ويسعدني ذلك جدا
ولمن يريد سماع الأغنية الرجاء الدخول على هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=nmxvcR7AHvQ
[/left]والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المخلصة: هنـد
البلبل والوردة في الأدب الهنديّ:
إذا كانت الآداب الأخرى تتّفق في قصّة البلبل والوردة سواء من حيث التّسمية أو في موضوع القصّة نفسها، فإنّ الأدب الهنديّ يختلف نوعًا ما في المضمون، إذ تختتم القصّة بنهاية سعيدة بجمع شمل الحبيبين الورد والبلبل، كما أنّ هناك اختلاف في التّذكير والتّأنيث، فالورد هنا مذكّر وليس وردة، والبلبل مؤنّث.
قصّة البلبل والوردة أو البلبل والوَرد في الأدب الهنديّ ورَدَت على شكل حوار بين شابّ وفتاة في أغنية هنديّة قديمة لم يُعرف مُؤلَّفُها، أمّا المُلحّن فهو: محمّد رافع، والأغنية من ألبوم اسمه: (عندما تتفتّح الأزهار)، وقد قام مُمثّلوا نجوم بوليوود للأفلام الهنديّة بتصويرها، وسأكتفي بذكر ترجمة الأغنية من اللّغة الأرديّة إلى العربيّة:
الشّاب: كان هناك وردٌ وكانت هناك بُلبُل
كان الاثنان يعيشان في البستان
هذه القصّة حقيقيّة تمامًا، كان جدّي لأمّي يحكيها
كانت البُلبُل تغنّي هكذا...هكذا كانت تغنّي...هكذا كانت تغنّي
الفتاة: كيف كانت تغنّي؟
الشّاب: مثلما أنتِ تتحدّثين! -تضحك الفتاة-
وذاك الوَرد كان يخجل هكذا...هكذا كان يخجل...هكذا كان يخجل
الفتاة: كيف كان يخجَل؟
الشّاب: مثلما أنا أشعر بالارتباك! -الفتاة تضحك-
لم تَكُن البُلبُل تعلم لِمَ كان الوَردُ يخجل هكذا؟!
ما أدراها أنّ نغمتها يجعل قلب الوَرد يخفق
أسرار القلب لا تأتي على الشّفاه، هي تبقى في القلب دائمًا
الفتاة: ماذا حدث بعد ذلك؟
الشّاب: لكن أحاديث القلب كم يومًا ستبقى مكتومة
إنّها كتلك البراعم التي يوما ما تصبح أشواكًا مؤذية
عَلِمَت البُلبُل يومًا أنّ الوَرد يعشقها
إن كان أعجبك...سأكمل المأساة التي حدثت بعد ذلك
الفتاة: أكمل...لِمَ لَزِمتَ الصّمت؟!
الشَاب: أُجبِرَ الاثنان ليصبحا كُلٌّ منهما للآخر
وشاعت قصّة حُبّهما في البستان
سنعيش معًا ونموتُ معًا...هذا ما كان يردّده الاثنان!
الفتاة: ثمّ ماذا حدث؟
الشّاب: سأُسمعكِ ما حدث... في يوم ما جاء صيّادٌ إلى البستان
أمسك بالبُلبُل وأخذه معه
وذَبُلَ الوَرد العاشق المُتَيَّم
وذَبُلَ الوَرد العاشق المُتَيَّم
كان الشّعراء يروون عن حديث فراقهما
كان الاثنان يتغنّيان بهذه الأغنية
لا ينقضي اللّيل بدون الحبيب
لا ينقضي اللّيل بدون الحبيب
كان الموسم موسِمُ الرّبيع المُنتَشِي
والدّموع تنحدر من المآقي
كانت الأصوات تأتي دائمًا من هذه النّجوم المُتلألِئة
إنّ ما اسمه المحبّة (الحبّ)...متى ينحبسُ وراء الجدران؟
في يوم ما اصطدمت آهات البُلبُل والوَرد بذلك القفص
كُسِرَ القفص...تحرّر الأسير، وظلّ الصّياد يبكي متأسّفًا
الزّمان كُلّه وجميع الكائنات لم تستطع أن توقف البُلبُل
وغنّى الوَرد للحبيب أغنية...عادت البُلبُل إلى البُستان!
الفتاة: راجا! كانت قصّة رائِعَة جِدًّا!
الشّاب: تذكّري دائمًا هذه القصّة سواءً عشت أو مُتِّ
إذا أنت أيضًا أحببتِ يومًا، فلِيَكُن حُبُّكِ كحُبّ الوَرد والبُلبُل
هذه هي مُجمَلُ القِصّة في الأدب الأورديّ أو الهنديّ، وهي قصّة رمزيّة نوعًا ما مع شيء من الواقعيّة –حسب اعتقادي- لأنّها مثالٌ للحبّ الطّاهر العفيف الّذي يجمع البُلبُل والوَرد، فالقصيدة تستخدم رمز البُلبل والوردة للتّعبير عن هذا الحبّ الصّادق الخالص، ويتناوله بنوع من الواقعيّة، فالعلاقة بينهما في الواقع علاقة شبه هذه العلاقة التي تصوّرها الأغنية، لأنّ الوَرد لا حياة أو جمال له في البستان إلاّ بوجود هذا البُلبل الذي يغنّي قريبًا منها فَيُدخِلُ السُّرور إلى قلبه، ويزداد حُمرَةً وجمالاً لأنّه يعتقد بأنّه لا يغنّي إلاّ لأجله وبرؤيته. كذلك البُلبُل لا يغنّي طَرَبًا إلاّ حين يَرى الوَرد الجميل مُتفتّحًا في البستان، ويعبّر عن سعادته برؤية هذا البستان الذي يزيّنه الوَرد بالغناء، فمنظر الوَرد والأزهار يحمله على الغناء في هذا البستان الجميل، وبدون هذه الثّنائيّة الجميلة لا يمكن لأحدهما أن يعيش دون الآخر، فلا يمكن أن نتصوّر بستانا مليئًا بالوُرودِ والأزهار بدون بلابل تشدو وعصافير تغنّي أجمل الألحان، ولا وُجود لهذه الطّيور دون أن يكون هناك بستانًا جميلاً أو حديقة حولها، فهي لا تحلّق وتطير إلا قرب هذه الحقول والبساتين الزّاهرة يفوح منها أريج الوَرد، تاركةً هذه الطّيور تنتشي من عطرها الفوّاح فتطرَب لها وتغنّي أغنيتها السّعيدة وهي تُرَفرِفُ حولها في نشوَةٍ عارمة يملؤها الحبّ.
فالأزهار بدون بلابلها تموت حزنًا ألاّ خليل يؤانسها، فَلِمن هي تتزيّن وتتجمّل؟! والبلابل والعصافير تضرِبُ عن الغناء حين لا تَرى أزهارًا ووُرودًا، فَلِمَن هي تُغَنّي؟!
وهذا هو سرّ العلاقة الحميمة التي تربط بين البُلبل والوردة، الذي لا يكتمل بدون الآخر، فالبُلبل مثال عن الطّيور جميعًا لكونها أجمل الطّيور وأعذبها صوتًا، والوَرد مثال عن الأزهار جميعًا لكونه أجملها وأرقّها منظرًا. فَهِي قصّة حبّ حقيقيّة تجمع الحبيبين وتصوّر مدى حبّ كلّ منهما للآخر وتعلّقه به، ولا يفرّق هذين الحبيبين إلاّ تدخّل الإنسان الجشع الذي يحبس بلبل الوَرد. فَتَصِف شعور الوَرد المُتيَّم الذي ذَبُل بعد البَين والفراق، وحزنه الشّديد على حبيبته البُلبل، لكنّ صدق محبّتهما تحررّ الأسير من القفص، فتعود البلبل من الأَسر وينتشي الوَرد فرحًا بعودة المحبوبة ويغنّي لها أجمل أغنية!
وهكذا يتناول الأدب الهنديّ قصّة البُلبُل والوَرد، وتنتقل القصّة جيلاً بعد جيل، يرويها الأجداد للأحفاد لتكون مَثَلاً للحبّ الصّادق الرّفيع الذي يسمو بنفسه إلى الآفاق.