*- الأسطورة كحامل فرعي للمغزى المضموني للمسرحية
*_مسرحية خرزة الجن لناجي الحاي:
مسرحية "خرزة الجن" للكاتب ناجي الحاي الصادرة عن ( دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة 1999 م). تتألف من خمسة عشر مشهدا ، كما يبدو من عنوانها اتكأ فيها الكاتب على المعتقدات الموروثة .ينطلق المشهد الأول بالإطار الزمكاني : وقت الغروب ،منطقة جبلية ، الإضاءة تعتمد على الفانوس و ينطلق الحدث مباغتا بعودة الزوجين : سلامة وشعبان . يتشكل الجو الدرامي من خلال صراخ صالح ونداءاته معلنا :
صالح ( منهكا): عمي بوناصر عمي بوناصر .. سلامة وشعبان يا عمي ..
محمد ( بوناصر): بلاهم ؟!
صالح : ردوا البلاد.ص5
محمد : ردوا البلاد ! وشو اللي ردهم ؟ ووين هم الحين ؟
صالح : يالسين في مخزن مصبح بن سعد .
محمد : ومن متى ها الكلام ؟ ( ص 5).
ويتوجه محمد لمنزل مصبح ويعترض سلامة ويدور الحديث يبنها :
محمد : سلامة !!
سلامة : هي نعم سلامة ، سلامة اللي شردتها هي وريلهاوحرقت بيتها .
محمد : هلا ببنيتي الغالية .
سلامة : والغالية يحرقون بيتها .
محمد: يا سلامة أنا ما لي ذنب ، الناس هم اللي طلبوا عشان مصلحة البلاد ، شعبان لو تم اهنيه جان البلد كلها هلكت ، والبيت كان لازم ينحرق ، عشان نحمي البلاد من المرض ، بس ولا يهمج أنا مستعد أبنيلكم بيت يديد ، بس قوليلي شعبان شفى من المرض ؟ ص6 -7
سلامة : إذا مب مصدقني تقدر تشوفه ، تعال يا شعبان أميرنا محمد بوناصر يبغي يشوفك
ويستمر الحوار بين الأمير محمد وسلامة يكشف الكاتب من خلاله تعجبه من شفاء شعبان وخوفه من العدوى . في المقابل يظهر تودد شعبان وولاءه له . لكن سلامة تعرف حقيقة الأمير بوناصر الذي قتل والديها ، فتعلق على كلامه بمرارة وسخرية عندما يتظاهر بحبه لهما :
محمد : صدقني يا شعبان أنك أنت وسلامة غاليين عندي وايد .
سلامة : متأكد يا بو ناصر أنا احنا غاليين عندك مثل ما كانوا أمي وأبويه غاليين عندك .
محمد :شو قصدج يا سلامة ؟ ص 8
سلامة :قصدي أنت الوحيد اللي تعرفه زين .
محمد : أنا شو اللي بيعرفني باللي في راسج.
سلامة : لا .. تعرف .. بس أنا بغيت أسألك إذا الحين عرفت منو اللي ذبح أمي وأبويه شو بتسوي فيه ؟
محمد : سلامة يا بنتي أنتي شو يالسة تقولين هذا موضوع جديم وما في داعي تعورين راسج وتنبشين الماضي ، عيشي حياتج واستانسي والمثل يقول الحي أبقى من الميت .ص9
ويستمر الحوار بين الأمير وسلامة كاشفة له سر القاتل على لسان أم شعبان التي توفيت من عشرين سنة وكشفت السر عند موتها أن القاتل هو الأمير بو ناصر نفسه .
ويحاول الأمير دفع التهمة بالتودد لشعبان والكلمات الظريفة وبالتظاهر بفرحة عودتهما سليمين من المرض ، وبرع الكاتب في كشف نفاقه :
محمد : ( ينادي ) : يا أهل البلاد ، اليوم فرحتنا ما لها حدود . ويتخلص مسرعا من أسئلة سلامة مدعيا الكرم بدعوتها للغداء الذي رفضه شعبان مع توعد سلامة :
سلامة : ( لنفسها ) ما عليه يا بوناصر الأيام بيننا .
كل الشخصيات تعود لسكنها ويستمر المشهد بحوار الأمير بوناصر مع زوجته في بيته ،
يكشف الكاتب من خلاله حقيقة الأمير و بوحه لزوجته مخاوفه ، مترددا في إخبارها فعلته :أم ناصر : يا بو ناصر أنت شو يالس تقول ، كأن اللي يكلمني واحد ثاني مب بو ناصر .ص 14
محمد : لا، هذا أنا ، اللي عمرج ما فكرت تعرفينه . يلس أقولج منو أنا ، ولازم تعرفين مني ، قبل لا تسمعين من الغرب ، أنا ..
أم ناصر : انته شو يا بو ناصر ؟
محمد : أنا .. أنا .. خايف أقولج وأطيح من عينج.
أم ناصر : أفا يا بو ناصر ، قول ولا تغبي . ص15
وبعد تردد الأمير لكشف سره لزوجته يبوح لها بعودة سلامة وشعبان وعدم موتهما وشفائهما من المرض المعدي ، لكن أم ناصر تندهش من خوف الأمير :
محمد : اللي مخوفني أنهم ردوني عشرين سنة ورا ، كأن الله شفى شعبان ورده مع سلامة عشان ينتقم مني .
أم ناصر : ( باستغراب ) ينتقم منك ليش ؟
محمد : من عشرين سنة ، لما كنت توني مستلم الحكم عقب أبوية الله يرحمه ، في يوم بارد من أيام شتا ، دخلت حرام بو سلامة .ص16
واستنادا على تقنية الومضة الماورائية ( فلاش باك) يرجع ناجي الحاي إلى حادثة قتل الأمير لوالدي سلامة :مريم وزوجها ، حيث دخل عليها ملثما وهي تدندن بأغنية حزينة،
يتسلل إليها ويفاجئها وتندهش من حضوره خلسة ، منتهزا إشاعة طلاقها من زوجها ومتظاهرا بتعاطفه معها بسبب العنف الذي يسلطه زوجها عليها محرضا إياها بطلب الطلاق ، ترفض مريم حضوره وتدخّله في شؤونها الزوجية طالبة منه الانصراف ، لكنه يتظاهر بحبه لها :
محمد : ( ...) يا مريم ما في داعي أقولج أنتي شو بالنسبة لي ، أنتي ضوء قلبي ، عيوني اللي أشوف فيهم ، ومن تزوجتي يا مريم وأنا لا ليلي ليل ولا نهاري نهار والدنيا ما عاد لها طعم عندي ، (..) وأقول لنفسي منو هاذي اللي تستاهل أتزوجها غير مريم .
مريم :أنت أمير وألف وحدة تتمناك يا محمد ، وأنا حتى لو أ طلقت ما أصلح لك .
محمد : ليش يا مريم ... ليش تبغي تحرميني منج ؟
مريم : انته نسيت أن عندي بنت وعمرها سنة .
محمد : بنتك سلامة أكثر من بنتي وأنا أحطها في عيوني .
مريم : والله ما أدري شو أقولج بس انته روح الحين ويصير خير .
محمد : ما روح قبل ما توعديني .
مريم : أوعدك بشو ؟ص20
وتقع الكارثة بدخول بوسلامة وارتباك مريم وحيرتها لستر الأمير وإخفائه ، وفي حالة اضطراب يفقد الأمير نعاله إثر هروبه للاختفاء ، يدخل زوج مريم معنفا مزمجرا لعدم تدفئتها للبيت ويسقطها أرضا فيكتشف نعل الأمير فيزمجر : شو هذا ، ردي علي شو هذا ؟
ويقسو عليها ناويا ذبحها ،لكن الأمير يضطر للخروج عند رؤية الخنجر على نحر مريم .
وعند محاولة محمد إنقاذ مريم يوجّه له بوسلامة الخنجر متوعدا بقتلهما الاثنين .
بوسلامة : كنت متأكد أنج خاينة ( لمحمد) وانته ما تستحي على ويهك تعتدي على أعراض الناس لكن أنا اللي يراويكم انتو الاثنين ..(..)
( يتعارك الاثنان ويسقط محمد و يتهيّأ بوسلامة لطعنه ولكن مريم تتدخل وتبعد بوسلامة عنه ) ( ص 23 )
بو سلامة : تدافعين عن عشيقج يا الخاينة ، عيل خذي ( يطعنها بالخنجر )
( مريم تصرخ وكذلك يسمع صراخ ابنتها سلامة بالداخل ومحمد يفقد أعصابه )
محمد : لا .. لا .. شو سويت ؟
بوسلامة : غسلت عاري والحين دورك يا نذل .
يشتد العراك ويقتل الأمير بوسلامة ويسمع صوت امرأة قادمة ( أم شعبان )
فيهرب راكضا .ص24
يعود الكاتب للحاضرو يرجع الأمير محمد لحديثه مع زوجته أم ناصر مواصلا :
محمد : رجعت وأنا خايف قلت أكيد أم شعبان شافتني (..) شافتني وخافت تخبر عني لكنها ما كتمت السر .
يستمر الحوار بين الزوجين متوترا ، كاشفا أشياء كانت مستورة بينهما ، ويحاول الأمير
الاحتماء بزوجته التي تقر بكبر جرمه : الحق حق ولو كان على رقبتك .ص26
ويقطع هذا الحوار دخول صالح مستنجدا بعمه الأمير بوناصر ، مخبرا عن هجوم جماعة ملثمين يحملون سلاحا ، فيضطر للخروج مع جماعته ، ويبرز الهلع على الجماعة
" وهم يركضون يمينا وشمالا ويصاحب ذلك صوت إطلاق نار ، وتظل أم ناصر واقفة مستغربة وتعيب على مطر أخ زوجها على تخاذله وتتدخل ابنته حصة معاتبة له .
أم ناصر : أنا مستغربة شقايل أنت أخو أبو ناصر من أم وأبو ، عيل واحد ساير يضحي بعمره وواحد يالس مجابل العفيون .
لايسكت مطر بل يواجه أم ناصر ويعيرها بابنها ناصر الذي غاب ولم يعد.
وبعد توقف إطلاق النار يتواصل حديث أم ناصر مع حصة وتشاؤمها من حلم رأته منذ يومين ،ويدخل صالحا مفزوعا ناعيا موت الأمير بوناصر .
مشهد2: ( جميع رجال القرية مجتمعون في السبلة ، ويدور بينهم لغط كثير )( ص 34 )
حوار بين صالح وخلفان وبوعبدالله وشعبان والمطوع ومصبح في أمر وريث
الحكم بعد الأمير محمد بوناصر ،و يختلف القوم في شأن ناصر الغائب ، هل ينتظرونه أم يختارون غيره ، ويشتد الخصام بين صالح وشعبان ، ويتدخل مصبح لفك الخصام مدافعا عن شعبان وزوجته ، رافعا عنهما صفة الشؤم ويختلفون في خليفة الحكم بعد بوناصر .
بينما بوعبد الله والمطوع يقترحان انتظار الخليفة الشرعي ابن الأمير المرحوم فشعبان زوج سلامة التي ذبح أبويها بوناصر يعارض:
شعبان: ليش ناصر أولى ، يعني عشان أبوه كان الأمير هو اللي لازم يحكم حتى لو كان ياهل (...) لازم يكون ريال قد المسؤولية ،لكن ناصر بعده صغير للحين ما خط الشنب ، ترضون أن البلاد يتحكم فيها ياهل وفيها رياييل يمشي على زندهم الثور .ص 37
ويشتد الخلاف في قضية وريث الإمارة إلى أن يقترح بوعبد الله حلا هو اعتبار ناصر أميرا وخلال غيابه نختار أميرا نائبا عنه ويوافق كل الحضور ماعدا شعبان .وبعد أخذ ورد يتفق القوم على اختيار مصبح أميرا عليهم .
يرضى الكل بهذا الاختيار ويبقى شعبان ومطر يتحاوران في موضوع الأفيون
ومصادره ويهدي شعبان شيئا منه .
مشهد3:( على صوت الريح سلامة في غرفتها تمشط شعرها وتبدو في أجمل حلة )(ص47)
تغني أغنية فيها غزل ويدخل زوجها شعبان ويدور بينها كلام عاطفي رومانسي لكن حادثة موت والديها تعكر صفو هذه اللحظات الودية ، فينزويان في حزن ، يتحدثان عن وضعهما البائس ويقر شعبان لها بالانتقام من أهل الأمير بوناصر فتنصحه :
سلامة : عيل خلك شديد، ولا تخلي الرحمة اتدل طريجها إلى قلبك.ص50
ينصرف شعبان للنوم وتبقى سلامة تخاطب صوت الريح وعواء الذئب تستجدي
الصلابة للانتقام من الأعداء .
مشهد 4 : يصور الكاتب عودة الأمير ناصر من غيبته ، ويحمل صالح البشرى لأمه وينشر خبر وصوله بين أهل القرية ، وتعم فرحة الأسرة برجوعه ، ويعلم بوفاة والده، لكنه يلاحظ تصرفات مصبح المتعالية فينفعل مطالبا بحقه في الإمارة ويشتد بينهما العراك
إلى حد غضب أم ناصر ، ويتدخل بو عبدالله والمطوع لتهدئتهما، فيرجع كل واحد إلى منزله ويلتقي ناصر بحصة ابنة عمه ويدور الحديث بينهما يكشف شدة الشوق وتلومه حصة عن طول غيابه فيجيب :
ناصر : لا تلوميني يا حصة ، كنت أدور ذهب يليق فيج،مريت بلدان وايد وما حصلت اللي أبغيه ، كنت أقول لنفسي حصة ماتلبس أي ذهب فسرت مسقط ودبي والشارجة وبعد ما حصلت عندهم ، قالولي اللي تبغيه ما بتحصله إلا عند صاغة البحرين وسافرت في محمل للبحرين ، لين ما حصلت اللي في بالي .
حصة : ها الكثر تحبني
ناصر : أحبج ! أنا أبيع الدنيا وأشتريج.ص61
وينتهي المشهد بحلمهما بالزواج وهو أمر عطّله مصبح بسبب توليه الإمارة .
مشهد – 5 : يكشف من خلاله ناجي الحاي اشتداد المنافسة بين مصبح و الأمير ناصر
الذي عمد إلى كسب الأنصار عن طريق توزيع الطعام، فيقبل مصبح لمخزنه حيث يسكن شعبان وسلامة طالبا من شعبان توزيع ما فيه من مؤونة على الناس .
لكن سلامة تنصحه بأن هذه الطريقة لا تنفعه ، عليه التفكير في طريقة أخرى ناجعة ،
ضاربة له المثل :" اذا بغيت الضربة تكون قاضية للواحد أضرب اللي يحبه ".ص67
وتفهمه أن يحارب ناصر من خلال حبيبته حصة ،وتوضح له مخططها :
مصبح : هيه وشو ذنبها حصة ؟
سلامة : ذنبها أنها تحبه .
مصبح : وشو بتسوين فيها ؟
سلامة : من يا ناصر وهي كل يوم تسرح بالغنم في وادي دلم عشان تشوفه بعيد عن الناس ، ووادي دلم مشهور بالشر .
مصبح : مشهور بالجن بس حد يقول أنه مب صدق .
سلامة : نحنا بنخليه صدق .
مصبح : أنا أبغي أعرف شو اللي في راسج ؟
سلامة : قلت لك لا تشغل بالك ، وخل الأمور تمشي حسب الخطة اللي حاطتنها.
فيعلق مصبح على خطتها معجبا بذكائها ودهائها ، متغزلا بها :" يا ريتني شفت من زمان ، جمال ودلال وعقل ينوزن بالذهب ".ص 68
سلامة : لا جذيه وايد عليه .
ويعيد الكاتب ببراعة فنية نفس اللحظة التي عاشتها والدتها مع بوناصر والتي أدت بحياتها وحياة والدها .
مصبح : ( يلاحقها ) لا مب وايد ، ، أنا من شفتج وأنا مستين مب عارف شو أسوي
، أنت لخبطتيني يننتيني ما خليت فيني عقل ، سلامة ( يهجم عليها ).
سلامة : لا يا مصبح (تصرخ بصوت عالي ) ..لا . ص69
مشهد -6 : يجسد صراخ حصة بصورة هستيرية واندهاش ناصر وأمه ومطر وأمر ناصر بجلب المطوع.
مشهد – 7 : قدوم المطوع وطلب أم ناصر القراءة على حصة ، وتساؤله عن ذهاب حصة لواد دلم ،ثم يوحي لأم ناصر بالزواج ويثني على شبابها : " أنت شباب ونص ، أنتي مثل الذهب كل ما يجدم تزيد قيمته .(ص73) تغضب أم ناصر من غزل المطوع ويظهر شعبان الذي كان يسترق السمع .ويدور بينهما حوار حول الجان ويطبق شعبان خطة زوجته سلامة انتقاما من الأمير ناصر بإشاعته فكرة مس حصة من الجان ويختلي بالمطوع لتلقينه الطريقة .
مشهد- 8: مشهد علاج المطوع لحصة بحضور أم ناصر وناصر ومطر ، بينما شعبان يختبئ
خلف المنزل ،ليقوم بدور الجنيّ.
المطوع : يا سيوح ، يا ميوح ، يا سالب العقل والروح .
شعبان : ( مختفيا ) شو تبغي فيني تناديني ؟
المطوع : ( يرتعد من الخوف ويلتصق بمطر الذي يرتعد هو الآخر ، من وين ياي ، وشو مطلبك من بنت الإنس .
شعبان : ياي ، قاطع السبع بحور ، قصدنها مب قاصد غيرها .
المطوع : ليش هاذي البنت مب غيرها ؟
شعبان : عشقتها وبغيتها وما أبغي غيرها ، وما بطلع منها . ص79
المطوع : لازم تطلع منها الحين .
شعبان : ما بطلع ، ما بطلع ،أبغيها حرمتي حلالي ، وإلا بقتلها .
المطوع : ( يرتعد خوفا ) لا يا بويه اشحقه تقتلها ، مب زين عليك ، اطلع يا بويه ، اطلع من بنت الناس . ص 80
ويتواصل الحوار بين المطوع وشعبان في قضية خروجه من حصة ويشترط شعبان المتقمص شخصية الجان شرط خروجه جلب خرزة الجن ويتظاهر المطوع بمصارعة الجان ( شعبان ) و يجتهد أمام الحضور في سبيل إخراجه من حصة ، إلى حد سقوطه مغشيا عليه ويؤكد شرط إحضار خرزة الجن لشفاء حصة وكما يكتشف هي حيلة لإقصاء ناصر عن مشاغل الإمارة وإلهائه بعلاج حصة الممسوسة من الجن .
مشهد – 9: يسجل فيه الكاتب قرار سفر ناصر من أجل جلب خرزة الجن ،ويصور غضب الأم بسبب هذا السفر وإهمال ابنها شؤون الإمارة ، ويحاول إقناعها بتألمه عند رؤية حصة
تعاني من المرض ، ويدخل المطوع وبوعبد الله وصالح .ويحذره المطوع من خطورة سفره : يا ناصر يا ولدي السفر هذا فيه خطورة عليك .
ناصر : مافيه حل جدامي غير هذا ، حصة لازم تتعافى .
المطوع : حتى لو كان في جزيرة الفيارين .
ناصر : وحتى لو يكون في آخر الدنيا .
المطوع : ما حد راح لجزيرة الفيارين ورجع يا ولدي .
بو عبد الله : والحكم ما تبغيه ؟ ص83
ناصر: الحين أنا ما أفكر غير في حصة ،وأني أيبلها الخرزة بأي طريقة .
صالح : وبتتنازل عن حقك .(ص84)
ناصر : أنا مب متنازل عن حقي بس يا جماعة خلكم مكاني، كلما أسمع حصة وهي تتويع أحس جنه سجاجين تقطع قلبي ، كنت أتمنى ها الشي صابني ولا صاب حصة .
ويتواصل المشهد بمحاولات من قبل بوعبدالله والمطوع وصالح لإقناع ناصر بضرورة التفكير في الإمارة دون جدوى ورغم غضب أم ناصر وتنصلها من ولدها الذي يصر على السفر واضعا حبه في الصدارة قبل السلطة متنازلا عنها لصالح مصبح .
مشهد -10: هذا المشهد يجمع كل من مصبح والمطوع و شعبان وخلفان ، يبرز مصبح مؤنبا خلفان بسبب بيعه العسل ويغضب لفعلته هذه ، ويحاول المطوع الشفاعة له ، لكن خلفان يرد ثائرا: أن مصبح منذ تولى الإمارة وهو ينهب أموال الناس بدعوى ادخارها لهم للأيام السوداء ، وتدخل أم ناصر وتذكر أنه منذ تولي مصبح الإمارة كثرت المشاكل ،
ورغم محاولة المطوع لتهدئة الصراع يشتد الحوار بين مصبح وأم ناصر :
مصبح : أظن اللي دفعتوه لبو ناصر أكثر ، ومثل ما أنتو خذاه ناصر الشجاع وصار يدفنه وياه في جزيرة الفيارين .
أم ناصر : ناصر عمره ما أخذ شي مب له،لكن الشره على اللي يسرق الناس عيني في عينك .
مصبح : ثمني كلامج يا أم ناصر وأعرفي منو تكلمين ، تراني مصبح بن سعد أمير ها البلاد غصبا على اللي يرضى واللي ما يرضى.(ص93)
أم مناصر : من عقب بوناصر هالبلاد ما فيها أمير.
ويدور الحوار بينهم حول عودة ناصر من جزيرة الفيارين واستحالة عودته بعد مرور سنة ،
وتعبير أم ناصر عن غضبها عن طريق الغناء :
أم ناصر : ولد العرب ربيته واش فادني ارباه
لو بالعسل غذيته منفوعة لقرباه ( ص 95 )
وكلما خاطبها أحد في شأنه تردد :" أنا ما عندي ولد ".
وكلما خاطبها المطوع عن حاجتها لزوج "ريال" يحميها من ظلم مصبح ، تجيب :
"حتى بوناصر مب ريال ...وها البلاوي كلها بسبب منو غيره ،كما تدين تدان والديان لايموت" ص 98 - وترد على استغراب المطوع من كلامها بالغناء :
يسألج يالكندورة من خاط وطرز
خايط حسين الصورة اللي بالظله برز
مقطبة ومخيوطة ومحيرة بالمز ( ص98)
مشهد-(11) مطر يأتي إلى بيت شعبان وهو يعاني من انقطاع المخدر)
يبرز الحوار بينهما حاجة مطر لهذه المادة واستعطافه شعبان من أجل الحصول عليها ، ويحتد الحوار بينهما لامتناع شعبان عن تسليمه شيئا منها مجانا ،ويقوى إلحاح مطر رغم إفلاسه بسببها، ويتخاصمان فيخرج الأمير مصبح من بيته يحاول فكهما ،ويتطاول مطر عليه فيرد :
مصبح : جنك نسيت أني الأمير ( يمسكه من رقبته )يوم بكلمك كلمني عدل وإلا تراوالله لأشق بطنك .( ص 102 )
ويكتشف مصبح سبب خصامهما ويتظاهر بمساعدة مطرويأمر شعبان بأن يمنحه "العفيون " وعلى حسابه ويطلب منه في المقابل يد ابنته حصة خطيبة ابن عمها ناصر الأمير الغائب، فيرد والدها مطر : بس ياجماعة البنت مريضة وناصر ساير اييب ا علاجها و في النهايةيوافق مطر على مضض بسبب ضغوط مصبح وتشجيع شعبان الذي يطبق خطط زوجته سلامة انتقاما لوالديها بحرق قلب ناصر .
ويكشف الكاتب للقارئ مؤامرة الانتقام من خلال حوار مصبح مع شعبان :
شعبان : هيه بس هاذي صدقت ان لابسنها جني وعايشة في الوهم .
مصبح:مثل ما قلت وهم ، يعني إذا شلنا الوهم من راسها ، شو بيصير ، بترجع حصة الوردة (..) وأنا بيني وبينك البنت في خاطري .
شعبان : في هاذي عندك حق ، بس شقايل بتشيل الوهم من راسها ، لتكون بتفضحني .
مصبح : أفا يا شعبان ، احناراسين في قحفية ،إذا فضحتك بكون فضحت عمري ، لاتخاف أنا أعرف كيف أتصرف 0 ص 109
مشهد- 12: مشهد قصير يصور عرس مصبح ( الرجال يزفون مصبح ويدخلونه البيت ويستمرون في الرقص فتصرخ حصة ) ص 110.
مشهد (13): سلامة تغسل ملابسها وتغني ، فيخرج مصبح ، فتبارك له زواجه وهي غاضبة ويتحاوران في أمر زواجه من حصة وهو الأمر الذي خططت له سلامة ، انتقاما من بو ناصر الذي قتل والديها ،ويحاول مصبح إرضاءها مصرحا لها أنه تزوج حصة انتقاما من الأمير ناصر ويكشف الكاتب من خلال حوارهما ، كذبة مرض حصة التي خططتها سلامة ، ويتحاوران في مسألة عودة الأمير ناصر من جزيرة الفيارين ويتغازلان ،وقد برع الكاتب في تجسيد مؤامرتهما التي أعماهما فيها حب الانتقام :
مصبح : أفا عليج يا سلامة ، عاد أنا أبيعج عشان وحدة مينونة .ص114
سلامة : صح مينونة لكن حلوة وصغيرة .
مصبح : أفا عاد أنا اللي أبدل الذهب بتراب . ص115
سلامة : صدق يا مصبح ؟
مصبح : وبعد تسألين .(..)أنا منو عندي أغلى عنج ، أنا بدونج ولا شي ، أنت النصغ البارد اللي يرد لي الروح ، أنت عيوني ، قلبي .. ص118وتطلب منه تقييد حصة خوفا من شرها فيستجيب لطلبها ،وينتهي المشهد بخبر موت مطر وصراخ حصة ابنته .
مشهد ( 14) : حضور بوعبدالله والمطوع وصالح وخلفان لتعزية مصبح في وفاة مطر
و استئذانهم من مصبح لتعزية ابنته حصة ، لكن مصبح يمتنع بسبب جنانها الذي زاد بعد موت والدها حسب قوله، هذا المرض الملفق يكذبه صالح بينما المطوع يؤكده لأنه متواطئ مع شعبان .
وتدخل أم ناصر متكئة على عصا صارخة : حصة مب مينونة ..حصة مب مينونة.ص 121
وتلح أم ناصر لرؤية حصة لكن مصبح يمنعها بدعوى خوفه عليها : لا يطول عمرج ، بس أنا خايف لما تشوفج تتذكر أبوها وتتعب زيادة.ص122
أم ناصر : بس أنا لازم أشوفها .
مصبح : ما عليه أم ناصر اسمحيلي ما أقدر.
أم ناصر : شو يعني ما تقدر تتحسبني يايه أسرقها منك ، أنا يايه أشوف بنتي ولازم أشوفها
مصبح : وأنا أقولج ما تشوفينها .ص 123
وتلح أم ناصر دون جدوى فإذا بسلامة تظهر و تلمّح لها أم ناصر بقولها :
أم ناصر : الشر يا سلامة ما يرث غير الشر .
سلامة : أنت عن شو تتكلمين ؟
أم ناصر : اللي تبغين حقج منه مات، بوناصر مات يا سلامة .
سلامة : يعني أنتي تدرين أن بوناصر هو اللي ... ص125
أم ناصر : بوناصر مات وفيه رب أكبرمني ومنج وهواللي بيجازيه .
سلامة : بس أنا بعدني محروقة ، بو ناصر مات قبل لاأخذ حقي منه .
أم ناصر : حقج أخذتيه وزيادة.
سلامة : أي حق اللي خذته ؟
أم ناصر : ريلج ذبح مطر بالعفيون ، ومصبح يالس يذبح حصة ، وحصة مالها ذنب يا سلامة
أم ناصر : الحية سمها في راسها مب في ذيلها . ص 125
ويتواصل الحوار بينهما حادا يكشف من خلاله الكاتب ظمأ سلامة للانتقام وحزن أم ناصر على نتائج أعمال الأمير زوجها وتنصح سلامة بالكف عن الشر لكنها تجيب :
لوكان حرق البلاد وموت أهلها كلهم مب يشفي غليلي ، صدقيني ما بتردد لحظة .
أم ناصر : ( تردد وهي خارجة ) كما تدين تدان والديان لايموت ص 128
مشهد ( 15):يصور هذا المشهد شعبان وهويجر خلفان بتهمة بيع العسل من حرام مصبح .
ويدفع خلفان هذه التهمة كونه جلب العسل من الجبل الشمالي فيكشف له شعبان أن هذا الجبل ينوي مصبح يبني فيه بيته لذلك صار من أملاكه ،ويبرز كلام خلفان حالة الفاقة التي عليها السكان :
خلفان : يا شعبان حرام عليك ، البلاد ناشفة واحنا يالله يالله عايشين على العسل اللي في اليبل الشمالي إذا خذه مصبح اشقايل بنعيش ، شقايل بنأكل عيالنا. ص130
ويتوسل شعبان ويترجاه بألا يخبر مصبح لأنه لو علم بالأمر يسلب منه كل ما يملك
لكن شعبان يقسو عليه ويذلّه ،فيتدخل صالح للحيلولة بينهما ويرد على شعبان في قوله خلفان حرامي :
صالح : انتو كل واحد يسير يدور رزقه بعيد عنكم قلتوا عنه حرامي .
شعبان : (..) اللي يبيع شي وما يخبرنا حرامي .. اللي ما يدفع للأمير حرامي .
صالح : والله مافي حرامية غيركم ...ص 132
و يستنجد خلفان بمصبح مناديا فيخبره صالح أنه تركه في الجبل الغربي .
تحول الكاتب بالمشهد إلى الجبل الغربي ، حيث نرى سلامة حاملة على رأسها رزمة حطب ، فتندهش من حضور شعبان في هذا المكان ويسألها عن مصبح فتتلعثم وعندما
تصر على الإنكار يهددها :
شعبان : جذابة ، كان وياج أدري أنه كان وياج ، ردي عليه ولا تجذبين كان وياج ولالا ردي قبل لا أذبحج اهنيه كان وياج صح .
سلامة :صح . ص 135
شعبان : خاينة ( يصفعها ) خاينة ، هذا جزايا يا سلامة (..) أنتي شو اللي تبغين تقولينه بعد ، دمرتيني ...خليتيني أكره الناس كلهم وأعاديهم ، خليتيني أدمر بيوت وأظلم ناس وعذب هذا وأحرق قلب هذاك ، طاوعتج في كل شيء بدون ما سأل (..) كنت مستعد أحرق الدنيا كلها عشان خاطرج اذا كان هذا بيخليج تبتسمين وكل هذا ليش ليش بس عشان تحفظين سري وما حفظتيه . ص 136
ويشتد انفعال شعبان ، ( يخنق سلامة وبحركة من يديها وهي تريد أن تبعده عنها يسقط من فوق الجبل ) ص 138
وتهرع نحو بيت مصبح ناعية موت زوجها مرددة : ذبحته ذبحته فيرد عليها مصبح :
زين يوم مات الحين ، لأن دوره انتهى خلاص .
سلامة : صدق يا مصبح يعني انته كنت تبغيه يموت .
مصبح : أنا !
سلامة : أدري عشان تبغي تتزوجني .
مصبح : شو ! ص 139
ويسخر مصبح من فكرة الزواج منها ويحتقرها ويعيرها ومهما حاولت تذكيره بوعوده لها فهو منكر ويجيبها : لايدور في بالج أني ممكن أتزوج وحدة مثلج خانت زوجها وذبحته .
سلامة : وأنا ذبحته ليش ؟
مصبح : اسألي عمرج أنا ما لي شغل(..) لازم تموتين لازم أقيم عليك الحد ، لازم تموتي ( يتركها ) لكن ما عليه أنا عشان خاطرج بسوي نفسي جني ما أدري . ص 141
ويحتد النقاش بينهما فيرفسها ويصل صالح وهي تردد " ذبحته ذبحته " بينما يعلن صالح وصول الأمير ناصر ، فيحتد مصبح رافضا أميرا غيره ويستمر في النداء ، ويدخل بو عبد الله والمطوع وصالح مبشرين بعودة الأمير ناصر منادين أمه :
المطوع : ما تسمعين يا أم ناصر ، ولدج ناصر وصل .
أم ناصر : أنا ما عندي ولد ص 144
وكلما أخبرها شخص بعودة ابنها ترد عليه بنفس الجملة : " أنا ما عندي ولد "
و حتى ولدها ناصر يحاول استرضاءها وطلب السماح منها إلا أنها ترد عليه بنفس العبارة وتصر على جوابها وهو التبرؤ من ولدها .
لكن ناصر يقص حكاية وصوله لجزيرة الفيارين وبقاءه فيها سنة وكيف وصل إليها سباحة
وقد طال غيابه لأنه ضيع المكان الذي دخل منه إلى أن رأى يوما مركبا فاستنجد به ليرجعه للوطن .ويكذبه أبو عبد الله :
بو عبدالله : حشا يا ولدي ، بس احنا مانبغيك تعيش في الأوهام .
ناصر : أي أوهام يا بو عبد الله ، أقولك أنا رحت الجزيرة .
المطوع : وشفت الجن .
ناصر : أي جن يا مطوع (..) كنت أتمنى أشوف لي جني على الأقل يوصلني للخرزة اللي بتعافي حصة . ص 148
و يعلم بوفاة عمه مطر وبزواج خطيبته حصة من مصبح الذي سجنها لتعذيبها فيثور بسبب سكوت الجماعة على تصرفات مصبح ، فيتجه مغتاظا نحو بيت مصبح فيجد حصة سجينة تتعذب فيحملها وهو خارج فيعترضه مصبح مهددا :
شو داخل بيتي وسارق حرمتي لكن براويك ( يصوب بندقيته تجاههما فيرديهما قتيلين ) بينما تبقى سلامة تردد : ذبحته مات . ص 152
و تبقى أم ناصر أمام جثة ولدها تردد: " أنا ما عندي ولد "
وتختم المسرحية بترديد سلامة : ذبحته ومات وتطعن مصبح بالسكين وتكرر ذبحته فمات
وترد أم ناصر : كما تدين تدان والديان لايموت . ص 154
هذه النهاية المأساوية تلخص مصير المجتمع الذي تجره الأوهام و تتحكم فيه الأباطيل
المترسبة من الفكر البدائي ،و البعيدة عن العقلانية والتفكير الراجح ، والمسرحية بأحداثها وشخوصها وصراعاتها تلخص موقف الكاتب من قضايا واقع متدهور متطلعا إلى عالم أساسه العقلانية ومجتمع متماسك غير مفكك العلاقات مثل أسرة بوناصر التي انحدرت لسلسلة من الانتقامات بصورة وحشية .
استلهام الأسطورة كحامل فرعي للمغزى المضموني للمسرحية
*- مسرحية بنات النوخذة للكاتبة باسمة يونس:
مسرحية بنات النوخذة للكاتبة باسمة يونس ،الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة – ط 1– 2002 م تتضمن 86 صفحة ، اعتمدت فيها الكاتبة على اللغة الفصحى، تعالج فيها قضية العنوسة في فترة الغوص ، حيث تصور سطوة النوخذة بوناصر وسجنه لبناته الثلاث : ميثاء الكبرى وعلياء الوسطى وآمنة الصغرى ، داخل بيت ناء ،بسبب الرواسب العقلية الجاهلية التي كانت تئد البنات وهي من مخلفات الفكر الأسطوري . سجنهن بين جدران شاهقة في بيت بعيد عن العمران ، لأنهن يجلبن له العار، وهن داخل قبر مهجور طيلة ثلاثين سنة ، عادة سجن البنات من العادات المتحجرة في عديد المجتمعات .وهي استدعاء أسطورة ميدوزا في ملمح النظرة التي نحمّلها للمرأة تلك النظرة التي تحيل على شر الأنثى .
تنطلق المسرحية بمشهد الحياة اليومية للبنات ، داخل حوش البيت الواسع ، والأب متكئ على إحدى الوسائد غافيا يطرق الباب فيفزعن لأنهن لم يتعودن على الزوار ، ويدور الحوار بينهن كاشفا غرابة هذا الحدث و حالة التهميش التي حكم بها عليهن بسبب المعتقدات الموروثة .
علياء :- ( بتهكم ) منذ متى ننتظر زوارا لو كنا نفعل لما ...
ميثاء : - ( تتابع وهي تتنهد ) لماذا غيّبنا الصمت وبصم علينا بأقدامه الأخطبوطية كأنه يفقأ أعيننا بتلك الأصابع الغليظة اللزجة ! (...) – ص 8
ويتكرر الطرق عنيفا وبإلحاح وتنتابهن حيرة كبيرة وخوف ويتذكرن طرقات أبيهن عند عودته من رحلة الغوص، وشوقهن الشديد ولهفتهن لملاقاته ، ويشتد الطرق على الباب ، لكن ارتيابهن يزداد و يتواصل حوارهن كاشفا عن مأساتهن فيرثين أنفسهن :
علياء : - لا نرى إلا أنفسنا منذ تفتح الشمس عيونها وحتى يغفو القمر ( تتنهد بحسرة مكبوتة ) وتعود الشمس لتصحو ثم يرجع القمر ... ونحن قابعات هنا خلف جدران السكون وراء ظل الشمس الباهت ...حتى هي الأخرى تمن علينا ببضعة من بقايا ظلالها الغائمة ، ولا تمنحنا من شعاع روحها شيئا تدركه أحلامنا ...شيئا يعطينا حقيقة واحدة من تفاصيل هذا الزمن المتمرد علينا الذي أسقطنا في عمق البئر حتى بتنا لا ننتظر أحدا (..) ص9 – 10 .
ومع حيرتهن عن الطارق ، يتذكرن كيف كنا يودعن أباهن بألم وينتظرن عودته بألم ويسترسلن في أحلامهن وخيالاتهن . و تعود طرقات الباب عالية عنيفة ، ويتيقنّ أنه طرق حقيقي ليس وهما كما تراءى لهن ، ويتذكرن تلك الطرقات التي كانت أمهن تطرقها قبل اختفائها ،ويرجعن إلى الحوار حول تقدمهن في السن والأعوام التي تمضي غير مبالية بهن . ميثاء : - آه كم كبرنا !
علياء :- كبرت أنا وكبرت أنت وكبرت هي ...كبرنا مثل كل شيء ( ص 14 )
ويكشف حوارهن عن حسرتهن وضياع كل أحلامهن ويتعزين بالذكريات
تردد آمنة الأخت الصغرى أغنية البحر ويتذكرن عيسى راعي الغنم في فريجهم عندما كان طفلا ويسترجعن ملامحه وهندامه ويسترجعن غضب والدهن " : لم تعتد بنات العائلات على الظهور أمام الغرباء ... أنتن بنات النوخذة وعيسى ليس إلا تبانا
وابن راعي الغنم ..." ( ص 20 )
ويعظم السؤال عن وجودهن في هذا السجن المؤبد ، وسبب تصرف والدهن . وتقوى الطرقات على الباب وتتحول إلى انفعال ويتحرك الشوق إلى الحرية والانعتاق في نفس كل واحدة منهن ،ثائرات على واقعهن.ثلاثون عاما سرقت أحلامهن ، يعشن ضربا من الجنون في قمقم الأفكار المتحجرة ، غير قادرات على كسر الحصار
ويزداد طرق الباب عنفا وشدة ، فيرتعدن خوفا ولا يستطعن فتحه وتعتريهن حالة من الترقب والارتياب .
وتزداد الطرقات رعونة وصخبا وينفتح الباب بقوة ويدخل شاب فيتراكضن مذعورات من شدة الفزع والمفاجأة ، ويتكدسن في زاوية الغرفة صارخات ملتحمات ببعضهن ، محتميات بأبيهن ، ويتعجب الشاب من وجود الفتيات في هذا المكان المهجور ، وتتوالى الأسئلة من كل الأطراف ممزوجة بالخوف والريبة ،ويظهر من حوارهن اللوم ميثاء :_ لماذا تحرمنا من حقنا في الحياة ؟ لماذا تحبسنا في هذا المكان الغريب ؟
لماذا تجعلنا نتحول إلى أشياء مزروعة في حوش دارك ؟ ولا تترك لنا جزءا من الهواء ؟ لماذا تدع هذا الغريب يذبحنا ويمزقنا ؟ ص 29
وبعد استرداد الأنفاس ،يخبر الشاب أنه جاء يستفسر عن النوخذه لأنه لم يتعود غيابه ،
وتصور الكاتبة هذا الشاب خائفا من البنات ظانا أنهن ساحرات ولا يزول خوفه إلا عند رؤية النوخذه غارقا في النوم فيهتف عيسى فرحا بعثوره على عمه النوخذه ، ويقترب منه متلهفا ليوقظه فيجده ميتا ويكتشف أنهن سجينات من سنين ،ويكبر السؤال بينهن عن سر النوخذه وسجنه لهن ينظرن إلى بعضهن البعض صامتات بدون انفعال وكأنهن صدمن بالكلمات لكنهن يبدون باردات في ردود أفعالهن تجاه المفاجأة ، بلا مبالاة بكلام عيسى وكأنهن لم يفهمن قصده ... ) ( ص 41 )
ويطول الحوار بعد وفاة النوخذه بين البنات والشاب الذي عرفن أنه عيسى ذلك الطفل الذي قيل قد بلعه البحر ، حوار فلسفي في حتمية الموت ومعنى الحياة ، وفي رفضهن لموت النوخذه لما عرفن فيه من جبروت ويقنعهن عيسى بحقيقة الموت التي يجهلنها : علياء :- أبي ميت ؟( تضحك متهكمة ) أتظن أننا لا نعرف كيف يكون الموت ؟ صحيح لم نر أحدا يموت من قبل ، بل قل لم نر في حياتنا إنسانا حيا غير أبينا ( ص43)
ويحاول عيسى إخراجهن من السجن الذي غمره الموت لكن لايجد منهن استعدادا ، فقد قتلت فيهن سلطة الأب حتى وهو ميت الأمل في الحياة .ويرغّبهن في السعادة والحب وفرحة الأمومة وتتحرك مشاعر آمنة فتنادي متمردة على واقعها :
آمنة: أريد حياتي ! أريد أن أستعيد ما حرمتني منه الأيام ، أريد عمري وقلبي وطفلي ، أريد حبي وغدي وكل لحظة ماتت بين زوايا الغربة والنفي وعزلة الموت هذه !.. أريد أن أخرج لست أرغب في البقاء هنا بعد الآن ! ( ص 60 )
وبموت النوخذه ، تبدأ حياة بناته خارج السجن وكأن طرقات الشاب عيسى نداءات إلى الانعتاق والتخلص من كابوس الخوف وكسر القيود ، ورغم تردد البنات في فتح الباب وعجزهن عن ذلك وعن التعبير عما يدور في دواخلهن من شوق إلى الخلاص فقد ساعدهن الشاب على كسر الأغلال والتمرد ، وهنا تبرز الكاتبة أن عملية التحرر عملية مشتركة بين الرجل والمرأة ، ولا تتحقق إلا بتوحد الطرفين .ولم تكن ثورة الطبيعة في الخارج سوى دعوة إلى الثورة على كل جمود و على تلك الرواسب المتكلسة في الموروث من المعتقدات المتحجرة والأفكار المسيئة لإنسانية الإنسان .
وبدفن الأب تحت الأنقاض ، تدفن معه تلك العادات البالية ، إنها دعوة ملحة للخروج من دهاليز الجهل من أجل إنسانية الإنسان وكرامته .ولم تكن عملية التهديم إلا لإعادة بناء حياة مشرقة .وإذا كانت صورة الأب كمثل أعلى للسلطة صورة رثة لذلك آل مصيرها إلى الموت وبموته يزول النظام المبني على التعسف والقهر .
إنه التراث استندت عليه الكاتبة لنقد واقع متدهور وإصلاح ما أصابه من دمار .
الاستنتاجات :
*- إن ما جاء في هذه المدونة النصية للمسرح الإماراتي من استلهام لعناصر الأسطورة ، يبدو راجعا للاجتهاد الفردي ويمثل بادرة مبدئية من مبادرات التجريب ولا يدخل في نهج أو تيار فني له خصوصياته وأسسه ، يمكن أن يمثل مدرسة فنية ذات ملامح واضحة. *- رغم تنوع الاجتهادات في الاستلهام من الأساطير فهي تبقى مشدودة إلى خيط الارتجال والتقليد في خوض مغامرة الأسطرة دون استيعاب أبعادها وجوهرها الصحيح والقدرة على توظيفها وتحقيق انصهارها ضمن النص المسرحي والاندراج ضمن بنيته العضوية .
*-قضية الجن تيمة مشتركة مكررة في النصوص المسرحية الإماراتية ورغم تتنوع طرق الاستلهام وتفاوتها فهي تحتاج إلى المزيد من الوعي بطاقتها الفنية تجنبا للنمطية والعلاج المباشر.
*- في مواجهة الفكرة المسيطرة على عقول الكثير من خرافات وأوهام في سكن الجن للإنس وللمكان ، لم تستطع النصوص الوصول إلى النظرة العلمية للمسألة وما حققه الطب الحديث في معالجتها مما يترك المتقبل العادي حائرا بين التكذيب والتصديق.
*- بروز ثنائية الواقع الراهن والخيال كعنصر فاعل في تصعيد الصراع وخلق حالة يمتزج فيها الوعي باللاوعي ، امتزاج النور بالظلمة في الغسق أو حالة يتداخل فيه العقل مع الخيال وينصهر فيه الواقع مع الأسطورة لتصبح الأسطورة واقعا والواقع أسطورة . *
*-صورة المطوع تبقى في حدود النمطية وإن خرجت عن الإنسان العادي فملامحه تحدد من خلال ذاته و من خلال أفراد بيئته ، وإذا رسم خارق القدرات فهو منطو على جملة من الثنائيات مجسدا في حركته دورة الحياة والموت ثنائية الخصب والجدب ثنائية الخلق والهدم والحركة والسكون فيصبح اللغم والطعم ويصبح حالا تتقاطع فيه الجنة والجحيم وموتا لايفارق الحياة أو حياة لاتفارق الموت " *9
*- الطاقة الإيحائية في النصوص لا تبلغ قوتها وإحالتها على سلم الرموز العليا كرمزية النخلة والماء ( في قبر الولي) ورمزية المرأة في أغلب النصوص ورمزية الأفعي في مسرحية جميلة جاءت عفوية ، غير فاعلة في النصوص.
*-تناول الكتاب الإماراتيين قضايا الإنسان الإماراتي وهمومه برؤية موضوعية، ومحاولة رصد العلل والآفات المزمنة في تربة المجتمع، ووضع الإصبع على الجرح لمعالجته كما اجتهدوا لرسم ملامح المشهد المسرحي الإماراتي، بعناصر هويته و وأسهموا في الاضطلاع برسالته شكلاً ومضموناً، فأبدعوا من خلال تطلعاتهم التجريبية واستلهامهم للتراث برؤية واضحة ساعدت على إثراء الحركة المسرحية في الإمارات وإثراء رصيدها الفني .
*- اتسام محاولات التجريب بالجدية من أجل اكتشاف الصيغ الفنية القادرة على مواجهة التحديات للحفاظ على مقومات الهوية الوطنية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والفكرية والروحية وتطوير من الذائقة الفنية،و حتى الأسلوب الكوميدي مراميه هادفة.
*- إن الأسطورة بكل مظاهرها تبقى منجما خصبا للإبداع ، ولازالت موطن استلهام
لأنها عالم خصيب تمتزج فيه جدليات عدة في تمازج الواقع مع الخيال والطبيعة وما وراء الطبيعة والظاهر والخفي والحياة والموت والخير والشر والقوة والضعف والحاكم والمحكوم والعاقل والمجنون ... .
*- وما يمكن استنتاجه من خلال تجارب المسرحيين الإماراتيين، أن الأسطورة تمنح الكتاب إغراءاتها بفضل بنائها الفني وسحر سرديتها وتوفرها على عناصر التشويق، وما يتوفر فيها من أبعاد إنسانية ومضامين فكرية ،وهي قادرة على إثراء الخيال بجملة من القيم ، وتدوين الشرور ومقاومة ثقافة الخوف ، وفي تحميلها من قبل الكتاب تلك الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية أو السياسة بالقدرة على تحويلها من حالتها البدائية إلى حالتها الإبداعية وذلك بمحاولة النفاذ إلى أعماقها .
*- استلهام الأساطير هو وفاء للقيم الجمالية والإيمان بجوهر الإنسان الخالص،
*_ الكتاب الإماراتيون استلهموا العناصر التراثية استلهاما فنيا وحاولوا التعبير به عن هموم العصر وقضاياه ، وذلك " بعد تأويل العناصر التراثية تأويلا معاصرا وبعد تجريدها من دلالتها الوقتية في الماضي ، والتي لا تصلح للتعبير عن الحاضر بصورته الغابرة "* 10
هذه الاستنتاجات لا تنفي ما حققه كتاب المسرح الإماراتي من وعي بالمسألة الثقافية وارتباطها بالهوية و من إضافة ذات خصوصية ورافد غني للمسرح العربي عامة ، ويبقى هذا البحث خطوة متواضعة تتبعها خطوات لما للفن الرابع من قدرة على الإغراء.
المصادر :
1- مسرحية جميلة – جمال مطر – دائرة الثقافة والإعلام - الشارقة – 1994
2- مسرحية الياثوم – سالم الحتاوي ================= -2003
3- قبر الولي -جمال مطر ================= - 1998
4- خرزة الجن -ناجي الحاي ================= - 1999
5- بنات النوخذه - باسمة يونس =============== - 2002
المراجع :
*1 د- سيد علي إسماعيل – أثر التراث العربي في المسرح المعاصر – دار قباء ( القاهرة ) ودار المرجاح ( الكويت ) ط 2000 م - ص237
*2 - أ-ريم العيساوي – الأسطورة والإبداع – دائرة الثقافة والإعلام- الشارقة – 1998 م – ص
167
*3-د- أحمد إسماعيل النعيمي- الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام - - سينا للنشر -
1995 – ص 34
*4 - د- أحمد إسماعيل النعيمي- الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام - - سينا للنشر –
1996 – ص36 .
*5- المصدر السابق ص 38
*6_ توظيف الأدب الشعبي في النص المسرحي الخليجي – سعيد محمد السيابي - دائرةالثقافة والإعلام –الشارقة – 2005 – (ص 167)
*-7 عبدالإله عبد القادر – صورة المرأة في الكتابة المسرحية في الإمارات العربية المتحدة -اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – ط1- 2004 م – ص46
*8 – د- جابر عصفور – الأسطورة والإبداع – د الثقافة والإعلام – الشارقة – 1998 ص 46
*9 – د- أحمد ديب شعبو – نقد الفكر الاسطوري والرمزي –المؤسسة الحديثة للكتاب- طرابلس - لبنان ص 47
* 10-د- علي عشري زايد – استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر –منشورات
الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان – طرابلس –ط1- 1979 م. ص 62.
عناصر البحث :
• تمهيد
• جدلية العلاقة بين الأسطورة والإبداع
• إشكالية المصطلح
• استلهام الأسطورة كحامل بنيوي ومضموني للمغزى الكلي للنص
• مسرحية جميلة لجمال مطر
• مسرحية الياثوم لسالم الحتاوي
• مسرحية قبر الولي لجمال مطر
• الأسطورة كحامل فرعي للمغزى المضموني للنص
• مسرحية خرزة الجن لناجي الحاي
• مسرحية بنات النوخذة لباسمة يونس