الأضداد
هي نوع من المشترك اللفظي ، لكن تختلف عنه في كون معنيي كل لفظ من الأضداد متضادان بينما معاني كل لفظ من المشترك مختلفان .و قد اهتم علماء العربية قديما بهذه الظاهرة اهتماما كبيرا حتى أنهم أفردوا لها الكتب و خصصوا فصولا و أجزاء من مؤلفاتهم لدراسة هذه الظاهرة.و من أشهر من ألف في الأضداد ابن الأنباري و الأصمعي و أبو حاتم و ابن السكيت و الصاغاني و قطرب و أبو الطيب اللغوي وغيرهم كثير.
1-الإختلاف حول وجود الأضداد
اختلف العلماء حول وجود الأضداد و تفرقوا فريقين،فريق ينكر وجودها وهم قلة قليلة،و فريق يثبتها وهم جمهرة علماء العربية.
• الفريق الأول و منهم : بقلب (ت291هـ) و ابن درستويه و تاج الدين الأموري وغيرهم. فبقلب أنكر وجود الأضداد لأن وجودها حسب رأيه يعني استحالة الكلام ، فالسامع ستختلط عليه الأمور و لا يدري أي الضدين يريد المتكلم(1) أما ابن درستويه فكان من أشد و أشهر المنكرين لوجود الأضداد،وحجته أن اللغة توقيف من الله عز وجل ،و لما كان الواضع قد وضع اللغة للإفهام و الإيضاح فإنه استحالة أن يضع ما يشوب هذه الغاية و يحول دونها، و نحن إذا تأملنا موقف ابن درستويه أدركنا أنه لا ينكر وجود الأضداد مطلقا، و لكنه ينكر وجودها من الأصل الأول ،أي

1- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص194.
من عند الواضع.أما تاج الدين الأموري فأنكر الأضداد معتمدا على برهان عقلي حيث يقول "أن النقيضين لا يوضع لهما لفظ واحد"(1)
• الفريق الثاني :لقد أثبت معظم علماء العربية القدماء وجود ظاهرة الأضداد في اللغة ،و منهم المبرد و ابن فارس و ابن الأنباري والفارابي اللغوي و غيرهم.وقد انقسم المثبتون للأضداد إلى من يوسع مفهوم الأضداد و من يضيقه.
فابن السكيت و الفارابي اللغوي توسعوا في مفهوم الأضداد ،و أدخلوا فيه ما كان من اختلاف اللهجات،فابن السكيت يقول إن لمقت الشيء بمعنى كتبته و محوته من الأضداد،رغم أن الأولى (كتبته) لغة عقيل، و الثانية(محوته) لغة سائر العرب.
أما الفارابي اللغوي فقد اعتبر كلمة الشعب من الأضداد فهي الجمع وضده التفريق .وهناك من المثبتين من توسع وبالغ في التوسع و منهم أبو حاتم وقطري وبن الأنباري ، فمثلا لفظ مأتم عند أبو حاتم وقطري من الأضداد ذلك أنه يطلق على النساء المجتمعات في فرح أو سرور أو في غم و حزن ومناحة (2) ¬ والفرح ضد الحزن .
أما ابن الأنباري فقد بالغ هو الأخر حيث اعتبر "فعيلا" من الأضداد " إذا ورد بمعنى فاعل وبمعنى "مفعول" كالرعيب بمعنى الشجاع أو بمعنى الجبان فالأول فاعل والثاني مفعول، كما اعتبر "مزداد" من الأضداد، فمزداد يكون للفاعل الذي يريد الزيادة وللمفعول الذي يراد منه الزيادة (3) ،كما يعتبر" ما" و"نحن" من الأضداد لأن الأولى

1- السيوطي،المزهر،ج1،ص 387.
2-الأضداد لأبي الطيب اللغوي،الجزء1/ص18،عن مختار عمر،علم الدلالة،ص197.
3-الأضداد ، ابن الأنباري، ص409-410،عن مختار عمر،علم الدلالة،ص197.
تكون نافية وموصولة والثانية تكون للواحد والاثنين والجمع.
وعلى العموم فإن الموسعين قد أدخلوا في الأضداد ما ليس منها وعدوا منها ما يزيد عن ثلاثمائة كلمة.
أما المضيقون فيخرجون من الأضداد ما كان بسبب اختلاف اللهجات ، ومنهم ابن دريد الذي يقول في الجمهرة " الشعب الافتراق ، و الشعب الاجتماع ، وليس من الأضداد ، إنما هي لغة قوم " (1) وهذا يعني أن شرط الأضداد أن يكون استعمال اللفظ في المعنيين في لغة واحدة ، ومن المضيقون كذلك القالي فهو مثلا يرى أن الصريم بمعنى الليل و النهار ليس من الأضداد ،و قال النطفة :الماء تقع على القليل منه و الكثير، و ليس بضد.(2)
و كذلك هناك من بالغ في التضييق لكن أغلبهم من المحدثين، ومنهم المستشرق الألماني جيس geise الذي كتب رسالة قصيرة عن الأضداد نشرت سنة 1894 ، و حصر عدد ألفاظ الأضداد في 22 لفظا،لكن السبب في قلة هذا العدد أنه حدد بحثه في فترة العصر الجاهلي¬.
و منهم كذلك wall كاتب مادة الأضداد في دائرة المعارف الإسلامية ، فهو يقول:"إذا استبعدنا جميع الكلمات التي ليست بأضداد حقيقية،أو الموضوعة في غير مواضعها ،لا يبقى من الأضداد في اللغة العربية إلا القليل" (3) و منهم كذلك الدكتور إبراهيم أنيس الذي لم يقبل مجموعة من كلمات الأضداد و قال:"حين نحلل أمثلة من التضاد في اللغة
1-- السيوطي،المزهر،ج1،ص 396.
2-نفسه،ص397.
3-الجزء3/ص507،عن مختار عمر،علم الدلالة،هامش ص199.

العربية و نستعرضها جميعا،ثم نحدد منها ما يدل على التكلف و التعسف في اختيارها، يتضح لنا أن ليس بينها ما يفيد التضاد بمعناه العلمي الدقيق الا نحو عشرين كلمة في كل اللغة"(1)
2-أسباب نشوء الأضداد:
هناك عدة أسباب ساهمت و تساهم في نشوء الأضداد في اللغة ،ويمكن أن نقسم هذه الأسباب إلى أسباب تاريخية و أسباب خارجية و أسباب داخلية.
1- الأسباب التاريخية: قد تنشأ الأضداد بالوضع الأول أي أن واضع اللغة وضعها بالوضع الأول للدلالة على معنيين متضادين،وقد تكون نشأت نتيجة رواسب قديمة،وبهذا يمكن رد ألفاظ الأضداد إلى العصور التاريخية القديمة،فكما قال gordis "الأضداد من جميع النواحي هي في حديث الناس ليست إلا بقايا من طرائق التفكير عند البدائيين"(2)
2 الأسباب الخارجية: ومنها نشوء الأضداد بسبب اختلاف اللهجة حيث يكون أحد المعنيين لقبيلة ويكون المعنى الأخر لقبيلة أخرى، وقد جاء في المزهر" و قال آخرون:إذا وقع الحرف على معنيين متضادين فمحال أن يكون العربي أوقعه عليهما بمساواة منه بينهما ، و لكن أحد المعنيين لحي من العرب و المعنى الآخر لحي غيره،ثم سمع بعضهم لغة بعض فأخد هؤلاء عن هؤلاء و هؤلاء عن هؤلاء. قالوا فالجون الأبيض في لغة حي من العرب، و الجون الأسود في لغة حي آخر،ثم أخد أحد الفريقين

1- ابراهيم أنيس،في اللهجات العربية،ص215، عن مختار عمر،علم الدلالة، ص198-199.
2-دائرة المعارف الإسلامية، الجزء3، ص509، عن مختار عمر، علم الدلالة، ص213.
من الآخر"(1) و مثاله ، السدفة بمعنى الظلمة في لغة قبيلة تميم، و بمعنى الضوء في لغة قبيلة قيس.
ومن الأسباب الخارجية في تكون الأضداد ما يكون بسبب الاقتراض من لغة أجنبية،فجيس Geise يرى أن بعض ألفاظ الأضداد في اللغة العربية نشأت عن طريق اقتراض العرب بعض ألفاظ اللغات المجاورة لهم(2)،كالفارسية و الحبشية و اليونانية و السريانية...
و من الأسباب الخارجية كذلك نشوء الأضداد بسبب عدد من العوامل الاجتماعية (3) من قبيل التشاؤم و التفاؤل و التهكم و التأدب، و مثال ذلك أن العرب تسمي الأسود أبيضا تشاؤما من نطق لفظ الأسود،و تطلق لفظ المفازة الذي يعني الفوز على الصحراء المهلكة تفاؤلا بفوز من يجتازها،كما يطلقون لفظ القافلة -بمعنى الجماعة العائدة من السفر- على الجماعة المسافرة تفاؤلا برجوعها. و يطلقون لفظ العاقل على المجنون على سبيل التهكم،و يطلقون لفظ بصير -وهو قوي النظر- على ضعيف النظر على سبيل التأدب،ومن ذلك تكنيتهم للشاعر الجاهلي ،الأعشى بأبي بصير.
3- الأسباب الداخلية : و نقسمها إلى أسباب تتعلق باللفظ، و أخرى ترتبط بالصيغة، وثالثة تعود إلى المعنى(4).
1- السيوطي،المزهر،ج1،ص 401.
2- أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص213
3- نفسه،ص 205 .
4- نفسه ،ص 206 و مل بعدها.

 أضداد بسبب ما يتعلق باللفظ،و تكون إما بسبب الاختلاف في الأصل الاشتقاقي لكل من المعنيين المتضادين ،فمثلا ضاع تعني اختفى كما تعني ظهر،فالأولى ضاع يضيع حيث الألف منقلبة عن ياء،أما الثانية فضاع يضوع حيث الألف منقلبة عن واو. وتكون كذلك بسبب الإبدال و القلب،بالإضافة إلى ما يعود للأصل الثنائي،فالأب مرمرجي الدومينيكي يرد بعض ألفاظ الأضداد إلى أصلين ثنائيين "يطابق أحدهما أحد المعنيين المتضادين ، ويطابق الآخر المعنى الآخر"(1) و مثال ذلك لفظ "ذرب" بمعنى فسد و صلح،فالأب يرد المعنى الأول إلى الأصل الثنائي ذب الذي يعني مازال و يرد المعنى الثاني إلى الأصل الثنائي ذر،كما في قولنا ذر النبات بمعنى طلع لصحته و قوته.
 أضداد ترتبط بالصيغة : هناك بعض الصيغ الاشتقاقية تؤدي معان متضادة، ومنها ما لها دلالة على الفاعلية و المفعولية في نفس الوقت وهذا يعني وقوع الأضداد ، فمثلا الصيغة أفعل تدل على السلب والإيجاب ومثال ذلك كلمة أفزع التي تأتي بمعنى أخاف وتأتي بمعنى أزال الفزع ، وأطلبت فلانا أعطيته ما يطلب وأطلبته بمعنى ألجأته إلى أن يطلب (2) ، أما الصيغ الدالة على الفاعلية و المفعولية فكثيرة منها "فعيل" و"فاعل" فمثال الأولى : أمين التي تدل على المؤتمن (الفاعل) وعلى المؤتمن (المفعول) ومثال الثانية : صارخ بمعنى المستغيث (الفاعل) والمغيث أو المستغاث به (المفعول) ، إلى غير ذلك من الأمثلة .
1- أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص211.
2- السيوطي،المزهر،ج1،ص 391.

 أضداد ترتبط بالمعنى ومنها :
- الاتساع : حيث أن اللفظ يطلق على الضدين على جهة الاتساع، ومثاله الطرب الذي يعني الفرح ويعني الحزن. قال بن الانباري في تفسيره : الطرب خفة تلحق الإنسان في وقت فرحه وحزنه " (1) ، وقال السيوطي في مزهره " وقال آخرون : إذا وقع الحرف على معنيين متضادين فالأصل لمعنى واحد ، ثم تداخل الاثنان على جهة الاتساع ، فمن ذلك الصريم ، يقال لليل صريم وللنهار صريم "(2).
- المجاز المرسل وهو " كلمة استعملت في غير معناها الأصلي لعلاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي "(3)، ويرى GIESE أن المجاز سبب من أسباب نشوء الأضداد ،فمثلا كلمة الناهل تطلق على العطشان كما تطلق على الريان أي الذي شرب حتى ارتوى ، وهذا المعنى الثاني هو مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون، أي تسمية الشيء باسم ما سيصير إليه ، فالناهل هو العطشان الذاهب إلى الشرب فهو ريان في النهاية(4) .
- المجاز العقلي وهو" إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له ، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي " (5) ، وقد ذكره ربحي كمال من أسباب وقوع الأضداد، ومثل له بكلمات عديدة منها كلمة راضية في قوله تعالى في سورة.............
1- أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص206.
2- السيوطي،المزهر،ج1،ص 401.
3- الشيخ الغلاييني، الدروس العربية،الجزء4، ص 161.
4- فصول في فقه اللغة،ص312،عن مختار عمر،علم الدلالة،ص 207.
5- الشيخ الغلاييني، الدروس العربية،الجزء4، ص 166.
( في عيشة راضية )(1) فقد قال المفسرون أنها بمعنى مرضية ،فاستعمل اسم الفعل مكان اسم المفعول، ويقول ربحي كمال:" إنه أمر مألوف في اللغات السامية إطلاق اسم الفاعل وإرادة اسم المفعول ، وإطلاق اسم المفعول وإرادة الفاعل وذلك على سبيل المجاز العقلي "(2).
- التصاحب الذهني : هناك من يرد كلمات الأضداد إلى تصاحب المعاني المتضادة في الذهن ، فبمجرد ذكر معنى من المعاني يتبادر إلى الذهن المعنى المضاد لهذا المعنى ، وهذه الفكرة نجدها عند الدكتور إبراهيم أنيس ، كما نجدها عند جيس GIESE ، فكلمة البين تدل على الفراق وهذا المعنى يستدعي المعنى المضاد له وهو الوصال وبذلك أصبحت تدل على الفراق كما تدل على الوصال(3).
- الإبهام في المعنى الأصلي : حيث أن المعنى الأصلي يكون مبهما وغير واضح الدلالة ، فيعرف عند بعض أبناء اللغة بمعنى ويعرف عند آخرين بمعنى مضاد للمعنى الأول ويمكن أن نمثل له " بما حكا أبو حاتم من أن العرب تقول : حلق الماء في البئر إذا غار وسفل وحلق الطائر في الجو إذا ارتفع ، فنفترض أن أصل المعنى هو الابتعاد ، ثم تحدد عند مجموعة بالارتفاع ، وعند أخرى بالانخفاض " (4) .
- زيادة القوة التعبيرية : فبعض كلمات الأضداد نشأت نتيجة التعبير عن الشيء باسم ضده زيادة في القوة التعبيرية .
1-سورة ....
2-التضاد،ص42،عن أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص207.
3- أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص20 9.
4- نفسه،ص208.

جميل
وفقك الله
بانتظار المزيد