عناصر الخطاب السردي في رواية الطيب صالح:موسم الهجرة إلى الشمال،وقصته:دومة ود حامد.أ
.الراوي:يمثل الراوي وسيلة أو أداة تقنية يستخدمها الروائي ليكشف بها عن عالم روايته كما أشرت في الفصل الأول من هذا البحث،وهو كائن ورقي إلا أن ملفوظه يجسد صوت الروائي الخفي الذي يختار الأحداث والشخصيات وكذلك الراوي لكنه- أي الكاتب – لايظهر ظهوراً مباشراً في النص القصصي.1
وينتمي الراوي في رواية الطيب صالح:"موسم الهجرة إلى الشمال" وقصته"دومة ود حامد"إلى النوعية الأولى من الرواة حسب تقسيم الباحثة يمنى العيد وهي نوعية الراوي الذي يحلل الأحداث من الداخل،ويكون حاضراً في الرواية.
أما حسب تقسيم الباحث أحمد العزي صغير فإن الراوي في الرواية والقصة ينتمي إلى النوعية الثالثة،وهي نوعية الراوي الشاهد والمراقب،فضمير السرد الذي يهيمن على البنية السردية في الرواية هو ضمير المتكلم الذي ينطلق منه الراوي الأول في الرواية:"فضمير (الأنا) هو الضمير الذي تروي من خلاله الشخصية الروائية الواقعة في الزمن الحاضر الذي هو زمن السرد عن أحداث وشخصيات تقع في الزمن الماضي الذي هو زمن الحكاية مما يوهم القارىء والحال هذه أنها ضرب من السيرة الذاتية أو المذكرات الاعترافية (التبوغرافية)."2
وهذا واضح في كثير من النصوص السردية منها هذا النص الذي يرويه الراوي الأول في الرواية:"عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة،سبعة أعوام على وجه التحديد،كنت خلالها أتعلم في أوروبا.تعلمت الكثير،وغاب عني الكثير،لكن تلك قصة-
1- انظر تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/33.
2- المصدر السابق،ص/35.
*********************************************
-أخرى.المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل."1
وينطبق على ما تقدم أيضاً في شأن الراوي الأول شأن الراوي الثاني بطل القصة الأساسي "مصطفى سعيد"الذي يروي حياته في كثير من مقاطع الرواية- للراوي الأول،مستعيناً بضمير المتكلم:"المهم أنني كما ترى ولدت في الخرطوم.نشأت يتيماً،فقد مات أبي قبل أن أولد ببضعة أشهر،لكنه ترك لنا مايستر الحال.كان يعمل في تجارة الجمال.لم يكن لي أخوة،فلم تكن الحياة عسيرة علي وعلى أمي."2
فالراوي هنا"مصطفى سعيد":"ينطلق من الرؤية (مع) التي تتساوى فيها معرفة الراوي بمعرفة الشخصيات الأخرى.فضمير الأنا الأكثر التصاقاً بالشخصية الروائية يتراجع في كثير من المواقف السردية ليبرز ضمير ال(هو) ومن ثم ضمير المخاطب في بعض المشاهد الحوارية."3
فالراوي الأول الذي استهلت الرواية بضمير المتكلم الذي انطلق منه يغادر(أنا)المتكلم إلى ضمير الشخص الثالث في مواضع من الرواية منها هذا الموضع الذي تحدث فيه عن افتقاد"مصطفى سعيد"أثناء فيضان النيل،ومن الجدير بالذكر أن الراوي في هذا الموضع انطلق من ضمير المتكلم متراجعاً بعدها إلى ضمير الشخص الثالث:"حدثني أبي،فقد كنت في الخرطوم وقتها،أنهم سمعوا بعد صلاة العشاء صراخ نسوة في الحي،فهرعوا إلى مصدر الصوت فإذا الصراخ في دار مصطفى سعيد.كان من عادته أن يعود من حقله مع مغيب الشمس،ولكن زوجته انتظرت دون جدوى.وذهبت تسأل عنه هنا وهناك،فأخبروها أنهم رأوه في حقله والبعض ظن أنه عاد إلى بيته مع بقية الرجال.وانكبت البلد كلها على الشاطىء."4
كما يظهر ضمير المخاطب في كثير من المشاهد الحوارية التي تحتل مساحة واسعة في بنية الرواية،لعل أبرزها ذلك المشهد الذي دار فيه الحديث الاستجوابي في قاعة المحكمة الكبرى في لندن بين"مصطفى سعيد"والمدعي العمومي:
"هل تسببت في انتحار آن همند؟
لا أدري
وشيلا غرينود؟
لا أدري
1- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/5.
2- المصدر السابق،ص/23.
3- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/35.
4- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/49.
***************************************************
وإيزابيلا سيمور؟
لا أدري
هل قتلت جين مورس؟
نعم
قتلتها عمداً؟
نعم."1
فضميرالمخاطب هنا ضمير مسيطر على أسلوب الحوار،وهو يشكل أسلوباً مباشراً يستخدم للكشف عن الأحداث والشخصيات.
أما "دومة ود حامد"فأرى راويها أيضاً يندرج تحت نفس النوع من الرواة"الراوي الشاهد أو المراقب"،فهو راوٍ موضوعي تحدد دوره في الشهادة،وهو هنا،شيخ كبير حكيم من أبناء قرية سودانية نائية لا يميزها سوى"الدومة"التي يقدسها أهل البلد،دومة ود حامد،لكن القصة تتكشف في نهايتها السردية عن ما يشبه المفاجأة عندما يظهر صوت الراوي الثاني،ضيف الشيخ،الشاب الغريب عن البلد الزائر لها،الذي يبدو مخاطَباً مروياً له طوال الوقت في القصة باستثناء الفقرتين الأخيرتين منها،ليتحول فيهما إلى راوٍ يصف ويروي ويحاور:"ولما فرغ الرجل من كلامه،نظر إلي وعلى وجهه ابتسامة غامضة ترفرف على جانبي فمه كضوء المصباح الخافت.فقلت له:"ومتى تقيمون طلمبة الماء والمشروع الزراعي ومحطة الباخرة؟"فأطرق برهة ثم أجابني:"حين ينام الناس فلا يرون الدومة في أحلامهم".قلت له:"ومتى يكون هذا؟"فقال:ذكرت لك أن ابني في البندر يدرس في مدرسة.إنني لم ألحقه بها.ولكنه هرب.سعى إليها بنفسه.وإنني أدعو أن يبقى حيث هو فلا يعود.حين يتخرج ابن ابني من المدرسة ويكثر بيننا الفتيان الغرباء الروح،فلعلنا حينئذ نقيم مكنة الماء والمشروع الزراعي...لعل الباخرة حينئذ تقف عندنا...تحت دومة ود حامد".2
وقد تناوبت عدة ضمائر في سيرورة البنية السردية وتأطير حركتها العامة في القصة،وقد وجدت الضمائر الأكثر سيطرة في القصة تتمثل في ضمير المخاطَب الذي استخدمه الراوي الأول (الشيخ)كثيراً،وقد ظهر مترافقاً مع ضمير المتكلم الذي استخدمه بصيغة الجمع غالباً،والأمثلة على الضمير الأول كثيرة،منها ماابتدأت به القصة من حديث وجهه الراوي الأول الشيخ الحكيم إلى ضيفه الشاب:"لو جئت بلدنا سائحاً،فأغلب الظن يابني أنك لن تمكث فيها طويلاً،تجيئنا شتاء وقت لقاح النخل،فترى سحابة داكنة-
1- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/35-36.
2- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/53.
****************************************************
- ربضت على البلد.ليس هذا يابني غباراً ولا هو بالضباب الذي يثور بعد وقوع المطر.هذا سرب واحد من أسراب (النمتة)التي تربط على الداخلين إلينا أفواه الطرق."1 ويلي ضمير المخاطَب المبثوث في مساحة واسعة من القصة ضمير المتكلم الجماعي"النا"الذي أشرت إليه آنفاً،أما ضمير المتكلم الفردي فقليل نادر لا يكاد يظهر إلافي بضعة مواضع مؤكدة لما قيل وكأنما لتؤكد إنسانية الراوي الذي انصهر في روح
الجماعة كجزءٍ منها لا كإلغاءٍ لإنسانيته وتفرده:"أتراك يابني تتابع ما أقول؟هل تلمس هذا الشعور الذي أحسه في ذهني ولا أقوى على التعبير عنه؟"2
وكما في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"تتراجع ضمائر المتكلم والمخاطب ليظهر ضمير الغائب،أو يتراجع الراوي إلى ضمير الشخص الثالث ليتحدث على لسان رواةٍ آخرين،من أمثلة ذلك تلك الرؤيا التي تقصها إحدى نساء "الدومة"لصاحبتها لتفسرها لها في سردٍ يجمع بين سحر البساطة وتلقائية الجمال:"وتسمع المرأة منهن تحكي لصاحبتها:كأنني في مركب سائر في مضيق في البحر،فإذا مددت يدي مسست الشاطىء من كلا الجانبين.وكنت أرى نفسي على قمة موجة هوجاء تحملني حتى أكاد أمس السحاب،ثم تهوي بي في قاع سحيق مظلم.فخفت وأخذت أصرخ وكأن صوتي قد انحبس في حلقي.....فتملكني الذعر وصحت بأعلى صوتي:"ياود حامد".ونظرت فإذا رجل صبوح الوجه له لحية بيضاء غزيرة قد غطت صدره،رداؤه أبيض ناصع،وفي يده سبحة من الكهرمان.فوضع يده على جبهتي وقال:لا تخافي.فهدأ روعي.ونظرت فإذا الشاطىء يتسع والماء يسيل هادئاً،ونظرت إلى يميني فإذا حقول قمح ناضجة،وسواقٍ دائرة،وبقر يرعى.ورأيت على الشاطىء دومة ود حامد.ووقف القارب تحت الدومة،وخرج منه الرجل قبلي،فربط القارب ومد لي يده فأخرجني.ثم ضربني برفق بسبحته على كتفي،والتقط من الأرض دومة وضعها في يدي.والتفت فلم أجده.وتقول لها صاحبتها:هذا ود حامد...تمرضين مرضاً تشرفين منه على الموت.لكنك تشفين منه.تلزمك الكرامة لود حامد تحت الدومة."3
1- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/33.
2- المصدر السابق،ص/39.
3- المصدر السابق،ص/40-41.
****************************************************
ب.المروي له:ذكرت في البحث آنفاً أن الطرف المنطقي الثاني في عناصر الخطاب هو المروي له،وهو،كالراوي ،شخصية من ورق،وله وظائف تتضح في سياق السرد،فالمروي له في "موسم الهجرة إلى الشمال" لعب دوراً كبيراً في تأكيد بعض الموضوعات وأسهم في تطوير الحبكة،وكانت وظيفته فكرية تتمثل في التلقي والتأويل والتعليق ومعارضة وجهات النظر إضافة إلى التمتع بالسرد فضلاً عن أدائه لوظائف بنائية تتمثل في السرد والتأطير والتنسيق،والمحافظة على استمرارية السرد وربط أجزاء الرواية واستكمال بنية الخطاب السردي،أما في "دومة ود حامد"فقد أدى المروي له دوراً بارعاً،فوجوده كمخاطَب يتوجه إليه الراوي بالكلام أغنى السرد وقوى غايته،وقد أدى في هذا الدور وظائفه البنائية أكثر من تلك الفكرية التي انحصرت- كما أراها- في التلقي والاستماع . وقد سبق وأسلفت بيان أشكال المروي له داخل الخطاب السردي،وأول هذه الأشكال هو:المروي له الممسرح أو الظاهري:وهو شخصية تكون مجسدةً داخل الخطاب الروائي وله ملامح وصفات محددة،ويمكن أن يتجسد من خلال عدة تشكلات،لعل أبرزها عملية تبادل المواقع بين الراوي والمروي له،وهذا ما سأوضحه- وغيره من التشكلات- اعتماداً على ماورد في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"وقصة "دومة ود حامد".
ففي رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"نجد إلى جانب الراوي الأول رواة آخرين،فكلما تسلم زمام السرد راوٍ تحول الآخرون إلى مرويٍ لهم،والأملة على ذلك كثيرة من النص الروائي،فالراوي الأول في الرواية هو ابن البلد العائد بعد غيبة طويلة في طلب العلم إلى أهله،والمروي لهم الممسرحون في هذا النص السردي هم أهل قريته الذين جاؤوا يهنئونه بوصوله بالسلامة ويستفسرون منه عن أخبار رحلته وحال أهل البلادالتي زارها:"أسئلة كثيرة رددت عليها حسب علمي.دهشوا حين قلت لهم أن الأوربيين،إذا استثنينا فوارق ضئيلة،مثلنا تماماً،يتزوجون ويربون أولادهم حسب التقاليد والأصول،ولهم أخلاق حسنة،وهم عموماً قوم طيبون."1
ثم يتحول الراوي الأول إلى مروي له ممسرح مسلماً زمام السرد لراوٍ آخر،فوالد-
1- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/7.
**********************************************************
- الراوي الأول في هذا الموقف السردي يحكي قصة مصطفى سعيد الذي استقر في بلدهم بينما يجلس الراوي الأول مستمعاً ليتحول إلى مروي له:"إن مصطفى ليس من أهل البلد،لكنه غريب جاء منذ خمسة أعوام،اشترى مزرعة وبنى بيتاً وتزوج بنت محمود.."1
أما الوسيلة الثانية التي يتجلى من خلالها المروي له الممسرح فهي طريقة السرد الموضوعي،فالراوي عندما يسرد سرداً موضوعياً يكون قد تلقى ذلك من سوائه،فالراوي الموضوعي كان في لحظة تلقيه السرد مروياً له ممسرحاً،من الأمثلة على ذلك في الرواية ذلك الراوي غير الممسرح الذي تلقى عنه "مصطفى سعيد"معلومات عن نشأته،في حين يبقى "مصطفى"مروياً له ممسرحاً:"ولدت في الخرطوم.نشأت يتيماً،فقد مات أبي قبل أن أولد ببضعة أشهر،لكنه ترك لنا مايستر الحال."2
أما الوسيلة الثالثة التي يتجلى فيها المروي له الممسرح فتتمثل في الرسائل والوثائق التي اعتمدتها الرواية في مواضع عدة مستعينة بها على إيضاح الكثير من الأحداث الدرامية في القصة،من الأمثلة على ذلك تلك الوثائق التي دفعها "مصطفى سعيد"إلى الراوي الأول المتسائل عن حقيقته:"فدفع مصطفى إلي برزمة أوراق وأومأ لي أن أنظر فيها فتحت ورقة فإذا هي وثيقة ميلاده.مصطفى سعيد،من مواليد الخرطوم،16أغسطس عام 1898...الأب متوفي،الأم فاطمة عبد الصادق،فتحت بعد ذلك جواز سفره،الاسم،المولد،البلد،كما في شهادة الميلاد."3
فالراوي الأول هنا كان يقف موقف المروي له الممسرح،وقد عملت هذه الوسيلة هنا على تعميق الحبكة الدرامية إضافة إلى تزويد القارىء بمعلومات تتصل ببطل القصة. أما في "دومة ود حامد"فالمروي له الممسرح هو الشاب الضيف الذي جاء الدومة زائراً،حيث يجلس مستمعاً إلى الراوي الأول (الشيخ الحكيم) يحكي له قصة الدومة وأهلها،ويظهر تبادل الأدوار بين الراوي والمروي له في آخر القصة،حيث يتحول المروي له الممسرح إلى راو ويتحول الراوي إلى مروي له مخاطَب يتلقى الأسئلة من الراوي ويجيب عليها.
وهناك موقع آخر في الرواية يشير بوضوح إلى تحول الراوي الأول في القصة إلى مروي له ممسرح يتلقى فيها المروي له الممسرح بطريقة السرد الموضوعي القصة من راوٍ ممسرح هو أبوه نقلاً عن جده في هذا النص الذي يروي فيه أبو الشيخ قصة"ود -
1- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/6.
2- المصدر السابق،ص/23.
3- المصدر السابق،ص/21-22.
*****************************************************************
- حامد":"كان ود حامد في الزمن السالف مملوكاً لرجل فاسق،وكان من أولياء الله الصالحين،يتكتم إيمانه ولا يجرؤ على الصلاة جهاراً حتى لا يفتك به سيده الفاسق.ولما ضاق ذرعاً بحياته مع ذلك الكافر،دعا الله أن ينقذه منه.فهتف به هاتف أن افرش مصلاتك على الماء،فإذا وقفت بك على الشاطىء فانزل.وقفت به المصلاة عند موضع الدومة الآن،وكان مكاناً خراباً."1
ولم تستخدم "دومة ود حامد"وسيلة الرسائل والوثائق إلا في موقع واحد،بث فيه الكاتب شيئاً من روح السخرية المرحة،فالواعظ الذي جاء إلى البلد مبعوثاً من الحكومة أرهقه لسع ذباب البقر المنتشر في البلد وأقعده في الفراش في أسوء حال،فكتب رسالة إلى مرسليه يقول لهم فيها:"ذباب البقر أكل رقبتي،والملاريا حرقت جلدي،والدسنتاريا غرست أسنانها في أحشائي.أقيلوا عثرتي يرحمكم الله.هؤلاء قوم لاحاجة لهم بي ولا بواعظ غيري."2
فالراوي الشيخ عندما سمع هذه القصة كان مروياً له ممسرحاً،ووجود البرقية هنا أغنى روح السرد التلقائي التي تسود في القصة وأثار وعمق خيال القارىء لتصور الحبكة الرئيسة في القصة.
أما المروي له غير الممسرح فقد ظهر في رواية"موسم الهجرة إلى الشمال"بصور عدة،أولها الخطاب بضمير يدل عليه،فالخطاب السردي في الرواية كان يستحضرالمروي له غير الممسرح في كثير من المواقف السردية، بل واستهلت الرواية به:"عدت إلى أهلي ياسادتي بعد غيبة طويلة."3
وهذا النص الذي يقول فيه:"لكن أرجو ألا يتبادر إلى أذهانكم،ياسادتي،ان مصطفى سعيد أصبح هوساً يلازمني في حلي وترحالي."4
فالراوي يتوجه بالخطاب إلى المروي له ليظهر المروي له غير الممسرح(الحاضر في ذهن الروائي على الدوام)في بنية الخطاب السردي.
أما الصورة الثانية للمروي له غير الممسرح،أي ظهور صوت المروي له في الخطاب السردي،فإن رواية"موسم الهجرة إلى الشمال" قد خلت منها فلم يستعمل خطابها السردي هذه الوسيلة ولم يتضمنه في بنيتها.
1- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/46-47.
2- المصدر السابق،ص/36.
3- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/5.
4- المصدر السابق،ص/65.
****************************************************
أما الوسائل الإشارية فقد استعملت في الرواية بشكل واسع في صورة النجمات الثلاث (***) "والتي تشي بنقلة زمنية ما في سياق السرد."1
ومن الأمثلة على ذلك هذا النص الذي يرويه الراوي الأول:"ودعاني للعشاء في بيته بعد يومين.ولما أوصته للباب،قال لي وهو يودعني،والطيف الساحر أكثر وضوحاً حول عينيه:جدك يعرف السر.ولم يمهلني حتى أسأله:أي سر يعرفه جدي؟جدي ليست له أسرار.ولكنه مضى مبتعداً بخطوات نشيطة متحفزة،رأسه يميل قليلاً إلى اليسار.
***
ذهبت للعشاء فوجدت محجوباً،والعمدة،وسعيد التاجر،وأبي."2
"فالراوي هنا اجتزء يومين من زمن الحكاية وانتقل إلى لحظة زمنية أخرى بوساطة تقنية النجمات الثلاث التي هي بمثابة الدليل الإشاري على هذه النقلة،ولولا هذه الوسيلة الإشارية الفاصلة بين زمني السرد،لبقي السرد متقطعاً وغير متتابع،ولاختلط نظام الأحداث على المروي له والقارىء الضمني على حد سواء."3
وهناك أيضاً وسيلة إشارية أخرى ظهرت في بنية الرواية،وهي تقنية النقاط المتتابعة(...) "والتي تجيء للتعبير عن أشياء محذوفة أو مسكوت عنها داخل الأسطر،وفي هذه الحالة تشغل البياض بين الكلمات والجمل نقط متتابعة قد تنحصر في نقطتين وقد تصبح ثلاث نقط أو أكثر،مما يمكن ملاحظته منذ الصفحات الأولى من بنية السرد الروائي وحتى نهايتها."4
ومن أمثلة حضور هذه التقنية عندما كانت"بنت مجذوب"تحكي للراوي الأول حكاية ماحدث بين"ود الريس"وزوجته أرملة "مصطفى سعيد":""هذا كلام لن يعجبك.خصوصاً إذا..."وأطرقت برهة."5
"فأسلوب قطع الدلالة هنا ووضع النقاط مكان الفراغ،يحدث هزة لدى المروي له والقارىء،حيث يشعر بتوقف مفاجىء للسرد،ولكن انقطاع الدلالة هنا والتعويض عنه بالنقاط المتتابعة يهدف إلى إشراك المروي له في عملية تأسيس الإطار السردي،وإكمال الدلالة على وفق رؤيته ووجهة نظره."6
1- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/102.
2- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/14-15.
3- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/102.
4- المصدر السابق،ص/105.
5- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/126.
6- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/105-106.
****************************************************
أما في "دومة ود حامد"فلم يظهر الراوي غير الممسرح بخطاب ضمير يدل عليه،ولا تمثل في ظهور صوت المروي له في الخطاب السردي،لقد ظهر فقط في وسيلة إشارية واحدة،هي تقنية النقاط المتتابعة،التي تجيء تعبيراً عن أشياء محذوفة أو مسكوت عنها داخل الأسطر كما سبق وأسلفت،ومن أمثلة ذلك هذا النص الذي يقوله الراوي (الشيخ) للمروي له(الشاب الضيف)مستئذناً بالقيام لصلاة المغرب:"أمهلني يابني ريثما أصلي صلاة المغرب...يقولون إن المغرب غريب،إذا لم تدركه في وقته فاتك..."عباد الله الصالحين...أشهد ألا إله إلاالله،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله...السلام عليكم ورحمة الله..السلام عليكم ورحمة الله."
وي.وي.هذا الظهر يوجعني منذ أسبوع.ماذا تظنه يابني؟ولكنني أعرف أنه الكبر...ألا ليت الشباب..."1
فهنا أتت النقاط المتتابعة للتعبير عن قيام الرجل للصلاة وأداء طقوسها والانتهاء منها ثم العودة لاستئناف الحديث مع الضيف الشاب في سرد مشوق فطري مثير.
1- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/43.
*************************************************************
ج
.الشــخصية:العنصر الأخير من عناصر البناء السردي في الشخصية التي تشكل جوهراً للعمل الروائي الذي يقوم على خلق الشخصيات المتخيلة مصوراً الواقع من خلال حركتها ونموها التدريجي وتفاعلها مع غيرها. يتمثل
والحق أن الشخصية ليست فقط جوهراً للعمل الروائي بل هي جزء من جوهر العمل الإبداعي الذي يظهر براعة الكاتب في خلق الشخصيات وتفاعلاتها وكوامنها الذاتية معطياً إياها جسداً وروحاً ينبضان بالحياة على مسرح الأوراق.
وقد سبقت الإشارة إلى بناء الشخصيات في النص السردي الذي يكون عبر طريقين أولهما بناء الملامح الخارجية للشخصية،ورواية "موسم الهجرة إلى الشمال" غنية برسم التفاصيل الخارجية لبطل القصة "مصطفى سعيد" الذي وصفه الكاتب وصفاً خارجياً دقيقاً يهيىء القارىء لاستقبال ماسيتعلق بهذه الشخصية لاحقاً من أخبار غامضة ويحفز فضول حواسه لكشف غور الشخصية وفك رموز ماضيها المنغلق على الأسرار:"دققت النظر في وجهه،وهو مطرق.إنه رجل وسيم دون شك،جبهته عريضة رحبة،وحاجباه متباعدان،يقومان أهلة فوق عينيه،ورأسه بشعره الغزير الأشيب متناسق تماماً مع رقبته وكتفيه،وأنفه حاد منخاراه مليئان بالشعر.ولما رفع وجهه أثناء الحديث،نظرت إلى فمه وعينيه،فأحسست بالمزيج الغريب من القوة والضعف في وجه الرجل.كان فمه رخواً،وكانت عيناه ناعستين،تجعلان وجهه أقرب إلى الجمال منه إلى الوسامة.ويتحدث بهدوء،لكن صوته واضح قاطع.حين يسكن وجهه يقوى.وحين يضحك يغلب الضعف على القوة.ونظرت إلى ذراعيه،فكانتا قويتين،عروقهما نافرة،لكن أصابعه كانت طويلة رشيقة،حين يصل النظر إليهما بعد تأمل الذراع واليد،تحس بغتة كأنك انحدرت من الجبل إلى الوادي."1
فهذا الوصف الخارجي التفصيلي ذو غاية في البناء السردي،ف:"الملامح الخارجية للشخصية ليست ملامح مجردة قائمة بذاتها،وإنما هي مرآة تكشف أغوارها النفسية والفكرية،فهيئة ومظهر الشخصية ماهي إلا مرآة لجوهر فلسفتها الإنسانية."2
1- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/11-12.
2- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/124.
********************************************************
وقد قل استخدام هذه الطريقة في "دومة ود حامد"،فلم أجد فيها إشارات تفصيلية على وصف الملامح الخارجية للشخصيات،باستثناء إشارات قليلة منها ذلك الوصف السريع لأولئك النواب الذين جاؤوا"الدومة"زواراً ومهنئين:"ولكننا وجدنا حشداً كبيراً خارج السجن- أول ما رأونا هتفوا ونادوا وعانقنا أناس نظيفو الثياب،تلمع على معاصمهم ساعات مذهبة وتفوح نواصيهم برائحة العطر."1
والوصف الوحيد الخارجي الذي وجدته يركز على شخصية واحدة،هو وصف تقليدي لشيخ مهيب،رأته إحدى نساء القبيلة لما مرضت وأشرفت على الهلاك- في منامها،وهو "ود حامد"الولي الذي اختار القرية للإقامة تحت دومتها ودفن هناك:"ورأيت شيخاً مهيباً أبيض اللحية ناصع الرداء،يتقدم نحوي وعلى وجهه ابتسامة."2
أما الطريقة الأخرى لبناء الشخصيات فتتمثل في بناء الملامح الداخلية،التي تتكشف عبر عرض الأفكار الذاتية والمشاعر المتعمقة السابرة للنفس،حيث تبدو الشخصية وكأنها في حوار صامت مع ذاتها أو مع شخصية أخرى غير مرئية،وفي الرواية مواقف سردية عدة توقف فيها الراوي مع نفسه كاشفاً عن ما يعتمل في شخصيته وما يجوس في أعماقه:"ذهبت إلى البيت،ورأسي يضج بالأفكار.أنا واثق أن وراء "مصطفى"قصة،أو شيئاً لا يود أن يبوح به.هل خانتني أذناي ليلة البارحة؟الشعر الانجليزي الذي قرأه،كان حقيقة.لم أكن سكران،ولم أكن نائماً،وصورته وهو جالس في ذلك المقعد،ممداً رجليه،ممسكاً بالكأس بكلتا يديه،صورة واضحة لا مراء فيها.هل أحدث أبي؟هل أقول لمحجوب؟لعل الرجل قتل أحداً في مكان ما وفر من السجن؟لعله..لكن أية أسرار في هذا البلد؟"3
وكذلك هذا النص الذي يخلد فيه الراوي إلى أفكاره الخاصة رغم النقاش العاصف من حوله:"وبينما انبرى منصور يفند آراء رتشارد،أخلدت أنا إلى أفكاري ما جدوى النقاش؟ هذا الرجل- رتشارد – هو الآخر متعصب.كل أحد متعصب بطريقة أو بأخرى.لعلنا نؤمن بالخرافات التي ذكرها،ولكنه يؤمن بخرافة جديدة،خرافة عصرية،هي خرافة الإحصائيات."4
أما "دومة ود حامد"فلم تستخدم هذه الطريقة،لأنها فيما أرى،انتهجت أسلوب الرواية الموضوعي،فالراوي يحكي للفتى قصة الدومة،يصارح ويبوح ويتحدث بغير أن يخفي أموراً تهجس بها نفسه،فليس هناك "مونولوج"داخلي يكشف شخصية الراوي الأول،ولا الراوي الثاني،والبطل هنا هو الدومة لا الشخصيات،وربمالهذا لم تعن "دومة ود حامد"-
1- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/49.
2- المصدر السابق،ص/45.
3- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/19-20.
4- المصدر السابق،ص/63.
***********************************************************
- كثيراً ببناء الشخصية الداخلي ولا بمظهرها الخارجي.
وتتعدد الشخصيات المستخدمة في الرواية لتشمل النوعين اللذين سبقت الإشارة إليهما،فالشخصية النامية أو المستديرة تحرك رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"وتثير الدهشة بدراميتها وتطورها،وأبرز هذه الشخصيات في الرواية بلا منازع هي شخصية البطل"مصطفى سعيد"هذه الشخصية التي دارت حولها كل أحداث الرواية وشخوصها،فهي شخصية عجيبة،غريبة الأطوار،تخفي ماضياً مثيراً في طيات عمرها القصير،ونبوغاً منطفئاً يبحث عن السلام فلا يجده،"وكل الشخصيات تروي عن هذه الشخصية أحاديث متضاربة يصبح معها (مصطفى)أكذوبة وحقيقة،واقعاً وأسطورة في آن واحد.فالراوي لا يعرف (مصطفى سعيد)من خلال روايته هو لأحداث مأساته ولا من خلال جده.ومن خلال الفلاح محجوب بل يقابل بعد موت مصطفى شخصيات عديدة تروي عنه كل من زاويتها الخاصة."1
فالراوي يتحدث أولاً عن مصطفى سعيد الذي تعرف به في القرية بعد عودته من السفر واستثار فضوله إلى أن أطلعه الرجل على بعضٍ من أسرار الماضي الذي عاشه،ثم مات مصطفى سعيد بطريقة غامضة لينهي حياته بنفس الغموض الذي عاشها فيه،وحتى بعد موته يقابل الراوي أناساً يتحدثون عنه بصورٍ متناقضة:"وهنا تدخل الرجل الانكليزي وقال إنه لا يدري صحة ماقيل عن الدور الذي لعبه مصطفى سعيد في مؤامرات السياسة الانكليزية في السودان.الذي يعلله أن مصطفى سعيد لم يكن اقتصادياً يركن إليه."2
ويلي شخصية"مصطفى سعيد"شخصية أخرى نامية في الرواية هي شخصية الراوي الذي عاد إلى بلده بعد سبعة أعوام درس فيها الأدب الانجليزي في أوروبا وعاد حاملاً شهادة الدكتوراة من هناك،ثم قابل مصطفى فأخذ يبحث عن حقيقته بعد أن أثار الرجل فضوله،وعمل أثناء ذلك مدرساً للأدب الجاهلي ثم مفتشاً للتعليم الابتدائي،ومع أن شخصية مصطفى ظلت هاجس هذه الشخصية في حياة مصطفى وبعد مماته إلا أن هذه الشخصية لم تمتلك ذلك القدر من الثراء والتطور الذي امتلكته شخصية مصطفى،فهو يقع في حب أرملة مصطفى لكنه لا يفعل شيئاً ليوقف زواج "ود الريس"بها،وقد ظلت هذه الشخصية متمسكة بكثير من ثوابتها رغم نوبات المد والجزر التي تعرضت لها في الرواية.
أما النوع الآخر من أنواع الشخصيات الروائية فيتجلى في الشخصية المسطحة،التي تبقى على وتيرة واحدة لا تتغير،وتعد شخصيات مثل"جد الراوي الأول"و"ود الريس"و"بنت مجذوب"شخصيات مسطحة غير متطورة في الرواية،ولكنها أسهمت-
1- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/126.
2- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/61.
**********************************************************
- إلى حد كبير في بناء الحدث وتطوره،فالجد رجل كبير في السن إلا أنه يتمتع بصحة ممتازة ومرح يجعله محبوباً قريباً من أهل قريته،أما ود الريس فرجل قريب من الكهولة لكنه وسيم إلى حد ما مزواج كلف بالنساء منذ صغره،أما بنت مجذوب فشخصية فريدة بالنسبة لامرأة قروية،فهي تشبه ود الريس في كثرة زواجها وجمالها إلا أنها جريئة لا تتحرج في الحديث حتى فيما يمكن أن يتحرج منه الرجال:"كانت بنت مجذوب امرأة طويلة لونها فاحم مثل القطيفة السوداء،مايزال فيها إلى الآن وهي تقارب السبعين بقايا جمال.وقد كانت مشهورة في البلد،يتسابق الرجال والنساء على السواء لسماع حديثها لما فيه من جرأة وعدم تحرج.وكانت تدخن السجاير وتشرب الخمر وتحلف بالطلاق كأنها رجل.ويقال أن أمها كانت ابنة أحد سلاطين الفور.وقد تزوجت عدداً من خيرة رجال البلد،ماتوا كلهم عنها وتركوا لها ثروة ليست قليلة.وقد أنجبت ولداً واحداً وعدداً لا يحصى من البنات اشتهرن بجمالهن وعدم تحرجهن في الحديث،مثل أمهن."1
فهذا النوع من السرد:"يكشف جوانب كثيرة من حياة الشخصية كما يمكن من خلاله اكتشاف ما تنطوي عليه نفسية هذه الشخصية.فمثل هذه الشخصيات وعلى الرغم من سطحيتها إلا أن حضورها في مسرح الأحداث لا يتقوقع في مساحات ضيقة،بل انه حضور في مساحات واسعة على طول بنية الرواية."2
أما "دومة ود حامد"فقد تنوعت فيها الشخصيات من حيث البناء ولكن بشكل أقل ظهوراً من الرواية،فمن الشخصيات النامية في القصة شخصية "ود حامد" نفسه،فالرجل كان عابداً صالحاً غير أنه مملوك لرجل فاسق،ولما ضاق بكفره دعا ربه فأوحى إليه أن يفرش مصلاته على الماء ففعل،ورست مصلاته عند الدومة فأقام تحتها يتعبد حتى مات وتحول قبره إلى ضريح يحرص على زيارته أهل الدومة ويقدسونه ويلجؤون له حال الملمات،بل إنهم لا يذكرون تاريخاً للدومة قبله ،فكأنما الأرض انشقت عن القرية بعد مجيئه:"ومنذ كانت بلدتنا،كانت دومة ود حامد.يحكى أن أحداً لا يذكر كيف قامت ونمت،كذلك لايذكر أحد كيف نمت الدومة في أرض حجرية ترتفع على الشاطىء،وتقوم فوقه كالديدبان."3
أما الشخصيات المسطحة فتتمثل غالباً في الراوي الشيخ الراضي بحياته في الدومة الفخور بانتماءه لها رغم بساطة الحال فيها وافتقارها إلى أبسط الخدمات فضلاً عن "ذباب البقر"الذي يعمل في الوجوه والأجساد ما يعمل من لسع بل وعض وطن –
1- موسم الهجرة إلى الشمال،الطيب صالح،ص/80.
2- تقنيات الخطاب السردي،أحمد العزي صغير،ص/141.
3- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/47.
****************************************************
- وزن،وهو يعنى فقط برواية قصة الدومة كما شهدها للمروي له"الشاب الضيف" مبتدئاً حديثه ومنهيه بوصية للشاب :"أنت لا شك راحل عنا غداً.فإذا وصلت إلى حيث تقصد،فاذكرنا بالخير ولا تقس في حكمك علينا."1
1- دومة ود حامد،الطيب صالح،ص/53.
هدى جولاني.