غالية الذرعاني مشرف منتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 268 نقاط : 511 تاريخ التسجيل : 29/04/2010 المهنة : معلمة
| موضوع: إلى الجحيم أَيُّها الليلك..انفتاحات النص الفائت - الراهن- المستقبل 2010-10-25, 20:57 | |
| إلى الجحيم أَيُّها الليلك انفتاحات النص الفائت - الراهن- المستقبل سليمان حسين
ترتبط الأيديولوجيا بالنّصّ الرّوائي ارتباطاً وثيقاً تمازجياً ووظيفياً، تكون فيه العلاقة الوظيفية متبادلة، يقوم فيها النّصّ بأداء الدّور الوظيفي عندما تكون المرامي أيديولوجية وتمثل الأيديولوجيا الدّور ذاته عندما يقوم منتج النّص ببنائه على مرجعيّات أيديولوجية صرف. ويُعدّ المجتمع - وهو عنصر مهم ومكوّن من عناصر الواقع- المرجع الرئيسيّ للخطاب الرّوائيْ، يتحوّل فيه الأدب إلى كائن اجتماعي فور إنجازه، لينتمي إلى الحركة الاجتماعية، يؤثر فيها، لأنه متعلق بمنتجه، والأدب يهتم بالواقعيّ على اختلاف مفاهيمه، «وأخصّ الرّواية بالذّكر لأنّ إسهامها الخاص يُقرنُ عادة بتطورها كشكل أدبي يَهدف إلى وصف الحياة وصفاً صادقاً أو واقعياً. ومن المُفتَرضَ تقليدياً بالرّوائي أن يكون أشدّ الناس اهتماماً بما هو واقعي، حتى وهو يستعمل الأسطورة أو الرّمزية، فإنه يُوظف مثل هذه المحسنات ليوسع من فهمنا للعالم»(1) بتصور أوّلي يمكن أن نستنتج أن الأدب وُجد ونشأ لأداء وظيفة «اجتماعية أو فائدة لا يمكن أن تكون فردية صرفاً» (2) هذه الوظيفة نمت وتحددت مع تنامي الخبرة الأدبية وتراكم وعيها، وهي في أساسها تنزع إلى مقاربة للواقع أو مقاربة صحيحة للواقع أو مقاربة تصحيحية له، ولا يخلو الأمر من إضافة العوالم المناسبة للحلم الإبداعي لأنّ «واقعية عمل تخييليّ، ونعني بها إيهامه لنا بالواقعية، وكذلك تأثيره في القارئ بوصفه مطالعة مقنعة في شؤون الحياة- ليست بالضرورة ولا بالأولية، واقعية ظرف من الظروف أو تفصيل من تفصيلات الحياة أو روتين شائع مبتذل»(3) إِنَّ إعادة قراءة نصّ أدبيّ محموله أيديولوجيّ تعني إعادة فتح النّصّ على مرجعياته الواقعية والتخييلية، وتعني أيضاً الكشف عن مضمراته النّصّية، فتكون المرجعية الواقعية للنصّ هي الفائت (الماضي) والمرجعية التخييلية هي (راهن) النّصّ عند إنجازه، وعند انفتاحه على كلّ قراءة،سواء أكانت مقاربة نقدية أم قراءة متعة وتذوق، وفي كلتا الحالتين يمتد أفق النّصّ إلى خطاب ثالث ندعوه خطاب المستقبل إضافة إلى انفتاحه على الفائت والرّاهن، ويكون هذا الخطاب مبنياً على الرمي إلى العالم الغائب في الواقع كما في النّصّ ويوصف هذا المضمر (بالمعنى الحقيقي) بأنّه الوضع التّنّبؤي للخطاب وهو دائماً يهبه فحوى تميزّه وارتقائه فوق مستويات الخطابات الأخرى. تحدثت في مفتتح هذا المقال عن اجتماعية الأدب وواقعيته ومرجعيته التاريخية والكونية والثقافية والنفسية، والفنية، وعن وثائقيته وعلاقته كمنتج إنسانيّ بالمبدع والعالم واللغة وتحدثت في سياق ذلك عن خصوصية الرّواية النوع الأدبي الأقدر في التعامل مع جميع هذه المضمرات وفي مجادلتها لاحتوائها في سياق مبدع هو النص، ولكن هذا الحديث كان تناول النصّ الروائي نصاً منجزاً ومنفتحاً على العالم (الواقع الفائت) ومنفتحاً على العملية النقدية أو على عملية المقاربة في علاقتها المنضبطة بهذا الفائت، ومتكئاً على واقع منجز فائت أيضاً أو متخيّل منجز، أقصى إنفتاحه هو تراسله بين راهن النصّ وراهن المتخيل وقد أغفلنا بذلك مرامي أخرى للنصّ وتجاوزنا بذلك بعض الامتدادات الدلالية لآفاقه، واكتفينا برؤيته نصاً منغلقاً على راهنه وراهن متخيله. في المقاربة التالية للخطاب المحمول في نصّ سميح القاسم" إلى الجحيم أيُّها الليلك" سنتعدى جميع المضمرات الأيديولوجية المنقضية إلى رؤية النصّ في حالة تكوّن مستمرّ، يعطي فرضيات جديدة لبناء عالم مستقبلي، منفتحاً على راهنه المتخيل الذي يشكل المرجعية الواقعية له، وأخيراً على مستقبله الذي يشكل واقعه التنبؤيّ لأنّ النصّ مزود بخصوصية نصيّة شعرية ترميزيه انتحت به منحى التنبُّؤ والاستشراف. أولاً- الانفتاح على الواقع: الواقع الرئيسي الذي يبئره الخطاب واقع تاريخي يرصد آفاقاً متعددة أولها الأفق السّياسي وبالأخصّ الأفق السّلبيّ لحرب عام 1948. وثانيها الأفق الحضاريّ ببعديه الاجتماعي والتطوّري والأفق الثالث ينزع منزعاً كونيا عبر التساؤل الغيبيّ عن مجريات العالم وعبر البحث عن إجابات عن هذه التساؤلات، لكن الشرط النفسيّ والرّوحي لهذا التساؤل لا يكتفي بانتظار الإجابة وإنما يحسم الأمر لصالح تمرده على الإجابة ومصدرها ويحل محلّ الحلول الغيبيّة قدرة الإنسان وقوة الواقع أي أنّه يُلقي علاقته بالغيب ويكرٍّس علاقة روحية تكتفي باقتيات ذاتها وذلك مصدر قلقها الرئيسي، وهذا لا ينفصل عن الأفق الذي كان تمهيداً كمقدمة للنتيجة، فالأفق الأوّل يرصد بحسّ إنسانيّ فجائعيّ العجز العربيّ عن الفعل ويُظهر جيش الانقاذ العربي الذي أرسل عام 1948 لإنقاذ الفلسطينيين حكاية أسطورية مبتذلة وألهية صبيانية، إذ تحوّل الجيش العربي إلى أكداس من الجنود تتخذ من المدارس ثكنات لها، هذا إذا لم تتكدّس داخل سيّاراتها عائدة نحو الشمال "المدارس مسكونة بالجنود اسمهم جيش الإنقاذ" جاؤوا ليُقذونا من اليهود هكذا قال لنا الناسُ الكبار، ويعمق الخطاب مأساوية الوضع العربي ووضع جيش الإنقاذ، إذ ينفتح النصّ نفسياً على الهاوية المكوّن الرئيسيّ للواقع " جموع من النازحين تتدفق على الرامة من الشرق والغرب والجنوب.... جداول آدمية باهته تصبّ في هذه البحيرة الراكدة... نحو الشمال نهراً بشرياً داكناً يلهث يعوي وينتحب..."ص40 وتظهر واقعية القدرة العاجزة للتكوين العربي البنائي من خلال ما يعرضه الخطابٍ أفرغتم أمشاط رصاصكم القليلة وعدتم قطيعاً مذعوراً إلى البركة الراكدة... كان ذلك نهاراً رائعاً، الشمس فاترة، العشب متألق، الضباط يهربون إلى الشمال مسترخين على مقاعد سياراتهم المهيبة الجنود مكدّسون في الشاحنات... مساكين هؤلاء الجنود، جاؤوا ليدافعوا عنا فلماذا حوّلوهم إلى مجرد خيارات مكبوسة في سيّارة هاربة إلى الشمال... بعض الخيارات لم تجد لها مكاناً في الشاحنة فراحت تهرول متخففة من السلاح والأوسمة والشارات، والماء المنسكب من المطرات المفتوحة يطرطش بناطيل الكاكي..."ص 42. يعدّ هذا التصوير تمهيداً استراتيجياً لعرض فرضيات الرّواية وهي الفرضيات التي ينفتح بها النص انفتاحاً مشتركاً وليس ذلك وحده ما أحضره الخطاب من عمق التاريخ لاستنطاقه وتعريته منطقياً وشعورياً وعرضه على منطق التاريخ وجد له لفحصه والحكم عليه. إنّ الخطاب يدين منطق الواقع (التاريخ) الذي لا يتحرك وفق سيرورته الحرّة وإنّما يخضع لتدخلات خارجية ناظمها سيطرة الشرّ على العالم: "سام أو حام أو يافث هذه الأمور الإتنولوجية لا تعنيني كثيراً...المهمّ أنني فقدت وطناً كاملاً وحقيقياً بترابه وصخوره وأشجاره ودكاكينه... لم يذهب الوطن إلى كوكب آخر... إنّه على الأرض وتعرفون أنتم موقعه.... تعرفون جيداً وطني الذي ضاع بلا أي منطق في زمن من المفروض أن ينتصر فيه المنطق" ص14 هذا هو التساؤل الذي يطرحه الخطاب على العالم، على الحضارة، وهو سؤال يمكن أن ندعوه السؤال الحضاري الفلسطيني والصراخ في وجه التاريخ الذي لا يسير وفق حتميته المفترضة، فكثير من أدباء القضية، سواء منهم الفلسطيني المنتمي أو المنتمي الفلسطيني، طرح مثل هذا التساؤل، ولم يكتف الخطاب بإلقاء السؤال في وجه التاريخ بل أرفقه بالتساؤل الكوني الذي يطرح أيضاً في وجه الغيب الذي يفترض أنه يمتلك الحب ويفترض أن يكون المتضامن بل الفاعل الذي يمثل الخير في الكون ضد الشرّ، وعند ما تسقط جميع هذه المطروحات وينقشع وهم الغيب ويظهر الإنسان وحيداً في عالم يحاول اقتناصه في مناخ من المذابح والقتل الجماعي وانعدام المنطق وانتفاء العزاء وإحساس بالاغتراب، عندها ينتفي ذلك العزاء المصطنع (وهم الخلاص بالغيب). إن الفعل هو محك الغيب المطروح مخلصاً ونصيراً ومنظماً للكون: "الله معنا، الله معنا لماذا إذن يرضى الهكم هذا بأن تهدم الطيارة بيت دنيا؟ لماذا يأخذها منى؟ لماذا يجعلها لاجئة هي وأهلها وكلبتهم وحمارهم الرمادي ؟ بماذا أغضبوا الله... اصبح الله شيئاً لا يذكر أمام ذلك الرجل الذي اندفع ببندقيته وقميصه الأبيض... اندفع إلى جهنم المعركة، وعاد منها بعين واحدة تاركاً عينه الأخرى زنبقة في التراب الدمويّ، تاركاً الأخرى كاميرا تصور للتاريخ تسلسل أحداث المأساة" ص 11و12 ولا يكتفي الخطاب في انفتاحه على الواقع بتصوير الذات في علاقتها بالعالم وفي رؤيتها لعالمها الدّاخلي. ولكنه يصور الآخر العدوّ في صورة تساؤل طفلي بريء : "من هم اليهود يا جدي ؟ - هم ناس شريرون يريدون قتلنا واحتلال أرضنا.. لماذا هم شريرون يا جدي- ؟ لأنهم لا يحبون الناس والله لا يحبهم" ص92، إنّ هذا التوصيف يأتي في افتتاحية الخطاب لأنها صورة إستراتيجية سيجعلها ارتكازاً في انفتاحه القادم على المستقل. الانفتاح على الراهن: في ضوء ما بيناه من تفريق بين راهن الواقع ومستقبل الواقع ومستقبل النصّ فإننا نجد أن انفتاح النصّ على راهنه وراهن الواقع مستغرق في الانفتاحات الأخرى كالانفتاح على الواقع وقد جرت دراسته سابقاً - وكالانفتاح على المستقبل سنقوم بقراءته لاحقاً. 3- الانفتاح على المستقبل: يتركز تميز الخطاب الذي حملته رواية "إلى الجحيم أَيُّها الليلك" في قدرته الفائقة على الرمي إلى المستقبل ومدّ (الهدف) إلى ما بعد (عالم النصّ) أو ما يُمكن أن نسميه راهن النصّ فالمتخيل لم يتوقف عند راهنه وإنما تجاوزه إلى مستقبلين أحدهما المستقبل التقليدي "الحتمي" للخط الزمني لأي خطاب وهو"فائت" (راهن مستقبل، والآخر مستقبل تنبُّئيُّ يشي بمعرفة العالم المقبل ولكن ليس بالمعنى التنجيميّ: 1- المستقبل الأوّل: الفرضية التي يُقدمها النصّ هي إمكانية قيام علاقة نوع ما بين ما هو عربي وما هو صهيوني، ويقوم الخطاب بمحاولة طرح جميع إمكانيات هذا اللقاء وفحصها في ضوء منطق التاريخ وفي ضوء الحتميات الحضارية في أكثر أبعادها قابلية (القضايا الإنسانية) ويختار أيضاً من القضايا الإنسانية الجانب الأكثر قابلية على الإطلاق الجانب العاطفي (علاقة الرجل بالمرأة) بالذات، ولكنّ هذه الفرضية في النّهاية تحمل نفيها في ذاتها وتظهر في النصّ ضرباً من المحال، إنها كخطوط التوازي التي لا يمكن أن تلتقي إلا خارج منطق الحقيقة والتاريخ ومنطق التطور الحقيقي و الحتمي للتاريخ، وخارج منطق العالم والمنطق البشري الاختياريّ، إنّها النقطة المستحيلة. "إنّ العدوّين المتجابهين هنا هما من العرب واليهود، هذا ما يبدو لك على السطح، لكن الجبهة أعمق بكثير وأكثر تعقيداً أو تركيباً، هنا يدور القتال الحقيقي بين الليل والنهار... بين عناصر الزمن ومكوّناته المتناقضة، بين الخير الذي في الإنسان والشرّ الذي فيه، بين البناء والهدم والحب والكراهية"ص 91و92. يعرض الخطاب مشاهد المواجهة بين الفلسطيني والصهيوني براهين نفي ودحض لإمكانية اللقاء فليس هناك سوى واحد من الطرفين يمكن أن يكون، فعلى أحدهما أن ينفي الآخر. - المشهد الأوّل ؛ الفرضية: يقدّم النصّ محاولة إقامة علاقة بين بطل الرواية والمرأة الصهيونية إيلانة التي قتل حبيبها أودي في الحرب التي اشترك بها عدواً لبطل الرواية في مواجهة ترميزية قدمها الكاتب ضمن شكل نصيّ متداخل سيطر عليه الحلم والرمز:" لديّ كلام كثير أقوله لها. أحسّ بمسؤولية خاصة تجاه إيلانة. لقد فرضت علىّ وشغلتني بها رغم انشغالي الجارح بحبيبتي اللاجئة دنيا، حضور إيلانة حَكَمَ على دنيا بالغياب" ص69، وتجري مناقشة هذا اللقاء من منظور انساني معزول عن ظروفه الخارجية وعن مكملاته وسياقاته فيظهر الكاتب الطرفين ضحية ولكن هذه الفرضية الثانية أيضاً لا تستمر فتنقض في النهاية: "تراها تتهمني بقتل أودي؟ أنا لم أقتل أودي نحن قُتلنا معاً برصاصة واحدة، لم تكن تلك الرصاصة من هنا كانت رصاصة قراصنة العصر ولصوص العالم القديم، أعداء الإنسان ورسل الهمجية. نحن العرب لم نقتل أودي... رصاصة حملها أودي عبر البحار قتلتنا معاً، أو هموا أودي أنه لا يمكن أن يعيش إلا بموتي، فما هو قبل أن يستوعب استحالة موتي"ص69 إذن فالعلاقة الفرضية تحمل نفيها في ذاتها وهي بمجرد فرضها تعد تمهيداً لتفجير المواجهة مرة أخرى. المشهد الثاني: الاكتشاف (الانشقاق) بعد الفرضية التي مهدت لهذا الاكتشاف الذي يعد البرهان الأول على نقض الفرض يقوم العمل الرّوائي بتظهير الصورة ومحاولة الكشف عن مكوناتها وعناصرها، وفصل هذه المكونات المتداخلة بفعل الواقع القسريّ، ظهر ذلك في أكثر من مكان في الرّواية حيث حدثت تداخلات كثيرة قام بها الليلك (اللون الرّمز الجنسي) بين سمير الفلسطيني وإيلانة الصهيونية ضمن مخطط قصدي ومرة أخرى بين أودي الصهيوني ودنيا الفلسطينية ضمن تصور حلمي رمزي فكل من الأربعة يخدعه الليلك الجنس ويجعله يرى في عدوّه حبيبه ولكن الليلك ينقشع في النهاية ويتبدد برصاص الصهاينة: "أسابيع عديدة ضاعت هباء ونحن نحاول اللقاء، إيلانة في السابعة وأنا في السابعة غير أن ساعات عديدة كأنها قرون بكاملها ظلت تفصل بيننا. ظلت الساعة السابعة موعداً مستحيلاً .في الساعة السابعة يضمحل لون ساعتي، تضمحل أرقامها يضمحل مؤشراها على ظاهر يدي الأيسر يتموّج ليلك سادي... ص75 هذا هو الفشل على المستوى الأول مستوى اللقاء بين سمير وإيلانة عند نقطة المستحيل. ويكون الفشل على المستوى الثاني ذريعاً ويتحقق الانشقاق ويتمظهر العالم وتتمظهر الحقيقة: "واندفع أودي نحو إيلانة ليضمها بكل قوته حتى تفيق إيلانة من غيبوبتها حتى تخرج إيلانة من دنيا حتى تنفصل عن قميصها هذا الغريب.... زخات رصاص تنصب من بنادق المحتلين تنصب على الشبحين الرّاكضيْن.. أصابع أودي تكاد تلمس أصابع إيلانة.. يدا دنيا تبحثان عن يدي سمير... أين أنت أيّتها النقطة المستحيلة... تنهار الأعمدة، تنهار الأشجار، تنهار الجدران وتسقط الجثتان "ص95،96. المشهد الثالِثُ: المواجهة (القيامة) عندما يفقد الزمن لونه ويسيطر عليه الشر لا بد من البحث عن وسيلة لترويضه وإعادته مرة أخرى إلى سيرورته وإعادة البريق إلى روحه، عندما يتجلى وعي الفاصل التاريخي ذلك الركام من الزمن ومن التنافر ومن تصاد الصّيغ والتكوينات،فلا بدّ من المواجهة (القيامة) :"ذات يوم التقيت بأودي، كان ذلك شمالي البحر الميت بعد اشتباك عنيف أصبت بجراح بالغة فزحفت إلى ظل شجرة بينما أنا منهمك بدمي خشخشت عيدان القصب القريبة، وإذا بأودي يزحف نحو ظلّ شجرتي النادرة والدّم يتدفق من ثقوب جسده، طلب ماءً فأعطيته...حدثني عن هتلر فحدثته عن هتلر وموسوليني ودير ياسين ثم سألته بأدب جمّ: هل أستطيع أن أعلم لماذا أطلقت عليَّ الرّصاص ؟ قال:لأني أكرهك !قلت : لماذا تكرهني؟ قال: لأنك تكرهني لأنني أحبُّ إيلانة، قلت: أنا لا أعرف إيلانة أعرف دنيا وأحبها... فلماذا لا ترى أيها الفتى المسكين أنني أملك المبررات للدفاع عن حبي وأنك لا تملك المبررات للدفاع عن كراهيتك، صاح ساخراً دنيا هذه التي تتحدث عنها لا وجود لها البتة، الحقيقة الوحيدة هنا إيلانة"ص 70- 71. المشهد الأخير؛ ما بعد القيامة: فمن الذي سيكسب هذا الحوار في النهاية؟ التاريخ الذي لا يمكن أن يُفسر في سيرورته الطبيعية بتدخلات همجية من الخارج هو الذي يجيب عن هذا السؤال، فمن كان في البدء سيبقى إلى الأبد ,"في البدء كانت دنيا وستبقى دنيا إلى الأبد" ص73. ومن الذي سينهزم فليرفع الصهاينة أعلامهم الأعلام المستحيلة للنصر المستحيل فوق القمَّة المستحيلة في النقطة المستحيلة"ص74. المستقبل الثاني: (الهاوية): المستقبل الثاني الذي رمى إليه الخطاب، (وهو مستقبل استنتاجي نسبي) يوصف فيه الحدث السلبي التراجعي في مسيرة الصراع بل في المسيرة الحضارية العربية وفي مسيرة منطق التاريخ النكسة التي نعايشها الآن فكان الخطاب بامتداداته وانفتاحاته كان شاهد الماضي على المستقبل، وقام بوضع مناقشة للحدث قبل قيامه وأصدر حكمه النهائي بسقوط المستقبل في الهاوية. 4- ترميزات الخطاب: إنّ أحد تجليات الخطاب الرئيسية فنياً التجلي الرّمزيّ ويقوم النص على مجموعة رموز أهمها ترميز الليلك، الرمز الجنسي، وترميز الفصول، ونستطيع أن نقول: إن جميع تجليات الخطاب الأخرى كانت تعتمد الرمز في عرض دلالاتها وكان النص الرّمزي بكل وحداته الرّمزية (سواء منها ما كان في أدنى الوحدات النحوية وما كان في أعلاها) غنياً بالحالة الشعورية والمنطقية العاطفية. قسم النص بنياته الدالة إلى مجموعة بنيات عنونها بعناوين ذات دلالات خطابية متوازية مع دلالات الخطاب الرئيسية وكانت العناوين ذات أبعاد كونية، تنزع إلى الرموز العليا الغيبية. ففي البداية نجد الانشقاق عنواناً لفصل الافتتاح وهو مرتكز للوصول إلى الفصل الأخير الذي كان القيامة. تلخص هذه العناوين سيرورة الفعل الرمزي الذي يرمي إليه الخطاب وهو الانشقاق الحقيقي بين العرب والصهاينة والوصول إلى القيامة في هذه العلاقة إذ لا يمكن أن يقوم الليلك الرّمز الضبابي بالجمع بين العرب والصهاينة، ويبدو أن الخطاب استفاد في هذه العناوين من الرّموز الدينية ووظفها بنجاح ضمن سلسلة بل ضمن خط بياني تطوري ابتدأ بالانشقاق الذي لم يسبقه اتصال في الأصل وانتهى بالقيامة، وقد قام الليلك كرمز بمحاولة التوسط في هذا الانشقاق وإعادة المنشقات غير المتجانسة إلى التآلف ولكن القيامة تعلن ضدّ الليلك وهنا يعلن الخطابُ انتصار الفلسطيني على ذاته عندما يضبط الليلك في لحظة وضوح ويرسله إلى الجحيم. *- إلى الجحيم أيُّها الليلك: رواية اوتوبيوغرافية للشاعر العربي الفلسطيني سميح القاسم. دار ابن رشد سلسلة "من أدب الأرض المحتلة. تشرين الثاني 1991.
مؤلفات الشاعر سميح القاسم:
1- أحبّك كما يشتهي الموت، دار الفارابي، بيروت ط(1)1980. 2- أضواء على الفكر الصهيوني، دار القدس، بيروت 1978. 3- إلى الجحيم أيّها الليلك، دار ابن رشد، بيروت 1978. 4- الجانب المعتم من التفاحة، الجانب المضيء من القلب، دار الفارابي، بيروت ص(1)1981. 5- جهات الروح، دار الحوار، اللاذقية، الاتحاد العام. للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ط(2) 1984. 6- دمي على كفي، دار العودة، بيروت، ط (2)1970. 7- الرسائل بالمشاركة مع محمود درويش، دار العودة بيروت 1990. 8- السربيّات، دار الهادى، كفر قرع 1991. 9- سقوط الأقنعة دار الآداب بيروت 1969 (1). 10- شخص غير مرغوب فيه، دار الجليل، عمان ص (1) 1986. 11- الصورة الأخيرة في الألبوم، دار ابن خلدون بيروت. مكتبة ميسلون دمشق ط(1) 1980. 12- عن الموقف والفنّ؛ دار العودة بيروت 1970. 13- في سربية الصحراء، دار الجليل، عمان 1985. 14- القصائد، دار الهدى كفر قرع 1991. 15- كولاج، دار الحوار، اللاذقية ط(2)1984. 16- لا استأذن أحداً، دار الرّيس للكتب والنشر 1988. 17- مداخلات، دار الهدى، كفر قرع 1991. 18- مراثي سميح القاسم، دار الآداب بيروت 1973. 19- السرج والحكاية، دار الهدى، كفر قرع 1991. 20- الموت الكبير، دار الآداب بيروت ط (1) 1972. 21- صدرت أعماله الكاملة عن دار الجيل ودار الهدى في بيروت 1992. |
|