بسم الله الرحمن الرحيم
تعد لسانيات النص من أحدث المناهج في علوم اللسان وقد استثمر هذا المنهج في البحوث الأدبية على مستوى المنهج وكذلك على مستوى النتائج. كما وظفت المصطلحات اللسانية في كثير من البحوث الأدبية التي نلمسها عند ياكوبسون وبارت وكريستيفا و باختين وغيرهم. وذلك بعد أن تجاوزت لسانيات الخطاب لسانيات الجملة التي اهتمت بالوصف وتجاهلت السياق اللغوي وعلاقة بالعوامل الاجتماعية والتبليغية باعتبار الجملة الوحدة الكبرى القابلة للتحليل دون تخطيها إلى وحدات أخرى أكبر منها كما يعتقد العديد من الدارسين. وعندما أدخل بنفينيست E.Benveniste مصطلحي التلفظ/الخطاب والملفوظ/النص المدون، لفت الأنظار إلى أن الجملة هي وحدة صغرى في الملفوظ، وهكذا أمكن الانتقال بالجملة من ميدان اللغة بوصفها نظاما من الرموز إلى مستوى آخر تكون فيه اللغة أداة للتخاطب وتتجلى بوضوح في النص(الخطاب). وبهذا يكون بنفينيست من بين الأوائل الذين درسوا الخطاب(النص) كبنية لغوية مرتبطة بالسياق.
لقد كان للسانيات النص الفضل في الانتقال بعملية التحليل اللغوي من مدارها الضيق المرتبط بالجملة ذات النظام القواعدي حيث تتوقف الدلالة عند حدود خصائصها الصرفية و التركيبية إلى مدار أوسع ومستوى أعم هو مستوى النص باعتباره وحدة دلالية تواصلية انجازية تتقاطع فيه عدة معطيات و تتمحور (كما رأى فان دايك Vandjik) في محور دلالي يتضمن مظاهر الترابط والانسجام بين البنيات الكلية ومحور تداولي يضم السياق والأفعال الكلامية وتداوليات الخطاب.
ومن ثم يمكننا القول: إن النص ينطلق من قدرة تواصلية وظيفية للغة على خلاف الجملة. فيكون علم اللغة النصي فرعا من فروع علم اللغة، يهتم بدراسة النص على اعتبار أنه وحدة لغوية كبرى وذلك بالنظر إلى وسائل الاتساق وآليات الانسجام دون إهمال السياق ودور المتلقي.