الديكي *
عدد المساهمات : 2 نقاط : 6 تاريخ التسجيل : 05/04/2010
| موضوع: ظل المرار 2010-04-07, 09:38 | |
| ظل المرار
الشمس عند الظهيرة تجعل الدماغ يوشك على الغليان في بلاد ليس فيها غير ظل نباتٍ شوكي صغير يدعونه (المرّار) لا يستظل به حتى الحرثون، الطريق المتعرجه أدمنت أرجل الغنم والأبقار والرعاة غبارها الرملي الأبيض كالطحين ، بعيد الظهر تسلك الطريق كل يوم صبية تجاوزت الرابعة عشرة من عمرها، ترتدي ثوباً كان منذ سنوات أسوداً، في يدها اليمنى صرة هي الأخرى كان لها قبل عقد من الزمان لون يوصف، وفي يدها اليسرى أبريق ماء ذهب نصف مائه أثناء المسير، تماماً كعمرها الذي ما أن تدركه حتى يكون نصفه قد تسرب في الطريق:" قطرة قطرة، وما درينا ينشق الماي ونشفصدفة رحنا، وصدفة جينا، والعمر كله صدف"في آخر الطريق رجل وسيدة عمرها ألف عام يجمعان سنابل القمح الساقطة خلف الحصادين بين أشواك المرار، وكما هي الحال في كل مرة يعنف الرجل العجوز والصبية قائلاً:ماذا سأفعل بالماء؟ ايكفي للوضوء أو الشرب؟في كل مرة تكون الأم مسؤولة عن خرق ابنتها، وعن انقطاع الغيث وجفاف الينابيع وغبار الطريق .. كنت أرقب المشهد طيلة الصيف، ولم أدرك علاقة الأم بذلك، أحاول أن أفهم، لعلها لم تنبه الفتاة كيف يجب أن تحمل الماء وتسير به، لعلها لم تصلِ جيداً أو لم تسبغ الوضوء جيداً، أو لم تدعُ الله وهي موقنة بالإجابة أن تمطر الدنيا، لعلها اقترفت من المعاصي كبيرة تحجب الغيث من السماء، لعلها لم تأته ليلة البارحة حين كان يطلبها لما يسرها، لعلها .... ،لعلها....تجلس الصبية لائذة بالصمت، وحين تدرك أن الخطأ ليس خطأها يكون العمر قد ضاع نصفه. يتوضأ الرجل ويشرب شيئاً من الماء ويبقي قليلاً تبل به العجوز ريقها دون أن تنطق بكلمة واحدة.توجه العجوز صوب القبلة أحرم، راح يصلي، ثم سلم عن يمين وشمال، وحين أزاح عجيزته، نحو اليمين قليلاً يستريح تصدت شوكة مرار لعينة لعجيزته، شتم بعبارة تجاوزت أكبرالمحظورات الدينية، ومرة أخرى صب جام غضبة على العجوز، لعلها هي التي وضعت شوكة المرار عن سبق إصرار وترصد مصوبة نحو عجيزته، بعد أن رصدت تحركها دائماً بعد الصلاة، ستكون حتماً صوب اليمين!.كنت أرقب كل ما يجري غير بعيد، لا ظل في هذه الأرض سوى ظلي، وظل شوكة المرار، ولم يكون لي في ذلك الحين شأن بالفتاة أو أبويها، إنما هو فضول العابث وحسب كنت مشغولاً بشويهات أحاول منعهن من الاقتراب من حقل الرجل العجوز منتظراً، بصبر يكاد يفرغ، أن ينتهي العجوز من جمع سنابله لتحل شويهاتي محلها. كنت أتساءل: كيف لا يأبه الرجل بوجودي قريباً أسمع كل شتائمه وبذاءاته؟ أتأهب أحياناً للتدخل، كنت مقتنعاً أن لو نطقت إحداهما لحصل لكليهما ما لا تحمد عقباه، وكنت أحياناً أسرح بالخيال متوقعاً أن يبلغ صبر المرأة وابنتها حده، فتتعاونان على دفن العجوز في حقله ،غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث . لعل كل طرف من الأطراف أدرك حدودة التي لا يتجاوزها، ترى لماذا لا تدرك شويهاتي حدودها فلا تتعدى على حقل الرجل ؟! إذن لكانت أراحتني من الوقوف باحثاً عن ظل المرار.تجاوزت الأيام مشهد الصبية وأبيها وأمها وشويهاتي والطريق، لتعود من جديد في عام آخر، لم يتغير شيء سوى أن سنابل القمح أصبحت سنابل شعير، في ربيع العام الماضي كنا نمسك سنبلة القمح الخضراء ،نفل حباتها حبة حبة، قائلين، هذه لي وتلك للنمل، ترى ماذا أبقينا للنملة؟!سأرسم على زند الزمن وشم المرار،وأذر في عيونه غبار الطريق...، سأقبض على يد الرجل العجوز وأركض، أركض، أركضليتدحرج العجوز خلفي،سأسحبه،ليصرخ كما يشاء، ليس مهماً وخلف التلة سيشرح لي بالضرورة كل ما يجري، لماذا يحمل المرأة العجوز كل مساوئ الأيام، سأسحبه من لحيته حتى يخبرني بكل شيء، وإن لم يفعل سأعيده إلى حقل الشعير، وأمام عينة سأضرب ابنته وزوجته، أحدهم لا بد أن يخبرني بما يجري.في اليوم الثاني كنت أرقب خطوات الصبيية من بعيد، منتظراً المشهد الذي يتكرر كل يوم، غير أن الصبية تجاوزت والدها هذه المرة متوجهة نحوي، كان العجوز يرقبها دون أن يتكلم، ألقت علي التحية فرددت وكلي دهشة، قدمت لي إبريق الماء، شربت حتى ارتويت، أخذت الإبريق والزاد إلى العجوز، قدم الماء لزوجته قائلاً: تفضلي، ودون أن يعلق شربت وشرب بعدها ثم توجه ثلاثتهما صوب البيت، وحين أوشكت الشمس على الغروب سرت على أثرهما بشويهاتي، كنت قد عقدت العزم على أن أعلم الرجل العجوز بشأن الصبية، أخبرت والدي برغبتي، فلم يعارض، ومن ليلتنا توجهنا صوب بيت العجوز "دق الحديد وهو ساخن" كان السراج عند وصولنا مطفأ، طرقنا الباب، نادينا الرجل، وما من مجيب، قال والدي: لعل الرجل يغط في سبات عميق بعد يوم عمل شاق، إذن سنعود غداً، قلت في نفسي في اليوم التالي سأخبر الفتاة بشكل أو بآخر أننا قادمون لطلب يدها.قضيت ليلتي أرسم خططاً لأتحدث معها .،سأدعي أن عقرباً لدغتي وسأطلب المساعدة، وستهب هي لمساعدتي، خطة رديئة، عقرب؟وماذا لو أدركني العجوز قبلها؟عندما تقبل من بعيد وفي الوقت الذي يكون والدها منهمكاً في العمل سأدعوها للتوجه نحوي، وماذا لو شعر والدها بذلك؟ سيفشل كل المشروع ولن تكون خطبة ولا مايحزنون ....مضى الليل وأنا أبني قصوراً ثم أهدمها، في اليوم التالي كانت المرة الأولى التي أصل فيها الحقل قبل الرجل العجوز، مرت الساعات بليدة وأنا أرقب غبار الطريق، ليس في المكان سوى شجيرات المرار، تمنيت لو أن عقرباً تلدغني أو حتى حية، أن يحصل في هذا المكان الساكن البليد أي شيء، أي شيء! عدت مع شويهاتي مبكراً،صرخت في البيت! لم تأت، لم تأت.كدت أموت من العطش، لم تأت،توجهت صوب بيت العجوز راكضاً،"عيت جواباً وما في الدار من أحد"، كل شيء كان على حالة،دلة القهوة وفنجانها والنار مطفأة جرة الماء والكأس فوقهاوقربها أبريقها إذن رحلوا.وكان نصيبي منهم جميعا:ظل المراروشربه ماءوبعض انتظار
عدل سابقا من قبل الديكي في 2010-04-16, 07:21 عدل 1 مرات |
|
هدى جولاني مشرف عام
وسام المبدع : عدد المساهمات : 83 نقاط : 109 تاريخ التسجيل : 15/01/2010 المهنة : طالبة في مرحلة الماجستير ومدرّسة
| موضوع: رد: ظل المرار 2010-04-16, 04:14 | |
| القصة تحوي عناصر كثيرة جيدة للغاية، فهي مشوقة، محبوكة بشكل يحفز تفاعل القارىء ويثير فضوله لغرابة بعض تعابيرها ومواقفها، فالعجوزان عمرهما ألف عام، والمرأة سبب لانقطاع المطر وحجب الغيث، ثمة لغة شعرية تتسلل إلى النص في وجل، وهناك هنات لغوية أتمنى عليك مراجعتها، لكني أجدها قصة جيدة جداً، وتنبىء عن موهبة تتحفز للوثوب.....كل أمنياتي بالتوفيق... |
|
غالية الذرعاني مشرف منتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 268 نقاط : 511 تاريخ التسجيل : 29/04/2010 المهنة : معلمة
| موضوع: رد: ظل المرار 2010-06-13, 23:50 | |
| نص يحمل في طياته العديد من الدلالات اللغة الشعرية طاغية أرى من خلال هذا النص وجه مجتمع لم تتغير أفكاره رغم تعاقب السنين تحياتي |
|