اتجاهات في الأدب الليبي الحديث
بقلم بانوراما ليبيا في 2008/12/18
(771 مشاهدة)
اتجاهات في الأدب الليبي الحديث .
شعراء يستحمون بجسد الشعر .. وساردون يلتهمون شهَد الكلمة
زيد الشهيد
عُرفَ عن الأمم أنها تبني تاريخها اعتماداً على ثقافتها المتشيدة من مهج وإبداعات وتطلعات مثقفيها ... والتاريخ لا يحفظ في ذاكرته الراحلة غوراً غير الانعطافات التي ترسمها توهجات الأبناء العائمين في بحور المعرفة التي لا تعرف الانتهاء .
الثقافة في عرفها الإنساني تتوق إلى تواصلها مع الثقافات التي توازيها ، وتسعى إلى تقارب النفوس التي تبغي رسم صيرورتها وتؤطر كياناتها لكي يكون مجرى هذه الإنسانية في دفقٍ واحد يضم هياجات البشرية ويعرض صدى تحولاتها ويفتح آفاق السعي نحو تواصلاتها التي لا ترتضي السكون ، ولا تتقبل أيقونة الصمت . بل تبني إرثها اليومي والغدي اعتماداً على تنامي ابداعاتها وخلق ابنائها . والأدب الليبي شأنه شأن الثقافات الأخرى في المضمار الأدبي ينحو صوب السعة الثقافية التي تلفت الانتباه وتشير إلى أسماء لجيل شرع يتكينن ليغدو ظاهرة ثقافية تثبت فاعليتها في الوسط الثقافي العربي ليتواصل مع الماضي التليد للثقافات المتوارثة ... من هنا صار الأديب الليبي يمد أذرع إبداعه إلى متنوع الآفاق ، وصارت أسماء مبدعيه تتلاحق لتأخذ حصةً كبيرة من الشساعة المعرفية سواء على مستوى السرد أو الخلق الشعري ، وصرنا كقراء متلقين نعيش مفتتح القرن الواحد والعشرين نتابع المشوار الليبي بعموم طاقته الجيلية . وإذا كانت الأسماء السبعينية من القرن الماضي وما قبلها قد أخذت حصتها من الباع الإعلامي فإن الأجيال اللاحقة استطاعت هي الأخرى وبحفرٍ على الصوان والنحت على الحجر أن تبرز لتقول صوتها المتميز .
الرحيل الشعري .. الهيمنة على الساحة
في مضمار جلوسنا في مقاهي الأدب الليبي المنتشرة على قارعة طرق الشوارع الثقافية وتحرينا على المبدعين الحاملين لشارات الإبداع الأدبي تبين لنا أن الوسط الثقافي الليبي لا يشذ عن الأوساط الثقافية العربية في بوحه واتخاذه الجنس الذي يريد . إذ الشعر سيد الساحة ، وهو المهيمن بانفراد تاركاً مساحات محدودة للأجناس الأخرى التي ترفع لواء القصة والرواية والنقد ؛ معتمداً على الإرث العربي من الشعر ومنحدراً من أعماق القرون التي كانت تجاهر بأن " الشعر ديوان العرب " وتاريخه وصورته وهويته إذْ يجري من خلال هذا الشعر معرفة طبيعة الحياة العربية ومتعلقاتها السلوكية وحالتها الاجتماعية وما لها من مشرب ومأكل وملبس وحركة وتوقف ومحاورة وتبادل أفكار .
وبمدخلنا الأصولي من باب تاريخ الشعر المنتشر على قرون طويلة ومسارنا مع المهيمن منه زمنياً وأقصد به الشعر العمودي في زمن تواربت أبواب على أنماط جديدة للشعر وتداخلت تجارب جاءت من أصقاع مختلقة من الذائقات والخلق فكان الحر منه وقصيدة النثر اللذان شرعا يزاحمان هذا الامتثال العمودي رغم أن الحر منه شرع يذوي ويذبل عوده ويهجره الشعراء .
وفي الساحة الشعرية الليبية العمودية يتحرك الشاعر صلاح الدين غزال بقوة وبجموح يعتمد الثقة فلا تأخذه في العمودي لومة مُحدثٍ أو نزق شاعر غر . هو ينحاز صوب البحور الشعرية الفراهيدية كليّاً وينأى بتوجهه عن الحداثة التي تتوازى بهويتها مع هوية الشعر الحر وقصيدة النثر . والأخيران التهما عقوداً عديدة من عمر الشعر العربي ابتدأت من العقد الرابع للقرن الماضي دخولاً إلى القرن الواحد العشرين فتترجل قصيدة النثر طاردة الشعر الحر على ساحة ثقافية خصبة تمسك رايتها وصولجانها أجيال الشباب التي تنظر إلى حركة التاريخ المتسارعة وتعكسها مرآة الشعوب التي تتواصل بسرعة برقية عبر شبكة الاتصالات العالمية .. صلاح الدين غزال إذاً يدخل عصر الاتصالات النيزكية برداء الزخرف العربي القديم وهيكلية الشرق التي ترى إلى ارثها بعين التقديس فتناهض الذي يمسه ، وتقف بعناد بوجه الذي يجافيه .. صلاح الدين يدخل حومة الغزل بتناص مع " جميل بثينة " وميدان المعركة بشجاعة عنترة ، ومسوح التقى مع زهير بن أبي سلمى ، ودروب النبوغ مع النابغة الذبياني ، ودهاق الكؤوس والخمريات مع الأعشى ، وفيوض الحماسة عمر بن كلثوم .. وفي قوة عنفوانه يسوق الكلمة ويتساوق معها ليعرض قوة بأسه ومقدرته في الخطوب جميعاً ومنها خطوب الشعر التي هي معركة في عالم يُقتحم بهجمة كتابية شعرية تندفع عبر مواقع البث الانترنيتية :
أَنَا العَنِيـدُ فَمَنْـذَا اليَـوْمَ يَجْهَلُنِـي
فَلْتَسْأَلُوا الخَطْبَ وَالإِفْحَامَ عَنْ بَأْسِي
كَمْ خُضْتُ حَرْبـاً وَكَمْ جُشِّمْتُ مَذْبَحَةً
وَكَـمْ شَرِبْتُ دِمَـاءً دُونَمَـا كَـأْسِ
وفي تصويره لحالة السرمد الذي يسعى البشري لنيله وحيازته بعد مماته كأملٍ مبتغى يشير الغزال إلى أن هذا السرمد العصي المنال لا يحوزه المستسهل والقادم من آفاق البساطة والحياة المارة على سهوب الاعتياد ، إنما من خوض الأهوال ومواجهة المواقف العسيرة التي تحاج إلى مهج تحمل جيوش القلوب الصابرة الصلدة ؛ والدماء عربون وحبر لنيل الخلود وليس الجلوس على مصاطب الانتظار لعل الله يمر فينتشله برحمته . فالانتظار موت وهويته الصمت ؛ والرهص حياة وهويتها الهياج والموار والتحرك بلا نأمة سكون أو عثرة خمول :
كم دمٍ قد سال في الأرض وكم
مهجةٌ قد هزّها نزعٌ شديدْ
إنّما الموتُ هو الصمت هُنا
وحياةُ الخُلد تؤتى للعنيدْ
وفي إبداعات قصيدة النثر وتوجهها صوب ذائقات الأجيال الشبابية التي تريد أن تنفتح على عوالم جديدة استطاع العديد منهم من إقامة صرح لهذا النوع من الإنتاج الشهري على الساحة الأدبية الليبية وتمكنوا من أن يقولوا ما يثير الاهتمام ويجعلوا العين الفاحصة تتحرى أعمالهم وتسعى من أجل ان تكتشف فيها عظم الهياج الذي يمور في الدواخل . ولقد قرأت نصوصاً كثيرة للشاعر عبد الوهاب قرينقو فاكتشفت أن ما يكتبه يُعد من التدوينات التي تلفت الانتباه . فهذا الشاعر يتخذ خطى بودلير في تعاطيه مع المفردة وتماهيه مع ما تنضحه ؛ كما أنه يعطي رسماً للنص بشكل يريد فيه الخروج عن بدايات الأسطر المتبعة مستعيناً برسم الفراغات ومستخدماً الفوارز والنقاط كمتممات لوجود المفردة في السطر المستخدم . وهو الذي يجعل الشعر وسيطاً لتحاوره مع الاشياء : المطر / الفراشة / الشباك / العشب / التجلي / البكاء اصفراراً / الكتاب مطراً . ففي نصٍّ له يحمل شعار " ولادة قطرة " حيث العنوان ممهِّد لصورة سردية تتقاطر من اسطر النص فحوى حكاية يلفّها الدهش وتعطرها الحيرة ؛ فثمة الترادف في النص بين العصفورة والشعر / العشب وغرفة الذاكرة / الكتاب والطاولة ، والمفردات المتراقصة بين النقاط والفوارز وانسنة الاشياء بحوارية سردية تنتهي إلى قصيدة تمّيز شاعراً كعبد الوهاب قرينقو وتجعل له صوتاً خَلقياً يمنحه هوية الشعر بامتياز :
ولادة قطرة
- عصفورةٌ تدق على شفافية الزجاج،
فيُشّرع الشعرُ نافذته على حديقة التجلِّي،
... ولكن عقارب الحديقة تدُبُّ على العشب ..
يتطاير الفراشُ فزَعاً
فتدخل واحدةٌ إلى غرفة الذاكرة
وتُقبَلُ كلاجئة .
- الكتابُ
يبكي اصفراراً
فيقفز إلى سطح الطاولة،
غلافه الثقيل ينفتح إلى اليمين
فتتراشقُ صفحاتهُ الداخليةُ
ببطءٍ تُفتحُ أيضاً إلى اليمين
.... ...... ... هل الهواءُ يقرأ ؟
ماهذا الهراء ؟ !
... ... اللعنة !
من فتح زجاج النافذة ؟
- نسيمٌ غيرُ عليلٍ
يُطّرِزُ على منديلِ الليل برقاً
ليندلقَ ماءُ الكتابِ مطراً
فتبتلُ الفراشة وتُصابُ بالزكام،
... ولكن
إحدى عقارب الحديقة
تناولهُا منديلاً مبتلاً
ما كادت أن تُلامسَهُ
حتى صعقها التيار . .
... ... ... يا إلهي ! !
كيف هَطَلَ الغيثُ داخلَ غرفتي ؟ .
وفي دخولنا إلى عوالم رامز النويصري الخالق الذي له قلمه الإبداعي في مجال النقد والحضور المهم في الأدب الليبي نستطيع وبسهولة أن نتحسس صدى موهبته المتعددة المناحي والتي منها عرض بضاعة القلب بسلال الشعر فنتلقى نحن القراء نتاجه الشعري بتملٍّ وئيد . فرامز شاعر له استخدامته الصورية الشعرية التي تقدمه مبدعاً وقراءاته النقدية التي لها تميزها ( إضافة إلى إدارة موقع الكتروني مؤكداً يأخذ منه الجهد والوقت .) وهاتان الصفتان ( النقد والشعر ) انّما تجمع شخصية أدبية متميزة لها حفرها الواضح والراسخ على جدار الإبداع الثقافي الليبي . وفي مجموعته " مباهج السيدة نون " يغدو الشعر احتفالية كبيرة مرةً بموهبة شاعر له قدرة جمع الوطن ليبيا بمنعطف كبير من منعطفات القلب ومرات بعشقه الفاضح لطرابلس وغنجها الذي تكايد به انفتاح البحر . وطرابلس حكاية طويلة تبدأ بالشوارع وتفصيلاتها م بالبضائع وعارضيها وبائعيها ومستعرضيها / بفتياتها الرافلات على بهاء الزرقة المناغية لهن على مرمى نظر ، ولا تنتهي إلا والبحر في غيضٍ من أنه لم ينل منها الكثير فيما السفن والمغادرون محملين بالعبيد والزيت والصور الخزينة في الذاكرة النارية التي لا تريد النأي عن خطى المدينة ولا تعبأ بالشاعر الذي يريد أن يدون بواعث هياج عشقي لانثناءاتها بقلم الشوق الذي يفقده بسبب الشده الذي يتلبسه فلا يستعين إلا بواخز القلب الذي يترك له الجراح العصية على الشفاء :
جافة مساءات طرابلس،
ومليئة بالخطيئة
شوارعك.
تعلك الشعر غانية بشرفة الرشيد
كثيرون يمرون
وغير عابئ بفراغ الأحلام المفترشة
إذ تنال مني العيون
وأعرف أنك لا تملين الإعادة مثلي
هي عادتك،
ما غادرت بعد سفنهم
سيحملون العبيد
وزيتك الأخضر، سيغادرون
عن فتياتهم
وسنحمل الخطيئة إلى فراشنا، صباحاً
هناك مغادرون جدد
والكثير من البقايا الذي يمجها المالح
فتعيدين اجترارها غصباً
وبذا.. تبدأ القصة من جديد.
في الركن الشرقي، تسكن حبيبتي
في الركن الغربي، تسكن حبيبتي
في المنتصف،
حيث المحور لا يحدده إلا قمر متخم بالأرقام
أكون،
أعاندها كي تفيق،
فتطلق صبيانها
فلا أهرب، وأبيعهم بعض الكلام
والحلم، والورق
وأبحث في جيبي عن قلم
فأدرك أنه رافق آخر المغادرين
فأنزع دبوس قلبي
وأصنع خنصرك محبرةْ
وأدعوهم.
وغير عابئ بفراغ الأحلام المفترشة
إذ تنال مني العيون
وأعرف أنك لا
ويتمثل الغزل المائي الشفيف ويتبارى في حوارية صامتة أو هي أقرب إلى متوالية الهمس . هذه الحوارية التي تتلّقى من اللغةِ رغبتها في الانسكاب على الورق من دورق الروح المعتلجه بالوله .. غزل كهذا هو الذي نُعدّه اليوم متلائماً ومتوائما مع طبيعة الغزل التي تختلف عن الصراخ الكاذب في حومة اللوعة المفتعلة . إن صلاح عجينة ينعطف بنا في هكذا نص عن جادّة البوح المعتادة ليدخلنا إلى رياض ٍمنسرح مفتوح ، يعانق فيه الكلمة بعناق اللذاذة المنسابة الهادئة كما هي نسمة البحر لحظة استرخائه لا ساعة مجونه . وهو يوظف الكلمة الرخية ليحيك منها قصيدة غزل عذب تتوافق والغزل المعاصر رغم أنه يتناول ما تناول الآخرون في وصف العيون والخدود والشفاه التي تتوازى وفعل اللثم وتحقيق إثم القبل كتحقيق لصناعة الحب التي لا يجيدها كائن مَن يكون معتمدًا في توصيفه وسرده على نغمة خبيئة من روحية الموشح الاندلسي حيث تعطّر فضاءات المفردات وهي تتشكل في عِقد شعري يبث فوضى سهامه الضوئية على صدر الذائقة القرائية للمطالع الذي سينتشي وهو يمر جوّالاً في دروب النص .
ذات مـرة
والفجر, إذا طالعك استتر
يا أنت عنوانها أنا
زمانك قد صيغ من مهجتي
وابتهل..
وشغبي بوسائد الزهو قد ارتسم..
عيناك بطاقتان
من تنكر إليهما أحسبه خبل..
وقدك الممشوق
إن داعبته العيون زعل
وثغرك شتيت حلو
جمرة الفتنة إذا ابتسم
وخداك الأسيلان
طموح النسيم حوارهما.
والفجر.. إذا طالعك استتر
يا زهرة ريحانها في خيالي يفوح
أقولك
في زمن لثامه أنتِ
بسركِ مجذوب أنا.
وفي حالة رسم الخطى وفرز الهوية وتشكّل المنحى في المضمار الشعري يتحرك الشاعر الشاب محمد القذافي مسعود في تدوينات شعرية قد يطالعها المتلقي فيظنها مفككة غير مترابطة فيعيب على الشاعر هذا البناء الصيروري غير المألوف لشعر يجافيه الكثيرون ؛ لكن أيضاً يتمتع به الآخرون ... نصوص محمد مسعود آتية من أرخبيلات عقله الباطن ، فتتناثر ببراءتها ، هي الهاربة من ذلك الرواق . وأظن انه لا يتلاعب بالمفردة ولا بالصورة وهو يقدمها إلى النشر لأنّه يفضلها هي ، هي كما ولدتِ من رحم الحلو اليقظوي الذي يعيشه أو من تداعيات الواقع الذي يتعامل مع مفرداته ... لذلك ,أنا أقرأ نصوص محمد القذافي مسعود أكبر فيه شجاعته بتقديمه النص بلا خشية من أن تطاله يد النقد أو تلوكه أفواه اى امتعاض .. هكذا فعل " رامبو " ! .. رامبو كان خارجاً عن أطر الخشية من الآخرين ، ولا منصتاً لتعليقاتهم التي لو أنصت لها لأعادته إلى التيار المألوف الذي حتما سيضيع في اجترارا ته .إن نص " عصا الراعي " لهو من النصوص المتميزة التي تؤرخ لولادة شاعر سيرتقي صومعة الشعر بصولجان الإبداع المميز والذي يُشار له على أنّه خالق جديد بحداثة ترسم له مساراً وللأدب الليبي منعطفاً .إن ما نقرأ في نص محمد القذافي مسعود يعيدنا بالرؤية التناصية إلى أشعار " سان جون بيرٍس " الشاعر الفرنسي الحائز على جائزة " نوبل " للعام 1960 ورائعته " أنا باز " مع أني على درجة أقرب من اليقين أن محمد مسعود قد لا يكون يعرف بيرس أو لا يكون قد لفت انتباهه من قبل . وهو في نصه هذا يتحاور مع ذات الشاعر التي تريد أن ترى كل شيء وتحوز كل شيء مع أن المنال عسير وليس بالإمكان حيازة ما يريد الشاعر وتحقيق كل ما رسمه وتّمناه . كما يعرض إن ما ينزفه الشاعر من تضحيات قد يبني جداراً لكنه لا يستطيع لأن يصنع عالماً متكاملاً ومدناً متخيلة تتمثل برفّة رمش .
" اترك عصا الراعي
أيها المهذب ..
كف عن الدوران
عن الخروج الأعمى من الحلم .
اترك عصاك ..تهش بها قطيعا
من أطفال .
تقطع وعدا مبجل
لا يتحقق إلا بصعود مأساتك .
تنسج عباءتك بشعب من يقين .
تصل خيط شمس بآخر من وهم جميل .
كلما انتشيت ..منحتك الظهور صحرائها ..
فأدميتها أحلاما .
فلتهدي وردة لزمنك الذي لم يشهدك من
رحمه تولد .
لا شئ يعدك فأنت
خارج النهاية ....
لا وهم يسندك
لا لون يواريك .
فطاقية الإخفاء ليس هي
ما تحتاج ...بل خوذة تحميك .
مرآتك اختلفت
وصاغك الاختلاف سؤالا زئبقيا
يا ابن المطلق. "
الجهد السردي .. إثبات وجود لحركة وئيدة
ففي الخطاب السردي حيث يتنامى الفعل في صورة الخلق المحكي يمكن الإشارة اليوم إلى محمد الأصفر كطاقة إبداعية شكَّل ظاهرة النزق الروائي على الساحة الخطابية السردية ؛ تفجَّر إبداعاً ، وتواصل كتابةً فبات يشار له بالبنان ويثير زوبعة التناقض في الآراء فيما إذا كانت طريقته الكتابية تتوافق ومسار الخطاب السردي المعروف أم تنفيه هو الذي جاء متأخراً في طرح مشروعه الروائي فأحسن وأتقن ، ونهض فانتصب ، وتخلص من إخفاقات التجربة الشبابية التي يصاحبها عادة التعثر وقلة التجربة ؛ فأصدر رواياته العديدة ( المداسة ومذاق الصبر والشرمولة ، ويانا علي ) وقصصه القصيرة التي تمثله هو وحده ، واستطاع بجهده الذاتي قافزاً من على شتى معوقات النشر والإصدار ليطرح مشروعه الروائي بكل جدية . وجاء معه بعض من مجايليه عبد الله الغزال مقدماً روايته " التابوت " هذه التي فازت بجائزة الشارقة للعام 2004 ، ثم أحمد الفيتوري الذي يمارس النقد كحرفة متقدمة على بقية الأجناس الأدبية لكنه يقدم روايته " سريب " وعاشور الطويبي وهو شاعر وأيضاً يخوض في تجربة الالقص برواية " دردانين " ونجوى بن شتوان وهي تسعى لإثبات جدوى المرأة في لا اختلافيها مع الرجل فترشق الأدب الليبي برواية " وبر الأحصنة " وتجيد في طرحها ، وسليمان زيدان في رواية " أزرار " ؛ وقبلهم كان احمد الفقيه وإبراهيم الكوني وخليفة حسين مصطفى ومحمد عقيلة العمامي .
وفي النصوص السردية القصصية جاء محمد زيدان ليشكل بنصوصه التي أخذت لها حيزاً مكيناً ، مثبتاً أن له صوته الذي يتوازى مع الأصوات القصصية الناجحة والمثيرة للانتباه , كذلك أحمد يوسف عقيلة حيث البحث الريفي والعيش اليومي بالتفاصيل التي تشكّل ملمحاً وصفياً وسردياً لحياة تبقى في حاجة لسبر غورها والدخول في ماهياتها وأحاجيها . ولا نذهب بعيداً عن السرد الشبابي فنرى إلى القاص عوض الشاعري وهو يتكىء على ثقافة ذاتية جمعها من قراءاته الكثيرة وهو لمّا يزل شابّاً تمتد أمامه فراسخ الثقافة وتجارب الكتّاب الكبار . ولقد قرأت له عديد النصوص فأعجبت به وبطاقته الإبداعية التي تبشر بسارد ليبي سيكون له الصوت العالي والواضح في مسار الجهد العربي السردي كذلك القاص محمد العريشية حيث يتابع نشر نصوصه عبر الصحافة ومواقع الانترنيت ، وليس بعيداً عنه القاص حسين بن قرين الذي بدأ جهده الأدبي بنصوص آثر أن تكون بطيئة الظهور فهو يخشى الارتداد من عصفة نقد تأتيه من هذا الاتجاه أو ذاك فتراه يقل في نشره ويستفيد من التجارب التي يطالعها في مضمار مطالعاته اليومية . ( ولنا مع باب السرد دراسة خاصة )
محمد القذافي مسعود / شاعر وكاتب ليبي