إن النظر إلى النصوص اللغوية من جانب علم الاتصال الحديث ، ووضعها بالتالي في إطارها الاجتماعي ، من الأهمية بمكان في تصور تلك النصوص ، وفي معرفة ما طرأ عليها من تغير ، وفي كيفية فهمها فهماً سليماً ، بل إن وسائل الاتصال الحديثة قد عدّلت من بنية نصوص قديمة ، وأضافت نصوصاً جديدةً ، جديرة بالدرس ، كرسائل الجوال الشخصي ، وكالرسائل المختلفة من خلال الانترنت والقنوات الفضائية ، وكالبرقيات ...إلخ .
وإذا كانت اللغة نفسها أهم وسيلة اتصال ، فمن الواجب دراسة أنماط الأداء اللغوي من نصوص وخلافها ؛ لتقويم عملية الاتصال الناجح.وأي نص يهدف إلى تحقيق اتصال ناجح ، ومن غير شك أن النصوص جميعاً تدخل في إطار نظرية التواصل التي طوّرها (ياكبسون ) والتي تجعل كل نص لغوي غير خارج عنها ، مهما كان نوع ذلك النص ، فالقول يحتاج إلى (مرسل ) ، و (مرسل إليه ) ، و(رسالة = نص ) ، و (سياق ) هو المرجع الذي يُحال إليه المتلقي ليستطيع إدراك مفهوم الرسالة ، و ( شفرة ) وهي الخاصية الأسلوبية للرسالة المتعارف عليها بين المرسل والمرسل إليه ، و ( وسيلة اتصال ) لغوية ، أو غير لغوية؛ لتتم من خلالها الرسالة (انظر : Jakopson : Closing Statement :Linguistics and Poetics ,pp353-357 )
وقد أوضحها في الرسم التالي :
سياق
رسالة
مرسل ــــــــــــــــــــــــــــــ مرسل إليه
وسيلة اتصال
شفرة
وجعل ( ياكبسون ) وظائف اللغة ستاً ، بحسب تركيزها على عنصر ، أو آخر ، من عناصر التواصل الستة ، فوظيفة انفعالية تحدد العلاقة بين المرسل والرسالة وموقفه منها ، فضلاً عما تحمله الرسالة من أفكار تتعلق بالسياق ، يعبر المرسل عن مشاعره حيالها ، ووظيفة ندائية ، في الجمل التي ينادي ، أو يأمر فيها المرسل المرسل إليه ، ووظيفة إبقاء الاتصال ، حين تظهر ألفاظ مهمتها الحفاظ على التواصل اللغوي ،وتدخل في نطاق ما يسميه البعض (المالئات اللغوية ) ،ووظيفة ماوراء اللغة ، وتظهر في المُرِسلات التي تكون اللغة نفسها مادة دراستها ، أو ما يسميه البعض اللغة الواصفة ، والوظيفة السياقية , وهي أساس كل تواصل ، حيث تحدد العلاقة بين الرسالة والغرض الذي ترجع إليه ، والوظيفة الشعرية حين تكون الرسالة مُنتَجة لذاتها . ويوضح الوظائف الرسم التالي :
سياقية
شعرية
انفعالية ــــــــــــــــــــــــــــــ ندائية
إقامة اتصال
ما وراء اللغة
وتختلف أهمية هذه الوظائف من نص لغوي إلى آخر ، كما يمكن أن تجتمع في نص واحد . وتتجلى أهمية هذه الوظائف في تحديد المنطلقات لفهم الرسالة .
ويمكن مقاربة النص في ضوء بعض نماذج نظريات الاتصال الحديثة، إضافةً إلى النظرية التواصلية عند رومان جاكبسون ، التي تأثرت هي ذاتها بتلك النظريات ، فعلى سبيل المثال يمكن النظر إلى المداخلة كمثال على نص لغوي في إطار النموذج الذي قدمه روس ( Model Ross) ، حيث يرى أن هناك "خمسة متغيرات تؤثر في الاتصال بين الأفراد وهي :
1- مرسل . 2- مستقبل . 3- رسالة . 4- قناة . 5- رجع الصدى .
ويؤكد روس في نموذجه على الظرف الذي يحدث فيه الاتصال ، إذ يعمل كمؤثر يحدد المعنى الفعلي للفكرة ... وتتضمن عملية فك الكود انتقاء المنبهات التي تتفق مع ثقافة المتلقي وتعمل الثقافة عمل الظرف كمؤثر يحدد المعنى الفعلي للرسالة ، وتتكون ثقافة المتلقي للرسالة من معرفته بمعلومات الرسالة ، وتجربته السابقة حيال الرسالة ، مشاعره ، اتجاهاته عواطفه وقت الإرسال ، ويضيف روس أن المتلقي حينما يستقبل الرسالة يقوم بتفسيرها ويجيب عليها ، وهذه الاستجابة هي رجع الصدى أو التأثير المرتد "( محمد محمد عمر الطنوبي : نظريات الاتصال ، مكتبة الإشعاع الفنية ، الإسكندرية ، الطبعة الأولى 2001م ، ص 85 .)
ومن نماذج نظرية الاتصال الأخرى ذات الصلة بالنص نموذج( ولبورشرام ) للاتصال بين فردين ويركز هذا النموذج على الناحية الدلالية ، حيث يتكون من فرد في إطار دلالي (أ) ، وفرد في إطار دلالي (ب) ، ويتداخل الإطاران الدلاليان في الرسالة التي تمثل الخبرة المشتركة للفردين ( أ – ب ) ، والرسالة عنده ليست بالبساطة التي تبدو عليها ظاهرياً فكثير من المعاني تكمن خارج الكلمات المنطوقة ، من خلال طريقة النطق ، والإيماءات.
كما أن كل فرد يشترك في عملية الاتصال لا يكون مرسلاً دائماً ، أو متلقياً دائماً ويؤكد شرام على أهمية رجع الصدى في عملية الاتصال ؛ لأنه يخبرنا كيف تفسر رسائلنا ، ويعدل القائم بالاتصال رسائله على ضوء رجع صدى .
ومن نماذج نظرية الاتصال أيضاً نموذج (كولمان ومارش ) إذ يريان أن عملية الاتصال تقوم على عدة عناصر : أحدها الاستجابة التي يعكسها المستقبل ، والجديد عندهما أنهما يريان أن عملية الاتصال قد تنهار ، أو تصبح عديمة الفائدة ، عند أي عنصر من عناصر الاتصال ، بما في ذلك الاستجابة التي يعكسها المستقبل .( انظر المرجع السابق : ص 94-95 .) وعلى هذا فمن الواجب الاهتمام بمواضعات عمليات الاتصال عند إجراء أي تحليل للنص سواء أكانت تلك المواضعات متعلقة بالنص وبخارجه أم كانت عمليات اتصال في حشايا النص بتشكلاته وأنواعه المختلفة. فما يحدث في النص السردي من اتصالات تجري بين الأشخاص ، ووسائل الاتصالات والوسائط المتعددة التي يستعملونها قمينة بالدراسة لما تلقيه من أضواء على النص قد تسهم في معرفة دور تلك الوسائل في تشكيل النص . كما قد تسهم في تحليل بعض جوانبه الأخرى .
ولعل دراسة سعيد يقطين للنص الافتراضي أو الهايبر نص من الدراسات المتميزة التي تدرس النص في حالة جديدة لم تكن تخطر على بال القدماء ، ومن البحوث المتميزة في هذا المجال بحث الدكتور صالح سليمان عبدالعظيم وعنوانه ( الإنترنت ولغة حجرات الدردشة ) من خلال التركيز على موقع البال توك حيث أثبت أن النص المستعمل في داخل حجرات الدردشة هو نص متميز عن النصوص التقليدية ، وأهم ما يُلحظ فيه التشظي والتفكك كسمة لعصر ما بعد الحداثة أو عصر الانفلات المعلوماتي .
ولاجرم حينئذ من إعادة النظر في تصنيفات النصوص أخذاً في الاعتبارلحالات الاتصال التي أحدثت بلبلة حتى في منطق الإنسان نفسه ، بحيث أصبح ما كان في حيز الميتافيزيقيا والسحر والخرافة أكثر تحققاً مما يحتمله ذلك المنطق
إن النص الافتراض ينبغي أن ينظر إليه وفق آليات جديدة في التصنيف والتحليل ، وكذلك النص في حالات الاتصال المتطورة الأخرى ، إذ يمكن أن يكون لدينا ( نص في حالة اتصال ) غير متوقفة ، أي الاتصال جزء من نسيج النص ؛ وعندئذ يلزم أن يكون هناك تحليل فلسفي ولغوي مختلف تماما لأمثال تلك النصوص .