المقدمة:
لا شك، أنّ أيّة لغة ترعرعت ردحاً من الزمن في كنف حضارة زاهرة، وأدب رفيع تتّسع دائرة استيعابها لثروتها الخاصة من الكلمات؛ لتنفتح على ألسنة لغات أخرى، وتؤثر فيها. فكيف بنا إذا تحدثنا عن اللغة العربية التي تتميز بمرونتها وطواعيتها، خاصة أنّها من أقدم اللغات التي نطق بها الإنسان.
فخلال تاريخها العريق وحتى اليوم، تقلّبت بين عوامل، وظروف تغيرت خلالها، وتطورت واتصلت بلغات من عائلتها، ولغات من عائلات لغوية غريبة عنها.
من هنا كان علم المعاجم من أعظم ما ابتكره الإنسان؛ لحفظ مفردات اللغة القومية وتفسيرها وبيان استعمالاتها، ولتمييز الأصيل من الدخيل فيها.
من خلال هذه الدراسة الموجزة، نطل على علم المعاجم وكتابتها؛ للوقوف على أهميته مع عرض موجز لأحد نماذج المدارس المعجمية.
ـ علم المعاجم، تعريفه:
يتخذ علم المعاجم وجهين: وجه نظري: يعنى بدراسة الكلمة من حيث الشكل والمضمون،ووجه عملي، يتفرع عنه المعجم.
ويثبت هذا التعريف الذي أورده «حلمي خليل» في كتابه«مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي» حيث يقول:
.. إن علم المعاجم النظري، هو علم يهتم بدراسة المفردات أو الكلمات في لغة معينة من حيث المبنى والمعنى. أما من حيث المبنى، فهو يدرس طرق الاشتقاق، والصيغ المختلفة، ودلالتها الصرفية والنحوية.
ومن حيث المعنى، فهو يدرس العلاقات الدلالية بين الكلمات. مثل: الترادف، والمشترك اللفظي، وتعدّد المعنى. أما القسم التطبيقي، فهو فن صناعة المعجم حيث يتم القيام بعمليات تمهّد لإخراج المعجم ونشره.(1)
- وعليه فالمعجم، وليد علم المعاجم التطبيقي. لكن ما هو تعريفه؟
في اللغة، نجد تعريف المعجم ينطلق من هدفه الأساس؛ وهو التوضيح والتفسير. حيث يقول ابن جني: « اعلم أنّ عَجَمَ، إنّما وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء وضدّ البيان والإفصاح» (2).
ونجد أيضاً، أحمد محمد المعتوق، يزيد على تعريف ابن جني وسائل إزالة الأعجام: «التنقيط والتحريك، والضبط، وتمييز التشابه»(3).
إلاّ أن كلمة المعجم، أصبحت تطلق على «الكتاب الذي يضمّ مفردات اللغة، أو يضم طائفة منها مرتبة ترتيباً خاصاً: كلّ مفردة منها مصحوبة بما يراد منها، أو يفسّرها، ويشرح معناها، ويبيّن أصلها أو اشتقاقاتها أو استعمالاتها، ويبيّن طريقة نطقها، ويذكر ما يناظرها ويقابل معناها في لغة أخرى..» (4).
نستنتج، أنّ المعجم هو كتاب يجمع مفردات لغة من اللغات، ويشرحها ويرتبها ترتيباً خاصاً، بهدف إزالة الغموض والإبهام من هذه المفردات.
ـ الفرق بين المعجم والقاموس:
استعمل بعض المهتمّين باللغة، لفظة «القاموس» كمرادف للفظة «المعجم» وورد في لسان العرب، أنّ القاموس يعني: « البحر، أو البحر العظيم، أو وسطه، أو معظمه، أو أبعد موضع فيه غوراً..»(5).
فعندما يقال: فلان قاموس،فذلك لسعة علمه، وبُعد غوره، أو فلان يتقامس؛ أي يتكلم من بطن المعجم؛ دلالة على سعة أفقه.
ويُلاحظ اليوم، أنّ كلمة قاموس شائعة، ومتداولة؛ للدلالة على كتب المعاجم. ويعود الفضل في ذلك إلى محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الذي ألّف «القاموس المحيط»(6) فاستخدم كلمة القاموس على كتابه؛ للدلالة على سعته وغزارة مادته. حتّى أصبحت هذه التسمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمدلول المعجم. واتّسع تداولها إلى درجة أصبح يطلق في عصرنا الحاضر، مصطلح القاموس، حتى على المعاجم الصغيرة ومعاجم الجيب المختصرة.
ـ الأسباب التي أدّت إلـى نشوء المعجم:
هناك أسباب عديدة، دفعت علماء اللغة إلى تأليف المعاجم، تتلخص فيما يلي:
ـ العناية بفهم القرآن الكريم الذي لا يتأتّى إلاّ إذا عرفنا تفسير كلماته. فكان أول اتجاه للعناية اللغوية، هو رغبة دينية محضة في دراسة العرب لكتابهم، من أن يقتحمه خطأ في النطق أو الفهم. ويظهر ذلك من خلال ما روي عن استفسار العرب عن معاني بعض ألفاظ القرآن الكريم، «وكثرة الكتب التي ألّفت في أوائل مرحلة التدوين في موضوع غريب القرآن. وكان أول من كتب عن هذا الموضوع عبد الله بن عباس» (7).
ـ كثرة الألسنة غير العربية التي دخلت في الإسلام، واتخذت العربية لغتها، فخشيَ العلماء من دخول ما ليس من كلام العرب في لغة القرآن.
ـ إنّ الألفاظ تابعة للحياة، تتحوّل بتحوّلها وتتغير مع تغيرات العصور؛ لذلك ولحماية الأصيل من اللغة، واستيعاب الجديد، لا بدّ من إيجاد مرجع يختزن ألفاظ اللغة، ويحصّنها من اللحن.
ـ عدم قدرة العقل البشري على احتواء كل الثروة اللفظية. حتى لو تمكّن شخص ما رُزق موهبة الحفظ، وحسن الفهم، من تخزين معلومات كثيرة فترة من الزمن، إلاّ أنه يصعب عليه استرجاع كلّ ما علم.. من هنا تظهر الحاجة إلى مراجع تمدّه بما تفتقر إليه حصيلته اللغوية. فكيف يكون الحال بما يتعلّق بمفردات اللغة، واشتقاقاتها، وتشعباتها ومعانيها؟!
ـ الارتباط بالتراث اللغوي في ظلّ عصر تطوراته السريعة والمستمرة، مما يدفع إلى تصنيف معاجم وقواميس اللغة على مختلف الأنواع والمناهج؛ ليستمدّ الفرد ما يحتاج إليه من هذا التراث في تنمية ثروته اللغوية وإثرائها.
ـ تطور نشوء المعاجم:
إنّ فكرة المعجم قديمة جداً، حيث ورد أن أول كتاب نزل هو كتاب المعجم. فقد ورد في مقدمة كشف الظنون في حديث أبي ذر، قال : يا رسول الله، أي كتاب أنزله الله على آدم (عليه السلام) قال كتاب المعجم، قلت: أي كتاب المعجم؟ قال: أب ت ث ج، قلت: يا رسول الله، كم حرفاً، قال: 29 حرفاً»(8).
ففكرة المعجم، كانت ترجمة لأحرف اللغة وهذا يدلّ على تأصّل علم المعاجم في اللغة العربية؛ لكن العرب ليسوا أول من ابتكر تأليف المعجم، بل يمرّ بمراحل عديدة سابقة:
- ابتدأت هذه المراحل مع الآشوريين الذين سبقوا العرب بأكثر من ألف سنة، وابتكروا معاجم خاصة بلغتهم، دعتهم إليها الضرورة «عندما تركوا نظام الكتابة الرمزية القديمة، واستبدلوها بنظام الإشارات المقطعية أو الألفبائية ذات القيم الصوتية» (9).
- في المرحلة الثانية، عرف الصينيون واليونان علم المعاجم، فأنتج اليونان خمسة وثلاثين معجماً: بعضها على الحروف الأبجدية ومقصوراً على مفردات بعض الخطباء وأقدمها مجموعة من الغريب من الألفاظ والعبارات (10).
- وصل الدور إلى العرب ليتعرفوا إلى التأليف المعجمي، الذي خضع لمراحل زمنية بالنسبة لهم: فقد بدأت الفكرة المعجمية تراود العرب، منذ أن بدأوا بشرح القرآن الكريم، ثم توسعت نتيجة الفتوحات الإسلامية، واختلاط العرب بغيرهم من الشعوب.
وفي هذه الفترة، رسمت خريطة المعجم من خلال رسائل الحقول الدلالية، وصولاً إلى إنتاج العديد من المعاجم والمدارس المعجمية في بداية القرن الرابع (11).
ـ أنواع المعاجم:
تفنّن الإنسان على مرّ العصور، في تأليف المعاجم؛ وفي تصنيف وترتيب مفردات اللغة، تدعوه إلى ذلك الحاجة، وتطورات الحياة، وفنون العيش؛ أو تقوده دوافع قومية، دينية، أو إنسانية معينة.
كما تملي عليه أحياناً تطور اللغة نفسها، ونتيجة لهذه العوامل، ظهرت في كثير من اللغات الحيَّة، معاجم لغوية متنوعة، متعددة الأشكال، والأحجام، والمناهج، والوظائف، والأغراض.
وقد أصبحنا نرى في حاضرنا أنواعاً مختلفة من المعاجم:
معاجم عامة: تحيط بكل ما أثر من مفردات اللغة، وتعنى بجمع وتفسير المفردات أو الصيغ اللفظية النادرة. وهي تتصف بالشمول، وغزارة المادة، وسعة المحتوى.
ومعاجم خاصّة: تميز الأصيل من الدخيل، وتترجم مفردات اللغة إلى لغة أو لغات أخرى. ومجموعة منها تشتمل على مصطلحات العلوم والفنون، أو ألفاظ الحرف والمهن، وأخرى مخصصة لتراكيب وأساليب لغوية ذات طابع أدبي.
وتتميز بأنها محددة ومختصرة نسبياً، يتركز الجهد فيها على جانب معيّن من اللغة وبذلك تكون أكثر استيعاباً لما خصص لها، وتكون الاستفادة منها أسرع وأكبر.
ـ مناهج ترتيب المعاجم اللغوية العامة(12) :
في المعاجم العامة القديمة، الكلمات هي المادة الرئيسة. حيث يتم ذكر مرادفاتها واشتقاقاتها، ووضعها في حدودها العامة المشتركة.
وجرت العادة في ترتيب المفردات في هذه المعاجم وفق مناهج عديدة منها:
- المنهج الألفبائي النطقي: الذي يرتب الكلمات حسب أوائل حروفها دون مراعاة الأحرف المزيدة.
- المنهج الصوتي: ويقوم على تصنيف المواد اللغوية في أبواب على عدد حروف الهجاء العربية وحسب مخارج الحروف الأصلية.
- منهج القافية: يصنف الكلمات حسب أواخر الحروف الأصلية، وترتب ضمن أبوابها في فصول بحسب أوائل الحروف الأصلية.
- المنهج الهجائي التجريدي أو الجذري: وفيه يتم إزالة الحروف الزائدة، ثم ترتيب الكلمات وفق أوائل الحروف الأصلية حسب تسلسل حروف الهجاء.
أما في المعاجم الحديثة، فيغلب المنهج الألفبائي النطقي، والمنهج التجريدي وذلك لشموليتها وسهولة البحث عن الكلمات.
ـ شروط المعجم الجيد:
يقول أحد علماء اللغة: «إنّ من أعظم الخلل وأشهر الزلل في كتب اللغة قديمها وحديثها، مطولها ومختصرها، متونها وشروحها، تعليقاتها وحواشيها، خلط الأفعال الثلاثية بالأفعال الرباعية والخماسية والسداسية، وخلط مشتقاتها فربما رأيت فيها الخماسي والسداسي قبل الثلاثي والرباعي؛ أو رأيت أحد معاني الفعل في أول المادة وباقي معانيه في آخرها»(13).
لذلك يمكن تقديم بعض الاقتراحات لإزالة الغموض والإبهام الذي يشوب بعض المعاجم العربية:
1- إظهار حركات الكلمة بوضوح أو توضيحها بمثال، كي لا يقع الالتباس في الدلالة؛ لأنه عند لفظ الكلمة بطريقة خاطئة، أو عند تغيير حركة واحدة في الكلمة يتغير المعنى أيضاً.
2- ورود المعاني الحقيقية الأصلية للكلمة قبل المعاني المجازية.
3- ذكر الكلمات المتداولة والمستعملة، والتركيز عليها دون الكلمات المهجورة والمنقرضة من اللغة.
4- عند تفسير كلمة معينة، لا يجب استخدام كلمات لم يسبق شرحها في الأبواب السابقة في المعجم.
5- تجنب استخدام التعريف الدوري والتسلسلي. مثل:«باحة الدار ساحتها، وساحة الدار باحتها».
ـ المعاجم الخاصة، أنواعها:
تعددت المعاجم الخاصة وتصنيفاتها وفقاً لوظائفها والغرض منها، وطرق استخدامها، وهي تتلخص فيما يلي:
1- المعجم أحادي اللغة: وهو المعجم الذي يستخدم لغة واحدة: عربي عربي، إنجليزي إنجليزي...، وتندرج المعاجم القديمة تحت هذا النوع من المعاجم.
2- المعجم ثنائي اللغة: وهو المعجم الذي يستخدم في شرح لغة غير لغة المفردات: إنجليزي عربي، أو العكس، مثل معجم المورد لمنير البعلبكي.
3- المعجم الوضعي: وهو يقوم على جمع مفردات لغة، أو لهجة، أو مستوى لغوي معين. وذلك في مكان وزمان معينين. مثلاً: يمكن إنجاز معجم للألفاظ المستخدمة في إحدى اللهجات العربية القديمة، أو المفردات المستخدمة في الكتابة العربية، في كل فترة ومكان محددين.
4- المعجم الموضوعي (معاجم المعاني): وهو نوع من المعاجم، ترتّب فيه المفردات وفقاً للموضوع أو المعاني التي تتصل به. مثل: الألفاظ الخاصة بأعضاء جسم الإنسان أو الألوان... وقد عرفت اللغة العربية هذا النوع من المعاجم، منذ بداية حركة جمع اللغة، «وذلك في صورة رسائل معجمية صغيرة لا تتعامل إلاّ مع المفردات المتصلة، بموضوع واحد مثل: «رسالة في البئر»، أو «خلق الإنسان»، «الإبل»، وأكبر معجم من هذا النوع، هو معجم «المخصّص» لابن سيده» (14).
5- المعجم الموسوعي: وهو يتجاوز حدود شرح المفردات إلى معلومات غير لغوية. وهو يختلف عن الموسوعة، حيث يسهل تناول المادة الموسوعية فيه أكثر؛ نظراً لاندراجها تحت المفردات والعبارات. كما أنه يقدم المعلومات والحقائق بإيجاز أكثر مما تقدمها الموسوعة. مثل: معجم «المنجد» الذي أصدره الأب لويس المعلوف.
6- المعجم التاريخي: وهو يقوم بسرد المراحل التي مرّت بها حياة اللغة. فيوضح ميلاد المفردات والمعاني الجديدة. وغياب بعض المفردات عن الاستعمال. كما يقارن بين المفردات من حيث أصلها داخل عائلة لغوية واحدة. مثل: مقارنة اللغة العربية بلغات العائلة السامية.(15)
ـ المدارس المعجمية العربية:
يعتبر مؤلفو المعجمات العربية الأول، رواد التأليف المعجمي. فهم الذين وضعوا كل قواعد المعجم، ثم تمثل بهم اللاحقون، وكل منهم اختار الطريقة التي يراها الأسهل والأيسر.
وعلى الرغم من أن هؤلاء الروّاد يلتقون في كثير من النقاط، أو في المنهج أحياناً، إلاّ أن لكل منهم خصائصه. نستطيع أن نميّز خمس مدارس مختلفة في تاريخ المعاجم العربية، طبقاً لمبدأ الترتيب:
1- « مدرسة الترتيب الصوتي، وتضم المعاجم التالية:
أ- «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي.
ب- «البارع» : للقالي، إسماعيل بن القاسم.
ج- «تهذيب اللغة»: للأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد.
د- «المحيط» : للصاحب بن عباد.
هـ- «المحكم»: لابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل.
2- مدرسة الترتيب الألفبائي:
أ- «الجمهرة» : لابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن.
ب- «المجمل و «المقاييس»: لابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا» (16).
3- «درسة الثقفية: وهي من أشهر المدارس المعجمية في تاريخ المعجم العربي. وما زالت معاجم هذه المدرسة أوسع انتشاراً. وتضم المعاجم التالية:
أ- «الصحاح»: للجوهري، أبو نصر اسماعيل بن حماد.
ب- «العباب» : للصاغاني، الحسن بن محمد العمري.
ت- «لسان العرب»: لابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم.
د- « القاموس المحيط» : الفيروز آبادي، أبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد.
هـ - «تاج العروس»: للزبيدي، السيد محمد مرتضى الحسيني.
4- مدرسة المعاجم الموضوعية: وهي مدرسة تختلف من حيث مبدأ الوضع عن المدارس السابقة, إذ رتبت ألفاظها حسب الموضوعات، ومن أشهر معاجمها:
أ- «الغريب المصنف»: لابن سلام، أبو عبيد القاسم.
ب- «الألفاظ»: لابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق.
ج- «المخصص»: لابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل.
وقد يضاف إلى هذه المدارس الأربعة، مدرسة أخرى هي مدرسة المعاجم المتخصصة طبقاً للمادة اللغوية التي تضمها هذه المعاجم، والتي تعتمد على نوع خاص من الألفاظ والكلمات، مثل: كتب الترادف والأضداد، ومصطلحات العلوم والفنون.... أما أشهر معاجم هذه المدرسة:
1- «النهاية في غريب الحديث والأثر»: لابن الأثير، مجد الدين مبارك بن محمد.
2- «لمفردات في غريب القرآن»: للراغب الأصفهاني، أبو القاسم حسين بن محمد.
3- «المعرب من الكلام الأعجمي»: الجواليقي، أبو منصور موهوب بن أحمد»(17).
أما إذا أردنا أن نصنف المدارس المعجمية بحسب المعاني والألفاظ(18) فهي أربع مدارس(19).
1- مدرسة الخليل.
2- مدرسة ابن عبيد.
3- مدرسة الجوهري.
4- مدرسة البرمكي.
وُجدت هذه المدارس، خلال ثلاثة قرون؛ ابتداءً من أواخر القرن الثاني الهجري حتى أواخر القرن الرابع للهجرة(20).
وللإيجاز نكتفي بعرض مختصر عن مدرسة الخليل، ونموذج عن معجم العين؛ كونه أول المدارس المعجمية بروزاً.
مدرسة الخليل:
كان اللغويون في عصر الخليل، يجمعون الكلمات المتعلقة بموضوع واحد في رسائل سميت بكتب الموضوعات. وكان ترتيبها، لا يراعي نظاماً معيناً؛ ولم تكن شاملة لجميع الموارد، إضافة إلى صعوبة المعاني فيها؛ لذلك آثر الخليل أن يبتدع منهجاً يقوم على الصوت أثمر مدرسة الخليل التي كانت أول مدرسة عرفتها اللغة العربية في تاريخ المعجم العربي.
ومن أسس هذا المنهج، تمييز الحرف بواسطة الصوت. وبهذه الطريقة يكون الصوت أقوى دلالة وأكثر وضوحاً من الكتابة؛ «فإذا كتبنا كلمة، (نفر ) دون نقط، تعذّر عل القارئ أن يقرأها كما يريد الكاتب، أما النطق فلا يخطئه»(21). أما ترتيب معجم الخليل، فكان يخضع لمخارج الحروف؛ فيبدأ الترتيب من حروف أقصى الحلق؛ لأنه أبعد مخارجها، ويبدأ بالصعود تدريجياً لينتهي إلى حروف الشفة. فجعل ترتيب الحروف كما يلي:
1- الحروف الحلقية: ع - ح - هـ - خ - غ .
2- الحروف اللهوية: ق - ك .
3- الحروف الشجرية: أ – ج- ش – ض.
4- الحروف الأسلية: ض – س – ز .
5- الحروف النطعية: ط – د – ت.
6- الحروف اللثوية: ظ – ث – ذ.
7- الحروف الذلقية: ر – ل – ن – ف – ب- م.
8- الحروف الهوائية: و- ا – ي.
«وسمّى كل حرف كتاباً، وافتتح معجمه بحرف «العين» وسمّاه كتاب العين فكتاب الحاء...»(22).
كما اتبع نظام التقليبات؛ لأنه رأى صعوبة حصر جميع مفردات اللغة. فكان يذكر الكلمة ثم يقلبها إلى كل وجه، ويذكرها جميعاً في موضع واحد، مثلاً: «كلمة الضرم، ذكرها في حرف الضاد وقلَّبها حتى تولدت منها هذه الكلمات: «ضمر، مرض، مضر، رضم، رمض...، وإذا جاء إلى كتابي الراء والميم، أغفل ذكر الرضم والرمض...»(23).
وأصبحا هذان النظامان، سمة مرحلة مميزة من مراحل التأليف المعجمي، ومدرسة؛ كان من تلامذتها كثيرون، «لعلّ أهمهم الأزهري في معجمه «تهذيب»، والقالي في معجمه «البارع» وابن سيده في «المحكـم»، والزبيـدي فـي«مختصر العين»(24).
ـ عيوب معجم العين:
يقول ابن منظور في مقدمة اللسان إلى ما يشبه طريقة الخليل في معرض النقد:«كأن واضعه شرع للناس مورداً عذباً، وارتاد لهم مرتعاً مريعاً، ومنعهم منه، قد أخّر وقدّم، وقصد أن يعرب فأعجم، فرّق الذهن بين الثنائي المضاعف، والمقلوب، وبدّد الفكرة باللفيف والمعتلّ، والرباعي والخماسي، فضاع المطلوب» (25).
من هنا نستقي صعوبات وعثرات في معجم العين، وتتلخص فيما يلي:
1- ترتيب المعجم ترتيباً غير مألوف وعسير على الباحثين؛ لأنه يعتمد على المخارج الصوتية.
2- تقسيم الخليل الحروف العربية، إلى أبواب حسب الأبنية التي تضمها، «فالباب الأول للثلاثي المضاعف، والثاني للثلاثي الصحيح، والثالث للثلاثي المعتل، والرابع للثلاثي اللفيف، والخامس للرباعي، والسادس للخماسي. وخلطه للثلاثي المضعف والرباعي المضعف»(26).
3- اعتماده نظام التقليب حيث يذكر الكلمة وما ينشأ عنها بالقلب، فلا نعرف أيها الأصل وأيها المطلوب.
4- عدم استيفاء كتاب العين للصيغ الواردة من كلام العرب.
5- وجود أخطاء صرفية، وتصحيف وتحريف(27).
الخاتمة:
في ختام هذا البحث، ندرك أهمية علم المعاجم، ونستنتج أنه من أهم العلوم اللغوية، ولا سيما إذا كان يتعلق باللغة العربية التي تعدّ أوسع اللغات وأكثرها استيعاباً ومرونة.
كما نلاحظ أن هناك تنوعاً في المعاجم؛ إن من حيث الوضع، أو من حيث الاستعمال والترتيب. فكان من الطبيعي بروز مدارس معجمية معنية جسّدت تطوّر علم المعاجم، حسب الحاجة والغرض منه.
ولا شكّ أنّه تخلّل بعض المدارس المعجمية ثغرات وعيوب، ذكرنا نموذجاً منها: معجم العين، فتكامل البحث بذكر شروط ومقترحات لوضع المعاجم.
من هنا، لا ننكر أن المعجم يسجّل في تاريخه، دوراً حافظاً محصناً للغة، ولكن لا ننكر أيضاً احتواء كثير من المعاجم الحديثة على الأخطاء الشائعة والألفاظ الدخيلة.
فهل دور الحصانة يعفى منه المعجم في ظل تطورات العصر وتغيراته؟ أم أن كنز العروبة الأصيلة بدأ ينفذ، في زمن يعتبر العربي الذي يردّد بين الحين والآخر ألفاظاً أجنبية، فرداً متحضراً؟ وفي زمن أصبحت اللغة العربية الفصحى، تستعمل فقط في المحافل السياسية والمعاملات الرسمية؟
ــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
* طالبة في الجامعة اللبنانية، كلية التربية.
(1) خليل، حلمي: مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي.ط1، دار النهضة العربية، بيروت 1997م. ص135.
(2) عبد الجليل، عبد القادر: المدارس المعجمية (دراسة في البنية التركيبية).ط1، دار صفاء للنشر، عمان، 1999م. ص29.
(3) المعتوق أحمد محمد: المعاجم اللغوية العربية. (لا.ط)، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1999م. ص19.
(4)(م.ن)،(ص.ن).
(5) عبد الجليل، (م.س)، ص61.
(6) المعتوق، ( م.س) ، ص19.
(7) يعقوب، إميل: المعاجم اللغوية العربية.ط1، دار العلم للملايين بيروت، 1981م، ص26.
(8) عطار، أحمد عبد الغفور: الصحاح ومدارس المعجمات العربية.ط4، (لا. ن)، مكة المكرمة، 1990، ص54.
(9) (م.ن)، ص55
(10) يراجع (م.ن)، ص 56.
(11) يراجع: يعقوب، (م.س)، ص25.
(12) يراجع:المعتوق، (م.س)، ص35.
(13) خليل، حلمي: مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي.ط1،دار النهضة العربية، بيروت، 1997م. ص393.
(14) خليل، (م.ن)، ص15.
(15) الآرامية والسريانية والعبرية والحبشية.
(16) خليل،(م.ن)، ص120.
(17) عطار، (م.س)، ص122.
(18) هي التي بَنَتْ قواعدها على علم الأصوات اللغوية، واتبعت ترتيب المعجم حسب ما تبتدئ به أوائل الكلمات.
(19) عطار،(م.س)، ص123.
(20) يراجع، عطار، (م.ن)، ص121.
(21) (م.ن)، ص53.
(22) (م.ن)، ص78.
(23) عبد الجليل، (م.س)، ص125.
(24) يعقوب، (م.س)، ص44.
(25) عطار، (م.س)، ص80.
(26) نصار، حسين: دراسات لغوية.ط2،دار الرائد العربي، بيروت 1986م.ص34.
(27) يراجع: نصار (م.ن)، ص34.