لسانيات النص" – Linguistique Textuelle علمٌ ناشئٌ وحقلٌ معرفي جديد تكوّن بالتدريج في السبعينيات من القرن العشرين، وبرز بديلا نقديا لنظرية الأدب الكلاسية التي توارت في فكر "الحَداثة" و"ما بعد الحداثة"، وراح هذا العلم الوليد يطوّر من مناهجه ومقولاته حتى غدا "أهمّ وافدٍ" على ساحة الدراسات اللسانية المعاصرة، وقد نشأ على أنقاض علوم سابقة له كـ"لسانيات الجملة" و"اللسانيات النَّسَـقية" و"الأسلوبية"، ثم انطلق من معطياتها وأسس عليها مقولات جديدة، وهو قريب جدا من صنوه "تحليل الخطاب"، غير أن هذا الفرع الأخير يقوم على أساس التحليل البنيوي، أما فرع "لسانيات النص"- حتى وإن استثمر جميع النظريات اللسانية السابقة عليه- فهو يقوم في الأعم الأغلب على أساس التحليل التداولي، وأهم ملمح في لسانيات النص أنه غني متداخل الاختصاصاتInter-disciplinaire يشكِّل محور ارتكاز عدة علوم، ويتأثر دون شك بالدوافع ووجهات النظر والمناهج والأدوات والمقولات التي تقوم عليها هذه العلوم.
وأما في التراث العربي فقد بحث بعض علمائنا في "النص" ونظّروا له ولم يتوقفوا عند التنظير للجملة؛ فمن علمائنا الذين قدموا إسهاما علميا ناضجا (في مجال التنظير والتطبيق النصي) الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) في "نظرية النظم" (كتاب: دلائل الإعجاز)، وتبرز قيمته "النصية" في أنه جمع بين علوم كثيرة كـ"النحو" و"علم المعاني" و"علم البيان" و"التفسير" و"دلالة الألفاظ" و"المعجمية" و"المنطق"... وألّف بين أشتاتها في تناغم عجيب واتخذ منها أدوات معرفية متضافرة على تحقيق هدف واحد هو: خدمة النص القرآني وبيان إعجازه. وقد كانت فكرة "الانسجام النصي" (Cohérence textuelle) واضحة في ذهن عبد القاهر وضوحا متميزا حتى إننا نجده يعبر عنها بقوله: "واعلم أن مَثَلَ واضعِ الكلامِ مَثَلُ من يأخذ قطعا من الذهب أو الفضة فيذيبُ بعضَها في بعض حتى تصير قطعة واحدة..." وهذا يدل على أن بنية النص في تصور عبد القاهر الجرجاني تصل إلى مرتبة "الصهر" الذي هو أعلى درجات "التشكيل".
ويمكن أن يُفصّلَ الموضوع بطرقٍ مختلفة منها التّفصيلُ مثلاً في كلّ قضيّة من قضايا لسانيات النصّ أو نحو النّصّ :
- كالحديث عن التّماسك اللغويّ الذي يتحقّق خارِجيا بأدوات الرّبط اللّغويّ والنّحوي (عبّر عنه إمام البلاغة عبد القاهر بالتّعليق)
- والحديث عن الانسجام الذي يتحقق على المستوى الدّاخليّ بين المعاني القريبة والبعيدة (أو الحقيقية والمجازية) والصّور البلاغية والتّرابط الفكري بين فقرات النص، والتسلسل المنطقي...
- والحديث عن السّياق الذي يتوضَّعُ فيه النّصّ ويجري في إطارِه...
- والحديث عن الإحالة التي تعدّ حركةً داخليّة أو خارجيّة تحقق وظيفة الرّبط بين عناصر النص فيما بينها، أو بين النص والخارج...
- والحديث عن قضية التّأويل أي عن مسألة "القراءة" والقارئ والفهم التّأويل وعلاقة النّصّ بصاحبِه وبِقارئه...
- والحديث عن قضايا أخرى أو أدوات أخرى هي من صميم إنتاج النّصّ كالغموض والإبهام، وعلاقة النص بالواقع...