الإسهامات السيميائية في دراسة الإشهار.
ظل البحث في الإشهار بعيدا عن متناول السيميائيات إلى حدود سنة 1964 حيث نشر بارث (R. Barthes) أول دراسة ذات طابع سيميائي، خصصها لتحليل إعلان جريدة1 . وقد مهد لهذا الحدث موقفان : أولهما اهتمام بارث ومجموعة من الباحثين الملتفين حوله في القطاع السادس للمدرسة التطبيقية للدراسات العليا ببناء النظرية السيميائية التي بشر بها سوسير (F. Saussure)، مما جعلهم يقدمون القاعدة الأولى لتنوير دراسة الرسالة في مستوى قدرتها التعبيرية. أما ثاني الموقفين فيتمثل في جهود العاملين بحقل الإشهار، الذين وعوا بقيمة مفهوم "التعبير" وبدور المبدع في التواصل الإشهاري، والذي توجه عمل جوانيس (H.Joannis) : "de l'étude de motivation à la creation publicitaire et à la promotion des ventes"2.
وإذا كانت الأعمال التأسيسية مهتمة بالأساس بالانفتاح على السيميائيات لتحليل الرسالة الإشهارية، فإن الدراسات التي تلتها قد أعطت بعدا جديدا لهذا التحليل وقدمت تمييزات نظرية مثيرة للاهتمام (جماعة "مي" Groupeµ|) في تمييزه بين الأيقوني والتشكيلي)، مستفيدة من التطورات التي حصلت سواء في مجال التنظير للصورة، أو مجال التقنيات المتدخلة في صنع هذه الصور. ومن تم سينصب اهتمامنا في هذه الدراسة على تقديم أهم الإسهامات السيميائية في تحليل الصورة الاشهارية باعتبارها جامعة للعناصر الأيقونية والنص المرافق لها3، مبتدئين بالنصوص التأسيسية لبارث (Barthes)، ثم بنينو (Péninou)، فجوانيس (Joannis)، وأخيرا جماعة مي.
ونشير إلى أن اهتمامنا بجوانيس لن ينحصر في عمله الأول بل سنحاول الإشارة إلى بعض مستجداته في كتاب : "De la stratégie Marketing à la création publicitaire"4.
-رولان بارث (Rolland Barthes) والنسق اللغوي :
يعد مقال بارث "بلاغة الصورة"1 مقالا تأسيسيا وضع فيه النصب الأولية لسميائيات الصورة. ومن منطلق اعتباره أن كل قراءة للسنن الأيقوني يجب أن تنطلق من معطيات لسانية، بحث بارث في الصورة عن الدال والمدلول، والتقرير والإيحاء، والوظيفة والدلالة...
اعتبر بارث المدلول في الرسالة الإشهارية، دائما نفسه، إنه في كلمة واحدة جودة المنتوج المعلن عنه2. كما اعتبر الخطاب الإشهاري منقسما إلى نوعين : خطاب تقريري ذو طبيعة تحليلية، وخطاب إيحائي يكون فيه الإيحاء نظاما في حد ذاته يشمل دوالا ومدلولات (والعملية التي تربط إحداهما بالأخرى (دلالة)3. أما الدلالة فهي قصدية، إذ أن من بعض خصائص المنتج المعلن عنه. كما اعتبر الخطاب الإشهاري منقسما إلى نوعين: خطاب تقريري ذو طبيعة تحليلية، وخطاب إيحائي يكون فيه الإيحاء نظاما في حد ذاته يشمل دوالا ومدلولات (والعملية التي تربط إحداهما بالأخرى (دلالة). أما الدلالة فهي قصدية، إذ من بعض خصائص المنتوج تشكل مدلولات الإرسالية الإشهارية.
أما أهم ما جاء به بارث، فيتمثل في تحديده لوظيفتي الدليل اللغوي في الملصق الإشهاري، وهاتان الوظيفتان هما :
- الترسيخ (Ancrage) : تتجلى في توقيف مسيرة تدفق المعاني المرتبطة بتأويل الصورة، والحد من تعددها الدلالي عن طريق ترجيح بل تعيين تأويل يعينه.
- الربط (Relais) : وظيفة تكميلية، تتجلى أساسا في المهام التعبيرية : فمادامت الصورة على غناها التواصلي هي مجرد رسالة بصرية قاصرة عن أداء بعض المهام التعبيرية ، فإنها تستعين باللغة لتكلمتها.
وفي إطار النسق اللغوي نفسه تحدد "جولي" وظيفتين للغة : أولها يتعلق بالمضمون اللساني وهو ما أشرنا إليه سابقا مع Barthes في إطار الحديث عن الترسيخ والربط -وهي وظيفة مباشرة- أما الوظيفة الثانية فهي غير مباشرة، وتتعلق بالطابع التشكيلي للغة، أي صورة الكلمات (الكاليغراف، الألوان...)4. ويشير كل من كوكولا(Cocula) وبيروتي (Peyroutet) إلى نفس الموضوع في كتابهما المشترك "Sémantique de l'image" قائلين بأن الإشهار والملصقات يلعبان على طريقة الطباعة محولين الحرف في الغالب إلى أشكال تصويرية جدابة5. ويمكن أن نميز في النسق اللغوي فيما يمكن تمييزه بين عنوان الصدارة (Accroche) أو المانشيت -وهي جملة تتصدر الإرسالية، وظيفتها لفت انتباه المتلقي،. ويشترط فيها أن تكون قوية بحيث توقف مجرى تفكير وفعل المتلقي، وأن تتضمن اسم الماركة، وهي التي توجه المتلقي، في الملصق، إلى قراءة الجانب التحريري)-، وبين الجانب التحريري (Pavé rédactionnel) الذي يبلور كل ما يتعلق بالرسالة الإشهارية. ويمكن القول تماشيا مع وظائف الدليل اللغوي بوظيفة الربط. وينضاف إلى المانشيت والجانب التحريري، المميز أو الماركة (Logos)التي يعتبرها فلوك (J.M Floch)، كلام، والكلام خلق للهوية، إنه مصدر الالتزام والتزكية والارتباط والأمانة...وتتميز الماركة، كالكلام، بطريقتها في المفصلة وفي التفكير. وبعبارة أخرى إنها تشمل على ثوابت تعبيرية وأخرى مضمونية تحفظ لها هويتها"6. والماركة في الغالب كلمة مفردة أو مركبة مرفقة برمز7 (بوجو + أسد / البنك الشعبي + فرس / رونو + معين...).
تجدر الإشارة أيضا إلى أن بارث قد ميز بين نوعين من الصور8 :
- حرفية = Littérale وهي ما تبقى في الصورة حين نمحو ذهنيا علامات دلائل التضمين، إنها الصورة مجردة من كل قراءة دلالية أو جمالية. ويتمثل تعيينها وبراءتها في وضوحها التام الذي لا يبصر المتلقي من دونه غير الخطوط والأشكال والألوان.
- تضمينية : هي الصورة ذات الرسالة الرمزية (Symbolique) أو الثقافية (culturelle)، أي الصورة التي يحدث فيها التداخل بين الدلائل تناغما دلاليا، وكل دليل في الصورة يعرف من السنن الثقافي الذي يختلف من فرد لأخر.
كما تجدر الإشارة إلى أن دراساته للصورة الإشهارية كانت منطلق العديد من الباحثين نخص منهم بالذكر بنينو (G.Péninou)9 في أعماله :
"Première analyses sémiologiques sur l'expression publicitaire »
"Réflexion sémiologique et création publicitaire»
هوامش
1 " Rhettorique de l’image", in communications, n°4, Paris, seuil, 1964.
2 Paris, Dunod.1965.
حددتها هكذا Génivère Cornu في كتابها: Sémiologie de l'image dans la publicité, Paris, les édittions de l'organisation 3
4 Paris, Dunod, 1995.
1 Barthes(Rolland), "Rhéthorique de l'image", in communications, N°4, Paris, seuil1964.
2 Barthes (Rolland), "Le message publicitaire" in l'aventure sémiologique", Paris, seuil, 1985.
3 Barthes (Rolland), "Elements de sémiologie", in communications, N°4, Paris, suil 1964.
4 Joly (Martine)," Introduction de l'image". Paris Nathan, 1994.
5 Cocula et Peyroutet "Sémantique de l'image", Paris, Delagrave, 1996.
6 Floch (J.Marie), "sémiotique, Marketing et communication, sous les signes, les stratégies" , Paris
PUF, 1990.
7 Heude (Remi-Pierre), "questions / réponses", Paris. Eyrolles, 1990, P :30-31.
8 BARTHES Rolland) : "Rhétorique de l'image.
9 Victoroff (David) : "la publicité et l'image de la publicité", Paris, Denôel/Gonthion 1978 ..