الوحدة الصوتية
الدكتور أحمد مسعود العزابي
الأصوات اللغوية في أية لغة تمثل وحدات مستقلة عند النطق بالصوت منفردا ؛ في العربية كل صوت من أصواتها :الصوامت والصوائت :الألف الباء التاء …إلى غير ذلك من الأصوات يعتبر كل واحد منها وحدة صوتية مستقلة ويسمى الفونيم ، فما هو الفونيم ؟
إلى ياكبسون يعزى القول بالفونيم وهو 1 : الوحدة الصغرى في اللغة ، أي هو : تلك الوحدة غير القابلة للانقسام ، أو التحليل ، وهو الوحدة غير القابلة لأن تعوض بوحـدة أخرى ، لأن بناء كل فونيم مختلف ضرورة عن بناء أيِّ فونيم آخر .
ويرى ليونارد جاكسون 2 أن ياكبسون واضع نظرية الفونيم ، وأنها تتميز بأنها ثابتة وواضحة وذلك لاعتمادها في تحديد الفونيم على دراسة الواقع الفيزيائي للأصوات وعلى دور الوترين في أدائها لوظيفتها في النطق ، رغم أن الفكرة كانت من دي سوسير ، ويرى ياكبسون 3 ضرورة أن ترتب الأصوات في قوائم تحمل الصفات التي تميز كل فونيم عن الآخر اعتمادا على حالة الوترين والرنين الصادر عنهما .
إن الإنسان لا ينطق بأصوات منفردة أو منعزلة كلا منها عن الآخر ، وإنما بأصوات متصلة تكون كلمة ثم كلمات متصلة لتكون في النهاية سلسلة من الأصوات الصوتية المتشابكة ، والتي يصعب التفريق بينها في بعض الأحيان سماعا وخاصة في تلك اللغات التي لا نعرف شيئا عن خصائصها اللغوية الصوتية .
إن الصوت الواحد الذي ينطق به وهو منفرد ، والذي حدد له صفة معينة إذا نظرنا إليه في ذلك الكلام المتصل وجدناه قد ظهر بصور مختلفة متباينة تبعا للسياق الذي قيل أو وقع فيه ؛ وهذا القول ينطبق على كل الأصوات بنوعيها الصوامت والصوائت ، فصوت اللام على سبيل المثال صوت لغوي ذو مخرج محدد في صورته المفردة نجده يتحول إلى عدة أصوات أو لامات تتشابه وتختلف عند النطق به في درج الكلام وهذا التنوع أو الاختلاف بعدد المفردات التي يوجد فيها اللام ، بعدد السياقات التي يوجد فيها ، وكذلك عدد الناطقين بها ، وبحسب الموقف الذي قيل فيه التركيب ، فهو أي صوت اللام في : لام ، لَيل ، سَهل ، مال ، مسِيل ، لؤلؤة ، حَول حاوَل .. إلى غير ذلك من المفردات هو في كل كلمة يختلف عن الأخرى عندما يكون في سلسلة الكلام المتصل ، إلا أنا وضعناها جميعا وعند كافة الناطقين بها تحت اسم واحد هو ( اللام ) .
إنَّ كل صوت في العربية وفي غيرها من اللغات يكون في وضعين وهما :
1. أنَّ كل صوت هو صوت واحد من الناحية الوظيفية اللغوية فوجوده في كل كلمة يعطي لتلك الكلمة دلالة أو معنى ، فإن حل صوت آخر محله فإن ذلك الصوت يعطي لتلك المفردة دلالة تختلف عنها في المفردة الأولى لننظر إلى المفردات الواردة في الجدول التالي : _


أأ خَـرَّ غَـرَّ
سّــبَّ صّــبَّ
فقِــــر فقـــير
خَـيال خَـيّال
الجَــــلد الجِــــلد

ب الخَـــرق الخُـــرق الخِـــرق
كَتَـــبَ كاتَـــبَ كاتِـــبَ
ثاب ثَـــوب ثَـيِّـــب

ج جَــمَل جَـامَل جَمـال جِمـال
سَعِــدَ سُــعاد ساعَـد ساعِـد سَـعيد
جـدول رقم ( 1 )
إن الفرق بين كل مفردتين في المجموعة الأولى ( أ ) ، أو بين ثلاثة مفردات في المجموعة الثانية ( ب ) ، أو بين أربعة مفردات في المجموعة الثالثة ( ج ) راجع إلى وجود صوت لغوي يختلف عن صوت في المفردات التالية من نفس المجموعة بغض النظر عن نوعه سواء أكان صامتا أم صائتا .
ياكبسون حسب ما يراه ليونارد جاكسون 4هو الذي أوضح أن الفونيم لا أثر له من حيث هو وحدة صوتية في اللغة 5، وأن تأثيره يتجلى بقوه في الكلام ، وأن ذلك يعني أن الفونيم علامة صوتية وجودها يؤدِّي إلى تغيير دلالة المفردة من دلالة إلى أخرى .
2. أن الصوت الواحد هو أصوات متعددة عند وجوده في درج الكلام أي من حيث وجوده في النطق الفعلي في الكلام ، وتأثيرها في السمع ، وهذا الاختلاف للصوت الواحد ليس له وظيفة لغوية محددة ، فمعاني الكلمات لا تتغير بإحلال إحداها مكان الأخرى كما في اللام في المفردات أعلاه فهي أيّ اللام في صورها النطقية المتعددة في المفردات السابقة لا تتبادل في الموقع أو البيئة الصوتية الواحدة فلا تؤدي إلى تغيير في المعنى ، غير أني أنبه إلى حقيقة وهي أنه في ذات الوقت الذي لا تؤدي إلى تغيير في دلالة الكلمة إلا أنه أي التنوع مفيد جدا في الوقوف على خصائص الوسط المادي ، حيث تمكننا من التعرف على شخصيات وأجناس المتكلمين ، بل وأماكن عيشهم وثقافتهم ، وذلك لأن الجملة الواحدة تتنوع بتنوع الوسط المادي الذي يعيشه المتكلم ، وبتنوع مكانه ، وحالته الصـحية ، وعمره ، وثقافته ، وزمنه ، وحال الغضب والرضا ، وما سـوى ذلك مما سأتناوله بعد حين .
ولأجل الوصول إلى أبجدية ميسرة ليس فيها توسع حُصِرت كل تلك الأصوات في عائلة واحدة تسمى باللام ، وجعلت جميعها تحت أسرة واحدة تسمى ( الفونيم ) ، ويسمى كل نوع منها ( الألفون ) ، وكذلك الشأن بالنسبة لبقية الأصوات أيا كان نوعها ومنها الصوائت موضوع دراستنا والتي لأجلها كان هذا الموضوع ، لإقرار أنَّ الصوائت فونيمات كل صوت منها وحدة صوتية ، يتميز كل نوع منها عن غيره من الصوائت ، والطويل عن القصير عن الأقصر عن الأطول .
معاني الوحدة الصوتية الفونيم :_
اختلف علماء اللغة كثرا في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين حول مفهوم الفـونيم ، فظهرت نظريات متعددة حول تفسير المصـطلح ؛ فهناك تحديد دي سوسير للمصطلح ، والذي بدأه بالتفريق بين جانبين من النشاط أثناء عملية الإنتاج وهما 6 :
الجانب العضوي :ويعني به النشاط الذي يتم حتى يتحقق إنتاج الصوت .
الجانب الفيزيقي : ويعني به التأثير الذي يقع على الأذن بفعل الصوت المنتج .
وهناك تحديد بروبتسكوي7 الذي قدم دراسة مستفيضة تناول فيها كل الدراسات التي تمت قبله بالشرح والنقد .
وهناك التحديد النفسي 8 الذي يؤمن أصحابه بأن الوحدة الصوتية تبدأ بفكرة تنشأ في الذهن ثم يقوم المتكلم باسـتحضارها في عقله ثم يقوم بإنتاجها ، وممن نادى بها : ج . بودوان G . Boudouin. .
ومنها تحديد دانيال جونز الذي اعتمد في تحديده للوحدة على نظـرية الأصوات المجردة 9، والمنادين بها نظروا إلى السمات المشتركة التي يسفر عنها أداء الأصوات .
ومن ذلك تحديد فريمان تواديل الذي حاول التوفيق بين كل المحاولات السابقة له والخروج برأي منها .
وقد وصـل برتيل مالمبرج بعد العرض المفصل لكل الآراء إلى القول بأن الوحدة الأصـواتية 10 :وسيلة تصنيف للأصـوات في مستواها السياقي ، وأنها وسيلة لتحليل الصيغ اللغوية على أساس من الأصوات ووظائفها الدلالية .
وإجمالا يمكن القول أن من المعاني والوظائف التي يمكن إدراكها من تحديد مفهوم الوحدة الصوتية الآتي :
1. الفونيم وسيلة مهمة في تيسير عملية تعليم وتعلم اللغات ، لأن الفونيمات تقل عن الأصوات الفعلية المنطوقة في أية لغة من اللغات الإنسانية .
2. الفونيم وسيلة تمييز لكلمة من أخرى فيؤدي إلى أن يفرق بين الكلمات من حيث الدلالة ومن الناحية الصرفية والنحوية ، أنظر حقيقة ذلك من ناحية المستوى الصوتي والنحوي عند التركيب ، والصرفي ، والدلالي ، في المفردات الآتيــة :
/ آب ، ثاب ، ناب / حار ، خار ، غار / . / خير ، غير / . / علم ، عليم / . / رحـم ، رحيم / .
/ حُرّ، حرير ، حار/ . / ذكي ، زكي ، زاكي / . وفي : / مَن ، مِن / مع فتح ميم الأولى وكسرها في الثانية ، وإلى حركة الكاف في : / لكَ ، لكِ / وانظر إلى الحركة الواقعة بعد التاء في آخر المفردات التالية : / كتبـتُ ، كتبـتَ ، كتبـتِ ، كتبـتْ / فما فَـرَّقَ بين جنس الفاعل ونوعه هو وجود الحركة من عدمها ، ونوعها ، وذلك لان التاء واحدة في حين أن تنوع الدلالة اكتسب من تنوع الصـائت الموجود بعد التاء أو من عدم وجوده ، وأشير هنا إلى أن كتب النحو لا تركز على الإشارة إلى دور الحركة في تغيير دلالة الكلمة .
3. الفونيم يؤدي إلى أبجدية منظمة دقيقة فالصوت بغض النظر عن نوعه قد يكون مفخما ، وقد يكون مرققا، وقد يكون بين بين كما هو الحال بالنسبة للام والراء ، وكنا قد لاحظنا أن الصوائت تعتريها الصفات الثلاثة: التفخيم والترقيق وبين بين .ولاحظنا كيف يؤدي ذلك إلى تعدد صور نطق الصوت الواحد ، فلو حصرت في نطاق لغة ما ولتكن العربية لوصل الأمر بنا إلى أعداد ضخمة من الأصوات كل صوت منها في حاجة إلى رمز مستقل، مما أدى الأمر إلى الالتجاء إلى الفونيم الذي وضع رمزا واحدا لتلك الأصوات التي ترجع إلى عائلة واحـدة لتكوين أبجدية ميسرة يسمى كل صـوت منها بالوحـدة الصـوتية المميزة أو ( الفونيم ) ، فالوحدة الصوتية :صوت أساسي وجوده في المفردة يحقق لها معنى وحذفه أو استبداله بآخر أو تغيير موقعه يؤدي إلى تغيير دلالتها،أو يكسبها معاني جديدة ، وذلك ما لاحظناه سابقا فإن لم يؤدي إلى تغيير فإن الصوت في هذه الحالة يسمى الألفون .
إن العربية تتألف من أربع وثلاثين وحدة صوتية أو فونيما أو رمزا وهي : _
1. الصوامت في مجملها ،انظر الجدول رقم (1) .
2. الصوائت وتنقسم إلى : مختلسة ، وقصيرة ، ومتوسـطة ، وطويلة ، والأطول أو الكوامل، وكل نوع منها قد يكون مفخما ، أو مرققا ، أو بين بين.
ويمكننا الدخول في تقسيم جديد للفونيم في الصورة التالية :_
1. الفونيمات الرئيسة : _ وهي كما أوضحت كل صوت صامت أو صائت حذفه أو استبداله بآخر أو تغير موقعه داخل المفردة يؤدي إلى تغيير دلالة أو معنى الكلمة11 .
ولاحظنا كيف أن الصوائت هي الأخرى لها دور في تغيير دلالة المفردة أو معناها يقول هنري فليش : 12 " فإدخال المصوتات داخل الأصل الاشتقاقي طريقة أساسية من خصائص العربية ، وأن الأمر لا يتعلق بطابعها فحسب بل بطولها وقصرها " وبرهن على قـوله : بكَتَـب كاتَـب ، وكَتِـب وكوتِـب وقال أنه في مثل كِتاب وكاتِـب يختلفان في طول الصائت ومكانه ، فمن العبث أن لا يحسب كل نوع منها على أنه فونيم ويرى فليش بعد أن عرض عدة مفردات تختلف دلالتها بسبب طول أو قصر أو مكان أو نوع الصائت أنه يجب 13 " أن نكون حذرين في هذه النقطة وإلا عجزنا عن الفهم ، أو ضحكنا من أنفسنا ، فكلمة جمل يعني حيوانا ، ولكن جمال يعني وصفا شريفا " .
2. الفونيمات الثانوية : وأعني بها الظاهرة الصوتية ذات المغزى في الكلام المتصل ولا تكون جزءا من التركيب ، وإنما تظهر حين تضم مفردة إلى أخرى أو أن تستعمل بصورة خاصة للدلالة على معنى في الجملة .
ويسمى النوع الأول : الفونيمات التركيبية ، والثانية : فونيمات ما فوق التركيب .
وسأتكلم عن بعضها إجمالا تحت موضوع خصائص الوسط المادي ، حتى يتأتى التفريق بين النوعين .


المخارج شفوي أسناني شفوي أسناني أسناني لثوي لثوي لثوي غاري غاري طبقي لهوي حلقي حنجري
الكيفية مفخم مرقق مفخم مرقق بين بين مفخم مرقق بين بين
انفجاري ب ض ط د ت ك ق ء
أنفي م ن
جانبي ل
تكراري ر
احتكاكي ف ظ ذ ث ص ز س ش غ خ ع ح ه
مركب ج
جدول رقم ( 2 ) للصوامت في العربية

خصائص الوسط المادي
الوســــط:
إن اللغة تؤدى بالرمز وتكمن قيمته في الاتفاق عليه بين المتعاملين به ، أي بين المؤثر والمتلقي ، ـ بين المتحدث والمستمع ـ ليعبر به عن معنى من المعاني فيحدث الارتباط اللامباشر بين الجهاز العصبي للمتكلم والجهاز العصبي للمستمع ، إن وسيلة الربط بين الطرفين المتحدث والمخاطب يسمى 14: الوسط الذي تنتقل به اللغة ، ويتخذ أشكالا متعددة ، منها الوسط السمعي ، ويوصف بالوسط الزماني ، أي أنَّ مِن خصائصِه إمكان تشكيله في نماذج تتحدُ في الزمان .
وفيما يلي أصل إلى الحديث عن نوعين من الخصائص وهما خصائص الوسط الإشارية والخصائص الجمالية .
خصائص الوسط الإشارية
إن الوسط من خصائصه التي يمتلكها هو أمكان تشكيله في نماذج تتحد إما في المكان ، أو في الزمان لحمل اللغة ، ويلاحظ أن هذه النماذج معقدة ومتنوعة إلى حد بعيد .
لننظر إلى أشكال الأصوات في جميع اللغات ، ولننظر كيف أن نطقنا للأصوات والكلمات له طرق متنوعة تنوع اللغات ، وحتى داخل اللغة الواحدة ، بحسب المواقف أو السياقات التي تقع فيها .
إن الأصوات المنطوقة نسميها إشارة مسموعة لأنها إشارة تظهر لنا خصائص المتكلم الشخصية والتي من خلالها نتمكن من التعرف على صاحبها .
أشير هنا إلى أن الخصائص اللغوية تختلف عن الخصائص الإشارية ، فالأولى تتحدد من خلال التعرف على مستويات اللغة الأربعة : المستوى أو النظام الصوتي ، ثم الصرفي فالنحـوي ، ثم الدلالي ، فما يتميز به كل صوت عن غيره من الأصوات داخل اللغة العربية ، وعن غيرها من الصوائت والصوامت في اللغات الأخرى ، نسميه الخصائص اللغوية الصوتية ، وهي لها دور في بناء الصيغة الصرفية ، ثم دلالتها ،وبالتالي لها دور في إعطاء دلالة أو دلالات التركيب ، و التراكيب ، أما ذلك التلون للجملة الواحدة في طريقة أدائها بين منطقة وأخرى على سبيل المثال داخل الوطن العربي من منطقة الشام إلى العراق إلى الخليج إلى الجبل الأخضر في ليبيا إلى تونس إلى الجزائر تم المغرب ، ثم بين من هو من الهند ، أو من تركيا ، أو من وسط أفريقية ، ثم حال الرضا أو الغضب ، حال السعادة والفرح والعكس ، وحال الراحة والتعب ، وحال الاستيقاظ من النوم مباشرة أو بعد ذلك بفترة ، أو حال الإحساس بالنوم فإن كل ذلك يندرج تحت الخصائص الإشارية وهذه الخصائص قد تخص فردا ، وقد تشترك فيها جماعة صغيرة أو كبيرة أو أمة .
إن الوسط السمعي يقوم بوظيفته من الناحية الإشارية على نحو أدق من أي نوع آخر للسلوك الإنساني فنكيف أنفسنا مع الأشخاص الذين نعرفهم ، ونصدر أحكاما على الغرباء ، وعلى أشخاص نسمع أصواتهم عن طريق المذياع ، أو الهاتف ، أو من البعد ؛ هذه الأحكام نكون فد بنيناها من طريقة كلامهم أو أدائهم لبعض الأصوات .
إن الخصائص الإشارية يمكن إجمالا تقسيمها إلى ثلاثة أنواع 15 :
1. الإشارات الدالة على الانتساب إلى جماعة من الناس كتلك العبارة التي اختلف في نطقها العراقي أو الخليجي عن غيره على مستوى الوطن فتعرفنا على المنطقة الجغرافية التي يسكنها الشخص ، ويسمى هذا النوع بالإشارات المحلية التي يشترك فيها أفراد الجماعة التي تعيش منطقة ما تربى فيها الفرد ، وعلى وضعه الاجتماعي ، وعلى أصوله الجغرافية ، هذه الخصائص هي التي توحد أفرادها ، وتمكنهم من التعرف على من كان منهم ، ومن ليس منهم .
2. الإشارات الخاصة بالفرد : وهي فطرية لم يتم تعلمها من غيره ،حيت نتمكن من التعرف على المتكلم بمجرد سماع صـوته ، وهي أنواع فمنها ما يشير إلى الجنس ، أو العمر ، أو تشوه خلقي ، أو فقد للأسنان ، أو إصابة بعاهة في منطقة من مناطق الجهاز الصوتي.
3. الإشارات الكاشفة لحالات الفرد المتغيرة :
وهذه متغيرة بحسب حالات الفرد ، فهي مرتبطة بحالات التعب والزكام والإفراط في شرب الخمر ، وهذه متولدة عن سبب مادي .
ومنها ما يشير إلى أحاسيس أصحابها من فرح أو غضب أو احتقار أو حزن ، أو طلب نجدة ، وما سوى ذلك مما يمكن تصنيفه تحت عنوان التنغيم ، وهي ليست فطرية إنما يتم تعلمها من الوسط الذي يعيش فيه الشخص .
كما أشير إلى أن درجة الصوت من خـصائص الوسط الإشارية ، حيث أن الاتصال اللغوي يتطلب في وسـطه السمعي أن تكون الأصوات أحيانا عالية ، وأخري متوسـطة ، وأخرى خافتة .
التنغيــم
عرفه برتيل مالمبرج بقوله 16 : جملة من العادات الأدائية المناسبة للمواقف المختلفة ، أو هو " نمط لحني يتحقق بالتنوع في درجة الصوت أثناء الكلام " 17 .
إن طريقة أداء المتكلم للكلمة أو الجملة للتعبير عما يعتريه من الغضب أو الرضا أو الدهشة أو الخيبة أو الكراهية وما سوى ذلك تسمى التنغيم فالكلمة قد تعبر عن الدلالات السابقة وقد تعبر عن معنى الجملة ، وكذلك الشأن بالنسبة للجملة ، ويهتم بهذا الجانب في العربية أحد فروع علم البلاغة ، وهو علم المعاني الذي يدرس خروج الخبر بأنواعه ، والإنشاء الطلبي بأنواعه لتحقيق أغراض بلاغية يمكن إدراكها من السياق الذي قيلت فيه الكلمة أو العبارة .
الخصائص الجمالية
هي تلك الخصائص الموسيقية المتأتية من الألفاظ والأصوات ، وتتمثل في الإيقاع وفي تنوع طبقة الصوت واللحن ولون النغمة 18 .
وهذا النوع من الخصائص اهتم بها على وجه الخصوص الشعراء وأصحاب الدعاية والإعلان في الإذاعات المرئية والمسموعة والمغنون ، وكذلك مصمِّمو الشعارات وذلك لأنهم يعتمدون على تحقيق ما يريدون من خلال مدى قدرة النص على التأثير من خلال خصائصه الجمالية لا المعنى الذي يتضمنه الوسط .
واهتم علماء البلاغة بدراسة هذا النوع من الخصـائص ومن هذه الأبواب التي درسـوها المحسنات البديعية والتي من مواضيعها الجناس : الذي يهدف إلى استدعاء ميل السامع وهو أنواع ومنه الجناس التام كما في قوله تعالى : 19 " ويوم تقوم السَّاعة يقسِم المجرمون ما لبثوا غيرَ ساعَةٍ " .
ومنه قول الشاعر :
صار متني مثـل قوس نزعـت مذ صارمتي
ومنه :
لو زارنا طيف ذات الخال أحيانا ونحن في حفر الأجداث أحيانا
ومنه :
إنسانة تسقيك من إنسانها خمرا حلالا مقلتاها عنبه








أثر الصوائت في الدلالة على مستوى الجملة
كنت قد تكلمت في الفونيم عن أثر الصوائت في تغيير الدلالة على مستوى المفردة ، ولست هنا في حاجة لأن أذكر أمثلة أخرى، إذ سأخصص الموضوع عن أثرها أعني الصوائت في تغيير الدلالة على مستوى الجملة أو التراكيب بصفة عامة، وبصورة موجزة .
إن الموضوع في حقيقة الأمر يختص به المستوى أو النظام النحوي ، لأنه هو الذي يتعرض للتراكيب بصفة عامة ، غير أنه نظرا لعلاقة الموضوع بموضوع الدراسة أقتضى أن أتحدث عنه في إيجاز.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن ما الذي يؤدي إلى تغيير دلالة الجملة على المستوى العام في العربية؟
إنها الحركات أو الصوائت المتوسطة بصفة عامة في أغلب الأحوال ، إن الحركة هي التي تبين ما إذا كان الفعل على سبيل المثال مبنيا للمعلوم أو المجهول ؛هي التي تبين ما إذا كان الفعل مبنياً، أو معرباً مرفوعاً أو منصوباً أو مجزوما ؛ هي التي تميز بين الفاعل والمفعول، وبين اسم الفاعل واسم المفعول ، وما سوى ذلك.
ووجود الصائت المتوسط من عدمه هو الذي يبين ما إذا كان الفعل مرفوعا أو منصوبا أو مجزوما في الفعل المعتل الآخر أيا كان الصائت - صوت العلة - فيه .
واللغويون العرب يقرون أن المعاني مرتبطة بالإعراب ، حيث يرون أن 20 " الإعراب دال على المعاني " .
ولسنا في حاجة لتعداد كافة الأبواب والقضايا التي تُدرَس ضمن علم النحو ، بقدر ما أريد التنبيه إلى أهمية دراسة وتحليل مثل هذه الموضوعات دراسة صوتية .
سأعطى مجموعة من الأمثلة وتتمثل في الأتي دون الحاجة للاستفاضة:
1. روي أن عثـمان بن شيبة 21 قـرأ قوله تعالى 22 واتبعـوا ما تتلو" الآية بكسر الباء ، فتحول الفعل من الزمن الماضي إلى الأمر، معاذ الله أن يأمرنا بهذا.
2. إن حـذف الحركة قد يؤدي إلى تغيير الدلالة وبالتالي فسـاد المعنى ، روي أن عبد الله بن أحمد بن حنبل 23 قرأ 24 دُبْـره بدلا من " دُبُـرَه "بإسقاط حركة الباء .
3. قال الكلحبة العُرَني:
هي الفرس التي كرت عليهم عليها الشيخُ كالأسدِ الكليمُ
فكلمة الكليم في البيت السابق إن لم تضبط بحركة الضمة قد تقرأ بالجر وبالتالي تكون في هذه الحالة وصفا للأسد وهذا المعنى لم يقصده الشاعر عند إنشاده للبيت وذلك لأنها كانت مرفوعة على أنها وصف للشيخ .
4. ومن ذلك قوله تعالى وهو مما يقع في التصحيف: 25 " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة"بنصب زينة على ما أنزلها الله جل وعلا، وبالجر عطفا لتركبوها وهو خطأ26.
5. ومنه 27 : فلان متهم بقتل السائق وابنه، فبدون ضبط ابنه لا يعرف علام يعطف ، أعلى فلان فيكون قاتلا ، أم على السائق فيكون مقتولا.
6. ومن ذلك 28 :كانت الشمس طالعةً والمطر منهمر، فلا يعلم القارئ هل الواو عاطفة فيكون المراد وكان المطر منهمرا،أي الحديث عن طلوع الشمس وانهمار المطر،أو هي حالية فيكون المراد الحديث عن طلوع الشمس في حال انهمار المطر.
من كل ما سبق نصل إلى أن دور الصوائت في تغيير الدلالة لا يقتصر على المفردات على ما هو موضح في الوحدة الصوتية الفونيم، وإنما لها الأثر كذلك على التراكيب، حيث يؤدي تغيير الصائت الى تحديد قيمتها ، فهي مسند أو مسند إليه،اسما أو خبرا إلى غير ذلك.
أثر الصوائت في النون الساكنة والتنوين
ليتم إنتاج النون الساكنة يتصل ذلق اللسان باللثة لفترة وجيزة فيؤدي ذلك إلى عدم تسرب التيار الهوائي عبر القناة النطقية، في وقت تكون فيه اللهاة إلى أسفل فيتسرب التيار الهوائي عبر الجيب الأنفي فالتجويف الأنفي ، ولذلك قيل عنه وعن التنوين :أنه صوت أغنّ، وذلك لأن إنتاجه يصاحبه صوت يخرج من الأنف، قال أبو العلاء الحسن العطار 29 : " يدلك على ذلك أنك لو أمسـكت بأنفك عند النطق بها لانحصر الصوت فيها كالطنين" .
والنون الساكنة والتنوين لها أربعة أوجه 30 : الإظهار، والقلب، والإخفاء ، والإدغام وذلك تفصيلا على النحو التالي:
الإظـهار: ويكون عند الأحرف الحلقية ، لبعدها عن المخرج.
القـلب:عند صوت الباء فقط.
الإخـفاء : مع غير الأصوات التي يشملها الإظهار والقلب والإدغام .
الإدغـام :ويكون عند ستة أحرف هي التي يجمعها ( يرملـون ) وما يهمنا هنا وضعها مع الصائتين الياء والواو،حيث أنه يجب أن تدغما أي النون الساكنة والتنوين في الياء والواو عندما يكون أحد الصائتين بعد أيِّ منهما، حيث تقلب النون إلى ياء إن كان ما بعدها ياء، أو إلى واو إن كان ما بعدها واواً ثم تدغم الياء في الياء أو الواو في الواو مع بقاء صفة النون الساكنة أو التنوين ، إذ يستمر تسـرب التيار الهوائي عبر الجيب الأنفي فالتجويف الأنفي .
وذكر أبو العلاء الحسن العطار أن الإدغام كان لعدة أوجه أوجزها في الآتي31 :
1. لكون النون تبدل من الهمزة المنقلبة من الألف كما في سكران وسكرى.
2. أن النون والألف يتفقان في الزيادة ،كما أنهما يتعاقبان في الموضع الواحد من البناء.
3. أنها تحذف عند التقاء الساكنين كما في :ولم يكُ الرجـل.
4. كونها جعلت علامة الرفع في خمسة أبنية وهي: تفعـلان ؛ يفعلان ؛ تفعلون ؛ يفعـلون ؛ وتفعـلين يا امرأة .
والتنوين حكمه مع الياء والواو حكم النون ؛ وله أحكام خاصة عند الوقف ، وبغض النظر عن كون المنون ممدودا أو غير ممدود حيث يجب حذف التنوين مع إطالة زمن حركة الفتحة فبلها ، ومثال ذلك:
/عـليماً = عـليمن ← عـليما / .
/ عـاداً = عـادن ← عـادا / .
ومثاله في الممدود : / بنـاءً = بنـاءن ← بنـاءا / .
/ هـواءً = هواءن ← هـواءا / .
فحيثما كان التنوين وقبله حركة الفتحة / ح + ص نْ / يستوجب إسقاط التنوين وإطالة زمن الحـركة الواردة قبله ، وذلك وفق الصورة الآتيـة :
عند عدم الوقف : /فتحـة + تنـوين =ح + ص نْ /
وقـفـاً : / ن ْ ح ← ح2 / .
قال عبد الوهاب القرطبي 32: يوقف عليه بألف مُمَكّنَةٍ بدلا من التنوين لخـفة النصب " مع ملاحظة أن المختوم بتاء التأنيث لا يسري عليه الحكم السابق أي أن :
/ ص ة + ح + ص نْ / تنوينه يبقى كما هو لا تتغير صورته .
أما المختوم بالمضعف الصـامتي في مثل : جـانّ، وصـوافّ فإن له حالتين وذلك على النحو التالي :
1. عند الوقف عليه ساكنا يبقى على نفس الوضع أيّ : /ح~ +ص~ / .
2. عند الوقف عليه منصوبا منونا فإنّ المقطع يمر بالمراحل التالية:
[ /ح~ +ص~ / ← /ح~ +ص~ +ح+نْ / ← /ح~ +ص~ +ح2 / ].
ــــــــــــــ
المصادر والمراجع :
1. بنيوية ياكبسون التأسيس والاستدراك ، ليونارد جـاكسون .ترجمة : إبراهيم خليل . ص : 2 .
2. المصدر السابق .ص : 3 .
3. المصدر السابق .ص : 3 .
4. المصدر السابق ص : 4 .
5. للتوسع انظر : المنظومة الكلامية ، بيتر ب .دنيس ، واليوت بنشن ، تر : محيي الدين حميدي ( بيروت : معهد الإنماء العربي، 1991 ) .ص : 26 .
6. علم الأصوات ، برتيل ما لمبرج ، ترجمة عبد الصبور شاهين ، مصر : مكتبة الشباب، 1984 . ص : 231 وما بعدها .
7. المصدر السابق . ص : 235 وما بعدها .
8. المصدر السابق . ص : 242 .
9. المصدر السابق . ص 237 .
10. المصدر السابق . ص : 253 .
11. Modern Linguistics An Introduction, S.K. Verma. N. Krishnaswamy, Oxford University Press:9 The impression1999.p: 44.
12. العربية الفصحى ، هنري فليس.ص:54.
13. المصدر السابق .ص: 55.
14. مذكرة في علم الأصوات لطلبة السنة الثالثة شعبة اللغة العربية ، .جامعة السابع من أبريل ، أحمد العزابي. ص : 5 .
15. المصدر السابق. ص : 9 وما بعدها .
16. علم الأصوات ، برتيل مالمبرج . تر : عبد الصبور شاهين . ص :
17. عـلم الأصـوات ووظائفها ، محمد منصـف القماطـي .( طرابلس : جـامعة الفاتح ، ) . ص : 156 .
18. مبادئ علم الأصـوات ، ديفيد إبركرومبي . تر: محمد فتيح . ( ط / 1988 ) . ص : 19 وما بعدها .
19. سورة الروم ، الآيـة : 55 .
20. الإيضاح في علل النحو.ص :72.
21. التمهيد في معرفة التجويد، العطار.ص :262 .
22. البقرة .الآية:102.
23. التمهيد في معرفة التجويد،العطار.ص:265.
24. سورة الأنفال ، الآية: 16.
25. سورة ، الآية: .
26. من قضايا اللغة والنحو.علي النجدي ناصف.ص:23.
27. المصدر السابق.ص:17.
28. المصدر السابق .ص:17.
29. التمهيد في معرفة التجويد، أبي العلاء الحسن العطّار.ص: 299.
30. المصدر السابق .ص:301 .
31. المصدر السابق.ص:302.
32. الموضح في التجويد ، عبد الوهاب القرطبي .ص : 207 .

أشكر الاستاذ الدكتورأحمد مسعود العزابي ,

لم يكن تروبتزكوي ولا جاكبسون ولا كورتناي ولا سوسور ولا غيرهم من المحدثين اول من قال بالوحدة الصوتية , فقد سبق الى ذلك عالم النحو الهندي , بانيني في اللغة السنسكريتية في القرن الخامس قبل الميلاد , وابن جني عند العرب في سر صناعة الاعراب وارسطو في كتابه فن الشعر .
وكل هذا لا يهم , وانما المهم , امران اثنان :
اولا وجب اخذ التعاريف والحدود من اللغة الاصل , حتى ولو كانت غير مترجمة بل نفضل الاصل في لغته الاصل , وان أمكن اتباثه مع ترجمته سيكون افضل .
النقطة الثانية , انه بعد قراءتي هذا المقال وهذا المجهود الجاد والماتع في نفس الوقت , فاني لم اصل الى نتيجة علمية ومنطيقة حول الفونيم , اي اني لم أدرك لحد الان ما هو الفونيم او الوحدة الصوتية .
وعليه في رايي وجب الاستدراك .
شكرا لكم وجزاكم الله خيرا .