في تحليل الخطاب / لسانيات النص
محمد فولا، منتدى مطر الالكتروني
لنا حديث- قبل الخوض في تحليل الخطابين- في مفهوم الخطاب، هذا المفهوم الذي يتقاطع مع مفاهيم أخرى من كلام و نص...وسنمر بعجالة على بعض الآراء التي تتطرق إلى مفهوم الخطاب.
إذا كان أب اللغويات الحديثة فريديناند ديسوسير قد أقر بثنائيتي اللسان والكلام ، فإن هذا الأخير يتحول عند بول ريكور إلى مفهوم الخطاب، فالخطاب إذا عند ريكور هو التحقق الفعلي للسان.
عند سارة ميلز نجد تمييزا آخر، فهي تضع الخطاب مقابل النص، فالخطاب هو التصور المجرد والنص هو التحقق الفعلي للتصور المجرد. إن الخطاب عندها أعم وأشمل من النص، وهو الرأي نفسه الذي يدافع عنه الباحث محمد مفتاح، في حين نجد الباحث سعيد يقطين يدافع على شمولية النص على الخطاب، فالخطاب عنده يرتبط بالجانب النحوي، في حين أن النص يرتبط بالجانب الدلالي...
ونعرج إلى الخيط الناظم بين هذه التعريفات فنمثل له برأي ميشيل فوكو و ماكدونيل حيث يريان أن شرط الترابط المعنوي هو الشرط الأول والمهم لتشكيل نسق خطابي متسق ومنسجم.
ولأننا سنتحدث عن الخطاب السياسي أقترح أن نميل مع الطرح الذي يرى أن الخطاب كلام ينجز في ظرفية ما من ظروف التواصل، وهي ظرفية تعامل اجتماعية خطابية، بينما النص هو كلام من غير تركيز على الوضعية التواصلية ( رأي ج . أدام )، وهو الرأي الذي يذهب إليه بنفنست عندما يقول بأن الخطاب هو كل قول يفترض متكلما ومستمعا، ويكون لدى المتكلم مقصد التأثير في الآخر على نحو ما.
إن الخطاب مرادف للسلطة وللرغبة في السيطرة ( عند فوكو )، السيطرة على قلوب وعقول المستمعين و" تنويمهم " كلاميا وذلك بتوظيف متواليات كلامية عن طريق اللعب باللغة لإنتاج خطاب يدفع الجمهور إلى تبني أفكار، وتعديل أو ترك أخرى.
في محاولتنا هذه سنحاول الدخول إلى اللسانيات التطبيقية، وذلك بالاشتغال على خطابين وتحليلها لمعرفة مدى قدرة صانع الخطاب على التأثير في نفوس " مريديه " واستخراج ما يجعله ينجح في هذه المهمة. وسيكون متن اشتغالنا هو خطاب الأمين العام لحزب الله في مهرجان النصر والتحرير في ماي 2000 ( حاولت إيجاد نص حديث له ولكنني لم أفلح )، وكذا خطاب الرئيس الأمريكي عن العراق في 13 شتنبر 2007.
سنشتغل على مفهوم الخطاب انطلاقا من المفاهيم اللسانية، وجب تحديد المرجع الذي سنشتغل به في تحليل الخطابين السابقين، وذلك حتى نبقى تائهين أمام الزخم المفاهيمي الكثيف والمدارس اللسانية الكثيرة التي عالجت مفهوم الخطاب وإن بتسميات أخرى كلسانيات ما بعد الجملة، ولسانيات النص...
لذلك سنعتمد في تحليلنا للخطابين على مفهوم " المكانة " لدى الباحث " مانكونو، وسنجمل أهم القواعد التي تحدث عنها في كتابه " تحليل الخطاب ". وربما سيلتبس علينا الأمر خصوصا وأن الدراسة اللسانية تهتم أكثر بالبنية، إلا أن مفهوم " المكانة : وبعد تطبيقه على الخطابين سيتضح أنه يتجه أكثر إلى دلالة الخطاب. وهو ما بجعلنا نقول بأن تحليل مانكونو هو تطوير للسانيات المدرسة الوظيفية والمدرسة التخاطبية.
إن إنتاج المعنى في الخطابين وإعطاؤهما بعد الرغبة والسيطرة تم عبر فهم باعثي الرسالتين للوقائع المحيطة بهم، فكل من حسن نصر الله وجورج بوش يدرك " مكانته " بعد عناصر الخطاب الأخرى. ولتفسير ذلك تستحضر المقاربة الذريعية لدى "ماركونو " حيث يقول : "المكانة التي تسند الخطاب، هي مجموعة من السمات الاجتماعية.. لكنها حولت إلى متتالية من التشكيلات التخييلية المعينة للمكانة، حيث (أ) و(ب) (مرسل ومرسل إليه)، يسند كل واحد منهما لنفسه وللآخر الصورة التي يكونها عن مكانته الخاصة ومكانة الآخر".
يتسم الخطاب لدى كل من جورج بوش وحسن نصر الله بفهم الوقائع المحيطة بإنتاجه، وتفسير ذلك يحتم علينا تبيان مقومات مفهوم المكانة، والذي يساهم في إنتاج الخطاب من قبل المخاطب وكذلك تقبله من قبل المستمع. وهذه المقومات لا تعدو أن تكون مقدمات/أسئلة تشكل منطلق تشكيل الخطاب وتقبله:
السؤال /المقدمة/ الأول: من أكون حتى أكلمهم هكذا؟
إن هذا السؤال هو المتحكم في إنتاج الخطاب، فنصر الله وبوش يتحدثان بنوع من الثقة، وبنوع من " المسؤولية " صوب " المستمعين. الثقة التي يستشعرها نصر الله من كونه انتصر للتو على الجيش الإسرائيلي، والثقة التي يحس بها بوش خصوصا وأنه يلقي خطابه بعد تقرير دافيد بترايوس وكروكر. ويتجلى ذلك من ألفاظ نصر الله : نحتفل / النصر / العدو / اندحاره / العدو المهزوم/ هم الخائفون...وكذلك في كلام بوش: الهزيمة / الإرهابيون / بعقوبة مطهرة / الشبان ينخرطون في الجيش...
والمسؤولية تأتي من فهم مكان نصر الله لمركزه كأمين عام لحزب مقاوم، رمز للمقاومة الإسلامية هو حزب الله، فلابد له أن يستحضر المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويتجلى ذلك في: شكره لكل من ساعد الحزب في حربه، فهو استحضار للذات الجماعية مقابل ذات جماعية أخرى ( إيران، سوريا...)، ثم توزيعه صك الأخوة على مستمعيه، حتى يضمن الإصغاء الجيد أو التماهي المطلق بينه وبين حزبه ( أيها الإخوة والأخوات...). وهو الأمر الذي نجده عند بوش من فهم لمسؤوليته كرئيس للأمة الأمريكية والمدافع الأول عن مصالحها ( علينا أن نهزم القاعدة / نقوي قواتنا المسلحة...).
السؤال /المقدمة / الثاني: من يكونون حتى أكلمهم هكذا؟
لكي يكون تأثير الخطاب قويا ويساهم في تحقيق وظائفه فلابد أن يستحضر كل من بوش ونصر الله كينونة ومكانة المخاطب. هذا الفهم الذي يخلق نوعا من الانسجام والتناغم بين المخاطب والمستمعين. فهذا بوش يستعمل العبارات الآتية: التقدم راجع إلى شجاعتكم/ هذه البلاد مباركة ( إشارة إلى الأمريكيين )/ يقومون بتضحيات عظيمة... ومن خلال ما يأتي : نحن المسلمون والمسيحيون/ لبنان الانتصار ( من خلال البلد حديث عن أهله ) / لبنان العزة... نرى رغبة نصر الله في الاستحواذ على عاطفة مستمعيه بادية من خلال ما يصفهم به، هذه الأوصاف التي تنزل عليهم بردا وسلاما إضافة إلى أنها تحمسهم لرد العطاء الذي يحسون أن القائد أجزله لهم وهذا يرتبط بالسؤال الثالث.
السؤال / المقدمة / الثالث: من يكون حتى يكلمني هكذا؟
يعني هذا السؤال استحضار المخاطب لنقطة مهمة، وهي أن المستمع ينظر إليه باعتباره رمزا أو كيانا أو ضامنا للوحدة، أو مدافعا...هذه الأمور كلها يستغلها المخاطِب لينقل للمتسمعين صورة الرجل المدافع عن حقوقهم والحامي لأموالهم وممتلكاتهم وأرضهم. وهذه الأخيرة هي التي نجدها بكثرة عند بوش ونصر الله، فكلاهما يستحضران نظرة المستمعين إليهما، وبالتالي وجب عليهما إشباع رغبتهم للحيلولة دون سقوط الرمز الذي يمثلانه، فبوش خادم الأمة الأمريكية، هكذا يفترض – وهو يلقي خطابه – أن نظرة الأمريكيين له هي هذه. وفي الوقت نفسه هو سيد ذو مكانة، إنه رئيس ذوسلطة ذو هيبة، وعلى خطابه أن يحمل نفحات من هذا الجانب ( تكرار الأفعال المفردة المنسوبة إلى نصر الله، اخرجوا – الأمر – أنصحه، أن يخرج،)،