الفصل الثاني
العلاقات الدلالية



تمهيد
تعتبر العلاقات الدلالية مصطلحا لسانيا ، ويقصد به تلك العلاقات التي تكون بين الكلمات من قبيل الاشتراك اللفظي والتضاد والترادف وهذه هي العلاقات الدلالية الأساسية المتداولة قديما وحديثا ، هذا بالإضافة إلى بعض العلاقات الدلالية الثانوية كالتباين والاشتمال وعلاقة الجزء بالكل والتنافر. فالمتباين هو الدال ذو المدلول الواحد Monosémie ويمثل هذا النوع معظم اللغة. أما الاشتمال فيدل على "الدال الذي يكون مدلوله عاما ، لأنه يضم دلالات متعددة تنضوي تحته ، فكلمة حيوان مثلا ذات دلالة عامة تشتمل على كلمات أخرى نحو نمر ، قط ..." (1). أما علاقة الجزء بالكل فمثل علاقة اليد بالجسد،إذ اليد جزء من الجسم.أما التنافر فهو حين لا يكون اشتمال بين كلمتين من جهتهما معا،فمثلا كلمة" فرس" تتنافر مع كلمة "كلب"،فإما أن يكون الحيوان فرسا أو كلبا.
وسنقتصر في هذا الفصل على دراسة العلاقات الدلالية الأساسية من اشتراك وتضاد وترادف .وقبل ذلك تجدر الإشارة إلى التفريق بين علاقة التضاد عند المحدثين،و ظاهرة الأضداد عند العرب القدماء.فالتضاد يعني وجود لفظين يختلفان في النطق ويتضادان في المعنى،مثل قصير وطويل،وهو ينقسم إلى عدة أقسام منها(2):التضاد الحاد،والتضاد المتدرج،و التضاد العكس،والتضاد الاتجاهي. أما ظاهرة الأضداد فتختلف عن التضاد،وهذا ما سنقف عليه فيما بعد.
1- أحمد محمد قدور،مبادئ اللسانيات،ص310.
2- - أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص102 وما بعدها.


المشترك اللفظي
- I عند القدماء :
لقد اهتم العلماء العرب بالمشترك اللفظي اهتماما كبيرا، والدليل هو تلك المؤلفات التي ألفت لمعالجة هذا الظاهرة سواء ما وقع منها في القرآن أو الحديث الشريف أو اللغة العربية ، ومن بين هذه المؤلفات )1( الوجوه والنظائر ،وهذا العنوان كان عنوانا لثلاثة كتب ، الأول لمقاتل بن سليمان البلخي (ت 150) هـ والثاني لهارون بن موسى الأزدي الأعور (ت 170) هـ والثالث للحسين بن محمد الدامغاني .كما خصص السيوطي في كتابه "معترك الأقران في إعجاز القرآن" قدرا مهما إن لم نقل القسم الأعظم من هذا الكتاب لدراسة المشترك اللفظي في القرآن .وللمبرد كتابا عالج فيه قضية المشترك في القرآن بعنوان " كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد ".
وإذا كان هؤلاء قد عالجوا في كتبهم التي ذكرناها ظاهرة الاشتراك اللفظي في القرآن الكريم فإن أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) في كتابه الذي سماه " كتاب الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى " قد عالج نفس الظاهرة لكن في الحديث الشريف ،إلا هذا الكتاب صغير الحجم مقارنة بالظاهرة التي حاول دراستها .
وإلى جانب القرآن والحديث هناك من عالج ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية

1- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص147 و ما بعدها.


عامة .ومنهم الأصمعي واليزيدي وأبو العميثل الاعرابي عبد الله بن خليد (ت 240 هـ ) الذي ألف كتابا لدراسة هذه الظاهرة وسماه " كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه " بالإضافة إلى علي بن الحسن الهنائي ( ت 310 هـ ) المعروف بكراع النمل والذي ألف كتابا في الأضداد بعنوان " المنجد في اللغة".

1 – تعريف المشترك :
لقد أشار سيبويه في عبارة جامعة إلى طبيعة العلاقة الدلالية بين الكلمات ، حيث قال في الكتاب،باب اللفظ للمعاني :"و اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين ،و اختلاف اللفظين و المعنى واحد،و اتفاق اللفظين و اختلاف المعنيين."(1)
ولا يهمنا من كلام سيبويه غير قوله " و اتفاق اللفظين و اختلاف المعنيين " فهذا هو المشترك ،وقد قال السيوطي أن أهل الأصول عرفوه " بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة "(2) و يقصد بقوله "دلالة على السواء" أي باعتبار أصل الوضع،يعني أن يكون المشترك مشتركا بالوضع الأول لا بنقل أو مجاز.
وعرف الأملي المشترك اللفظي بأنه " وضع اللفظ الواحد مادة وهيئة بإزاء معنيين متغايرين أو أكثر " (3)
1- سيبويه،الكتاب،الجزء1،تحقيق و شرح عبد السلام هارون،مكتبة الخانجي،الطبعة1، 1988،ص24.
2- جلال الدين السيوطي،المزهر،ج.....1، 369.
3- محمد تقي الحكيم ،الاشتراك و الترادف،ص74،عن مختار عمر،علم الدلالة،ص158.
و من أمثلته(1) :
- العم : جاء في المزهر للسيوطي عن الجمهرة لابن دريد " العم أخو الأب ، و العم : الجمع الكثير ، قال الراجز :
ياعامر بن مالك يا عما ****أفنيت عما وأجبرت عما
فالعم الأول أراد به عماه والعم الثاني أراد به الجمع الكثير وكأنه قال أفنيت قوما وأجبرت آخرين .
- النوى = الدار ، النوى = النية ، النوى = البعد
- الرؤبة وتدل على معاني كثيرة " فروبة اللبن : رغوته ، وربوبة الليل : معظمه ، وروبة الخميرة : زبادته ، وروبة الفرس : قيل طرقه في جماعة وقيل عرقه ، وهذا كله غير مهموز ، فأما الرؤبة بالهمز فقطعة من خشب يزأب بها القدح ، أي تصلحه بها "(2).
- الأرض : " الأرض المعروفة ، وكل ما سفل فهو أرض ، والأرض : أسفل قوائم الدابة ، والأرض النفضة والرعدة ، قال بن عباس في يوم زلزلة : أزلزلت الأرض أم بي أرض ، والأرض : الزكام ، والأرض : مصدر أرضت الخشبة تؤرض أرضا فهي مأروضة إذا أكلتها الأرضة " (3)

1- جلال الدين السيوطي،المزهر،370،و ما بعدها.
2- نفسه،ص 371.
3- نفسه، ن.ص.

- الهلال : " هلال السماء ، وهلال الصيد : وهو تشبيه بالهلال يعرقب به حمار الوحش ، وهلال النحل وهو الذؤابة والهلال : القطعة من الغبار ، والهلال الأصبع : المطيف بالظفر ، والهلال قطعة رحى ، والهلال الحية إذا سلخت ، والهلال : باقي الماء في الحوض ، والهلال : الجمل الذي قد أكثر الضراب حتى هزل "(1).
- إوز : جمع إوزة وهو طائر ، ورجل إوز بمعنى غليظ ، وفرس إوز وجمل إوز أي موثق غليظ .
- الخال : أخو الأم ، المكان الخال ، العصر الماضي ، الدابة ، الخيلاء ، الشامة في الوجه ، السحاب ، ثوب يستر به الميت ، إلى غير ذلك من المعاني .
- الغروب : لهذه الكلمة عدة معان منها غروب الشمس ، والدلو العظيمة المملوءة وهي جمع غرب أي الدلو ومنها الوهاد المنخفضة .
2 – الاختلاف حول وجود المشترك :
لقد اختلف العلماء قديما في وقوع المشترك اللفظي، فمنهم من أنكره ومنهم من أثبته.
فأما من أثبته فهم أكثر أهل اللغة ومنهم سبويه الذي يقول في الكتاب الذي أشرنا إلى قوله ،ومنهم ابن فارس ، ومنهم من قال بوجوده واستدل على ذلك بأن الألفاظ أو الأسماء متنامية أما المسميات أو المعاني غير متنامية ، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يستدعي وجود المشترك لأن عدمه يعني أن المسميات ستستنفذ الثروة اللفظية عبر الزمن ، فيؤدي ذلك إلى وجود مسميات لا أسماء لها ومعاني لا ألفاظ تدل عليها .

1- جلال الدين السيوطي،المزهر،ج1،ص 372.

وإذا كان معظم اللغويين العرب لم ينكروا وجود المشترك اللفظي في اللغة فإن هناك من ضيق هذا المفهوم " وأخرج منه كل ما يمكن رد معانيه إلى معنى واحد"(1) ، ومن هؤلاء ابن درستويه الذي تحدث عنه السيوطي في المزهر قائلا « قال ابن درستويه في شرح الفصيح – وقد ذكر لفظة "وجد" واختلاف معانيها – هذه اللفظة من أقوى حجج من يزعم أن من كلام العرب ما يتفق لفظه ويختلف معناه ، لأن سيبويه ذكره في أول كتابه ، وجعله من الأصول المتقدمة ، فظن أن من لم يتأمل المعاني ، ولم يتحقق الحقائق أن هذا لفظ واحد قد جاء لمعان مختلفة ، و إنما هذه المعاني كلها شيء واحد ، وهو إصابة الشيء خيرا كان أو شرا »(2)
هذا عن المثبتين أما المنكرون فقلة قليلة قالوا باستحالة وقوعه عقلا وحجتهم أن الواضع حكيم ،وكل أعماله تكون لغايات ، وغايته من الوضع هي تهيئة وسائل التواصل والتفاهم في المجتمع ، إذن فالواضع عندهم لن يضع اللفظ الواحد لأكثر من معنى لأن هذا -مع خفاء القرائن- لا يساعد على التفاهم والإيضاح بل يعد تعمية و تغطية ويتنافى مع غاية الواضع من الوضع .
وخلاصة القول أن ظاهرة المشترك اللفظي موجودة في اللغة،فرغم اختلاف العلماء إزاء هذا الأمر فإن أغلبيتهم يقرون بوجوده ، يقول السيوطي في المزهر : »واختلف الناس فيه (يقصد المشترك ) ، فالأكثرون على أنه ممكن الوقوع ، لجواز أن يقع إما من

1- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص156.
2- السيوطي،المزهر،ج1/ص....

واضعين ، بأن يضع أحدهما لفظا لمعنى ، ثم يضعه الأخر لمعنى آخر ، ويشتهر ذلك اللفظ بين الطائفتين في إفادته المعنيين ، وهذا على أن اللغات غير توقيفية ؛ وإما من واضع واحد لغرض الإبهام على السامع حيث يكون التصريح سببا للمفسدة ... والأكثرون أيضا على أنه واقع لنقل أهل اللغة ذلك في كثير من الألفاظ . ومن الناس من أوجب وقوعه – قال : لأن المعاني غير متنامية والألفاظ متنامية ، فإذا وزع لزم الاشتراك «(1).
3 – أسباب الاشتراك اللفظي :
يمكن تقسيم أسباب وقوع الاشتراك اللفظي إلى أسباب داخلية وأخرى خارجية :
 الأسباب الداخلية : وتنقسم إلى قسمين أساسيين هما : التغير في النطق والتغير في المعنى. يكون التغير في النطق غالبا عن طريق القلب أو الإبدال و هاذين السببين من أهم أسباب وقوع المشترك اللفظي .
فالقلب هو " عبارة عن تقديم أو تأخير أحد حروف اللفظ الواحد "(2) ومثاله ما ذكره كراع النمل في كتابه حيث حكى "أن الفعل استدام يستعمل أيضا بمعنى استدمى ، لكن أصل استدام هو الفعل دام ، أم أصل استدمى فهو الفعل دمى ، وبهذا أصبح لدينا الفعل استدام المقلوب من استدمى ، والذي طابق الفعل استدام غير المقلوب عن شيء، مكونا معه اشتراكا لفظيا «(3).
1- السيوطي،المزهر،ج1،ص 369.
2- جرجي زيدان ،الفلسفة اللغوية،...ص33.
3- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص160.
ونفس الأمر مع خطا وخاط، فالأول من الخطو والثاني من الخياطة، لكن تصير خطا بالقلب خاط فتصبح من المشترك اللفظي.
أما الإبدال فهو " عبارة عن إبدال حرف من كلمة ما ، بحرف يقرب منه لفظا ، ويحصل الإبدال غالبا بين الحروف التي هي من مخرج واحد أو مخارج متقاربة " (1) ، وللإبدال دور مهم بل جد مهم في نشوء المشترك اللفظي " فعن طريقه تتطابق كلمتان لهما معنيان مختلفان فتصبحان كلمة واحدة بمعنى متعدد " (2) ، فمثلا حنك وحلك استعملتهما العرب معا بمعنى السواد لكن لهما معنيان مختلفان، ذلك أنه تم إبدال لام حلك نونا فصارت متطابقة مع حنك في النطق ، فتكونت كلمة واحدة لها معنيين مختلفين .
- أما التغير في المعنى فيكون إما مقصودا أو تلقائيا :
1- فالمقصود يكون غالبا في التخصصات العلمية ، حيث تتم الحاجة إلى وضع مصطلحات جديدة؛ فالذي يقع أن أهل التخصص يأخذون لفظا دالا على معنى معين فيضعونه لمعنى معين تبعا لحاجتهم، فينشأ المشترك اللفظي بين المعنى القديم للفظ ومعناه الجديد ،ومثاله كلمة العماد التي استخدمها لغويو الكوفة لوصف مقولة ضمير الشأن .
2- أما التلقائي (3) فيحدث حين تكون هناك علاقة بين المعنيين وهذه العلاقة قد تكون هي المشابهة فيكون المعنى الجديد استعارة ،وإن لم تكن المشابهة فالمعنى الجديد مجاز مرسل.


1- جرجي زيدان ،الفلسفة اللغوية،ص34.
2- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص161.
3- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص160 و ما بعدها.

فمثال الاستعارة كلمة بعصوصة وهي دويبة صغيرة لها بريق من بياضها وتطلق كذلك على الصبي لصغر خلقه وضعفه .
أما أمثلة المجاز فكثيرة نقسمها إلى أنواع :
- توسيع المعنى: في قولنا " ساق الرجل المهر إلى المرأة " كان الفعل ساق يستعمل استعمالا حقيقيا لأن المهر في القديم كان في الأغلب من نوع الحيوانات « ولكن بعد أن تغير العرف وصار المهر نقدا أعطى الفعل معنى أوسع واحتفظ بحيويته "(1).
- تضييق المعنى: فكلمة المأتم كانت في الحقيقة تعني اجتماع النساء والرجال في مناسبة سواء كانت سعيدة أم حزينة، ثم استعملت فيما بعد في المناسبة الحزينة فقط.
- السببية، فكلمة الإثم تعني الذنب ثم أصبحت بمعنى الخمر فصار لها بذلك معنيان مختلفان والعلاقة بينهما أن أحدهما سبب في الأخر.
- إطلاق اسم الجزء على الكل: فاللسان كلمة معروفة ويقصد بها ذلك العضو الموجود في الفم، لكنها أصبحت تعني المتكلم باسم القوم ( لسان القوم) ومنها الشاعر لسان قبيلته.
- إعطاء الشيء اسم مكانه: فكلمة الراوية أصبحت تعني القربة بعد ما كانت تعني الجمل الذي يحمل القربة.
 الأسباب الخارجية(2) : ويمكن أن نجملها في اختلاف البيئة ، فنحن إذا استخدمنا اللفظ في بيئة واحدة لا نجد اشتراكا لفظيا لكن إذا استعملناه في بيئتين مختلفتين
1- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص162.
2- نفسه.ص160.

نجد أن هناك اشتراكا لفظيا، فمثلا كلمة الضنا تطلق على المرض لكنها في لهجة طيء تطلق على الطفل ، وكلمة السيد تعني الذئب لكنها تعني الأسد في لهجة هذيل ، وكلمة الألفت تعني الأعسر عند قبيلة تميم ، لكنها تعني الأحمق عند قبيلة قيس ،إلى غير ذلك من الأمثلة.
هذه الأسباب وإن لم تكن كافية فإنها تمثل معظم الأسباب عند القدماء وسنقف على أسباب أخرى ونتوسع في الأسباب التي ذكرنا بزيادة الأمثلة عند الحديث عن أسباب المشترك عند المحدثين .
- II عند المحدثين
إذا كان العرب القدماء قد درسوا المشترك اللفظي كباب مستقل عن الترادف و التضاد فإن المحدثين قد درسوه إلى جانبهما في إطار نظري واحد يسمى العلاقات الدلالية يدخل فيما يعرف بعلم الدلالة البنيوي ، وقد قسم المحدثون المشترك إلى قسمين كبيرين :
1 - الاشتراك الهومونيمي : HOMONYMIE و يسمى أيضا الاشتراك الجناسي، ويقصد به الاتفاق في اللفظ مع اختلاف في الحقل الدلالي ، أي وجود كلمتين أو أكثر متشابهتين في الصورة اللفظية ، لكن مختلفتان في الأصل و في المعنى ، و لا وجود لعلاقة دلالية واضحة بين معانيهما ، فمثلا كلمة VOLER في الفرنسية تعني طار كما تعني سرق و لا علاقة دلالية واضحة بين المعنيين ، و مثاله في العربية الجد و هو أب الأحد الوالدين ،والجد وهو الحظ ،والجد وهو وجه الأرض، و الجد بمعنى القطع ، و نحن إذا تأملنا هذه المعاني لا نجد بينها علاقة دلالية.
و من أمثلته أيضا :
الدم الموجود في العروق و الدم الهر. الصبي الصغير و الصبي حد السيف .القط الهر و القط الصك .النعامة طائر معروف و النعامة الطريق . السوس حشرة صغيرة و السوس الخلق و الطبع. الصقر طائر و الصقر الحر.الصدى طائر و الصدى الصوت العائد . النجم العشب و النجم الجرم المضيء في السماء (1) .
 أسباب الاشتراك الهومونيمي: (2)
- التغيير الصوتي : يحدث عندما يكون هناك كلمتان مختلفتان في الأصل واللفظ ، فيحدث تغيير في حروف إحداهما أو كلتيهما فيتطابقان ويشكلان بذلك مشتركا لفظيا، وهناك عدة أمثلة لهذا النوع من الأسباب نذكر بعضها في هذا الجدول:
الكلمة قبل التغيير الكلمة بعد التغيير المعنى الكلمة الثانية المعنى
سايل
الايم
همش
سائل
الاين
همس
اسم فاعل من سال
ثعبان
هشم
سائل
الايل
همس
اسم فاعل من سأل
التعب
تكلم بصوت ضعيف



1- http://www.angelfire.com/tx4/lisan/khamash.htm
2- نفسه

- الاقتراض اللغوي : يتكون الاشتراك عن طريق الاقتراض اللغوي حين يتم اقتراض كلمة أجنبية لأداء معنى معين،فيتصادف أن تشبه كلمة عربية أصلية ،فمثلا كلمة المرج تعني في الفارسية المرعى وحين أدخلت إلى العربية تشابهت مع المرج التي تعني الخلط ، فأصبح المرج يعني المرعى ويعني الخلط ولا علاقة دلالية بينهما .وإلى جانب هذا المثال هناك أمثلة عدة منها (1) .


الكلمة الأعجمية
معناها الأصل الأعجمي الكلمة العربية الأصلية
معناها
الحب
خال
السير الجرة الضخمة
شامة
قطعة من جلد
فارسية
فارسية
يونانية الحب
خال
السير الوداد
أخو الأم
المشي

2 - الاشتراك البوليزيمي : POLYSEMY و يسمى أيضا تعدد المعنى لأن لفظ POLYSEMY مكون من POLY بمعنى متعدد و SEMY بمعنى معنى ، والمقصود من هذا النوع من الاشتراك اللفظي هو دلالة الكلمة الواحدة على عدد من

1- http://www.angelfire.com/tx4/lisan/khamash.htm
المعاني المختلفة لكن بشرط أن تربط هذه المعاني علاقة دلالية بمعنى مركزي، فمثلا كلمة عين لها عدة معاني تربطها علاقة بالمعنى المركزي الذي هو عضو الإبصار.
فالعلاقة بينه و بين "البئر و فتحة الباب و الثقب في القربة و نقرة في الركبة "علاقة مشابهة حسية، و علاقته بالسيد و الذهب علاقة مشابهة معنوية لأن العين أفضل الحواس و السيد أفضل قومه، وهي أكرم الحواس و الذهب أنفس المعادن.
فالبئر وفتحة الباب والثقب في القربة والنقرة في الركبة والسيد والذهب كلها معاني لكلمة العين تربطها علاقة بالمعنى المركزي لهذه الكلمة وهو عضو الإبصار.
 أسباب الاشتراك البوليزيمي (1) :
- النقل : ويقصد به إطلاق شيء قديم على شيء حديث عن قصد ، لأن التطور يفرض هذا الأمر ، فالإنسان يتطور وهو في تطوره يكتشف العالم وأشياءه التي لا تحصى، ويخترع أشياء لقضاء حاجاته ، وهذا يعني أنه في حاجة إلى أسماء تواكب هذا التطور وتدل على هذه الأشياء والحاجات الجديدة، ولما كانت الألفاظ متناهية كان طبيعيا أن يقع الاشتراك اللفظي في اللغة ، فمثلا في الألفاظ الشرعية والفقهية نجد أن هناك مجموعة من الألفاظ نقلت معانيها من المعنى الأصلي إلى المعنى الآخر ، ولمزيد من التوضيح ندرج هنا نصا لابن فارس من كتابه فقه اللغة ، أورده السيوطي في مزهره : « كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغتهم ... فلما جاء الله تعالى بالإسلام... نقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر...»(2)

1- http://www.angelfire.com/tx4/lisan/khamash.htm
2-السيوطي،المزهر،ج1،ص 294-295.
وأمثلة هذا النوع كثيرة منها الكفر ، المنافق ، الإسلام ، الإيمان ، الصلاة ، الحج ، الزكاة ، الصيام ، فالصلاة كانت تعني الدعاء والحج بمعنى القصد والزكاة بمعنى الزيادة والصيام بمعنى الإمساك ، لكن تغيرت دلالات هذه الكلمات وغيرها كثير .
- اختلاف مجال الاستعمال: قد تكون للكلمة الواحدة عدة معان وذلك تبعا لمجال استعمالها فكلمة عملية مثلا تختلف من مجال الطب إلى مجال الحساب والجيش وتختلف معان كلمة جذر تبعا لمجال استعمالها، فاستعمالها عند الفلاح غير استعمالها عند الرياضي أو اللساني.
- الاستعمال الاستعاري للكلمات : وهو نقل تلقائي قائم على المشابهة من شيء أو معنى إلى آخر .
- المجاز المرسل وهو إطلاق لفظ لمعنى على معنى آخر لعلاقة غير المشابهة ومن هذه العلاقات:
 الجزئية : العين = عضو الإبصار + الجاسوس ، الرقبة = العضو + المملوك
 الآلية : اللسان = العضو + اللغة .
 المسببية : الرزق = الطعام + المطر + الرحمة .
 السببية : الرجز = العذاب + الصنم .
 المجاورة : الحقو = الخصر+ الحزام ، الراوية = الدابة + القربة
- اختلاف اللهجات : هناك عدد غير قليل من الألفاظ المشتركة نشأت نتيجة هذا السبب ،نذكر هنا بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
 الطرف : الكريم من الخيل عند عامة العرب وعند هذيل الطرف الكريم من الرجال .
 الالفت : الأعسر عند تميم والأحمق عند قيس .
 الأماني: ما يتمناه الإنسان وعند قريش الأباطيل .
 العنت : المشقة وعند هذيل الإثم .
 الغرام : العشق ، البلاء عند حمير .
 سرابيل : قمصان عند تميم ودروع عند كنانة (1) .

3 - معايير الفصل بين الهومونيمي و البوليزيمي :
لقد أجمع اللغويون على ضرورة الفصل بين هاذين النوعين، لكنهم اختلفوا في الوسيلة المعتمدة للتمييز بينهما، وقد لخص الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه علم الدلالة أهم الآراء التي طرحت حول هذا الموضوع(2):
• - تعد كلمات المشترك اللفظي من الهومونيمي إذا اتفقت نطقا و اختلفت هجاءا، فهذا النوع لا يطرح مشكلة ذلك أن اختلاف الهجاء يكفي لرد الكلمات إلى نوع الهومونيمي فالمشكلة أن تتفق الكلمات نطقا و هجاءا مع تعدد المعاني ، و لأجل حل هذه المشكلة اقترحت مجموعة من الإجراءات أهمها :

1- http://www.angelfire.com/tx4/lisan/khamash.htm
2- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص168 و ما بعدها.
• - اللجوء إلى المعيار الدلالي ، فإذ لم توجد علاقة بين المعنيين فالكلمة من الهومونيمي و إن وُجدت فهي من البوليزيمي .
لكن هذا المعيار نفسه يواجه عدة مشاكل حيث ليس من السهولة أن نحكم بكل يقين على وجود أو عدم وجود علاقة بين المعنيين فمثلا كلمة bill الانجليزية لها عدة معاني منها : منقار الطائر ، ورقة نقدية ، فاتورة ، إعلان ، مشروع ، قانون ، فإذا تأملنا المعنيين الأولين سندرك اختلافهما ونحكم بأنهما لا يملكان أي مكونات تشخيصية مشتركة على المستوى القريب ، لكن من الصعب إصدار نفس الحكم على معاني الكلمة الأخرى(1) .
• - اتخاذ أجزاء الكلام معيار للفصل بين الهومونيمي و البوليزيمي ، و هذا ما يراه جون ليونز LYNOS فمثلا كلمة HAMMAR تكون اسم و تكون فعل و بالتالي توضع في المعجم في مدخلين منفصلين مما يعني أنها من الهومونيمي .
• - اقترح أولمان ULMAN ثلاثة معايير للفصل :
 تكون الكلمتين مختلفتين إذا كان لهما مشتقات مختلفة ، فهذا يعني أنهما ينتميان إلى مادتين معجميتين مختلفتين .
 إذا وجد اسمان متطابقان أو أكثر و لكن دخلا تحت موضوعين مختلفين فإن الأمر يكون متعلقا بالهومونيمي و ليس بالبوليزيمي .
 إجراء اختبار رد فعل المتكلمين لتقرير ما إذا كانت الكلمة عندهم واحدة أو أكثر. يقول في هذا الصدد :"فإن كانت البيئة اللغوية الخاصة تشعر بأن اللفظين ينتميان إلى كلمتين مختلفتين،وجب علينا حينئذ أن نعدهما من باب المشترك اللفظي
1- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص170.

Homonymy،أما إذا كانت الألفاظ تمثل كلمة واحدة فهي ليست من هدا الباب"(1) .
• دعا WEINREICH إلى تحديد و حصر ملامح التعريف، فنحن نكون أمام البوليزيمي إذا كان هناك ملمحا دلاليا واحدا على الأقل مشتركا بين المعنيين ، ونكون أمام الهومونيمي إذا لم يكن هناك أي ملمح مشترك ،إلا أن اعتماد هذه الملامح لا يوصل إلى نتائج نهائية و حاسمة بشكل دقيق ، ذلك لأنه توجد صعوبة في تحديد الملمح الأساسي(2) .
• استخدام الحقل الدلالي للتمييز بين النوعين ، فالكلمات التي تنتمي لحقل دلالي واحد تكون من البوليزيمي ، أما التي تنتمي إلى مجموعة حقول دلالية فهي من الهومونيمي(3).
• كما أن بعض اللغويين اعتمد على الترابط بين المعاني كمعيار للفصل بين النوعين ، فالبوليزيمي يجب أن تكون كلماته مترابطة عكس الهومونيمي ، ويمكن التمييز في الترابط بين الترابط التاريخي و الترابط العقلي ، فالأول يكون حين يمكن رد المعنيين إلى نفس الأصل و الثاني يكون حين يجمع أبناء اللغة على أنهما مترابطان و أنهما استعمالان مختلفان لنفس الكلمة(4).

1- ستيفن أولمان،دور الكلمة في اللغة،ص123.
2- أحمد مختار عمر،علم الدلالة،ص172.
3- نفسه ،ص173
4-نفسه،ن-ص