موضوع البحث : الاتباع والمزاوجة في لهجات البدو
الإتباع والمزاوجة : -
تزخر اللغة العربية بتراكيب متعددة ، ذات طابع بلاغي يضفي على المعنى عمقاً أو جمالاً أو يضيف له معاني هامشية تخدم المعنى ، أما من حيث البناء فيتنوع بين الكلمات المفردة إلى التراكيب الثنائية والثلاثية وما أكثر من ذلك ، أما المفردة فهي كالاسماء والأفعال ، والثنائية فهي ما يعرف بالإتباع والمزاوجة ، والثلاثية وما أكثر فهي ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ما بين اسم وفعل وحرف .
التركيب الثنائي : " الاتباع والمزاوجة "
هو فن قديم ، وألف هذا الباب أبو الحسن أحمد بن فارس كتاباً أسماه:
( الإتباع والمزاوجة ) .
بين في مستهل كتابه معنى الإتباع والمزاوجة فقال : وكلاهما على وجهين أي الاتباع والمزاوجة ، أحدهما أن تكون كلمتان متواليتان على روي واحد ، والوجه الآخر أن يختلف الرويان ، ثم تكون بعد ذلك على وجهين : أحدهما أن تكون الكلمة الثانية ذات معنى معروف ، والآخر أن تكون الثانية غير واضحة المعنى ولا بينة الاشتقاق إلا أنها إتباع لما قبلها .
ومن ذلك :
خراب يباب ويقال رجل خياب هياب ويقال أيضاً خبٌ ويقال ساغب لاغب . والساغب هو الجائع واللاغب هو المتعب .
ويقال أيضاً رجل طبٌ لبٌ ، فالطب هو العالم الحادق واللب هو العقل . ( 1 )
أما في اللهجات العامية ـ في ليبيا مكان الدراسة ـ فالشأن نفسه ، شأن اللغة العربية الفصحى ؛ إذا إنها لا تخلوا منه ، وهو كثير الورد ، وهذا ما لفت نظري إلى موضوع " الاتباع والمزاوجة " هو قلة تناوله ، فلم تقع عيني على من تناوله بشكلٍ منفرد في لهجات البدو .
فحاولت أن أجمع ما أمكنني جمعه من هذا التركيب الثنائي الذي خرج عن الكلمة المفردة ، ولم يدرك الثلاث كلمات ، وهو خارجٌ عن ما جاء من عبارات وأقوال وأمثال ذات الكلمتين مثل : الشبع بدع ، طار السو ، الليلي بوديناته ، وما إلى ذلك من ثنائيات ، غير أنها لا تدخل ضمن الاتباع والمزاوجة ، وما هذه الورقة إلا سيراً على مبدأ الذكر لا الحصر ، وسوف يتم تناول المفردات من حيث أصولها الفصيحة ، وتبين ما ليس لها من معنى ، والتي دورها هو الاتباع فقط . وتجدر الإشارة إلى أن بعض الكلمات يوجد لها معنى ولكنه لا يخدم المعنى في التركيب الثنائي الذي بين أيدينا .
الاتباع والمزاوجة في لهجة البدو
توبة هوبة :
دلالة التركيب / هو الندم على أمر قد ارتكبته وندمت عليه فيقال : توبة هوبة أي عدم الرجوع إليه مرة أخرى .
دلالته الألفاظ /
التوبة : الرجوع عن المعصية وهو تائب أي راجع عن معصيته .
هوبة : الهَوْبُ: البعد. تقول: تركته في هَوْبٍ، أي بحيث لا يُدرى أين هو. والهوب الرجل الأحمق كثير الكلام. والهَوْبُ: وهج النار.. (2)
فهذا من المزاوجة إذ إن من معاني الهوب البعد عن الشيء .
حدره بدرة :
دلالة التركيب /
يقال هذا التركيب عندما يحتار أحدٌ في أمرين ويعد عليهما من العدد واحد إلى العدد عشرة ، والأمر الذي ينتهي عنده العد يتم اختياره .
دلالة الألفاظ / حدر : الحَدْرُ من كل شيء تَحْدُرُه من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، والمطاوعة منه الانْحدارُ. والحَدُورُ: اسم مقدار الماء في انحدار صَببَهِ، وكذلك الحَدُورُ في سفح جبل وكلّ موضع مُنْحَدِرٍ. ويقال: وقعنا في حَدُورٍ مُنْكَرَة، وهي الهَبُوطُ. ويقال له الحَدْراءُ بوزن الصَّفْراء؛ والحَدُورُ والهَبُوط، وهو المكان ينحدر منه. (3)
بدره بادَرَهُ مُبَادَرَةً وبِدَاراً، بالكسر، لأنّه القِياسُ في مصدر فاعَلَ، أي عَجِلَ إلى فِعْلِ ما يَرْغَبُ فيه. بدره الأمر عجل إليه والبادرة من حدتك في الغضب من قول أو فعل. (4)
ويمكن أن يعد هذا من المزاوجة لحمل كلمة بدرة معنى ، وهو المبادرة أي القيام بالفعل بعد اختيار شيء من الشيئين ، ويمكن أن نعده اتباعاً إذا أبعدنا معنى بدرة عن معنى التركيب .
خبز لبز :-
دلالة التركيب / يطلقونها على الإنسان الذي يخلط بين الأمور كثيراً .
دلالة الألفاظ /
خبز :
الخُبْز، بالضمّ: معروف. وبالفَتْح: ضَرْب البعيرِ بيديه الأرضَ، وهو على التشبيه، وقيل: سُمِّي الخُبْزُ به لضَرْبِهم إيّاه بأيْديهم ، والخَبْزُ أيضاً: السَّوْقُ الشديد، وقد خَبَزَها يَخْبِزُها خَبْزَاً، قال الشاعر:
لا تَخْبِزا خَبْزَاً ونُسّا نَسَّا ولا تُطيلا بمُناخٍ حَبْسَا
يأْمُرُه بالرِّفقِ. والنَّسُّ: السَّيْرُ اللَّيِّن. (5)
لبز: / اللَّبْزُ: الأَكل الجيِّد، لَبَزَ يَلْبِزُ لَبْزاً: أَكل، وقيل: أَجاد الأَكل. وقال ابن السكيت: اللَّبْزُ اللَّقْمُ،وقد لَبَزَه يَلْبِزُه. ويقال: لَبَزَ في الطعام إذا جعل يضرب فيه. وكلُّ ضرب شيد: لَبَزٌ. واللَّبْزُ: ضَرْبُ الناقة بجُمْعِ خُفها؛ قال رؤبة:
خَبْطاً بأَخْفافٍ ثِقالٍ لُبْزِ ، واللَّبْزُ: الوطء بالقدم. ولَبَزَ البعيرُ الأَرض بخفه يَلْبِزُ لَبْزاً: ضربها به ضرباً لطيفاً في تحامل. ولَبَزَ ظهره لَبْزاً: ضربه بيده، (6)
وتحمل الكلمتان معنين متلازمين ، الأول ما يخص الأكل ، فالخبز هو ما يؤكل واللبز وهو عملية الأكل ، والمعنى الثاني هو عملية الضرب باليد فكلاهما يحمل معنى الضرب ؛ فكأن من يخلط بين الأمور ويتصرف تصرفا غير موزون كأنه يضرب ضرباً عشوائيا بلا تخطيط ولا دراية ؛ لذا فإن هذا التركيب يدخل ضمن المزاوجة وليس الاتباع
خريط مريط
دلالة التركيب /
يقال عندما يأخذ المرء في الذهاب والمجيء على مكان معين ، فهي حكاية التكرار في السير أو المجيء لهذا المكان أو ذاك .
دلالة الألفاظ /
خرط: الخرط: قشرك الورق عن الشجر اجتذابا بكفك، وخرطت العود أخرطه خرطا: قشرته. وخرط الشجرة يخرطها خرطا انتزع الورق واللحاء عنها اجتذابا. وخرطت الورق: حتته، وهو أن تقبض على أعلاه ثم تمر يدك عليه إلى أسفله (7) ومن هذا المعنى أخذ معنى المسير .
مريط : مَرَطَ يَمْرُطُ مَرْطاً ومُرُوطاً: أَسْرَع، والاسم المَرَطَى. وفَرس مَرَطَى: سَرِيعٌ، وكذلك الناقةُ ، و المُرُوطُ سُرْعة المَشْي والعدْو. ويقال للخيل: هنَّ يمرُطْنَ مُرُوطاً. (8) ، فالكلمة الثانية في هذا التركيب إنما جاءت لتبين صفة المشي أو المجيء وهي السرعة ، فلنا أن نعد هذا مزاوجةً .
زعيط معيط :
دلالة التركيب /
هي صفة لا تستعمل دائما إنما تقال في وصف رجل رقيق طويل ربما لا يكون ذا مكانة أو أنه أبله سفيه ، أو نحو ذلك ، على حسب السياق الذي ترد فيه ، فيمكن حملها على معانٍ عديدة .
دلالة الألفاظ :
زعط :
جاء في اللسان : زعطه أي خنقه
معط :
مَعَطَ الشيءَ يَمْعَطُه معطاً. مدّه. وفي حديث أَبي إِسحق: إِن فُلاناً وتَّر قوسَه ثم معَطَ فيها أَي مدَّ يديه بها، والمَغْطُ، بالعين والغين: المدّ، وطويل مُمَّعِطٌ منه كأَنه مُدّ . (9)
فيؤخذ من هذا المعنى معنى الطول ، وهو بهذا يكون من الاتباع المقلوب ، أي الكلمة الأولى هي التي لا معنى لها يخدم المعنى العام للتركيب إلا من خلال دلالة الحروف على معنى المد والإطالة .
سكات نكات :-
دلالة التركيب / يطلقونها على الإنسان الذي لا يتكلم عادةً ، ثم يصدر منه قول أو تصرف غير متوقع منه أن يصدره ؛ فيخالف ما عهد عنه من سكوت .
دلالة الألفاظ /
سكات / السكوت معروف وهو عدم الكلام أي الصمت ،
نكات / النكت : أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها ، و النَّكات: الطعان في الناس مثل النزاك والنكَّاز واحد (10)
وكلا الكلمتين لها المعنى نفسه فهما من باب المزاوجة لا الإتباع .
شخير نخير :-
دلالة التركيب /
يطلقونها على الإنسان الذي يصدر أصوات كثيرة وهو نائم .
دلالة الألفاظ /
شخر / الشَّخِيرُ: صَوْتٌ من الحَلْقِ، وقيل: من الأَنف، وقيل: من الفم دون الأَنف. وشَخِيرُ الفرس: صَوْتُه من فمه، وقيل: هو من الفرس بَعْدَ الصَّهِيل، شَخَرَ يَشْخِرُ شَخْراً وشَخِيراً، وقيل: الشَّخْرُ كالنَّخْرِ. الصحاح: شَخَرَ الحمارُ يَشْخِرُ، بالكسر، شَخِيراً. الأَصمعي: من أَصوات الخيل الشَّخِيرُ والنَّخِيرُ والكَرِيرُ، فالشخير من الفم، والنخير من المنخرين، والكرير من الصدر؛ ورجل شِخِّيرٌ نِخِّيرٌ. والشَّخِيرُ أَيضاً: رَفْعُ الصَّوْتِ بالنَّخْرِ. (11)
نخر/ النَّخِيرُ: صوتُ الأَنفِ. نَخَرَ الإِنسانُ والحمار والفرس بأَنفه يَنْخِرُ ويَنْخُرُ نَخِيراً: مدّ الصوت والنفَس في خَياشِيمه. (12)
شخيط نخيط :-
دلالة التركيب /
تقال للتعبيرعن ارتفاع الأصوات واختلاطها الصادرة من أشخاص ، وتستعمل في مواضع معينة ، وفي اللهجة الشخط هو ارتفاع الصوت ، والنخط هو ما يصدر من الأنف من الأصوات .
دلالة الألفاظ /
شخط / لم يعثر على أصلٍ لها بالمعاجم العربية ، وربما كانت حروفها منقلبة عن حروف أخرى .
نخط / نَخَطَ إِليهم: طَرَأَ عليهم. ويقال: نَعَر إِلينا ونَخَطَ علينا. ونَخَطَه من أَنفه وانْتَخَطه أَي رمَى به مثل مَخَطَه
شلبوطك ملبوطك :
دلالة التركيب /
تقال عندما يسند للرجل شيء وهو أهل له ، أو عندما يقوم بفعل شيء فتصيبه نتائج ما فعل فيقال له : " شلبوطك ملبوطك "
دلالة الألفاظ /
شلبوطك : الشين زائدة وهي تفيد دلالة التشابك ، ولبط : جاء في لسان العرب : الألباط الجلود ،
ملبوطك : لبط : كما مر هي الجلود، ولها معانٍ أخرى ، وهذا من المزاوجة .(13)
صباغ دباغ :-
دلالة التركيب /
يطلقونه على اختلاف الناس في الوانهم وطوابعهم مثل اختلاف الأخوة في البيت الواحد تجد فيه الأسمر والأبيض ، وأيضاً الجيد وغير الجيد ، فيقولون : البطن صباغة دباغة.
دلالة الألفاظ /
صباغ ما يصبغ وصبغه به وصبغه صبغاً لونه والصباغ من يلون الثياب دباغ / دبغاً ودباغاً ما تديغ والدباغ والدبغ ما يدبغ به والدباغة حرفة الدباغ والمدبغة موضع الدبغ . (14) وصباغ دباغ ، يرتبطان بمعنى واحد ، وفي حقل دلالي واحد وهو حرفة الدباغة . لذا من باب المزاوجة .
لا حس لا بس :-
دلالة التركيب /
هو أن يقوم الشخص عند أرادت جزر أحد فيقول : لا أريد أن يصدر صوت ؛ أي إن كان عالياَ أو ضعيفاَ ؛ لا حس ولا بس .
دلالة الألفاظ /
الحس / كلمة تقال عند الألم وجاء في العباب الزاخر واللباب الفاخر (15): وضُرِبَ فلان فما قال حَسِّ ولا بَسِّ.
البس / لا يتفق معنى بس في المعاجم مع ما نستقيه من دلالة هذا التركيب ، إلا من خلال حكاية الصوت ، فكلمة " بس " تحمل حروفها دلالة إحداث الصوت ، ومثل هذه الكلمة الفعل : نبس أي تكلم بأقل الكلام
هفاف لفاف
دلالة التركيب /
تقال للشخص كثير التجوال والتنقل بين الأماكن دون فائدة مرجوة
دلالة الألفاظ /
الهف / هو المشي السريع أو المر السريع للسحاب أو الهبوب السريع للرياح . (16)
اللف / تحمل هذه الكلمة معاني متعددة ، ويقرب بعضها من المشي ، فكأن من يمشي يلف الأرض والأماكن كما يلف الشيء . وهو بهذا يكون من المزاوجة ذلك للمعنى الذي تحمله الكلمة الثانية من التركيب .
هذا نموذج من الاتباع والمزاوجة عند قبيلة الحطمان ، ولا زال الكثير من غير أنه لا يخرج عن هذا ، وبالرجوع إلى المعاجم العربية نجد أن تلك الكلمات المستخدمة بتركيب الاتباع أو المزاوجة نجد أنها ذات أصول فصيحة ، ربما دقت على متتبعها في بطون المعاجم ، وبتوفيق الله سوف يوسع البحث ليشمل جانباً كبيراً من اللهجة الليبية فيما يخص هذا التركيب الجميل " الاتباع والمزاوجة"
---------------------------
المراجع
1- الأتباع والمزاوجة : أحمد بن فارس القزريني الرازي – تحقيق / كمال مصطفى – القاهرة 1947 ، ص2 .
2 - (الصحاح مادة هوب )
3- لسان العرب : ابن منظور. مادة ح . د . ر
4- تاج العروس للزبيدي ، و لسان العرب مادة ( ب - د – ر )
5- تاج العروس مادة خبز
6- لسان العرب مادة لبز
7- ( لسان العرب مادة خرط ).
8- ( لسان العرب مادة مرط )
9- (لسان العر ب مادة معط )
10- تهذيب اللغة للجوهري , أساس البلاغة : الزمخشري . مادة نكت
11- لسان العرب مادة شخر
12- لسان العرب مادة نخر
13- ( لسان العرب مادة لبط )
14- لسان العرب مادة د – ب - غ .
15 - العباب الزاخر واللباب الفاخر: أحمد بن حسن الصاغاني: مادة حسس
16 - تاج العروس : مادة هفف