لغة الأمجاد
كتبتُ هذه القصيدةَ لأشاركَ بها في مسابقة الألف قصيدة التي نظَّمها المؤتمر الدوليُّ للغة العربية السنوي الذي عُقِدَ في دبي خلال الفترة من 17-21 نيسان 2018 م، وقد أرسلتُها إلى المجلس الدولي للغة العربية أوائلَ تموز 2017، وكُلِّي عزمٌ على المشاركة الفعلية والسفر إلى دبي في موعد المسابقة. ولكنْ كما يقولون: (وَتُقَدِّرُوْنَ وَتُقَدِّرُ الأَقْدَارُ)، فقد حصلتْ تطوُّراتٌ لم تكن في الحسبان، كان أقلَّها غلقُ مطارَي أربيل والسليمانية أمام الرحلات الجوية، مما جعلني أحسب ألف حسابٍ لصعوبة السفر بالطرق الأخرى، فالصحةُ في هذا العمر لا تحتمل سفري من دهوك حيث أقيم إلى بغداد للانطلاق منها إلى دبي. هذا إضافةً إلى أمورٍ أخرى لا مجال لذكرها هنا، وكانت النتيجةُ أني ألغيتُ فكرةَ السفر، وتركتُ مُكْرَهَاً متابعةَ هذه القصيدة رغم اعتزازي الكبير بها، وخضعتُ للظروف القاهرة متخلياً عن تقديمها للملأ بشكلٍ شخصي. ورغم أنَّ حظرَ الطيران رُفِعَ قبل بدءِ المؤتمر بمدةٍ وجيزة، إلا أنَّ الوقتَ كان قد فات على تغيير البرنامج الوظيفيِّ والحياتيِّ الذي هيَّأْتُ نفسي له طوال أشهر. وأنا لِحَدِّ الآن لا أعلمُ ماذا كان موقفُ المؤتمرِ تجاهَ هذه القصيدة. وأعتقدُ أني أصبحتُ حراً في نشرها هنا بعد انتهاء المؤتمر، عسى أنْ يتقبَّلَها مَنْ يقرؤُها بقبولٍ حسن.
وقبل أنْ أقدِّمَ القصيدةَ، أودُّ أنْ أُوْرِدَ الشروطَ التي كانت مفروضةً مِنْ قِبَلِ لجنةِ المسابقة، حتى يقدِّرَ القارئُ الكريمُ لماذا جاءتِ القصيدةُ على هذه الصورة:
1- أن تكون القصيدةُ موزونًة ومقفَّاةً، ولا تزيد على ثلاثين بيتا.
2- أن تتميز بجمال الصورة ودقة العبارات وسعة الخيال، وأن تكون مدقَّقةً ومصحَّحةً لغوياً.
3- أن تسهم القصيدة في خدمة اللغة العربية وتشجِّع على حبها وتمكينها ومعالجة قضاياها وتحدِّياتها المعاصرة.
4- أن تركِّزَ القصيدةُ على الاعتزاز باللغة العربية واستنهاض الهمم في خدمتها وربطها بالحياة اليومية.
5- تعريب المصطلحات والمفردات غير العربية، والاستفادة من المعاجم في انتقاء المفردات العلمية والتقنية في القصيدة.
وبعد هذه المقدمة الطويلة، إليكم قصيدة (لغة الأمجاد):
أَنَا لُغَةٌ زَانَتْ لِسَانَ بَنِيْ الْعُرْبِ نَسِيْرُ مَعَاً لِلْمَجْدِ، إِذْ دَرْبُهُمْ دَرْبِيْ
حَبَبْتُهُمُ قَوْمَاً يَعِزُّ نَظِيْرُهُمْ وَأَنْزَلْتُهُمْ عُمْقَ الْسُّوَيْدَاءِ مِنْ قَلْبِيْ
وَفِيْ طَبْعِهِمْ خُلْقُ الْوَفَاءِ سَجِيَّةٌ فَرَدُّوْا بِحُبٍّ حِيْنَ بَادَرْتُ بِالْحُبِّ
شَرِبْنَا هَوَانَا مِنْ أَلَذِّ كُؤُوْسِهِ وَفِيْ حَالِ إِدْمَانٍ بَقِيْنَا عَلَى الْشُّرْبِ
وَهذَا الْهَوَى بَاقٍ، مُحَالٌ زَوَالُهُ يَدُوْمُ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الْشَّمْسُ مِنْ غَرْبِ
تَخَيَّرَنِيْ الْرَّحْمنُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِسَرْدِ الَّذِيْ قَدْ شَاءَ فِيْ أَفْضَلِ الْكُتْبِ
فَأَدَّيْتُ مَا شَاءَ الإِلهُ أَمِيْنَةً وَفِيْ قَوْلِهِ "كُنْ"، كَانَ مَا شَاءَ فِيْ الْغَيْبِ
وَأَوْصَلْتُ مِنْ رَبِّ الْسَّمَاءِ مَقَالَهُ كَمَا رَامَ، لَمْ أَنْقُصْ فَتِيْلاً وَلَمْ أُرْبِ
أَبَانَتْ مَرَامَ اللهِ فِيْهِ بَلاغَتِيْ فَنَيْلِيَ تِيْجَانَ الْفَصَاحَةِ مِنْ دَأْبِيْ
وَهَيْهَاتَ أَنْ تَعْلُوْ سِوَايَ بِذَاتِهَا عُلُوِّيْ، فَوَحْدِيْ مَنْ تَطِيْرُ مَعَ الْشُّهْبِ
فَهذَا كِتَابُ اللهِ أَزْهُوْ بِسَرْدِهِ وَأُهْدِيْ لِتَالِيْهِ طُمَأْنِيْنَةَ الْقَلْبِ
وَهذِيْ أَحَادِيْثُ الْنَّبِيِّ وَسِعْتُهَا فَشَاعَ الْهُدَى لِلْنَّاسِ فِيْ الْشَّرْقِ وَالْغَرْبِ
بِفَضْلِيَ بَاتَ الْدِّيْنُ لِلْنَّاسِ وَاضِحَاً وَأَقْبَلَتِ الأَقْوَامُ تَهْفُوْ إِلَى صَوْبِيْ
أَهُزُّ عُرُوْشَاً لِلْعِدَى قَصْدَ نَصْرِكُمْ فَإِنِّيْ سِلاحٌ بَاتِرٌ زَمَنَ الْحَرْبِ
أُخَاطِبُهُمْ فِيْ غِلْظَةٍ لِأُخِيْفَهُمْ وَأَتْرُكَهُمْ صَرْعَى الْخَبَالِ مِنَ الْرُّعْبِ
فَإِنْ جَنَحُوْا لِلْسَّلْمِ لانَتْ مَقَالَتِيْ لِتَنْتَصِرُوْا مِنْ دُوْنِ طَعْنٍ وَلا ضَرْبِ
وَفِيْ كُلِّ عِلْمٍ لِيْ فَنَارٌ أَنَرْتُهُ فَشَعَّ بِأَنْوَارٍ جَلَتْ ظُلْمَةَ الْدَّرْبِ
وَأَبْدَعَ قَوْمِيْ كُلَّ عِلْمٍ وَصَنْعَةٍ وَرَادُوْا دُرُوْبَاً مَا رَادَهَا قَبْلُ مِنْ شَعْبِ
وَكُنْتُ لَهُمْ عَوْنَاً لِتَدْوِيْنِ عِلْمِهِمْ بِأَوْضَحِ لَفْظٍ خُطَّ مُذْ ذَاكَ فِيْ كُتْبِ
وَأَصْبَحْتُ لِلْتَّعْلِيْمِ أَرْقَى وَسِيْلَةٍ أَنَا لُغَةُ الْتَّدْرِيْسِ عِنْدَ ذَوِيْ الْلُبِّ
فَكَمْ بَيَّنُوْا بِيْ مِنْ دَلائِلِ فَهْمِهِمْ وَكَمْ أَظْهَرَتْ أَلْفَاظُهُمْ رِفْعَةَ الْكَعْبِ
وَكَمْ بَانَ مِنْ أَبْحَاثِهِمْ كُلُّ مُعْجِبٍ وَكَمْ هَيَّأُوْا لِلْشُّرْبِ مِنْ مَنْهَلٍ عَذْبِ
وَكَمْ أَبْدَعُوْا فِيْ سَرْدِ آيَاتِ عِلْمِهِمْ فَهذِيْ هِيَ الْكِمْيَاءُ فِيْ أَوَّلِ الْسِّرْبِ
وَهَا هِيَ ذِيْ تَأْتِيْ الْصِّنَاعَةُ إِثْرَهَا وَمِنْ بَعْدِهَا الإِبْدَاعُ فِيْ الْفَنِّ وَالْطِّبِّ
وَجَاءَتْ بُحُوْثٌ فِيْ الْحِسَابِ أَصِيْلَةٌ وَفِيْ الْجَبْرِ وَالأَعْدَادِ فِيْ جَدْوَلِ الْضَّرْبِ
وَمَا فِيْ الْسَّمَا دَانٍ لَهُمْ رَغْمَ بُعْدِهِ فَمَا عَاقَهُمْ فِيْ وَاقِعِ الأَمْرِ مِنْ صَعْبِ
فَتِلْكَ مَدَارَاتُ الْكَوَاكِبِ كُلِّهَا وَمِنْ حَوْلِهَا الأَقْمَارُ تَلْهُوْ عَلَى قُرْبِ
وَتِلْكَ بُرُوْجٌ فِيْ الْسَّمَاءِ مَقَامُهَا وَتِلْكَ نُجُوْمٌ فِيْ الْمَسَارِ مَعَ الْشُّهْبِ
وَهذَا بُخَارُ الْمَاءِ يَرْقَى إِلَى الْسَّمَا لِيَنْزِلَ غَيْثَاً بَعْدَمَا نَامَ فِيْ الْسُّحْبِ
وَمَا قُلْتُ إِلا الْغَيْضَ مِنْ فَيْضِ بَحْرِنَا وَيَبْقَى مَدَى الأَزْمَانِ عِزِّيْ مَعَ الْعُرْبِ