نحو طب مفاهيمي "فلسفي"مكمل للصحة النفسية والعقلية الشاملة (2)
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
قراءه منهجيه للطب المفاهيمى"الفلسفي"ودوره في تحقيق الصحة النفسية والعقلية الشاملة:
تعريف الطب المفاهيمى"الفلسفي":
اولا: طب مكمل وليس بديل: الطب المفاهيمى"الفلسفي"هو شكل من أشكال الطب المكمل Medicine Complementary اى الذي يُستخدم مع علم الطب" الطب النفسي" أي يكمله ، وليس شكل من أشكال الطب البديلAlternative Medicine: ،اى الذي يستخدم مكان علم الطب"الطب النفسى" أي كبديل عنه، ويترتب على هذا الاتى:
ا/أن الموقف القائم على الاستغناء عن الطب النفسي بالطب المفاهيمى "الفلسفي"- والذي قرره بعض باحثي الفلسفة المهتمين بالطب الفلسفي- هو موقف خاطئ.
ب/أن الضمان الوحيد ليصبح الطب النفسي شكل من أشكال الطب الشامل comprehensive Medicine أن يجمع بين الطب النفسي(الذي يهتم بعلاج الاضطرابات النفسية والعقلية ) والطب المفاهيمى "الفلسفي"(الذي يهتم بعلاج الاضطرابات المفاهيميه-العقلانية) – فضلا عن الطب الروحي(الذي يهتم بعلاج الاضطرابات الروحيه).
ج/ أن الاستشارة الفلسفية التي يمكن أن يستند إليها الطب الفلسفي هي الاستشارة الفلسفية بالمعنى الضيّق ، والتي تتناول مشاكل لا يشملها العلاج النفسي، اى القضايا ذات الطابع"الفلسفي" الكلى المجرد"، أما الاستشارة الفلسفية بالمعنى الموسّع،فيجب استبعادها لأنه يلزم منها اعتبار الاستشارة الفلسفية بديل للعلاج النفسي.
ثانيا: علاج الاضطرابات المفاهيميه – العقلانية: ويهدف الطب المفاهيمى"الفلسفي" إلى علاج الاضطرابات المفاهيميه- العقلانية،ويترتب على هذا الاتى:
ا/ أن هذا الطب يهتم بالبعد المعرفي(العقلاني- المنطقي) للوجود الانسانى ، دون إلغاء الأبعاد المعرفية والنفسية والوجدانية و والروحية والفسيولوجية للوجود الانسانى.
ب/ أن المفاهيم التي يتناولها هذا الطب هي المفاهيم الكلية "العامة"- المجردة " النظرية- الصورية": - التي تحدد ولا تلغى المفاهيم الجزئية – العينية.
ح/وهو هنا يحاول تفعيل أنماط التفكير العقلاني لدى الفرد، وتحريره من أنماط التفكير الاسطورى" القائم على الإفراط فى استخدام الخيال والعاطفة بما يتعارض مع استخدام العقل."
ثالثا:تفعيل مقدره الانسان على حل مشاكله: فالطب المفاهيمى"الفلسفي"بتفعيله للتفكير العقلاني/ المنطقي عند الفرد ، بساهم في تفعيل مقدرته على حل المشاكل التي يواجهها.
رابعا: تحقيق الصحة النفسية والعقلية الشاملة:ويسهم الطب المفاهيمى" الفلسفي" فى تحقيق الصحة النفسية (Psychological health) والصحة العقلية (intellectual health) في مفهومهما الشامل، فقد تعددت تعريفات الصحة النفسية والعقليه،والتعريف الذي نرججه هو تعريفهما بأنهما أساليب التفكير والسلوك ،التي يلزم منها تحقيق قدر من التوازن بين المستويات المتعددة للشخصية ” النفسية، العقلية، الجسدية، الاجتماعية، الروحية..” ، ليصبح الإنسان قادر على حل المشاكل المتجددة، التي يطرحها واقعه المتغير ،وبالتالي فان علاج الطب الفلسفي لاضطرابات المستوى العقلاني للشخصية ، ضروري لتحقيق هذا التوازن.
استناد الطب المفاهيمى " الفلسفى" الى علم النفس الفلسفي : وإذا كان الطب النفسي يستند إلى علم النفس الاكلينيكى فان الطب المفاهيمى "الفلسفي" ينطلق علم النفس الفلسفي أو النظري أو التأملي،وهو أحد فروع علم النفس، يبحث في الافتراضات (الكلية، المجردة)، التي تسبق البحث العلمي في الظواهر النفسية (الجزئية، العينية) والقوانين التي تضبط حركتها، ويطلق البعض عليه اسم(METAPSCHOLOGY) (ما وراء علم النفس )، وكلمة (ما وراء) تدل على انه بحث فيما يسبق علم النفس من افتراضات كلية نظرية، و كان فرويد أول من استخدمه وله بحث فيه بعنوان(أوراق في ما وراء علم النفس) سنة 1915 م. والعلة في استناد الطب الفلسفي إلى علم النفس الفلسفي ، أن الأول(الطب الفلسفي) مكمل وليس بديل للطب النفسي،وان الثانى (علم النفس الفلسفي) يجمع بين الفلسفة (ذات الطابع الكلي المجرد)، وعلم النفس (ذو الطابع الجزئي، العيني) في علاقة تتميز بالوحدة والتمييز- وليس الخلط أو الفصل-