حكمه"فلسفه" ومنهج ومذهب الاستخلاف: نحو نسق معرفى اسلامى معاصر (2)
د. صبرى محمد خليل
نظريه المعرفة: كما تستند حكمه “فلسفه “الاستخلاف إلى نظريه في المعرفة مضمونها أن العلم صفة ألوهية،وبالتالي ذات مضمون دال على كونه تعالى غاية مطلقة ،وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:
ا/ شكل تكويني: يتمثل في عالم الشهادة"المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف" كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد(التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة كوسائل لمعرفته.
ب/ شكل تكليفي: يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة ، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات علة توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه). ومضمون الاستخلاف هنا إظهار صفه العلم الالهيه في الأرض، وذلك بإفراد العلم المطلق لله ، واتخاذ صفة العلم الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان لتحقيقه في واقعه المحدود، دون أن تتوافر له أمكانيه التحقيق النهائى له ، وهو ما يتم باتخاذ مقتضى هذه الصفة كضوابط موضوعية مطلقة تحدد المعرفة الإنسانية ولا تلغيها .فالوحي يحدد – ولا يلغى – جدل المعرفة القائم على الانتقال من الموضوعي "المشكلة العينية" إلي الذاتي "الحل المجرد" ، إلي الموضوعي"الواقع" مرة أخرى من أجل تغييره ، فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته.
نظريه القيم: كما تستند حكمه “فلسفه “ الاستخلاف إلى نظريه في القيم مضمونها التمييز بين نوعين من القيم: قيم مطلقة تمثل المستوى المطلق للقيمة مصدرها الله تعالى(المستخلف بكسر اللام)،وقيم محدودة تمثل المستوى المحدود للقيمة مصدرها الإنسان(المستخلف بفتح اللام) هذا التمييز بين النوعين من القيم أو بين المستويين من مستويات القيمة مصدره توحيد الإلوهية، إذ انه قائم على إفراد المطلق من الصفات- القيم "كالعدل والرحمة والحكمة والعلم..."لله تعالى، فالإلوهية لا تنصب على هذه الصفات في ذاتها بل على المطلق منها "باعتبار أن مضمونه كونه تعالى الغاية المطلقة" وهذا هو علة وصف القرآن الله تعالى والإنسان بهذه الصفات.فالرحمة قيمة وصف ذاته تعالى بها كما في الآيات (ربك الغني ذو الرحمة) (الأنعام: 132)، كما وصف الإنسان بها كما في الآيات (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (النمل: 77) فالرحمة كقيمة مطلقة عند الله تعالى محدودة عند الإنسان كما تدل الآيات (ورحمتي وسعت كل شئ) (لأعراف: 156 )، يقول ابن القيم (اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي والسميع والبصير والعليم والقدر والملك ونحوه ثم يورد رأيين... ويقول عن الثالث الذي يرجحه (أنها حقيقة فيهما وللرب تعالى ما يليق بجلاله وللعبد ما يليق به)( ابن القيم، بدائع الفوائد، ص 164). واستنادا إلى هذا التمييز تقدم هذه النظرية إجابات على الاسئله التي تطرحها نظريه القيم ، وأهمها السؤال: ما هي طبيعة القيم؟ : والذي يتناول مشكلة تعريف القيمة من خلال أربعة مشاكل(أ) هل القيم مطلقه " لا تخضع للتغير في المكان و التطور خلال الزمان"، أم نسبية "تخضع للتغير في المكان والتطور خلال الزمان؟ . (ب) هل القيم موضوعية" اى لها وجود مستقل عن عقل الإنسان وغير متوقف عليه"، أم ذاتيه" إي من وضع العقل البشرى واختراعه" ؟. (ج) هل القيم غاية في ذاتها أم مجرد وسيلة إلى غاية غيرها؟ . (د) هل القيم معيارية " إي تنصب على ما ينبغي أن يكون"، أم وصفية" أي تقتصر على ما هو كائن"؟. والاجابه التي تقدمها هذه النظرية في القيم على هذه الاسئله هي أن القيم المطلقة التي مصدره الله تعالى "المستخلف بكسر اللام" هي قيم: (1) مطلقه" فهي ثابتة" لا تخضع للتغير أو التطور في المكان أو خلال الزمان"، (2) موضوعيه "ولها شكلين :موضوعيه تكوينيه تتمثل في الفطرة كمصدر للقيم، وموضوعيه تكليفيه وتتمثل في الوحي كمصدر للقيم" ، (3)غاية في ذاتها " لذا قرر القرآن بصيغ مختلفة أن الله تعالى ينبغي أن يكون هو الغاية المطلقة وراء الغايات المحدودة لأي نشاط فكري أو مادي يقوم به الإنسان
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (الأنعام: 162)، (4) معياريه .بينما القيم المحدودة التي مصدرها الإنسان "المستخلف بفتح اللام" فهي قيم: (1) نسبيه ،( 2) يمكن أن تتضمن قيم ذاتيه، (3) ووسيلة إلى غاية غيرها "كالمنفعة " ( حيث اخذ المنظور القيمى الاسلامى بمعيار المنفعة الذي قرره القرآن في عدة مواضع
وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (الرعد: 17)، واتساقا مع هذا قرر علماء أصول الفقه أن حماية المصالح من مقاصد التشريع الاسلامى استدلالا بقوله نعالي (وما أرسلناك إلا رحمه للعلمين)،واعتبروا المصالح المرسلة كمصدر من مصادر التشريع التبعية. ولكن وجه الاختلاف مع مذهب المنفعة في الفلسفة الغربية أن المنظور القيمى الاسلامى ميز بين منفعة "مصلحه" مطلقه وضعها الله تعالى، ومنفعة محدودة نسبيه وضعها الإنسان، كما جعل الاخيره مشروطة بعدم التعارض مع أصول الدين النصية الثابتة يقول الغزالي: (إن المصلحة المرسلة إذا كانت ضرورية كلية قطعية يحتج لها فإن فقدت شروط هذه الشروط لا يعمل بها)، (4) وصفيه. أما الجمع بين نسقى القيم: (المطلقة/الموضوعية/المعيارية /الغائية) و(النسبية/ الذاتية /الوصفية /الوسليه) فيتم طبقا لمنهج المعرفة الاسلامى وسنه " الكدح إلى الله " والتي مضمونها " التكليفى "أن تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي محدود بفعل مطلق"الربوبية" وغاية مطلقه " الالوهيه "، فمضمون الاخيره أن الله تعالى ينفرد بكونه غاية مطلقة ، وأن صفات إلوهيته من حيث هي قيم مطلقة ،يسعى الإنسان لتحقيقها في واقعه المحدود دون أن تتوافر له أمكانيه التحقيق النهائي لها يقول الإمام ابن تيمية ( .... ولمن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ..... ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يبذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره)
حكمه” فلسفه”الاستخلاف فلسفه إنسانيه– روحيه”دينيه”، وسطيه متجاوزه لكل من الفلسفات المادية والمثالية : بعد العرض السابق نخلص إلى أن حكمه” فلسفه ”الاستخلاف فلسفه إنسانيه– روحيه” دينيه”، لأنها قائمه على التأكيد على قيمه الوجود الانسانى، وإثباتها لهذا الوجود بأبعاده المتعددة،كوجود محدود تكليفيا بالسنن الالهيه ، التي تضبط حركه الوجود” الشهادى “، فهي تجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى بأبعاده المتعددة علاقة تحديد وتكامل- من خلال تقريرها أن الوجود الالهى يحدد الوجود الانسانى ، فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه – وليست علاقة إلغاء وتناقض كما في الفلسفات الانسانيه الغربية . كما أن حكمه "فلسفه الاستخلاف" قائمه على أن الوجود الانسانى “ المستخلف” ليس وجود بسيط ، بل هو وجود مركب من أبعاد ماديه”حسية شهاديه” وروحيه”غيبيه” متفاعلة ، وضرورة تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد المتعددة- استنادا إلى مفهوم الوسطية – فهى ترفض إشباع حاجاته المادية وتجاهل حاجاته الروحية”وهو ما يلزم من الفلسفات المادية” ، كما ترفض إشباع حاجاته الروحية وتجاهل حاجاته المادية”وهو ما يلزم من الفلسفات المثالية “،وتدعو إلى إشباع حاجاته المادية والروحية معا قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)(القصص:77)، وقال تعالى(قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ). (الأعراف:32)
منهج المعرفة الاستخلافى : البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف: ويتمثل البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف في الاستخلاف كمنهج للمعرفة :
الأسس النظرية لمنهج المعرفة الاستخلافى: منهج المعرفة الاستخلافى يقوم على اتخاذ المفاهيم القرآنية الكلية (التوحيد والتسخير والاستخلاف) (بما هي مبادئ ميتافيزيقية “غيبية”) مسلمات أولى للمنهج تحده ولا تلغيه،ولهذا الموقف شرعيته حتى في الفلسفة الغربية، إذ أن المنهج بما هو الكشف عن القوانين (السنن الالهيه) التي تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان، يقوم على التجربة والاختبار العلميين، ولكنه في ذات الوقت يقوم على افتراضات سابقة على التجربة مثل الموضوعية والحتمية..كما أن هذا لا يعني أن يتحول المنهج إلي منهج ميتافيزيقي بالمفهوم الغربي ، أي يتحول إلي البحث في مشاكل ميتافيزيقية، إذ المنهج بعد ذلك هو النظر في سنن الله تعالى في الطبيعة والمجتمع ،أي معرفتها والتزامها كي ننجح في تحقيق ما نريد (قد خلت من قبلكم سنن قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين). ويترتب على هذا أن هذه السنن الإلهية تحكم حركة الإنسان كونه إنسان، بصرف النظر عن كونه مسلم أو كافر، كما يجوز أخذها من أي مصدر مادامت صحيحة، أما المفاهيم القرآنية السابقة الذكر والتي تشكل المسلمات الأولى للمنهج (فلسفة المنهج) فمقصورة على من يؤمن بها (يسلم بصحتها)، وهي من بعد لا تلغي معرفة والتزام الإنسان بهذه السنن الإلهية ، بل هي ضمان موضوعي مطلق لاستمرار هذه المعرفة وهذا الالتزام.
مضمون منهج المعرفة الاستخلافى: يقوم منهج المعرفة الاستخلافى على أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:
الشكل الأول : تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ،وهى على نوعين:
1/ السنن الالهيه الكلية:التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف وهى:
أولا: الحركة: ( والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من ماء فأحيى به الأٌرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).
ثانيا: التغير
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ثالثا: التأثير المتبادل: وهى ما يمكن استخلاصها من مفهومي الغنى والفقر، فالله تعالى غني وكل ما سواه فقير، وهذا الفقر نوعان: فقر إلي الله تعالى، وفقر إلي غيره من المخلوقات، والنوع الأخير هو ما يعبر عنه علميا بالتأثير المتبادل.
ب/السنن الالهيه النوعية: وهى التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود الشهادى ،كسنه “الكدح إلى الله ” المقصورة على الإنسان، ولها بعدان : البعد الأول : تكويني: ومضمونه أن حركة الإنسان تتم عبر ثلاثة خطوات: المشكلة فالحل فالعمل. البعد الثاني : تكليفي: ومضمونه أن تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي محدود بغاية مطلقه " الالوهيه " وفعل مطلق"الربوبية" ، وهو يحدد البعد التكويني المذكور أعلاه ولا يلغيه ، فيحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها، وطرق العلم بها، ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها ، وأسلوب العمل اللازم لحلها.
الشكل الثاني : تكليفي : يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي ، وهو يحدد الشكل التكويني المذكور أعلاه ولا تلغيه.
مذهب الاستخلاف:البعد المذهبى لمفهوم الاستخلاف: ويتمثل البعد المذهبى لمفهوم الاستخلاف في الاستخلاف كمذهب “اى كمجموعه من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين”
الوعد الالهى باستخلاف الامه : أشار القران الكريم إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف “الأمة الاسلاميه ” بأممها وشعوبها التكوينية المتعددة: قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور:55). تتضمن الايه الاشاره إلى أنواع متعددة من الاستخلاف هي :
أولا: الاستخلاف الاصلى- المثال – (استخلاف الرسول والخلفاء الراشدين ): النوع الأول من أنواع الاستخلاف الذي تشير إليه الايه هو الاستخلاف الاصلى ،اى الاستخلاف الذي تشير إليه الدلالة الاصليه للأيه ، وهو استخلاف الرسول(صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم)، وهو المثال (النموذج) لاى استخلاف للامه ، ويتضمن أيضا نوعين من أنواع الاستخلاف:
ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعى): وهو استخلاف الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وقد أشار إليه المفسرين ، يقول ابن كثير (هَذَا وَعْد مِنْ اللَّه تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَيَجْعَلُ أُمَّته خُلَفَاء الْأَرْض أَيْ أَئِمَّة النَّاس وَالْوُلَاة عَلَيْهِمْ وَبِهِمْ تَصْلُح الْبِلَاد وَتَخْضَع لَهُمْ الْعِبَاد ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْد خَوْفهمْ أَمْنًا وَحُكْمًا فِيهِمْ وَقَدْ فَعَلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَهُ الْحَمْد وَالْمِنَّة … )، وهذا الاستخلاف هو قسم من أقسام الاستخلاف الخاص ،الذي مضمونه استخلاف الله تعالى لفرد معين، و ينفرد به الرسل والأنبياء ، ولا يجوز نسبته إلى غيرهم ، وهو مثال"نموذج" اتباعى لاى استخلاف للامه ، اى مثال "نموذج" واجب الإتباع لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (آل عمران: 31- 32)، ومضمون هذا الإتباع أن السنة النبوية هي احد المصادر الاصليه للتشريع الاسلامى” بالاضافه إلى القران الكريم ” ، وان الأحاديث اليقينية الورود القطعية الدلالة مصدر لأصول الدين ،والأحاديث الظنية الورود والدلالة مصدره لفروعه .
ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى): وهو استخلاف الخلفاء الراشدين خاصة والسلف الصالح(الصحابة والتابعين) عامه، وقد أشار إليه المفسرين أيضا ، يقول ابن كثير( ثُمَّ لَمَّا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَارَ اللَّه لَهُ مَا عِنْده مِنْ الْكَرَامَة قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْده خَلِيفَته أَبُو بَكْر الصِّدِّيق فَلَمَّ شُعْث مَا وَهَى بَعْد مَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ جَزِيرَة الْعَرَب وَمَهَّدَهَا وَبَعَثَ جُيُوش الْإِسْلَام إِلَى بِلَاد فَارِس .. وَتَوَفَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْده مِنْ الْكَرَامَة وَمَنَّ عَلَى أَهْل الْإِسْلَام بِأَنْ أَلْهَمَ الصِّدِّيق أَنْ يَسْتَخْلِف عُمَر الْفَارُوق فَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْده قِيَامًا تَامًّا لَمْ يُدِرْ الْفُلْك بَعْد الْأَنْبِيَاء عَلَى مِثْله فِي قُوَّة سِيرَته وَكَمَال عَدْله وَتَمَّ فِي أَيَّامه فَتْح الْبِلَاد الشَّامِيَّة بِكَمَالِهَا وَدِيَار مِصْر إِلَى آخِرهَا… ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الدَّوْلَة الْعُثْمَانِيَّة اِمْتَدَّتْ الْمَمَالِك الْإِسْلَامِيَّة إِلَى أَقْصَى مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا …)،وهذا الاستخلاف هو اعلي درجات الاستخلاف العام ، وهو مثال " نموذج " اقتدائي لاى استخلاف للامه، اى مثال(نموذج) واجب الاقتداء لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان،قال تعالى (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(البقرة: 137)، ومضمون هذا الاقتداء – على مستوى أصول الدين – الالتزام بفهم السلف الصالح للنصوص ، وما تتضمنه من عقائد وعبادات وأصول معاملات، كما أنها قائمه على إلغاء الإضافات التي طرأت علي فهم السلف لهذه الأصول .أما على مستوى فروع الدين فمضمون هذا الاقتداء هو اعتبار اجتهاد السلف الصالح في وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتهم استجابة للمشاكل التي عاشوها، ، تجسيد لماضي الامه وخبرتها، وبالتالي اتخاذه نقطه بداية لاجتهادنا فى وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتنا استجابة للمشاكل التي نعيشها ، وليس نقطه نهاية له، وذلك بالالتزام بالقواعد الفرعية التي وضعوها كما هي ، أو بعد الترجيح بينها ، أو وضع قواعد جديدة استجابة لمشاكل جديدة لم يعايشوها..
ثانيا:الاستخلاف التبعى (استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة): النوع الثاني من أنواع الاستخلاف الذي تشير إليه الايه هو الاستخلاف التبعى ، اى الاستخلاف الذي تشير إليه الدلالة التبعية للأيه، وهو الاستخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة ، وهو قسم من أقسام الاستخلاف العام، وقد أشار إليه المفسرين ، ورد في تفسير الطبري
يَقُول تَعَالَى ذِكْره ” وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا”بِاللَّهِ وَرَسُوله ” مِنْكُمْ ” أَيّهَا النَّاس , ” وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ” يَقُول : وَأَطَاعُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَاهُ وَنَهَيَاهُ ; ” لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض ” يَقُول : لَيُوَرِّثَنَّهُمْ اللَّه أَرْض الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَب وَالْعَجَم , فَيَجْعَلهُمْ مُلُوكهَا وَسَاسَتهَا . ” كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ ” يَقُول : كَمَا فَعَلَ مِنْ قَبْلهمْ ذَلِكَ بِبَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ أَهْلَكَ الْجَبَابِرَة بِالشَّأْمِ وَجَعَلَهُمْ مُلُوكهَا وَسُكَّانهَا ) ، ويتضمن هذا الاستخلاف أيضا أنواع متعددة من الاستخلاف – تمثل مراحل متعددة للاستخلاف العام للامه منها :
ا/ استخلاف الامه في الماضي(استخلاف الامه الأول): وهو استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة، وقد كان قائما على الاتصال الزمانى بالاستخلاف المثال بنوعيه النبوي” والاقتدائى”الراشدي”، كما كان قائما على الاتصال المتناقص بالاستخلاف المثال بنوعيه ، بمعنى انه تضمن انقطاع قيمي تدريجي عنه ، وقد أشار إليه الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والطبراني في المعجم الكبير ، وابن حبان في صحيحة بإسناد جيد عن أبي إمامة الباهلي (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضاً: الحكم، وآخرهن الصلاة) ،والمقصود بالحكم فى الحديث القضاء، قال المناوي( وقد كثر ذلك في زماننا حتى في القضية الواحدة تنقض وتبرم مرات بقدر الدراهم”) وقد أشار ابن كثير إلى هذا الاستخلاف في قوله (وَلَمَّا قَصَّرَ النَّاس بَعْدهمْ – اى الصحابة - فِي بَعْض الْأَوَامِر نَقَصَ ظُهُورهمْ بِحَسْبِهِمْ .. ).
ب/ استخلاف الامه في الحاضر (استخلاف الامه الثاني): وهو استخلاف الامه في الحاضر ، وتحققه يكون بعد انقطاع زماني وقيمي عن الاستخلاف المثال بنوعيه ودليله الحديث : روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه الله)، ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) (أخرجه أحمد (30/355 حديث 18406)، والبزار والطبراني في الأوسط (6577) ، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وحسنه الأرناؤوط) . وأدله هذا النمط من أنماط الاستخلاف تشير إلى عدد غير معلوم من أنماط الاستخلاف –
ج/ استخلاف الامه في المستقبل(استخلاف الامه الأخير) : وهو استخلاف الامه آخر الزمان-والذي هو ممكن الوقوع في كل زمان- وهو مرتبط بظهور المهدي ونزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، وغيرها من اشراط الساعة الكبرى ، اى الظهور الأكبر لاشراط الساعة .
الاستخلاف ومنهج التغيير ” كيفيه ومراحل تحقيق الاستخلاف “:هناك مرحلتين أساسيتين للتغير:المرحلة الأولى هي مرحله الانتقال مما هو كائن، إلى ما هو ممكن ، والتي يمكن التعبير عنها بمصطلح الاستطاعة ، ومن أدلتها: تقرير النصوص لقواعد متعددة مها قاعدة الاستطاعة (فَاتّقُوا ْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ). ولهذه المرحلة مستويان : مستوى أصلى هو مستواها الاعتقادى ومستوى فرعى هو مستواها العملي، أما المرحلة الثانية فهي مرحله الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي أن يكون ، ويمكن التعبير عنها بمصطلح العزم ، و من أدلتها مفهوم العزم الذي يرتبط بما ينبغي أن يكون كما في قوله ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )( الشورى: 43 ) ، وهذه المرحلة لها مستويان مستوى أصلى هو مستواها العملي ، ومستوى فرعي هو مستواها الاعتقادى.
ثنائيه "الاستكبار-الاستضعاف" وتعطيل الاراده الشعبيه والاستخلاف وتفعيلها ومراحلها: غاية الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية ، أما غاية ثنائيه الاستكبار/ الاستضعاف إلغائها– وهو ما يؤدى إلى تعطيلها وليس إلغائها ،اما مراحل تفعيل وتعطيل الاراده الشعبية العربية عبر مراحل الاستخلاف " أو الاستكبار- الاستضعاف" التكويني “السياسي" لامه التكوين”الامه العربية ألمسلمه” فهي:
أولا: في مرحله الاستخلاف العام الأول للامه : تضمنت هذه المرحلة مراحل تعطيل وتفعيل الاراده الشعبية التالية :ا/ التعطيل الاستبدادي”الداخلي “، والمتمثل عدم الالتزام – بدرجات متفاوتة – بقيمه الشورى ،التي كانت متحققة في مرحلتي الاستخلاف النبوي والراشدي، ب/ التعطيل الغزوى “الخارجي” والمتمثل في تعرض الامه لغزوات متتالية” المغول والتتار، الصليبين، الاستعمار القديم …” ، ج/ التفعيل الزعامي ،ويتمثل في نجاح الاراده الشعبية العربية في تحقيق أهدافها”، والتي تتضمن نجاحها في مقاومه وهزيمة الغزوات المتتالية من خلال توحدها خلف الزعماء التاريخيين الامه، فانتصرت في كثير من المعارك الفاصلة ضد الاستكبار العالمي ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ا/ معركة عين جالوت ( 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260) ، بقيادة قطز قائد جيش المماليك ضد المغول ، ب/ معركة حطين ( 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 ) ، بقيادة صلاح الدين الايوبى ضد الصليبيين ، ج/ حرب السويس ” العدوان الثلاثي” 1956، ضد الاستعمار القديم (البريطاني الفرنسي) بقياده جمال عبد الناصر قائد حركه التحرر العربي من الاستعمار القديم والجديد "الامبريالي" والاستيطاني" الصهيوني" ، فمرحله التفعيل الزعامي للاراده الشعبية العربية ، هي جزء من المستوى السياسي للاستخلاف العام الأول للامه في شكله التكويني،لان أهم مظاهره تحققت فيها ، و هي وحده الامه وتوحد الاراده الشعبية ، التي يلزم منها تحررها من العدوان الخارجي، تأكيدا لذلك وضع بعض العلماء خلفاء بني أميه ضمن الخلفاء الذين تجتمع عليهم الامه ، ويكون الإسلام في عهدهم عزيزا - كما في الحديث - لأنهم حققوا وحده الامه ، وبصرف النظر عن موقفهم من باقي مواقف العهد الاموى- وهو تقييم موضوعي،اقره الإسلام كما في قوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) ، لأنه لا يرتب على الإقرار بالسلبيات إنكار الايجابيات ، يقول أبو العباس القرطبي (أنَّ هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بَعْدَهُ وبَعْدَ أصحابه ، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أُمَيَّه ، ويعني بالدِّين : الملك والولاية ، وهو شرح الحال في استقامة السَّلْطَنَةِ لهم ، لا على طريق المدح) (المفهم:4/8-9)
ثانيا: فى مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه : وتضمنت مراحل متعددة لتعطيل وتفعيل الاراده الشعبية العربية ،وأهمها مرحله التعطيل الارتدادي، وهذه المرحلة هي مرحله الانتهاء “الفعلي ” للاستخلاف العام الأول للامه- مع تضمنها مؤشرات لبداية الاستخلاف العام الثاني للامه - وهى مرحله التي بدأت بتولي الرئيس / محمد أنور السادات السلطة في مصر1970، ومحاولته الارتداد “السياسي “عن مجمل سياسيات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، المتسقة مع أهداف الاراده الشعبية العربية فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة – بدعم من الغرب بقياده الولايات المتحدة الامريكيه والكيان الصهيوني - بانتقاله من مناهضه الاستعمار بكافه أشكاله، إلى التبعية للولايات المتحدة ، ومن مناهضه الكيان الصهيوني إلى توقيع معاهده سلام معه- ما يعنى إعطاء شرعيه للاغتصاب الصهيوني لفلسطين – ومن التنمية المستقلة إلى تطبيق النظام الراسمالى الربوى تحت شعار الانفتاح الاقتصادى ، ومن التضامن العربي إلى القطيعة مع الدول العربية… ثم سير عدد من الانظمه العربية في نفس هذا الخط . وفى هذه المرحلة تعطلت الاراده الشعبية العربية على المستوى السياسي ، نتيجة لتردى النظام السياسي العربي من التجزئة” الشعوبية ” إلى التفتيت” الطائفي “، وانزلاق بعض أجزاء النظام السياسي العربي نحو الفوضى .
مرحلتى” ظهور” الاراده الشعبية العربية على المستوى الشعبي (التفعيل الجماهيرى): غير أن التعطيل “الارتدادي” للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ، أدى إلى ظهور الاراده الشعبية العربية على مستوى آخر هو المستوى الشعبي ، فضلا عن انه مهد الطريق أمام انتقال الاراده الشعبية العربية من مرحله التفعيل الزعامي، إلى مرحله التفعيل الجماهيري لها ، والتي يدعمها تطور وسائل الإعلام والاتصال وظهور الخاصية التفاعلية للإعلام.) ، وتشمل هذه المرحلة مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربية على المستوى الشعبي ، وهما مرحلتي التفعيل التلقائي والتفعيل ألقصدي .
ا/ التفعيل التلقائي: و قد أخذت هذه المرحلة شكل رد الفعل العاطفي الانفعالي ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، ومراحل تطبيق المشاريع ، التي تهدف إلى – أو يلزم منها – إلغاء الإرادة الشعبية العربية"كمشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي - الصهيوني" .وقد حققت الاراده الشعبية العربية في هذه المرحلة العديد من الانتصارات، التي توجت بالموجه الأولى من ثوره الشباب العربي التي نجحت إسقاط عدد من الانظمه الاستبدادية بأساليب سلميه في بعض الدول العربية، قبل أن تنجح القوى التي تتعارض مصالحها مع غايات الاراده الشعبية العربي في تحويل مسارها في دول عربيه أخرى،إلى صراع طائفي مسلح.
ب/ التفعيل ألقصدي: إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة “التفتيت”، يزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى – وخاصة أجزائه التي تتصف بضعف الروابط الوطنية والقومية ، لشيوع الطائفية أو القبلية أو العشائرية فيها – وهذا ما يقتضى ضرورة انتقال الاراده الشعبية العربية، إلى مرحله جديدة من مراحل تفعيلها، وهى المرحلة ألقصديه ، والتي تتجاوز رد الفعل العاطفي- التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي “اى القائم على تأسيس مؤسسات ،هيئات ، منظمات،لجان ….شعبيه ، تعبر عن الاراده الشعبية في كل المستويات “، والذي يهدف إلى تحقيق ما هو ممكن من خطوات ، تجاه أهداف الاراده الشعبية العربية ، بأساليب سلميه. وهنا يمكن الحديث عن الموجه الثانية من ثوره الشباب العربي.
شروط الاستخلاف : تشير الايه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ… ﴾ إلى الوعد الالهى بالاستخلاف- والاستخلاف هنا مفهوم شامل ذو أبعاد متعددة ، ولا يجوز اختزاله في بعد معين كالبعد السياسي مثلا كما يفعل مذهب التفسير السياسي للدين "الإسلام السياسي "، كما تشير الايه إلى أن تحقيق هذا الوعد الالهى معلق بمعرفه والتزام شروطه الذاتية ( والتي عبر القران عن جملتها بالإيمان ) ، والموضوعية ( والتي عبر القران عن جملتها بالعمل الصالح) ، وقد بين الإسلام كدين ” ممثلا في القران والسنة” شروط الاستخلاف في كل زمان ومكان ، وترك للمسلمين أمر الاجتهاد في تحديد شروط الاستخلاف في المكان والزمان المعينين ، وفيما يلي نبين شروط الاستخلاف النصية المطلقة اى شروط استخلاف الامه في كل مكان ” كل أمم وشعوب أمه التكليف”، و كل زمان” ماضي وحاضر ومستقبل الامه ” ، وشروط الاستخلاف الاجتهادية المقيدة ، اى شروط استخلاف الامه في مكان معين ” الامه العربية المسلمة بشعوبها المتعددة “، وزمان معين “الحاضر”:
أولا: الاستخلاف السياسي :ا/ شروطه النصية المطلقة : وتتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي تضبط النشاط السياسي للمجتمع ،والتي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ،كالمفاهيم الكلية: إسناد الحاكمية (السيادة أو السلطة المطلقة ) لله وحدة ﴿ …إن الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ﴾ ( يوسف: 40)، واستخلاف الجماعة في إظهار حاكمتيه تعالى ، بإسناد الأمر (السلطة المقيدة بالحاكميه"السيادة"الالهيه) إليها، قال تعالى ﴿ وأمرهم شورى بينهم﴾، أما الحاكم فهو نائب ووكيل عن الجماعة لها حق تعيينه ومراقبته وعزله إذا جار ، وكالقيم الكلية:الشورى والعدل والمساواة..ب/ شروطه الاجتهادية المقيده ( الحرية ): وتتمثل في الحرية - طبقا لمفهومها الاسلامى، المتضمن للشورى والديموقراطيه”طبقا لدلالتها التي العامة التي لا تتناقض مع الفلسفة السياسية الاسلاميه ، والمقيدة بمفاهيمها وقيمها وقواعدها الكلية” - وتحرير الاراده الشعبية الوطنية والقومية – كحل لمشاكل الاستبداد والتبعية السياسية :اى الاستعمار بشكله القديم” القائم على الاحتلال العسكري” ، والجديد” الامبريالي القائم على التبعية ألاقتصاديه” ، والاستيطاني ” ومنه الاحتلال الصهيوني لفلسطين” ، كمظاهر لثنائيه الاستضعاف – الاستكبار السياسي الداخلي والخارجي.
ثانيا : الاستخلاف الاقتصادي:ا/ شروطه النصية المطلقة : وتتمثل شروط في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي تضبط النشاط الاقتصادي للمجتمع، والتي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة،كالمفاهيم الكلية: إسناد ملكية المال (اى حق التصرف المطلق في المال) لله تعالى وحده ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ (النور: 33)،وكون الجماعة مستخلفه في الانتفاع به بالاصاله ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ (الحديد: 7)،وهو ما يتحقق بان تتولى ألدوله كممثل للجماعة أداره مصادر الإنتاج الاساسيه، أما الفرد فمستخلف في الانتفاع بالمال بالتبعية ، وبالتالي فان انتفاعه به مشروط بعدم التعارض مع مصلحه الجماعة(الوظيفة الاجتماعية للملكية).وكالقيم الكلية التي أهمها العدل الاجتماعي بشرطيه تكافؤ الفرض وعدالة توزيع الثروات ، كغاية للنشاط الاقتصادي للدولة الاسلاميه، بالاضافه إلى إشباع الحاجات الاساسيه للجماعة.ب/ شروطه الاجتهادية المقيدة (التنمية المستقلة و العدالة الاجتماعيه) : وتتمثل في التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية – طبقا لمفهومها الاسلامى- كحل لمشاكل التخلف والتبعية الاقتصادي والظلم الاجتماعي ، كمظاهر لثنائيه الاستضعاف- الاستكبار الاقتصاديين .
ثالثا: الاستخلاف الاجتماعي:ا/ شروطه النصية المطلقة : و تتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي ضبط النشاط الاجتماعي للمجتمع ، والتي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة .ب/ شروطه الاجتهادية المقيدة (الوحدة): و تتمثل في الوحدة (الوطنية والقومية “العربية” والدينية “الاسلاميه”)- طبقا لمفهوم واقعي-عملي “تدريجي /سلمى /مؤسساتي” – كحل لمشكله التقسيم والتجزئة والتفتيت.
رابعا: الاستخلاف الحضاري :ا/ شروطه النصية المطلقة : وتتمثل شروط في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي تضبط النشاط الحضاري للمجتمع، والتي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة .ب/ شروطه الاجتهادية المقيده( الاصاله والمعاصرة والتجديد) : وتتمثل في الجمع بين الاصاله والمعاصرة ، من خلال الالتزام بمفهوم التجديد طبقا لضوابطه الشرعية ، كحل لمشاكل الهوية المتمثلة في الانشطار بين الجمود والتغريب الحضاري)
________________________
للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة الموقع التالي:
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com