فلسفه الطب الاسلامى المقارن
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
الاستخلاف والأساس الفلسفي(الانسانى – الروحي) لفلسفه الطب الاسلامى : يمثل الاستخلاف المفهوم المحوري في الأساس الفلسفي لفلسفه الطب الاسلامى ، لأنه يمثل – كعلاقة – الحكمة “الفلسفة” الإسلامية ، التي تحاول تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف الثلاثة : المستخلف” الله تعالى” والمستخلف”الإنسان” والمستخلف فيه “الكون” ، كما انه يمثل – كمفهوم- احد المفاهيم الكلية التي تستند إليها هذا الحكمة ” الفلسفة ” الاسلاميه- بالاضافه إلى مفهومي التوحيد والتسخير- والاستخلاف لغة النيابة والوكالة (الفخر الرازي، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب،ج26،ص199). وإذا كانت الوكالة نوعان: عامه وخاصة فان الاستخلاف ورد في القران بما يقابل هذين النوعين، فقد ورد بمعنى الوكالة العامة ، وطبقا للمعنى الحقيقي للمصطلح ،وهو هنا يعنى أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين ، كما في الاستخلاف التكويني الذى أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾. كما الاستخلاف ورد بمعنى الوكالة الخاصة، وطبقا للمعنى المجازى للمصطلح، حيث يصور القران الكريم الوجود بمملكه ملكها الله تعالى ، والإنسان نائب ووكيل عنه في الأرض،تكريما للإنسان، وهو الاستخلاف التكليفى ، يقول الراغب الاصفهانى (ألخلافه النيابة عن الغير إما لغيبه المنوب عنه… وإما لتشريف المستخلف)( المفردات في غريب القران ، ص156 )، ومضمون الأخير إظهار الإنسان لربوبية وإلوهيته الله تعالى في الأرض ،على المستوى الصفاتى، على وجه الاختيار، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة، يقول الالوسى ( فلابد من إظهار من تم استعداده وقابليته ليكون مجليا لي ومراه لاسمائى وصفاتي)( روح المعنى،ص223)، وقد أشارت العديد من النصوص إلى هذا النوع من الاستخلاف بقسميه الخاص المقصور على الأنبياء، والعام الشامل للجماعة : قال تعالى ﴿ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره﴾،- و في السيرة: قال الصحابي للرسول (صلى الله عليه وسلم)( تأذن لي يا خليفة الله أضرب عنقه) ( أبي داؤد, حدود,3ك).. وعن السلف الصالح: قال المغيرة لعمر: (يا خليفة الله فقال ذاك نبي الله داؤد)( التاج في أخلاق الملوك, بيروت, 1955 هامش ص162). وقال الإمام ابن تيميه ( … وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة الله على الأرض قد وكل أعوانًا يمنعون الداخل من تقبيل الأرض، ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض…) ( الفتاوى/ زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور/حكم وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وتقبيل الأرض).وهذه الفلسفة الاسلاميه ذات طبيعة إنسانيه – روحيه ، تنتهي إلى التأكيد قيمه الوجود الانسانى،وإثبات هذا الوجود بأبعاده المتعددة :المادية والروحية ،كوجود محدود تكليفيا بالسنن الالهيه ” الكلية والنوعية “، التي تضبط حركه الوجود” الشهادى “الشامل للوجود الطبيعي ” المسخر، و الانسانى “المستخلف”، فهي تجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى بأبعاده المتعددة علاقة تحديد وتكامل ، وليست علاقة إلغاء وتناقض ” كما في الفلسفات الانسانيه الغربية.
التوازن بين الأبعاد المادية والروحية للإنسان : ففلسفه الطب الاسلامى تستند إلى فلسفه إسلاميه للوجود الانسانى، قائمه على أن الوجود الانسانى "المستخلف" ليس وجود بسيط ، بل هو وجود مركب من أبعاد ماديه"حسية شهاديه" وروحيه"غيبيه" متفاعلة ، وضرورة تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد المتعددة ، فهى ترفض إشباع حاجاته المادية وتجاهل حاجاته الروحية، كما ترفض إشباع حاجاته الروحية وتجاهل حاجاته المادية ،وتدعو إلى إشباع حاجاته المادية والروحية معا قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77]. وقال تعالى(قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). [الأعراف:32]. وهنا يجب تقرير أن علماء الإسلام قد قالوا باولويه إشباع حاجات الإنسان المادية ، على إشباع حاجاته الروحية، اولويه ترتيب لا اولويه تفضيل ، يقول الإمـام الغزالي(صلاح الأبدان مقدم
على صلاح الأديان).
الجمع بين الدين والدنيا: فهذه الفلسفة الانسانيه للوجود الانسانى –التي تستند إليها فلسفه لطب الاسلامى - ترفض التركيز على الدنيا وتجاهل الدين ، كما يرفض التركيز على الدين وتجاهل الدنيا ، وتقوم على الجمع بين الدنيا والدين .
الدولة الاسلاميه مسئوله عن توفير الرعاية الصحية : اتساقا مع ما سبق أكد علماء الإسلام على أن للدولة الاسلاميه وظائف دينيه ودنيويه متعددة ومتفاعلة ، يقول الماوردي (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا):أولا: الوظيفة الدينية (حراسه الدين): الوظيفة الدينية للدولة الاسلاميه تتمثل فيما أطلق عليه علماء الإسلام حراسه الدين ، ومضمونه حفظ النظام القانوني الاسلامى وقوه الإلزام فيه ، وما يقتضيه هذا الإلزام من تشريع (تقنيين) واداره وقضاء تنفيذ وتنظيم للقوه ... وضمان نفاذ قواعده.الجماعة (المجتمع). ثانيا : الوظائف الدنيوية (سياسة الدنيا): أما الوظائف الدنيوية للدولة الاسلاميه فهي متعددة ، ،وقد عبر علماء الإسلام عن جملتها بسياسة الدنيا، وتتضمن الوظيفة الاقتصاديه للدولة.والتى تنطلق من كون الدولة الإسلامية هي نائب ووكيل عن الجماعة المسلمة (المستخلفة أصلا من الله تعالى"مالك المال" في الانتفاع بالمال) في تحقيق مصلحتها، وبلغة علم الاقتصاد أن احد الغايات الأساسية للدولة الإسلامية هي إشباع الحاجات المادية والروحية المتجددة للجماعة كوكيل ونائب عنها ،ويتضمن ذلك ان تقوم الدولة الاسلاميه بتوفير الرعاية الصحية الضرورية للجماعة وأدلة ذلك ما ورد في السيرة إن نفرا من عيينة قدموا على الرسول(ص) فاسلموا واستوباؤا المدينة و شكوا الم الطحال فأمر بهم الرسول(ص) إلى لقاحة وكان سرح المسلمين بذي الجدر ناحية قباء قريبا من عير ترعي هنالك فكانوا فيها حتى صحوا وسمنوا وكانوا استاذنوة أن يشربوا من ألبانها و ابوالها ( علي عادة القوم في التداوي في زمنهم) فأذن لهم وكان عمر يسأل عن واليه وأحواله مع رعيته وكان مما يسأل عنه عيادته المرض جميعا أحرارهم وعبيدهم فان أجاب رعية الوالي عن خصلة من الخصال بانتفائها من واليهم عزل الوالي لعدم قيامه بحق رعايته).ومر عمر عند مجزئيه الشام علي قوم من المجزومين ففرض لهم شيئا من بيت المال.
مذاهب في طبيعة الطب الاسلامى:
إذا كانت فلسفه الطب الاسلامى قائمه على أن للإنسان بعدين " روحي و مادي "،فان هناك مذهبين في تحديد طبيعة العلاقة بين هذين البعدين، و طبيعة العلاقة بين الإمراض والعلل والمرتبطة بهذين البعدين، وبالتالي تحديد طبيعة الطب الاسلامى .
مذهب الطب الاسلامى كطب بديل "الخلط بين البعدين الروحي والمادي" : المذهب الأول يقوم على الخلط بين البعد الغيبي الروحي للإنسان ،والأمراض والعلل المرتبطة به، والتي يكون علاجها بالقران.و البعد المادي (العضوي والسلوكي) للإنسان ،و الأمراض المرتبطة به (كالأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب والأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي)، والتي يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي...فهذا المذهب يرى أن الطب الاسلامى(الذي يقصره على العلاج بالقران)هو شكل من أشكال الطب البديلAlternative Medicine ) ،اى الذي يستخدم مكان علم الطب أي كبديل عنه.ويستند هذا المذهب إلى ورود عده آيات تصف القران بأنه شفاء.
تقويم :
أولا: هذا المذهب يركز على البعد الروحي للإنسان ويلغى بعده المادي ، وبالتالي فانه لا يعبر عن عن الموقف الحقيقي لفلسفه الطب الاسلامى ،من العلاقه بين البعدين المادي والروحي للإنسان ،والقائم على ضرورة تحقيق التوازن بينهما .
ثانيا:كما أن الآيات التي يستدل بها هذا المذهب تدل على أن القران علاج للأمراض التي ترتبط بالبعد الروحي الغيبي للإنسان والمرتبط بعلاقته بالله تعالى ،ولكن لا تدل على أنه علاج للأمراض التي ترتبط بالبعد المادي(العضوي والسلوكي) له،وهو الأمر الذي تشير إليه كتب التفاسير،فعلى سبيل يقول ابن كثير في تفسير الايه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )(الإسراء:82) (... أَيْ يُذْهِب مَا فِي الْقُلُوب مِنْ أَمْرَاض مِنْ شَكّ وَنِفَاق وَشِرْك وَزَيْغ وَمَيْل فَالْقُرْآن يَشْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلّه وَهُوَ أَيْضًا رَحْمَة يَحْصُل فِيهَا الْإِيمَان وَالْحِكْمَة وَطَلَب الْخَيْر وَالرَّغْبَة فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ ... ).
ثالثا:كما أن الرسول(صلى الله عليه وسلم ) حث على التداوى، وهذا ما يعنى انه صلى الله عليه وسلم لم يقصر العلاج على العلاج بالقران الكريم.
مذهب الطب الاسلامى كطب شامل " الارتباط والتمييز بين البعدين الروحي والمادي": أما المذهب الذي يعبر- فيما نرى - عن الموقف الحقيقي لفلسفه الطب الاسلامى ، من العلاقه بين البعدين الروحي والمادي للإنسان، والقائم على ضرورة تحقيق التوازن بينهما – فهو المذهب الثاني الذي يرى أن البعد الغيبي الروحي للإنسان لا يلغى البعد المادي، له ولكن يحده ، وان العلاقة بينهما علاقة وحده لا خلط وتمييز لا فصل.وانه يجب التمييز (لا الفصل) بين نوعين من الأمراض أو العلل:
الأولى:ترتبط بالبعد العضوي (الأمراض العضوية التي يتناولها علم الطب) والسلوكي (الأمراض النفسية التي يتناولها علم النفس الإكلينيكي -الطب النفسي) للإنسان والسنن الإلهية التي تضبط حركته. وهنا يكون علاجها كيميائي أو جراحي أو سيكولوجي قال تعالى ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) ...وفى تفسير ابن كثير( أي: إذا وقعت في مرض فإنه لايقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه).و قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" البخاري.ورواه أيضا النسائي وابن ماجة مع الزيادة : "علمه من علمه وجهله من جهله" وأخرجه أيضا بهذه الزيادة ابن حبان والحاكم وصححاه.
الثانية:تربط بالبعد الغيبي الروحي للإنسان،ويكون علاجها بمعرفة والتزام القواعد الموضوعية المطلقة التي مصدرها الوحي. وهنا يأتي العلاج بالقرآن...غير أن هذا لا يعني إلغاء العلاقة بين النوعين من العلل، فما هو روحي يحد ما هو مادي ولا يلغيه، وبالتالي فإن العلاج الروحي بالقران يحد العلاج المادي الذي يقدمه علم الطب فيكمله ولكن لا يلغيه. وطبقا لهذا المذهب فان الطب الاسلامى هو شكل من أشكال الطب الشامل comprehensive Medicine الذي يجمع بين العلاج المادي الذي يقدمه علم الطب،والعلاج الروحي الذي يقدمه القران،وان الأخير هو شكل من أشكال الطب المكمل Medicine Complementary اى الذي يُستخدم مع علم الطب أي يكمله .
العلاج بالقران الكريم : وقد اتفق العلماء على العلاج بالقران الكريم باعتباره احد أساليب العلاج في الطب الاسلامى، استنادا الى النصوص القرانيه التي تصف القران بأنه شفاء كقوله تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، والأحاديث الوارده في الرقية - والتي تشمل ايات قرانيه – كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم )لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ " ارْقِيهِمْ "( مسلم) .لكن هناك مذهبين في تحديد طبيعة العلاج بالقران الكريم :
المذهب الأول : الاطلاق: هو مذهب يطلق العلاج بالقران الكريم من اى ضوابط تكوينيه(فهو يرى انه علاج "مادى" لكافه الامراض، و "بديل" لعلم الطب) أو تكليفيه (فلا يهتم بالالتزام بالضوابط التي أشارت إليها نصوص أخرى للعلاج بالقران وغيره ).
المذهب الثاني : الضبط :وهو المذهب الذي يرى وجوب الضبط الشرعي للعلاج بالقران الكريم ، من خلال تقييده بضوابط تكوينية (فهو علاج "روحي" للإمراض المرتبطة بالبعد الروحي للإنسان ومكمل لعلم الطب) ، وضوابط كليفيه وردت في النصوص و أشار إليها العلماء منها:
• أن يحد العلاج بالقران العلاج بعلم الطب فيكمله ولكن لا يلغيه.
• أن لا تكون غاية المعالج بالقران استغلال الناس لتحقيق الربح بل رضا الله تعالى ونفع الناس لقوله تعالى (ولا تشتروا باياتى ثمنا قليلا..)، وهو ما قرره العديد من العلماء.
• أن تكون الأجرة بشرط الشفاء، يقول ابن تيمية ( وكان الْجُعْل على عافيةِ مريض القوم لا على التلاوة ) (مجموع الفتاوى 18 / 128 ) ، وقال - أيضاً - : ( فإن الْجُعل كان على الشفاء لا على القراءة ) ( مجموع الفتاوى 20 / 507 ). لذا قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي : ( لا يجوز الجعل على إخراج الجان من الإنسان لأنه لا يعرف حقيقته ولا يوقف عليه وكذا الجعل على حل المربوط والمسحور ) ( نقلا عن كتاب الشرك ومظاهره للميلي ص 169
• عدم اتخاذ العلاج بالقران كحرفه ، إذ لم يعرف ذلك عن السلف ،وحديث أبي سعيد ألخدري وقع في الروايات الصحيحة الثابتة الدلالة على أن الذي رقى هو أبو سعيد الخدري إما تصريحا وإما بالتورية . لم يصبح أبو سعيد رضي الله عنه يرقى الناس بعد ذلك واتخذ ذلك خاصا به يقصده الناس لأجله ولا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
• يترتب على ما سبق عدم جواز تحديد اجر ثابت ومسبق وجواز اخذ ما يدفعه المعالج برضاه وحسب سعته.
• أن لا يتخذ العلاج بالقران كوسيلة لتزكيه النفس، أو أن يعتقد المعالج انه واسطة بين الناس والله تعالى(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)،فقد روي أن رجلا جاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال : يا صاحب رسول الله استغفر لي ، فاستغفر له ، فجاءه آخر فقال استغفر لي فقال : لا غفر الله لك ولا له ، أو تحسبني نبي ) ( أبو اسحق ألشاطبي ، الاعتصام)
• لذا فان الأصل في السنة النبوية أن يرقى الإنسان نفسه وأهله ( الدكتور علي بن نفيع العلياني، الرُّقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة واتخاذها حرفة “ ط . دار الصفوة القاهرة ص 75 - 79 ) فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ. وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ" مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ " .قَالَتْ لاَ وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ . قَالَ " ارْقِيهِمْ ". قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ " ارْقِيهِمْ " مسلم .
النظرة الايجابية للصحة والطب: وفلسفه الطب الاسلامى تعارض المذاهب والفلسفات التي تنظر للصحة نظره سلبيه وتمنع العلاج وتحط من مكانه الطب، وتعتبر المرض ظاهره ايجابيه –أو على الأقل أمر واقع - يجب القبول بها ، لأنها تركز على البعد الروحي للإنسان وتتجاهل بعده المادي للإنسان، أو لأنها قائمه على أساس جبري يلغى حرية الاراده الانسانيه. فهي تنظر إلى الصحة نظره ايجابيه ، وتحث على العلاج ،وتعلى من مكانه الطب ، وتعتبر المرض ظاهر سلبيه يجب تغييرها - استنادا إلى جمع التصور الاسلامى للوجود بين البعدين الروحي والمادي للإنسان "بمفهوم الوسطية " ،وانطلاقا من ان تقرير المنهج الاسلامى أن العلاقة بين الاراده الالهيه المطلقة، والاراده الانسانيه المحدودة، علاقة تحديد وتكامل وليس إلغاء وتناقض .اى ان الاراده الالهيه تحد الاراده الانسانيه –تكوينيا من خلال السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود ، وتكليفيا من خلال مفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية- كما يحد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ، ولكن لا يلغيه .قال تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) فالايه لا تنفى وجود مشيئة إنسانيه،و لكنها تجعل موافقتها للمشيئة الالهيه شرط لفاعليتها.
الصحة نعمه إلهيه: فقد أشارت النصوص إلى أن الصحة - التي عبرت عنها بمصطلح" المعافاة "- من اكبر النعم إلالهيه، التي تستوجب الشكر في الدنيا ، والسؤال عن كيفيه توظيفها في الاخره: روى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن محصن الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ( من أصبح معافى ، في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ). قال تعالى (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال بعض السلف الصالح في تفسير الايه" أي عن الصحة"، استنادا إلى الحديث الذي رواه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) أنه قال: " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له. ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد) ، . روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال للعباس( يا عباس يا عم رسول الله سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة) . لذا حث النصوص على طلب الصحة "العافية " ،يقول الرسول(صلى الله عليه وسلم) " اسألوا الله العافية، فإنه ما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة " .
الابتلاء غير مقصور على ما هو سلبي : وإذا كانت فلسفه الطب الاسلامى قد قررت أن المرض هو ابتلاء الهي ، إلا إن مفهوم الابتلاء في فلسفه الطب الاسلامى غير مقصور على الظواهر السلبية- كما يتصور البعض- بل هو امتحان واختبار للاراده الانسانيه الحرة- ألمكلفه- وهو يكون بما هو سلبي "كالمرض... ". وما هو ايجابي"كالصحة..." قال تعالى" لنبلونكم بالخير والشر فتنه".وقال الرسول(صلى الله عليه وسلم )(عجبت لامر المؤمن كله خير ان أصابه خير شكر ، وان أصابه شر صبر)،لذا أقرت بعض النصوص تقديم الشكر على العافية " الصحة" على الصبر على الابتلاء "المرض قال أبو الدرداء لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) " لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر" فقال الرسول(صلى الله عليه وسلم ) " الله يحب معك العافية ، كما قررت بعض النصوص ان مصدر الابتلاء ليس بالضرورة غضب الهى على إنسان معين ، بل قد يكون مصدره حب الله تعالى لهذا الإنسان المعين، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (مما أحب الله قوما إلا ابتلاهم ،وعلى قدر الابتلاء يكون الجزاء، فمن رضي له الرضا ومن سخط له السخط ) ،ذلك ان المرض يكفر الذنوب ويرفع الدرجات إذا تلقاه المسلم من غير نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .
تقرير العلماء ان الطب من اشرف المهن : ويتضح إعلاء فلسفه الطب الاسلامى من مكانه الطب من خلال تقرير العلماء المسلمين ان مهنة الطب من أشرف المهن . يقول ابن أبي أصيبعة في مقدمة كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ( صناعة الطب من أشرف الصنائع ، وأربح البضائع ، وقد ورد تفصيلها في الكتب الإلهية والأوامر الشرعية ، حتى جعل علم الأبدان قريناً لعلم الأديان ... ) .
الرعاية الصحية: تتضمن فلسفه الطب الاسلامى الحث على الالتزام بمبادئ الرعاية الصحية الثلاثة ( الوقاية والعلاج والتأهيل ):
أولا: الوقاية"الطب الوقائي ": فقد أشارت العديد من النصوص إلى كثير من قواعد الوقاية الصحية ومنها:ا/الوقاية من الأمراض المعدية: فقد أشارت النصوص إلى قاعدة عدم مخالطه الصحيح للمريض المصاب بمرض معدي، للوقاية من الأمراض المعدية : ورد عن أبي هريرة(رضي الله عنه) قال: قال رسول الله : "(صلى الله عليه وسلم)( لا يوردن ممرض على مصح)، كما أنه(صلى الله عليه وسلم) علم أن في وفد ثقيف رجلا مجذوما فأرسل إليه يقول له (ارجع فقد بايعناك ) . ب/الحجر الصحي والوقاية من الاوبئه : كما أشارت النصوص إلى قاعدة الحجر الصحي للوقاية من الاوبئه : لما خرج عمر (رضي الله عنه) إلى الشام ووصل إلى سرع ، بلغه أن الوباء قد وقع بها، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله r قال: " إذا "سمعتم به (أي الوباء الطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه" فرجع عمر . ج/السلامة والوقاية من الحوادث:كما أشارت النصوص إلى بعض قواعد ألسلامه -التي تهدف إلى تجنب الحوادث باز اله أسبابها- للوقاية من الحوادث :قال الرسول صلى الله عليه وسلم )( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون " وفي حديثه(صلى الله عليه وسلم) عن أبي ذر (رضي الله عنه) إرشادك الرجل في أرض الضلالة صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة) . د/الوقاية من الأمراض الوراثية:كما أشارت النصوص إلى بعض قواعد الوقاية الصحية من الأمراض الوراثية ومنها :الحث على الزواج بالاصحاء-على سبيل التفضيل لا الأمر والوجوب - كما في قوله (صلى الله عليه وسلم)( تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ) ، والتحذير من زواج الأقارب- على وجه الكراهة لا التحريم - فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال( غربوا النكاح). ه/الوقاية من بعض الأمراض بتجنب أسبابها : كما أشارت النصوص إلى بعض قواعد الوقاية الصحية ، التي تؤدى إلى الوقاية من بعض الأمراض بتجنب أسبابها ، ومنها :الالتزام بالنظافة التي تؤدى الى الوقاية من الأمراض التي يسببها التلوث :قال الرسول (صلى الله عليه وسلم )( (تخللوا فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة ) (34. ومنها النهى عن الإفراط في الأكل، الذي يؤدى إلى الوقاية من الأمراض التي تسببها البدانة والسمنة المفرطة: قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب، المسرفين ! وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ).
ثانيا: العلاج "الطب العلاجي ": كما حثت النصوص على العلاج من الأمراض ، والذي عبرت عنه بمصطلح "التداوى ": قال الرسول(صلى الله عليه وسلم )( ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) ، وفي مسند الإمام أحمد عن أسامه بن شريك قال " كنت عند النبي(صلى الله عليه وسلم) ، وجاءت الأعراب، فقالوا يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : نعم يا عباد الله، تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفا، غير داء واحد، فقالوا: ما هو؟ قال: الهرم " ، وفي لفظ " أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من عامه، وجهله من جهله ".
ثالثا: التأهيل(الطب التاهيلى) : كما أشارت العديد من النصوص إلى كثير من قواعد التأهيل ومنها: العلاج التعويضي : فقد أقرت النصوص للعلاج التعويضي ، في معرض إباحتها استخدام الذهب في ألجراحه التعويضية من باب الضرورات تبيح المحظورات "لانه محرم على الرجال." كما أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) عرفجه بذلك (دكتور قنديل شاكر شبير / الإسلام وتعاليمه في الحفاظ على الصحة العامة للفرد والمجتمع) .
الأخلاق الطبية (Medical ethics):
تعريفها: هي مجوعه من القيم الأخلاقية، التي تنظم العلاقة بين الطبيب والمريض، وغيره من أطباء وعاملين بالحقل الطبي ، والمتعارف عليها طبيا خلال ممارسة مهنة الطب، والتي تم تبنيها من قبل الهيئات الطبية ، استنادا لقيم دينية وفلسفية وأخلاقية، وتدعمها مجموعة من القوانين واللوائح المنظمة للعمل الطبي.(ويكيبيديا – الموسوعة الحرة )
القيم الاساسيه للأخلاق الطبية : وهناك ست قيم أساسيه في الأخلاق الطبية وهى : أولا: الاستقلال الذاتي: للمريض الحق في اختيار أو رفض طريقة معالجته. ثانيا: المعاملة الحسنة: يجب على صاحب المهنة أن يعامل المريض بكامل الاهتمام.. ثالثا:عدم الإيذاء . رابعا:العدالة : الاهتمام بتوزيع مصادر الصحة النادرة، وتقرير من الذي يستحق أخذ علاج ما . خامسا:الكرامة : للمريض (ومعالِجِه) الحق في الكرامة. سادسا: الصدق والأمانة .
الأخلاق الطبية الاسلاميه : وقد قررت فلسفه الطب الاسلامى الكثير من قيم وقواعد الأخلاق الطبية ومنها:
العلم شرط ممارسه المهن: وهو ما يستفاد من عموم النصوص الحاثة على طلب العلم كقوله تعالى قال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ، كما يستفاد من من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) للشَّمردل المتطبِّب عندما سألَه عمَّا يحل عمله في الطب (لا تُداوِ أحداً حتَّى تعرف داءَه|) [ذكره ابنُ حجر العسقلاني في الإصابة].
المسؤولية الطبية : اتفق الفقهاء على إيجَابُ الضّمَانِ عَلَى الطّبِيبِ الْجَاهِلِ، وأن الطبيب إذا كان من أهل الطب ، وأخطأ فالدية على عاقلته ، و إذا لم يكن من أهل الطب فالدية في ماله ، استنادا إلى بعض النصوص كقوله (صلى الله عليه وسلم )(من طبَّب ولم يُعلَم منه الطبُّ قبلَ ذلك فهو ضامِن) [أخرجه أبو داوود، وأخرجه الحاكم وصحَّحه].يقول الْخَطّابِي( لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنّ الْمُعَالِجَ إذَا تَعَدّى فَتَلِفَ الْمَرِيضُ كَانَ ضَامِنًا وَالْمُتَعَاطِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا لَا يَعْرِفُهُ مُتَعَدّ فَإِذَا تَوَلّدَ مِنْ فِعْلِهِ التّلَفُ ضِمْنَ الدّيَةَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ لِأَنّهُ لَا يَسْتَبِدّ بِذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ الْمَرِيضِ وَجِنَايَةُ الْمُتَطَبّبِ فِي قَوْلِ عَامّةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَاقِلَتِهِ.)
الالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم مهنة الطب :وهو ما يستفاد من عموم النصوص التي الحاثة على طاعة أولى الأمر بالمعروف كقوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
معامله المريض معامله طيبه: وهو ما يستفاد من عموم النصوص الحاثه على معامله الناس معامله حسنه كقوله تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )
أن لا يتضمن العلاج ما هو محرم إلا للضرورة: وهو ما يستفاد من عموم النصوص الدالة على تجنب ما هو محرم كقوله تعالى(ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث). ويستثنى من هذا جواز العلاج بما هو محرم عند الضرورة،استنادا إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات " التي أشارت إليها العديد من النصوص ، ومثال لهذه القاعدة ان الرسول(صلى الله عليه وسلم) أباح لبعض ألصحابه لبس الحرير منهم عبد الرحمن بن عوف لمرض في جلدهم .
عدم إفشاء أسرار المرضى : وهو ما يستفاد من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) الرسول صلى الها عليه وسلم ( المستشار مؤتمن )
احترام التخصص الطبي : وهو ما يستفاد من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) لسعد بن أبي وقاص ، حين أصيب بمرض فى قلبه ( إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلده ، إمام ثقيف فإنه رجل يتطبب ).