استضعفوك فذبحوك :
لم يكن سابقا في ستينيات القرن المنصرم حينئذ دجاج مجمد يباع ولم تكن المجمدات قد دخلت بيوت اكثر الناس وكان الدجاج يُقنى في البيوت ويُسعف ربات البيوت خاصة عند ورود ضيوف ، و كان يكلف الذكور من الاولاد بعملية الذبح و ربما لزرع الشجاعة والجرأة عند الصبيان و لاعتقاد النساء ان الذبح لا يناسب الاناث اللاتي يتصفن عموما بالرأفة و العطف أو لاعتقاد ذلك بانه كراهية في شرعة الدين ، المهم اني كلفت بذبح ديك بعينه من الدجاج الذي نربيه في فناء الدار الخلفي حيث لم يكن بالدار احد من اخوتي ، يسبق ذلك عملية الامساك به والتي طالت حيث كان الديك المرشح للذبح المسكين يهرب و يطير من بين الايدي مرات عديدة ، و اخير حُشر في زاوية و أمسكنا به و سط هياج الدجاح و نقنقته ( قوقأة) و صقاع الديك (صياح) والتي كانت اصوات خوف و نجدة ، ولاني لم يسبق ان ذبحت من بني الدجاج نفسا فقد تلقيت من والدتي التعليمات اللازمة و اؤتي لي بسكين حدت على عجل اودعتها يدي اليمنى و حسب تلك التعليمات وضعت قدمي اليمنى على ساقي الديك و اليسرى على جناحيه وقبضتت باليد اليسرى على رأسه و ترددت ان احز رقبة المسكين ولا بد من القول بسم الله ... الله اكبر ... وانا متوجها الى القبلة و من ثم حززت رقبته حتى قطعت رأسه ثم ثار الدم عنيفا من رقبته فما كان مني الا ان افلته فاخذ يرفس ويقفز من الألم و الدم يتناثر على الارض و الحيطان و ملابسي و سط تعنيف من كان حاضرا عملية الذبح الشاقة ، كان ذلك في عمر التاسعة او العاشرة على ما اظن ولم اكرر ذلك سوى عدة مرات لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة و لا زلت اذكر قول ابي العلاء المعري عندما مرض فوصفوا له مرق الدجاج فأتوه بصحن حساء ديك فامتنع عن اكله و قال : استضعفوك فوصفوك هلا وصفوا شبل الأسد .