بسم الله الرحمن الرحيم
معنى (ألا تطغوا في الميزان) و(ولا تخسروا الميزان)
مقدمه
لقد جاء في محكم تنزيله قوله تعالى: (وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ) (أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ ) ( وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ ) 7-9 الرحمن . كما ورد حديث في ذلك وهو: قال:"أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع" قال الخطابي :في ذلك الميزان هنا مثل وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق (يخفض ويرفع ) أي يوسع الرزق على من يشاء ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى. وقول الله عز وجل أنفق أنفق عليك هو توضيح لحقيقة أن الله هو الرزاق وليس لبشر مقدرة على الكسب دون أن يكون الله قد قدره له. ولهذا وضع الله في قانونه الذي ينظم الحياة الدنيوية أن الإنسان إذا علم أن ذاك المال الذي حصل عليه ويحصل عليه دائماً هو رزق من عند الله قد منحه له وكتبه له من قبل أن يخلقه لينفق منه في سبيله وأنفق بالفعل فسيرضى الله عنه.
إذاً الميزان هو المقياس الموزون الذي قسم به الله رزق العباد فلم يظلم به أحداً. ولما خلق الله الخلق ليعبدوه وحده جعل الأقدار خيرها وشرها فتنة وامتحاناً. والامتحان هو رضى المخلوق بقسمته وصبره عليها. فقسمة الأقدار للخلائق متساوية في باطن الأمر بالرغم من اختلافها والتفاوت فيها في الظاهر. فمثلاً يرزق الله أحداً بجميع النعم فيفرح بها معتقداً أن الله أكرمه دون أن يعلم أن الشقاء مكتوب له من ورائها في وقت معلوم إذا فرح بها ونسي ذكر ربه وصار يبحث عن المزيد من النعم. ويحرم آخر من تلك النعم فيتضجر ظاناً أن الله أهانه أي ظلمه والعياذ بالله- دون أن يعلم أن الله قد كتب له خيراً سيجده في وقت معلوم. فالذي كتب له النعم ولم يصبر عليها والذي لم يكتب له النعم ولم يصبر على حاله متساويان لا فرق بينهما لسقوطهما في الفتنة (أي الإمتحان)
إذاً المخلوق يكون ممتحناً في كلتا الحالتين لقوله تعالى: (فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ) (وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ) 16-17 الفجر ولا فرق بين الامتحانين لقوله تعالى: (إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ( إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً) (وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً ) 19-21 المعارج
وبما أن الله قد نهانا عن تغيير أحوالنا بقوله تعالى: (سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ) 211 البقرة ونهانا أن نفرح بما آتانا وأن لا نأسوا على ما لم نجد بقوله تعالى: (لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) 23 الحديد
فهذا يعني أن الله يريد من كل مخلوق أن يحافظ على قسمته كما أعطاها له الله حتى يكون العدل سائداً كما وضعه الله.
إذاً من يقبل بقسمته ويصبر عليها فقد شكر الله وبالتالي يكون مستقيماً في إيمانه معتدلاً به وغير معوج عنه. فيصير معنى ولا تطغوا في الميزان هو ألا تطغوا على ما قسمه الله لكم بوزن معلوم لتكونوا مستقيمين بإيمانكم، ولا تخسروا الوزن الذي وضعه الله بالميل عنه والبحث عن غيره فتصيروا مائلين عن الحق ضالين. فمعنى ولا تخسروا الميزان هو ان لا تميلوا عن إيمانكم بعدم قبولكم قسمة الله وتغييرها.
فمن يقيم العدل والميزان بالصبر كحال سيدنا أـيوب يجزيه الله خير الجزاء ومن يخسر العدل والميزان إعواجاً بعدم الصبر كحال أبينا آدم وبني اسرائيل يعاقبه الله أشد العقاب.
إذاً علينا أن نتذكر أن إبليس -نستعيذ بالله من شره - هو الذي يوسوس للخلائق ليطغوا في الميزان ويخسرونه والله أعلم