بسم الله الرحمن الرحيم
هل تعدل سورة الزلزلة نصف القرآن
جاء في فضل بعض سور القرآن الكريم أحاديث كثيرة ، منها الصحيح ، وكثير منها ضعيف أو منكر ، ومن ذلك ما جاء في فضل سورة الزلزلة أنها تعدل نصف القرآن ، فقد ورد ذلك في أحاديث منكرة ، وهي :
الأول : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :إذَا زُلْزِلَت تَعدِلُ نِصفَ القُرْآَنِ ) رواه الترمذي (2894) والحاكم (1/754( وفي سنده يمان بن المغيرة العنزي ، قال فيه البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا ، يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك . وقد تفرد يمان بهذا الحديث ، دون جميع أصحاب عطاء ، ومثله لا يحتمل منه التفرد ، بل تفرده منكر .
الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مَن قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ عُدِلَت لَهُ بِنِصفِ القُرْآنِ ) رواه الترمذي (2893( وفي سنده الحسن بن سالم العجلي ، قال المزي : هو شيخ مجهول له حديث واحد ، وقال العقيلي : مجهول في النقل ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات .وفي نفس الوقت جاء في "مصنف عبد الرزاق" (3/372) : عن معمر قال سمعت رجلا يحدث أن إذا زلزلت تعدل شطر القرآن (وعن جعفر عن هشام بن مسلم قال : سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول: ( إذا زلزلت الأرض نصف القرآن ). وروى أبو عبيد عن الحسن البصري مرسلا إذا زلزلت تعدل نصف القرآن ، والعاديات تعدل نصف القرآن ) وجاء عن عاصم بن أبي النجود الإمام المقرئ قوله كان يقال : من قرأ إذا زلزلت فكأنما قرأ نصف القرآن) قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/270) : رجاله ثقات. ويقول المناوي في "فيض القدير" (1/367) لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد، و" إذا زلزلت " مقصورة على ذكر المعاد ، مستقلة ببيان أحواله ، فعادلت نصفه ، ذكره صلى الله عليه وسلم ، ولا يعني أبدا أنها تعدل نصف القرآن في الأجر والمثوبة. .
عليه قررت تفصيل السورة بالأسئلة لأنها من السور القصار التي تحتاج لتفصيل. وتفصيلها يوجد داخل الكتاب. أحسب إ تفصيل السور القصار بالأسئلة والأجوبة هو أسلوب له وزنه في تبيان المعاني. فإذا وصلت الاجابات إلى ما يعدل نصف القرآن يكون الحديث صحيحاً حتى ولو كان سنده ضعيفاً. وإن لم تكن الإجابات تعدل نصف القرآن يعتبر حديثاً لا أساس له من الصحة. وفي اعتقادي أن تفرد بعض السند المنكرين برواية بعض الأحاديث هو دعوة للاجتهاد. والأسئلة هي: ما معنى زلزلة الأرض من القرآن؟ ما هي أثقال الأرض؟ ولماذا تخرج أثقالها؟ وما المقصود بكلمة يومئذٍ؟ وما هي أخبار الأرض؟ من هو الرب الذي أوحى للأرض بأن تتزلزل وتخرج أثقالها؟ لماذا يصدر الناس أشتاتاً ؟ وما هي الأعمال التي سيرونها؟ ما المقصود بمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرى وما المقصود بمن يعمل مثقال ذرة شراً يرى؟
السؤال الأول: ما معنى زلزلة الأرض من القرآن؟
إن زلزلة الأرض في القرآن تعني هزة الأرض الشديدة وحركتها التي تتصدع منها كل جوانبها.
السؤال الثاني: ما هي أثقال الأرض؟
إن أثقال الأرض هي كل ما يوجد تحت الثرى من النباتات والحيوانات والجماد
السؤال الثالث: لماذا تخرج أثقالها؟
إن هذا السؤال قد أجاب عليه رب العباد حيث أوضح أن الإنسان سيسأل نفس السؤال حيث يسأل الانسان نفس السؤال ويقول مالها أي هذه الأرض مالها. فيوضح الله عز وجل أن الأرض يومئذً تحدث عن حالها بأ ما حدث هو وحي من المولى عز وجل. فكل آية في القرآن تحمل هذا المعنى تدخل في الإجابة عن هذا السؤا
السؤال الرابع: ما المقصود بكلمة يومئذٍ؟
المقصود بيومئذٍ هو اليوم الذي سيقوم فيه الناس من موتهم ويرجعون فيه إلى خالقهم ليحاسبهم على أعمالهم. هنالك أربع وعشرون سورة قد أنزلت لتوضيح ذلك اليوم. فهي إذاً تمثل الإجابة عن هذا السؤال. وبالتالي كل هذه السور تدخل في تفصيل الزلزلة
السؤال الخامس: من هو الرب الذي أوحى للأرض بأن تتزلزل وتخرج أثقالها؟
إن رب الانسان الذي أوحى للأرض بأن تخرج أثقالها هو الإله الذي اسمه الله واسمه الرحمن واسمه الرحمن الرحيم و...الخ وهو في هذه الآية تحديداً المالك لكل شيء في الآخرة. ولما كانت هنالك 114 سورة توضح ذلك فكل ما كتب فيهن عن رب العالمين وصفاته وأفعاله واسمائه يدخل في هذه الآية.
السؤال السادس: من هم الناس الذين يصدرون أشتاتاً ؟ ولماذا يصدرون؟
إن الناس الذين سيصدرون أشتاتا هم جميع الأفراد الذين خلقهم الله ليعمروا الحياة الدنيا ويعبدوه. وهم أنفسهم الذين يصدرون أشتاتاً ليحاسبهم الله في ذلك اليوم المقدر لحسابهم.
السؤال السابع: ما هي الأعمال التي سيرونها؟ ما المقصود بقول الله تعالى: من يعمل مثقال ذرة خيراً يرى وما المقصود بمن يعمل مثقال ذرة شراً يرى؟
لقد أوضح الله الأعمال الصالحات (أعمال الخير وهي التي تكسب صاحبها الحسنات) في سور مختلفة وأوضح أيضاً أعمال السوء (أعمال الشر التي تكسب صاحبها السيئات). وقد أوضح الله أن كل من يعمل عملاً ولو بمثقال ذرة من أعمال الخير سيراها مكتوبه وسيحاسب عليها وأن كل من يعمل عملاً ولو بمقدار ذرة من أعمال الشر سيراها وسيحاسب عليها. وفي هذه الآية توضيح إلى ما سيؤول إليه حال الذين عملوا الصالحات وحال الذين عملوا السيئات. فكل الآيات التي تبين هذه الحقائق تندرج تحت هذه الآية
السؤال الثامن: لماذا تعدل سورة الزلزلة نصف القرآن؟
يتحدث القرآن كله عن وحدانية المولى عز وجل بأنه الإله الواحد الأحد الذي خلق كل الخلائق لتعبده في الدنيا وتعمل بالأعمال الموكلة إليهم توكيداً لايمانهم بوحدانيته. وسرد لهم القصص وضرب لهم الأمثال التي تعظهم وتهديهم لعبادته. وأخبرهم بأن الله سوف يحاسبهم بأعمالهم في الحياة الآخرة .ولهذا تحدث القرآن عن حياتين فقط: الحياة الدنيا والحياة الآخرة. فأوضح الله ما في كل منهما . فكل ما ذكر في القرآن ينقسم إلى قسمين: دنيوي وأخروي. وتوكيداً لذلك يتم مقارنة كل ما ذكر في الحياة الدنيا وما ذكر في الحياة الأخرى كالآتي:
- لقد أخبرنا القرآ ن بأن الإله الواحد الأحد في الدنيا هو رب العالمين الذي اسمه الله واسمه الرحمن واسمه الرحمن الرحيم واسمه...الخ وأنه هو نفسه الإله الواحد الأحد في الآخرة. ولكن اسم مكانته في الآخرة هي مالك يوم الدين فهو إذاً رب العالمين في الدنيا الذي اسمه الله واسمه الرحمن واسمه الرحمن الرحيم واسمه...الخ.
- أخبرنا القرآن أيضاً أن الحياة الدنيا تنفسم إلى مرحلتين: مرحلة الحياة والأعمال فيها ومرحلة الموت. كما تنقسم الحياة الآخرة إلى مرحلتين أيضاً: مرحلة (البعث من الموت والحساب) ومرحلة (الخلود الأبدي)
- ذكر القرآن أن رب العالمين الذي اسمه كذا وكذا وكذا هو وحده خالق السماوات والارض وما
فيهما وما بينهما وما تحت الثرى. وقد خلق الله الملائكة لخدمة عرشه. وهو خالق الإنسان, وأن كل نفس ذائقة الموت. ولهذا ستكون تلك النفس في حالة امتحانات باستمرار في الدنيا. والامتحانات هي توحيد الله والعمل بكل الأعمال الموكلة إليه. وأن كل انسان له عمر محدد يموت في نهايته. فكل من في الأرض من الناس سيموتون ويبقى وجه رب العزة وحده. ثم ذكر القرآن أن كل الخلق الذي كان في الدنيا هو نفسه الذي سيكون في الآخرة. بمعنى أن كل الخلق الذي ذكر في الدنيا جاء ذكره في الآخرة. حيث تكون هناللك نفس السماوات والأرض اللاتي يدكهما الله دكاً دكاً. ونفس الملائكة ونفس الناس بعد أن يحيهم الله من موتهم. وكل ما كان مخلوقاً في الدنيا سيكون موجوداً في الآخرة.
- سرد القرآن للناس القصص التي تهديهم لعبادته وذكره وشكره. ثم أوضح انقسام الخلائق في الدنيا لقسمين فريق مؤمن بوحدانية الإله فعمل بمقتضى تعليماته واهتدى بقصصه وأمثاله واتعظ من السيء منها وفريق كفر بوحدانية الإله ولم يعمل بما طلب منه ولم يتعظ بما أوضحته القصص والأمثال. فيذكرهم الله في الآخرة بالقصص التي وعظهم بها والأمثال التي ضربها لهم. إذاً كل شيء ذكر في الأولى ينتقل ذكره في الآخرة. كما ينتقل عمل كل مخلوق معه للآخرة ليحاسب عليه.
- أوضح الله في القرآن أن الفريقين المؤمن والكافر أنهم منعمين في الدنيا. فهم يسكنون في المساكن ويأكلون من خيرات الله ويشربون الماء العذب ومن كل المشروبات الأخرى. أما في الآخرة فقد أخبرنا القرآن باختلاف الحال حيث يقف الناس في المحشر تحت نار الشمس المحرقة لا ينجيهم منها شيء سوى أعمال الخير. فالذين يعملون السيئات في الدنيا سوف يشربون من ماء يغلي البطون كغلي الحميم ويأكلون من شجرة الزقوم وفي نهاية المطاف يخلدون في نار جهنم. أما المؤمنون فيأويهم الله من حر الشمس في ظله يوم لا ظل إلا ظله ويأكلون من خيرات الآخرة ويستمتعون بكل ما لذ وطاب من مشروبات وأخيراً بعد انتهاء الحساب يخلدون في جنات الخلد. وبذلك أوضح القرآن الفرق الشاسع بين نعيم الدنيا الزائل وبين نعيم الآخرة الذي لا يزول.
- بيَّن القرآن للناس أحكام الله وأوامره وزواجره وحدوده وتشريعاته كالصلاة والصوم والزكاة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واكرام الجار و...الخ ونفس هذه الأعمال تسجل وتعطى درجات. فهي تنتقل مع صاحبها للآخرة ليحاسب عليها. فيكون انقسام الناس في الدنيا هو نفس انقسامهم في الآخرة.
وأخيراً يمكننا القول بأن سورة الزلزلة قد اشتملت على نصف ما جاء به القرآن تقريباً . وبالتالي أحسب أن الحديث صحيحاً بالرغم من تضعيف رواته. حيث لم يذكر في القرآن شيء لم نذكره وأن كل ما ذكر في الحياة الدنيا قد ذكر في الحياة الآخرة والله أعلم من قبل ومن بعد.