بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا وحبيبنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معنى سورة الاخلاص
مقدمة
لقد أنزل الله القرآن الكريم منجماً أي مفرقاً ومجزءاً لقوله تعالى: "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً" 106 الاسراء. وقد كان تنزيل القرآن مبنياً على استراتيجية محكمة لتوضيح الرسالة للخلائق وهي: إخبارهم أولاً بوحدانية الله. ومن أجل أن يستوعبوا هذه الأخبار أنزل الله هذه المعلومات في آيات قصيرة محكمة أي مبهمة ليقرأها عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم قراءة متأنية. فتنزل بعدها سور لتفصيل معنى الآيات المحكمات القصار مبهمات المعنى لقوله تعالى: "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" 1 هود. وقد أوضح هذا المعنى حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وهو: أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر. لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنى.
يشير هذا الحديث إلى أن أخبار الوحدانية أي العقيدة قد أنزلت في كتاب جزئي وهو الكتاب الذي أوضحه الله تعالى بقوله (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني.)23 الزمر. أي إن كل ما جاء في كتاب الحديث أي الكلام عن الوحدانية قد جاء متشابهاً متماثلاً يعضد بعضه البعض أي يثني ويؤكد معاني بعضه البعض. فأنزلت آيات الفاتحة أول الأمر محكمات قصار مبهمات المعنى. والحكمة في نزولهن محكمات غير واضحات الدلالة هي: جذب الناس إلى القرآن ومعانيه ليتفكروا فترتبط أفكارهم بها. ثم ينزل بعد ذلك تفصيل الآيات المحكمات في سور كما قال الشعراوي وكما أوضحه حديث السيدة عائشة (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل) ولكن التفصيل جاء تدريجياً أيضاً أي في سور قصار لقصر آياتها ثم صارت تطول آياتها شيئاً فشيئاً إلى أن صارت آياتها واضحات الدلالة والمعنى.
عليه أعتقد أن سورة الإخلاص هي بداية لتفصيل شطر الآية الأول "إياك نعبد" من آية الفاتحة "إياك نعبد وإياك نستعين" وأن سورتي المعوزتين هما بداية التفصيل لشطر الآية الثاني "وإياك نستعين". وبما أن آيات سورة الاخلاص هن بداية التفصيل فقد أنزلن محكمات بعض الشيء مما يجعلهن يحتجن أيضاً للتفصيل. وتفصيلهن يوجد داخل الكتاب في آيات طوال. وبالتالي يمكن تفصيلهن عن طريق الأسئلة والبحث عن إجاباتهن من داخل الكتاب.
تفصيل آيات سورة الاخلاص بالاسئلة
أولاً: ما هو تعريف "الله"
إن الله هو اسم علم على ذات الإله وهو يتكون من تسعة وتسعين اسماً. ومن أكثر الآيات التي توضح كيف تكون الاسم الله من تسعة وتسعين اسماً هي الآيات التي فيها توضيح للصفات وللأعمال والأفعال التي تُعرِّف اسم الجلالة الله والآيات هي: {الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثمَّ استوي عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم من دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}{ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ}{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ} 4-8 السجدة حيث تفيد الآية "4" أن الله هو الذي خلق كل ما في هذا الكون صغيراً كان أم كبيراً. أي أن من أسماء نعوته "الخالق". ثم أوضحت أن الله قد استوى على عرشه ملكاً على مملكته وولياً لخلقه وشفيعاً لهم بعد أن أكمل خلق كل شيء. فمن أسماء نعوته أيضاً "الملك" و"الولي" و"الشفيع". والآية "5" بينت اسم نعته "المهيمن" حيث أنه يدبر أمر كل المملكة من السماء إلى الأرض. أما الآية "6" فقد أبرزت أسماء صفاته "عالم الغيب والشهادة" و"العزيز الرحيم". وتفسير ابن كثير لهذه الآيات يعضد هذا القول وهذه الاسماء وهو
يخبر تعالى أنه خالق للأشياء، فخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش، وقد تقدم الكلام على ذلك {مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ} أي: بل هو "المالك" لأزمة الأمور، "الخالق" لكل شيء، "المدبر" لكل شيء، "القادر" على كل شيء، فلا "ولي" لخلقه سواه، ولا "شفيع" إلا من بعد إذنه، {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} يعني: أيها العابدون غيره، المتوكلون على من عداه، تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك، أو وزير أو نديد أو عديل، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي: يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، كما قال تعالى:{ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وسمك السماء خمسمائة سنة. وقال مجاهد وقتادة والضحاك: النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام، وصعوده في مسيرة خمسمائة عام، ولكنه يقطعها في طرفة عين، ولهذا قال تعالى:{ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ذَٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ} أي: المدبر لهذه الأمور، الذي هو شهيد على أعمال عباده، يرفع إليه جليلها وحقيرها، وصغيرها وكبيرها، هو العزيز الذي قد عز كل شيء فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب، الرحيم بعباده المؤمنين، فهو عزيز في رحمته، رحيم في عزته وهذا هو الكمال، العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة، فهو رحيم بلا ذلّ.) ثم أخبرتنا الآيتان:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ}1-2 الفلق بأن من أسماء نعوت الاسم الله أي من مكوناته ، الاسم "المستعان" الذي يستعاذ به من شر خلقه. وأوضحت الآية :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}3 فاطر أن من بين نعوت الاسم الله هو "الرازق" أما الآية: { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ الله كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 5 الروم فقد أظهرت الاسمين "المحي" و "الباعث". وورد في الآية: {ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} 88 الأنعام اسم صفة آخر هو "الهادي". كما أخبرتنا الآية: { قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} 12 الأنعام بالاسم "الرحيم". أما أسماء الصفات:"الحسيب" ،"الغفور" و"القدير" و"المنتقم" فقد أوضحتهم الآية: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 284 البقرة. بهذه الطريقة يمكن استخراج أسماء الصفات الحسنى التي تكون منها اسم الله وعددها تسعة وتسعون اسماً.
ثانياً: ما معنى "أحد"؟
لقد اتضح من معنى أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني وهو الحديث عن وحدانية الإله
الذي اسمه الله، إن كل آياته يشبهن بعضهن البعض في المعنى ولو اختلفت الألفاظ ويعضدن معاني بعضهن البعض لتوكيد الوحدانية. ولهذا نجد أن كل آية تحمل نفس معنى الآية التي سبقتها والآية التي تلتها. كما أننا نجد أن كل آية تتكون من شطرين فمثلاً الآية "بسم الله الرحمن الرحيم" هي في الأصل مكونة من شطرين هما "بسم الله" و"بسم الرحمن الرحيم" فكانت كلمة بسم في بداية الشطر الثاني مستترة. إذاً أظهر التفصيل وجود تثنية وتوكيد لوحدانية الله داخل الآية حيث جاء ذكر الإله باسم الوحدانية الله وجاءت تثنية ذكره مرة أخرى باسم وحدانية آخر مطابقاً للاسم الأول في المعنى وهو اسمه الشفع "الرحمن الرحيم". عليه يكون أصل الآية هو "قل هو الله" و"قل هو أحد". فالجملة "وقل هو" المقدرة في بداية الشطر الثاني كانت مستترة لأن الآية محكمة ومجملة المعنى. وبناءً على هذا المعنى يكون الاسم أحد يحتوي على جميع معاني وصفات الاسم الله لأنه اسم وحدانية قد جاء ذكره ليثني ويؤكد وحدانية الاله باسمه الله والله أعلم.
بذا يكون معنى الآية كالآتي: قل إن الإله الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن وله الصفات الحسنى وليس له نظير وليس له شبيه اسمه الله وقل أيضاً إن الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن وله جميع أسماء الصفات الحسنى والأفعال والأعمال المذكوره سابقاً والذي لم يكن له شبيه ولا نظير ولم يوجد من قبله مخلوق وبالتالي لم يولد وليس معه مخلوق أي لم تكن معه صاحبة ولن يكون من بعده مخلوق اسمه أحد أي الواحد. إذاً قول إنه أحد قد ثنى وأكد قول هو الله وبالتالي ثنى توحيد الإله باسمه الله بتوحيده باسمه أحد والله أعلم
ما معنى "الصمد"؟
إذا اتبعنا نفس أسوب الآية "الله أحد" نجد أن الصمد هو اسم وحدانية ويحمل نفس معنى الاسم الله والاسم أحد. أي أن الصمد هو اسم للإله الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن وله نفس أسماء الصفات الحسنى التي للاسم الله وللاسم أحد. فالصمد يعني عدم وجود نظير له ولا شبيه لأنه لم يكن له والد ولم يكن له ولد ولا صاحبة فهو أحد أحد. عليه تكون الآية :"الله الصمد" مكونة من شطرين أيضاً هما "قل هو الله" "وقل هو الصمد" فالشطر الأول هو توحيد للإله باسمه الله والشطر الثاني هو توكيد وتثنية للشطر الأول أي توكيد للتوحيد باسم وحدانية آخر هو الصمد . فالاسم الصمد هو الاسم الذي جاء شارحاً
ومؤكداً للاسم أحد أي أنه مؤكد على استحالة وجود شريك له في صفات الكمال لأنها لا سبيل لأن تورث عن طريق صلة القرابة كما يحدث عند البشر.
ما معنى " لم يلد ولم يولد" ؟
إن معنى لم يلد ولم يولد يثني ويؤكد معنى الآيتين الأوائل "الله أحد" و"الله الصمد". فمن هو الذي لم يلد ولم يولد؟ ألم يكن هو الله الأحد الله الصمد الذي خلق جميع الخلق وتجتمع فيه جميع صفات الكمال وحده؟ إذاً الآية مكونة من شطرين : الشطر الأول مستتر وهو: "قل هو الله" والشطر الثاني هو: "وقل هو الذي لم يلد ولم يولد" فكانت بداية الشطر الثاني أيضاً مستترة. ومثل هذا التفصيل يوجد في الكتاب كله فنجد مثلاً "الحمد لله الذي خلق... فالتثنية يمكن أو تكون بالاسم الموصول وباسم الإشارة هو. فالآية "لم يلد ولم يولد" هي توكيد لمعنى الآيتين"الله أحد" و "الله الصمد" لتشابههم في المعنى والمدلول. إذاً الذي لم يلد ولم يولد هو الله الذي خلق جميع الخلق بدون استثناء وحده وهو وحده الذي يدبر أمر خلقه فهو وليهم وشفيعهم ومعينهم على قضاء حوائجهم وحده. فهو إذاً الإله الواحد الملتحد الذي لا إله ولا ملتحد غيره لعدم وجود ولد تنتقل له صفات الكمال عن طريق الوراثةكما أنه لم يرث صفات الكمال من والد لعدم وجود والد له.
ما معنى "ولم يكن له كفواً أحد"؟
إن معنى قوله "ولم يكن له كفواً أحد" هو نفس معنى قوله "الله أحد" وقوله "الله الصمد" وقوله "لم يلد ولم يولد". وذلك يظهر بالإجابة عن السؤال التالي: من هو الذي لم يكن له كفواً أحد؟ ألم يكن هو الله الواحد الذي ليس له شبيه ولا نظير في صفاته وأفعاله وخلقه لأنه لم لم يكن له والد ولا ولد يشاركونه في صفاته؟ ولكن هذه الآية توضح عظمة الذات الإلهية بصورة أشمل حيث إنها تتحدث عن الأسماء الحسنى التي لا يكافئ الذات الإلهية فيها أحد. فهي توضيح لأسماء نعوت الذات الإلهية التي تختلف عن اسماء النعوت التي تكون منها الاسم الله. فما الفرق بينهما. إن الفرق بين أسماء صفات الاسم الله وأسماء نعوت الذات هو: إن أسماء صفات الاسم الله هي أسماء وتر كالعليم والحليم والغفور والحكيم والسميع. التي يمكن أن يتسمى بها أحد من المخلوقات. أما أسماء نعوت وصفات الذات الإلهية فهي أسماء مفاضلة لم ولن يتسم بها مخلوق غيره. وهي أسماء مركبة منها الشفع ومنها الثلاثي ومنها الرباعي ومنها ما فوق ذلك. فمثلاً الاسم "الرحمن الرحيم" هو اسم واحد لاسم الصفة (الرب الأكرم) فلا أكرم منه على الإطلاق. وأيضاً الاسم "العزيز الحكيم" هو اسم واحد لصفة (رب العزة جميعاً) فأي عزة هي جزء من عزته. وكل اسم من الأسماء الثلاثية كالأسماء: "الله الرحمن الرحيم" و"الله العزيز العليم" هو اسم من أسماء المفاضلة لصفة واحدة لم يكافي المولى فيها أحد. وكذلك الحال في الأسماء الرباعية "كالملك القدوس العزيز الحكيم". والله أعلم.
معنى السورة كاملاً
إن ذات الإله لم يكن قبله شيء وبالتالي لم يكن مولوداً كالبشر ولم يكن له صاحبة وبالتالي لم يكن له ولد. فهو إذاً أحد لا ثاني معه لا من قبل ولا من بعد ولهذا هو الصمد الذي تجلت وحدانيته في خلقه فلم يأتي من شيءولم يأتي منه شيء. كما تجلت وحدانيته في ملكه لكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون. فصفاته إذاً لا يكافئه فيها أي مخلوق من مخلوقاته لأنها أفضل الصفات وكل الصفات في الكون هي جزء صغير من صفاته. وقد تكونت أسماؤه العلم الوتر كالاسم الله من أجزاء مجتمعة من اسماء صفات ذاته والله أعلم.
لماذا تعدل هذه السورة ثلث القرآن؟
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى سور القرآن تارة بأسميه الوتر الله والرحمن وتارة باسم مكانته في الدنيا وهي رب العالمين وتارة أخرى بأسماء ذاته العليا المركبة. ومحتوى السور التي أنزلت بالأسماء الوتر هو نفس محتوى السور التي أنزلت باسم المكانة رب العالمين وهو نفس محتوى السور التي أنزلت بأسماء الصفات المركبة. والحكمة من ذلك هي أن نعلم أن الإله الواحد الأحد الذي خلق كل شيء والذي اسمه الله واسمه الرحمن هو نفسه الذي له المكانة التي تدل على ذاته كما تدل عليها أسمائه العلم. واسم مكانته تعرف "برب العالمين" والتي يدير منها مملكته. وهو نفسه الإله الذي له أسماء الصفات الحسنى المتفردة التي منها الشفع ومنها المركبة من ثلاثة أسماء أو أكثر. لهذا كان القرآن كله متشابهاً وكله مثاني يثني وحدانية الخالق. فاختلاف سور القرآن يعني أن ذات الإله الذي اسمه "الله" هو غير ذات الإله الذي يتبوأ مكانة "رب العالمين" وهو غير ذات الإله الذي اسمه "الرحمن الرحيم" والله أعلم.
وإذا تمعنا في معنى الآية: "إياك نعبد وإياك نستعين" نجدها تعني: نعبدك ونستعين بك يا إلهنا بأي من أسمائك الوتر(الله أو الرحمن) وبأي من أسمائك الشفع أو المركبة( "الرحمن الرحيم" أو"الله الرحمن الرحيم") وبأي من أسماء مكانتك في الدنيا والآخرة ( رب العالمين أو مالك يوم الدين). إذاً العبادة والاستعانة تكون بأي من أنواع الأسماء الثلاثة: أولاً الأسماء الوتر وثانياً الأسماء الشفع والمركبة وثالثاً أسماء المكانة. ولما أنزلت سورة الإخلاص بالاسم الوتر (الله) صارت تعدل ثلث القرآن والله أعلم.
ولكن قبل تفصيل معنى سورة الاخلاص كان لابد من توضيح الفرق بين أسماء الصفات الحسنى للاسم الله الذي هو عَلَم على ذات الإله وبين أسماء الصفات الحسنى للذات الإلهية نفسها. فعندما نجد كلمة الله في القرآن نعلم أن المقصود منها الاسم العلم الذي هو دلالة على الذات وليس المقصود منها الذات العليا نفسها. وذلك لأن لاسم الجلالة الله تسعة وتسعون اسم صفة. وللذات الإلهية أيضاً تسعة وتسعون اسماً لما ورد في الصحيحين: إن لله تسعةً وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة. وهو اسم لم يسم به غيره. ولما ورد أيضاً في صحيح البخاري تحت باب: (ما يذكر في الذات، النعوت واسامى الله) والذي يستفاد منه أن الذات لها أسماء عَلَم ولها نعوت وأن أسماء الذات العلم التي تذكر بها هي الأخرى لها أسماء صفات أي نعوت. ولطالما أنها نعوت لاسم الله فهذا لا ينفي أن كل منها نعت فرعي من نعوت الذات. هذه النعوت الفرعية يمكن أن يتصف أو يتسمى أي مخلوق بواحد أو اثنين منها في بعض الأحيان، كأن نقول هذا الرجل كريم وهذا الرجل عليم وذاك رجل رحيم وهكذا كما جاء في رأي بعض العلماء. وربما يتصف المرء باثنين أو أكثر منها ولكن من المستحيل أن يكون هنالك مخلوق تجتمع فيه كل هذه الصفات أي التسعة وتسعون صفة لأن اجتماعها في شخص واحد يعني الكمال والكمال لله وحده. ولهذا أطلق الإله على نفسه اسم علم واحد قد جمع فيه أسماء الصفات التسع وتسعون ليذكر به. فالاسم الله اسم غير مشتق لأنه لم يكن له اسم صفة واحدة يشتق منها, فمثلاً الاسم العليم من علم يعلم فهو عليم. والاسم الرحيم من رحم يرحم فهو رحيم. وقد ذكر التميمي
أن من أسماء الله ما يدل على أفعال الذات كالبر في الدلالة على بره بعباده والباسط في الدلالة على بسط الرزق لمن يشاء.) ولهذا لا يمكن أن يتسمى بذلك الاسم غير الإله. والله أعلم من قبل ومن بعد