بسم الله الرحمن الرحيم
الدروس والعبر من قصة أبينا آدم مع إبليس والملائكة
مقدمة
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة نظريات وأفكار عن بداية خلق الإنسان تتعارض مع ما أورده الله في كتابه الكريم. وبما أن الله قد أوضح في محكم تنزيله أن الهدف والحكمة من وراء سرد القصص هو عظة وعبرة وهدى للمؤمنين لقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 111 يوسف
فإنني أحسب أن سرد قصة خلق أبينا آدم في السماء ذات حكم ومواعظ عظيمه لما فيها من توضيح لعلوم كل الرسالات التي لم ولن تتضح إلا بخلق أبينا آدم وإبليس في السماء ووجودهما مع الملائكة. وهي العلوم التي يجب على المؤمنين في مختلف الأمم والأزمان والديانات أن يهتدوا ويتعظوا بها. لذا قررت تحليل القصة تحليلاً دقيقاً حتى تتضح لنا تلك العلوم والعظات لتكون توضيحاً لحقيقة أن القرآن والرسول عليه السلام قد أوضحا كل صغيرة وكبيرة. وأول ما علمنا به هو: أن الله قد خلق أبانا آدم من تراب وخلق إبليس من النار بناءً على قوله تعالى: {خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّار}ِ {وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} 14 - 15الرحمن
وأن الله قد خلق الملائكة من نور لما ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" ومن أجل توضيح علوم خلق أبينا آدم في السماء وما ترتب على خلقه من أحداث، سأسرد القصة بطريقة تساعد على توضيح تلك الدروس والعبر. وذلك بتقسيمها إلى أجزاء لتحليل أحداث كل جزء وتوضيح ما يستفاد منها. والأجزاء هي: إعلان خلافة أبينا آدم في الأرض، معصية إبليس وطرده من الجنة وأخيراً وصية رب العباد لبني آدم. الجزء الأول- إعلان خلافة أبينا آدم في الأرض وما ترتب عليه وما يستفاد من منه
لقد أخبر الله عزَّ وجلَّ الملائكة ومن بينهم إبليس بأنه سيجعل أبانا آدم خليفة له في الأرض { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} 30 البقرة فجاء تعليق الملائكة على خلافة أبينا آدم في الأرض:كما يلي: { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} 30 البقرة
يعتقد كثير من العلماء أن تعليق الملائكة لم يكن احتجاجاً وإنما هو استفسار فقط. ولكننا إذا وضعنا في أذهاننا أن الله قد جعل الملائكة والرسل يخطأوون لتكون أخطاؤهم دروساً تعليمية للبشر كما سيتضح لاحقاً، وإذا وضعنا في أذهاننا أيضاً أن الملائكة مخلوقات غير مكمله وأن الكمال لله وحده، سنصل إلى أن الملائكة قد احتجوا بالفعل واعترضوا على خلافة أبينا آدم بحجة أن آدم سييسفك الدماء ويفسد في الأرض ككل الحيوانات المخلوقة من تراب وأنهم الأحق للخلافة من آدم لأنهم يقدسونه ويسبحونه. فعلم الله أبانا آدم الأسماء كلها ثم سأل الملائكة لينبئونه بتلك الأسماء ولكنهم أعلنوا أنهم لا يعلمونها لأنها من الأشياء التي لم يعلمهم لها الله وبالتالي هم لا يعلمون إلا ما علمهم له الله لقوله تعالى: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ} { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } 31-32 البقرة. إن قول الله عز وجل للملائكة (إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ) يشير إلى أنهم قد قالوا شيئاً، فما هو؟ أحسب أنهم قالوا أنهم الذين يعلمون كل شيء وأن آدم المخلوق من تراب لا يستطيع أن يفقه أو يستوعب شيئاً من أوامر الله له لأنه سيكون كالحيوانات لا عقل له وهو مستنبط من قوله تعالى: {قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} 31-33 البقرة
العظات والعبر من أحداث إعلان الخلافة
- هدي الخلائق بتوضيح حقيقة أن الله يعلم السر والجهر عملياً (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)
- هدي الخلائق بتوضيح حقيقة أن الله يمكن أن يضع سره في أضعف خلقه كما وضعه في آدم (وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا) فلا يعتقد مخلوق أنه أعلم من غيره كما اعتقدت الملائكة أنها أعلم الخلق. وقصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر أكبر دليل على ذلك.
- لن يتعلم أحد شيئاً إلا بمشيئة الله المبنية على علمه المطلق بالأشياء حتى الملائكة لا يعلمون إلا ما علمهم له الله (قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ) وبالتالي لا يحق لأحد أن يحتج على مشيئة الله مهما توصل إليه من علم كما احتجت الملائكة على خلافة أبينا آدم (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
- أن الله قادر على وضع علمه في أضعف خلقه كما وضعه في آدم ( وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا) فيجب على المؤمنين عدم السخرية من الآخرين فعسى أن يكون الذين سُخروا منهم خير عند ربهم من الذين سَخروا لقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ} 11 الحجرات
- أن يكتفي الانسان بما عنده من نعم الله مهما كانت كثيرة أم قليله حمداً وشكراً لله وأن لا يمد عينيه إلى ما متَّع الله به غيره لأن ما متع به غيره هو ابتلاء وامتحان وليس تفضيل وتشريف وتكريم له وأن الخير كل الخير ربما يكون فيما عنده. فبالرغم من مكانة الملائكة وإبليس العالية في السماء مدوا أعينهم وابتغوا الخلافة التي منحها الله لأبينا آدم لاعتقادهم أنها تشريف وتفضيل له دون أن يعلموا حقيقة أنها ابتلاء وامتحان وشقاء. ولهذا جاء أمر الله للناس كالآتي:{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}131 طه
- لا يحق لمخلوق أن يمنَّ على خالقه بعبادته. حيث نهى الله عن أن يَمُنَّ العبد على عبد بما قسمه الله أموال وقد منحه الله تلك الأموال أساساً ليشارك أخاه المؤمن فيها. فالمنَّ يبطل العمل لقوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ} 264 البقرة. واحتجاج الملائكة على خلافة أبينا آدم بحجة إنهم هم الذين يسبحون بحمد الله ويقدسونه. فمنٌّوا على الله بعبادتهم التي خلقهم من أجلها!
- الاعتراف بالخطأ نعمة تكسب صاحبها الغفران والرحمة. فسجود الملائكة لأبينا آدم قد أكد تراجعهم عن خطئهم مما كفل لهم غفران إحتجاجهم.أما إبليس فقد واصل في عناده. وفي ذلك درس ودعوة للخلائق للتراجع عن أخطائهم ليغفر الله لهم بناءً على ما ورد في قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ} 135-136 آل عمران
- أن لا يتكبر أحد على الله فيرفض السجود له حتى لا يكون مصيره مصير إبليس وهو اللعنة والخروج من الجنة والدخول في النار لقوله تعالى:{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ}{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ} 42-43 القلم عدم سجود إبليس لآدم فيه عظة للخلائق وهي: إن الله أمر إبليس بالسجود لآدم فتكبر وعصى وكان جزاؤه اللعنة والخروج من الجنة. فما بال عصيان السجود لرب العزة !
الجزء الثاني: معصية إبليس لربه وما يستفاد منها
أولاً: الأحداث
لقد سأل رب العباد سبحانه وتعالى إبليساً عن سبب رفضه السجود لآدم فأجابه بأنه هو أفضل من آدم لأنه مخلوق من نار{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } 12 الأعراف. فطرد الله إبليساً من الجنة لتكبره {قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ}13 الأعراف. فطلب إبليس من ربه أن يتركه إلى يوم البعث فأعطاه الله سؤله}قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }{قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} 14-15 الأعراف. وعندما استجاب له ربه تكبر أكثر وتوعد ربه بأنه سيغوي عباده الذين آمنوا لييخرجوا من صراطهم المستقيم بعصيانهم لله. كما أنه سيجعلهم يجحدون نعم الله ولا يشكرونها. ونتيجة لذلك توعده ربه بأن يملأ الجنة به وبمن تبعه إلى يوم الدين} قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}{قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}16-18
الأعراف. ثم أسكن آدم وزوجه حواء الجنة وأباح لهما الأكل من كل ثمار الجنة إلا واحدة ونصحهما ألا يقربا تلك الشجرة المنهي عنها} ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ} 19 الأعراف . ولكن إبليس وسوس لهما وزين لهما منفعة كاذبة من الأكل من الشجرة وهي أن يكونا ملكين أو يكونا من الخالدين فجعلهما يأكلان من ثمار الشجرة الممنوعة فبدت لهما سوراتهما { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }{ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } 12-21 الأعراف
ثانياً: ما ترتب على الأحداث
- حقد إبليس على آدم جعله يعمل كل ما في وسعه لإخراجهم من الجنة كما خرج هو. وذلك يوضحه قوله تعالى: { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين} 16-17 الأعراف
ز- لقد ابتغى أبوانا الفتنة أي (الأكل من الشجرة) وابتغيا تأويله أي تأويل الشيطان الكاذب لما سيجدانه من منفعة إذا أكلا من الشجرة والمنفعة هي
أنهما سيصيران ملكين أو يخلدا). فأكلا من الشجرة اتباعاً لإغراءات إبليس لهما لقوله تعالى: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِين} { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } 22-23 الأعراف
ثانياً العظة والعبرة من معصية إبليس واتباع أبوينا له
- إن يحذر المؤمنون إبليس حتى لا يكونون من المنافقين الذين أقعد لهم إبليس صراطهم المستقيم (أي إيمانهم) فصاروا من نصيب إبليس لقوله تعالى: { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} 118 النساء حتى يجتنبوا الوقوع في قاع النار لقوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } 145 النساء
الدروس والوعظ والهدي من إسكان أبوينا الجنة
إن قول الله سبحانه لآبينا آدم: { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ} 45 البقرة فيه أهم الدروس والوعظ والهدى
وهي: لقد كرَّم الله أبوانا وتفضل عليهما بأن أتاح لهما الأكل من كل ثمار الجنة التي وضع الله لهما فيها الخير كل الخير والسعادة ومنعهم من واحدة فقط. وهي التي وضع فيها الشر كل الشر والشقاء كل الشقاء. وبالرغم من ذلك جحد أبوينا كل ما أعطاه الله لهما من خير وابتغوا الممنوع الذي فيه الشر إتباعاً لإبليس! وبما أن الله قد تفضل على بني آدم بواسع رزقه وتكرَّم وأنعم عليهم بنعم لا يستطيعون أن يحصوها تماماً كما تكرم وتفضل على أبويهم لقوله تعالى: { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} 34 إبراهيم
فهذا يعني أن الله أراد لبني آدم أن يتعظوا من قصة أبويهم. فالله قد أنعم على بني آدم بأن أنزل لهم ثمانية أزواج من الأنعام وأتاح لهم الأكل من لحومها والشراب من ألبانها بشرط إعلاء اسمه عند ذبحها وأكلها شكراً وتكبيراً له لقوله تعالى: {وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ} 36-37 الحج
كما أتاح لهم الأكل من لحوم الأسماك الطرية لقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لَحْماً طَرِيّاً} 14 النحل وسخر لهم النحل ليشربوا مما يخرج من بطونها لقوله تعالى: { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 69-70 النحل
هذا بالإضافة إلى أن الله قد سخر لهم الأكل من كل ما تنبت الأرض لقوله تعالى: { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } 11 النحل
فالله الذي منح بني آدم كل هذه النعم منعهم من الأكل من لحم الخنزير فقط ونهاهم عن أكل الميتة ومما لم يذكر اسم الله عليه لقوله تعالى: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} 145 الأنعام
كما منح الله بني آدم الأزواج والبنين والحفدة والأموال وأمرهم بألا يجحدوا نعم الله التي فيها الخير فيستبدلوها بالتي يزينها لهم إبليس فلا يشكرون الله لقوله تعالى: {وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } 72 النحل كما منحهم نعمة الشرب من الماء العذب ومن كل أنواع المروبات ومنعهم من شرب المسكرات فقط. لذا
- يجب على كل المؤمن اليقظة للعمل بأوامر الله وعدم اتباع إبليس اللعين الذي سيعمل جاهداً ليضل كثيراً من المؤمنين ويغويهم بأن يحبب لهم أكل لحم الخنزير الممنوع بالرغم من كل ما منحهم الله لهم من لحوم، كما حبب لآبينا آدم وأمنا حواء الأكل من ثمار الشجرة الممنوعة بالرغم مما منحه الله لهما من نعم الجنة. ويحبب لآخرين شرب الخمر الممنوع بالرغم من كثرة المشروبات المتاحة لهم. كما يحبب لآخرين أيضاً الاسراف من كل النعم الممنوع الاسراف منها حتى ينشغلوا عن ذكر الله وعبادته فيخرجوا من الجنة كما خرج هو.
- إن كل ما أعطاه الله للناس من نعم هو فتنةٌ وامتحانٌ وابتلاءٌ لهم ليعلم الله من يشكره عليها بالقناعة بها والصبر عليها ومن يكفره بالنظر إلى غيرها ومحاولة تغييرها أو زيادتها كما فعل أبوينا لقوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ) 7 الكهف
وقد أوضح الله أن كل إنسان سيواجه بفتن الخير والشر قبل مماته ليميز الخبيث من الطيب في قوله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } 35 الأنبياء
ولهذا أوضح الله لبني آدم زينة الحياة التي جعلها الله فتناً للإبتلاء والامتحان في آيات متفرغة. وكمثال لذلك جاء في المال والبنون أنهما زينة الحياة لقوله تعالى: { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } 46 الكهف
ثم أوضح في الآية التالية أن المال والبنون فتنة لقوله تعالى: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} 28 الأنفال
وكمثال آخر قوله تعالى: { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} 8 النحل
ثم جمع الله كل الزينة التي جعلها فتنة في قوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ}{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ} 14-15 آل عمران
إذاً يستفاد من قصة أبينا آدم الآتي:
- أن لا يحاول المؤمن تغيير ما عنده من نعمة. فإذا انتابه شعور بأن هنالك خير منها، فاليعلم أن الشيطان عدوه يريد أن يزلقه من الصراط المستقيم بمعصية ربه وأن لا يكون من الشاكرين بجحود نعمة الله التي فيها كل الخير وابتغاء غيرها مما يجعل الله يسلبه إياها كما سلبت منه نعمة الجنة ونعمة وجوده بين الملائكة مكرماً معززاً وكما سلبت من أبوينا الجنه التي كلها سعادة لقوله تعالى: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 53 الأنفال ولقوله أيضاً: { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}211 البقرة
- إن الحكمة من نظرة أبوينا لمنفعة الأكل من الشجرة الممنوعة في حين أن الشقاء كل الشقاء في الأكل منها هي: أن يعلم كل مؤمن أن كل ما يراه جميلاً في ظاهره ربما يكون شراً في باطنه. وأن ما يراه شراً في نظره ربما يكون خيراً في باطنه كقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} 216 البقرة
الجزء الثالث: وصية الله لبني آدم وما يستفاد منها
وبناءً على ما حدث من إبليس وعناده لخالقه أوصى الله بني آدم بالآتي: { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } 26 الأعراف
ثانياً: ما يستفاد من الوصية
يُستنبط من الوصية أن أبانا آدم وأمنا حواء قد كان لهما لباس واحد هو لباس التقوى. ولباس التقوى هذا بصرف النظر عن نوعه وطبيعته هو في حقيقة الأمر اللباس الذي كان يستر سوءاتهما. فلما عصى أبوانا ربهما وأطاعا إبليس سحب الله منهما سترهما (لباس التقوى). وبسحب سترهما انتزعت منهما بطاقة الإقامة في الجنة كما انتزعت من إبليس نتيجة معصيته.
ولكن الله قد منح بني آدم لباسين أحدهما لباس ظاهر لستر سوءاتهم وهو لباس دائم لا ينتزع والآخر لباس التقوى وهو لباس باطن لا يراه المرء وهو الذي سينتزعه الله من بني آدم إن عصوه واتبعوا إبليس وجحدوا نعمه وتكبروا عليه دون أن تظهر لهم سوءاتهم. وسحب لباس التقوى منهم يعني سحب وثيقة الإقامة في الجنة فيخرجوا منها كما خرج إبليس. ولهذا أوصى الله بني آدم بالأهتمام بلباس التقوى الذي هو خير أكثر من اللباس الخارجي.
وأخيراً نصل إلى أهم الدروس من قصة أبينا آدم وإبليس وهي معنى التقوى وأهميتها
أولاً: معنى التقوى
يستنبط من القصة أن معنى التقوى هو( معصية إبليس المعصية الكاملة وطاعة الله الطاعة المطلقة لكل أوامره وشكره المطلق على نعمه بالقناعة بها وعدم تغييرها)
ثانياً: أهمية التقوى
تتمثل أهمية التقوى في الآتي:
-تعتبر التقوى محور جميع الرسالات لقوله تعالى:{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} 35 الأعراف
وقوله: { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} 131 النساء
- جعلها الله خير زاد للمؤمن لسفره للآخرة لقوله تعالى: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ} 197 البقرة
- يأتي الأمر بالتقوى للذين آمنوا في نهاية كل آية بها أمر من أوامر الله تذكيراً لهم بالشيطان الرجيم ليعصوه ويطيعوا الله وحده بالعمل بذلك الأمر. كأمثلة لذلك قوله تعالى في نهاية الأوامر: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 189 البقرة وكقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ} 194 البقرة
- إن أكرم الناس عند الله هو الأكثر تقوىً له لقوله سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 13 الحجرات
كل ذلك يدل على أن خلق أبينا آدم في السماء كان الهدف منه هدي جميع بني آدم وتعليمهم عملياً معنى رسالاتهم عامة ومعنى التقوى خاصة ووعظهم عملياً بأن من لم يتق الله سيخرج من الجنة كما خرج إبليس وكما خرج منها أبوينا. وأن ما سيؤول له حال من لم يتق الله هو العذاب والشقاء والدخول في النار. لأن التقوى ضد الكفر لقول الله تعالى في الآية 131 النساء أعلاه: { أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً}
ألا تشير هذه الدروس لحقيقة أن أبانا آدم قد خلق في السماء لحكمة وأن أصله لم يكن القرد؟!