إن الناس درجات لقوله تعالى{ همْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّه}، حيث قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق فيه: يعني: أهل الخير وأهل الشر درجات، وقال أبو عبيدة والكسائي: منازل، يعني: متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة، ودركاتهم في النار، وقال الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رمى بسهم، فله أجره درجة ." وقوله تعالى: { وَلِكُلٍّ دَرَجَـٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله، يبلغه الله إياها ويثيبه بها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ.)
وبما أن الأعمال الصالحة هي شعب الإيمان التي عددها ثلاث وسبعون شعبة أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فإن الناس سينقسمون إلى 73 وسبعين فرقة بناءً على عدد درجاتهم التي اكتسبوها من أعمالهم بشعب الإيمان. إذاً مجموع الدرجات 73 درجة. ولكن هنالك النوافل فوق السُنَّة وهي التي تزيد الدرجات بأكثر من 73 درجة. عليه يمكن أن نفترض أن مجموع الدرجات الكلي 100 درجه. فيتم وزن أعمال الناس على شعب الإيمان وعلى تلك الدرجات.
انقسام الأمة بناءً على درجات أعمالهم بشعب الإيمان
إذا تدبرنا الآيات التالية: :{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ}{وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} "7-14" الواقعة
نجد أن أزواجاً ثلاثة تعني فرقاً ثلاثة كما أوضحه القرطبي الأمر مما يشير إلى أن الأمة ستنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية: "السابقون" و"أصحاب اليمين" و"أصحاب الشمال". وكل صنف يتكون من عدد من المجموعات. كل مجموعة تمثل الحد الذي يحده الله للرسول صلى الله عليه وسلم بناءً على حجم أعماله ودرجاته ليخرجه من النار.
الفئة الأولى السابقون
هم الذين عرَّفهم العلماء بأنهم الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه وصحابتهم وكل من اتبعهم بأحسن رضوان. أي أنهم السابقون إلى طاعة الله وهم بذلك السابقون إلى رحمة الله بقوله تعالى{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ} كما جاء في رأي بعض العلماء. فهم إذاً الذين عملوا بكل شعب الإيمان وزادوا عليها نسبة إلى أن التقرب إلى الله يكون دائماً بالنوافل الزائدة على الفرائض والسنة. عليه يمكن افتراض أن درجاتهم ستتراوح ما بين 73-100 درجه. أي أنها تتكون من 28 مجموعه. فمجموعة نالت 73 درجه وأخرى نالت 74 درجة وهكذا. فهذه الفرقة هي الفرقة الجديرة بأن تنجوا من عذاب شمس الله المحرقة طوال خمسين ألف عام وتتمتع بنعيم ظل الله وخيراته بغير حساب لقوله تعالى: { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 10الزمر
الفئة الثانية أصحاب اليمين
هي الفئة التي رجحت حسناتهم كفة الميزان. أي أن مجموع درجاتهم أكثر من 50 درجة. عليه ستتفاوت درجاتهم ما بين 72-51 درجة. هذه الفئة ستحاسب حساباً يسيراً لقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} "7-9" الإنشقاق
وبما أن هذه الفئة ستحاسب فستكون واقفة في حر الشمس إلى أن ينتهي حسابها. فهي إذاً
ستذوق العذاب لفترة من الزمن حتى ولو كانت تلك الفترة قصيره. ومن بعد ذلك يغفر الله لها. ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن كل من حوسب عوقب وأعلم.
وتشمل فئة أصحاب اليمين أهل الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم فنالوا 50 درجة. فهم الذين سيقفون في حائط الأعراف ينظرون لأهل النار فيطمعون في الدخول إلى الجنة إلى أن يغفر الله لهم فيدخلون الجنة.
الفئة الثالثة فئة أصحاب الشمال
هم الذين رجحت سيئاتهم كفة الميزان. إذاً ستتراوح درجاتهم من 49-1 درجة. والدرجة الواحدة هي التي نالها من قال لا إله إلا الله فقط ولم يعمل معها ولا عمل واحد من شعب الإيمان. وتشمل فئة أصحاب الشمال الفئة التي لم تنل ولا درجة واحدة وهي فئة الكفار والمنافقين التي تدخل النار بغير حساب فتقابل فئة الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
إذاً مجموع الفرق هو 73 فرقة وواحدة منها فقط التي لم تحاسب ولم تعاقب وهي التي اتبعت سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم فنالت (73-100) درجه.
عليه تعني كلمة الأمة التي وصفت بالإنقسام، الأمة جمعاء التي أرسل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بما في ذلك اليهود والنصارى وغيرهم منذ رسالتة وإلى يوم القيامة. أما امته الناجية فهي الجزء من الأمة الذي اتبع الرسول عليه السلام فعمل بكل تعاليم الدين السماوية وبكل تعاليم السُنه النبوية بما في ذلك من اتبعه من اليهود والنصارى لقوله تعالى } لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }{يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ { 113-114آل عمران
إذاً الفئة الوحيدة الناجية من عذاب النار( أي من الوقوف في الشمس المحرقة التي تغلي الأشياء كغلي القدور إلى أن ينتهي الحساب) هي فئة الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر(سورة العصر). وقد أعد الله لهم جنات المأوى نزلاً في ذلك اليوم الطويل لتأويهم من نار الشمس ويتمتعون بكل ما طاب لهم من النعيم فيها إلى أن ينتهي حساب الناس جميعاً. وبعد أن يتم حساب الناس جميعاً يضرب الله الصراط الذي هو أحدَّ من السيف من فوق النار ليردها كل الخلق بدون استثناء. ولكن كل فرد يجتاز ذلك الصراط والنار بناءً على حجم أعماله. فكلما كانت أعماله الصالحة كثيرة كلما اجتازه بسرعة كلمح البرق. وكلما كانت قليله كلما استغرق وقتاً أطول في اجتيازه.
2- مرحلة الخلود في الجنة أو النار
وبعد انتهاء يوم الحساب يسوق الملائكة الكفار جماعات جماعات أي زمراً.فكل زمرة مشتركة في عدد الدرجات. أولها فرقة المنافقين الذين سيلقون في الدرك الأسفل من النار ثم الكفار. {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} 71-72 الزمر
كما يسوق الملائكة المتقين جماعات إبتداءً من الفئة الناجية إلى آخر فرقة قالت لا إله إلا الله إلى جنة الخلد. وذلك بناءً على قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين }
"71-73" الزمر
ولكنني أحسب أن من بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وكانت درجاتهم عاليه وقد أدخلوا في الظل طيلة الخمسين عاماً، من ختم أعماله الصالحة بأعمال الكافرين فيستثناه الله من الذين سيخلدون في الجنة ليدخل النار في مرحلة الخلود لأنهم ختموا حياتهم بأعمال كفر كالذين ارتدوا في آخر حياتهم وماتوا وهم كفار أو انتحروا أو... فهم المستثنين بمشيئة الله من الخالدين في الجنة بقوله تعالى: إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ في الآية: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } 108-109 هود
كما أحسب أن فرقة "الذين قالوا لا إله إلا الله فقط" هم المستثنين بمشيئة الله من الأشقياء الخالدين في النار بقوله تعالى: إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ في الآية: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } 106-107 هود
والمستثنون من الخلود في الجنة هم الذين كانوا يعملون بعمل أهل الجنة وإذا ما تبفى لهم شبراً للإقامة في الجنة عملوا بعمل أهل النار. ولهذا يخرجون من جنة يوم الحساب إلى نار الخلود في الحياة الأبدية. والله أعلم من قبل ومن بعد
عليه يستنتج الآتي:
- إن مقدار الزمن الذي سيمكثه المذنبون في النار لحين خروجهم منها برحمة الله وغفرانه
يتفاوت بتفاوت حجم الذنوب التي ارتكبوها أي بحجم الأعمال التي لم يعملوا بها والله أعلم.
- يتم خروج جميع من كتب له الخلود في الجنة لقوله لا إله إلا الله من النار في نهاية يوم الحساب ويدخل الجنة.
- إذاً "لا إله إلا الله" هي بطاقة الخروج من النار وجواز الدخول للجنة إلا من حبسه القرآن فيخلد في النار وهم "الكفار" و"المنافقين" و"الذين ختموا حياتهم بالكفر".
- إن العمل بالصلاة أو بأي شعبة من شعب الإيمان وحدها دون العمل بالأعمال الأخرى لا يمنع من دخول النار حيث أوضحت الأحاديث أن النار لا تأكل أثار السجود. وإنما يكون علامة لصاحبها للخروج من نار الشمس والخلود أخيراً في الجنة والله أعلم. وبالتالي لايعتق من تصدق بشق تمرة فقط من حسابه على ترك بقية الأعمال ويعاقب عليها في يوم الحساب ولكنها ستعتقه من الخلود في النار، والله أعلم من قبل ومن بعد.
- عندما يقال من فعل كذا وكذا يدخل الجنة ليس معناه أنه سيعتق من العقاب يوم الحساب ولكنه سيعتق من الخلود في النار ويصبح من أهل الخلود في الجنة والله أعلم.