أشرعة لا أرصفة لها، و وميض لا يملك أن يضيء، ذلك كان الحلم البريء أما الأعوام فمسير نحو ألف عام خلفتُها، و خلتني مضيت دون أن أُحمل كتفي عبأها فإذا هي تسبقني إليك. تصبحا و كل إشراقة غاية المسير دون أن أدري دون أن أخطط لذلك أمد الخطو نحوكما معا.
الألف عام الماضية كانت أوراقا خالية، تراك تعرف معنى أن يتمدد الورق لإغراء لا ينقطع بكلمة أخرى و رسالة لا تنتهي أسطرها إليك..دوما إليك أنتَ .
لكن الورق ما علم أن على حوافه امتدت أسوار من أشواك، منعت عنه لثم الحبر،و أنيَ منذ ألف عام خلت أكتب لك بحبر لا يلامس الورق، و منذ ألف عام خلت أغتسل بالحبر ذاته لأجلك.
أين أنت، أ تمضي السنون ألفا بعد ألف دون أن أكتبك، أم أن اللقاء سيكتبنا كلينا، و ينتعش الورق الغارق بأوهامه، دون أن يدري أنها خيالات لا أكثر، الورق لا يعرف أن مملكتك جاوزتنا و مرت بمحاذاتنا ما كلمتنا. الورق لا يعرف أننا ما عدنا الحلم أن أروقة العمر منك ضاقت ثم انغلقت دوننا، و أن منعرجات حياتك الحادة قذفت بنا خارجا في غمرة اندفاعها.
و بعد ألف عام عُدنا و تقاطعنا، كأي غيرنا، كأناّ ما كنا يوما الشعر وما كنا يوما أسياد الورق، أم أن الشعر يأفل حينما ننسى أنّا كنا يوما شعراء. أ تموت الأماني الهامشية يوم يدفن الشعر إلى جوار أوراق عليها وقعتُ رسائل لألف عام انقضت لا أخالها تعود؛ في الرسالة الأولى كتبت أناشيد الأطفال فقبل الفراق الأول كنا ما نزال أطفالا،نصدق القصص البطولية و الحب الأبدي و الرفقة التي تدوم عمراً. في الرسالة الثانية كنتُ الصبر و كنتَ فراقا لا ينقطع، في الرسالة الألف خبرتك أني أحبك لكن العمر كان قد انطفئ و ما عدنا نأتمن الحب.
تراك قرأت رسائل لم يلثمها الحبر، منخنقة لا تقدر على الإفصاح، تراك فككت ألغازا كان قد مر على وضعها ألف عام ، ما عدنا نصبر للحول ما بالك بالألف عام من عمر ينقضي على عجل، في محطته الأولى بعتُ أحلامنا للكوابيس لقاء سويعة نوم وسط غفلة من الزمن.
و في محطة ثانية لمحتك على أشرعة الرصيف الأخير و ما بلغته، الخطو متثاقل دوما،خطوات امرأة لا تحمل الخرائط بيدها تسير على غير هدى في زمن كثرت منعرجاته و أزقته المتشابهة. ركضت بكل ما بقي لي من طيش الأعوام الطفولة، علِّيِ أقبض على ظلالك قبيل انصراف الفرح بين سلالك، وقفت على الرصيف فإذ أنا وحيدة بين أمواج عاتيات،كنتَ و كل من جاورك قد غادرتم ، و خلفتموني للعاصفة حافية عارية منك و من كل من كان جار لك على أرصفة العمر أو ربما كان رصيفا للحياة و ما كنت أدري، لمحت الأعوام تهاجر، بإتجاهك أيضا سارت، و في مواجهة الأمواج مكثت، تتطاير خصلات شعري تنعقد و خصلات أمواج كانت بنفس طولي أو تزيد.
في محطة أخرى بلغتك سريعا و كنتَ تبيعني دون أن تدري لخناس لا يعرف لمهنته اسما، لكني أعتا من أن أباع كنتُ ما أزال بجذور منبثة،هي هكذا أقدار العذارى في زمن البغاء، تظل جذورها متشبثة بالأرض فتمنع عنها التحليق، حتى مع رجل من صنفك و فئتك ، لا يدرك الملامح و الفروق الرقيقة اللطيفة بيني و بين البقية الباقية من نساء المعمورة، الفارق لو أنك تدركه ليس بالعسير على رجل هو تحديدا أنت. رجلي الذي يمر على عجل يلقي تحية، يسأل عن العمر وطقوسه فيطيل، يمنعه انشغاله بالأحوال الصحية عن نشرات الاقتصاد العاطفي الملقاة على عتبات الشفاه.
سألتني كيف حالي، و كيف هي صحتي ، و عن كل سؤال رغبت في الرد "اشتقت إليك" أين ذكراك، أين مسارات كانت مشتركة بيننا،ما الذي مزق السنوات و الدروب، و خلّفنا شتات عاطفة وبقايا إحساس، لم تلتفت نحو الحروف المتناثرة على هامش العبارات الرسمية،لم تكن لتدرك أنها مقيمة لا تغادر بانقضاء الجمل القصيرة المتأنقة ..لا بل إنها لم تكن حتى متأنقة بل متعبة في غاية الإعياء، ماذا يبقى للأنثى بعد ألف عام ، الجسد ما عاد يطيق لوعته. انتظرت فصاحة تلقنك حروفي الأهم لكن لم تدركها، ربما صعب عليك إلتقافها . أم أن نساء غيري مررن من هنا؛ من على هذه الذاكرة، وهذا الفؤاد فما زدنه إلا جهلا، أطفأن أنواراً كانت تنير البصر،فيمتد يلملم كل ما يتطاير بجواره، ما باله الرجل منك أين سارت به الألف عام الماضية ، تمنيت لو أسألك عنها ماذا فعلت بك ، أجعلتك مغرم حبر مثلي أم أنها أقامت على القلب منك أسوارا عاتيات، لا تستكن للجدران، ملوك الصين شيدوا سورا بمساحة وطن ليحمي ظهورهم فما وقاهم و لا حماهم، الجدران تمتهن الخيانة، و الغش في اللحظة الضيقة تسقط عنك و تخلفك أكثر عريا مما كنت. الجدران لا تصمد أمام النداءات الرقيقة،اليهود هدموا أسوار فلسطين بعزف من أبواق و طبول، فلا تثق بها. افتح أبوابك و دعني ألج على مهل، لأرتب مدنك بدوق رفيع،فإن امرأة هدمت أسوارك و اكتسحتك فلن تجد متسعا لإخفاء أحياء القصدير داخلك. ستعشش بدواخلك و تعيد ترتيبك، ثم لن تلبث أن تغادرك فارة من عفن الأحياء الهامشية، وتخلف مدائنك أكثر خواء من الخواء ذاته.
أنا قبل ألف عام خلت خلفتك مدائن عامرة، سكنتها أسراب من السنون و طيور الجنة تختال تباري أشجار الياسمين، ماذا حصل لمقامي عندك، و أين عبق الرياحين ما عدت ألمحه منك، أ اقتلعته اللواحق من النسوان. النساء لا يسكن على بقايا السالفات، كل من تحل تحرث البلاد فلا تبقي و لا تدر، أما علمتهن دروس التاريخ أن البلاد المقدسة تنبث حتى بعد ألف عام من الخراب، أم أنه بصر و بصيرة يتساويان عند العدم.
ها نحن نلتقي..أتعثر بأشلاء العابرات بعدي و قبلي، في البدء كنتُ ثم توالت النسوة فاندثرت، ما عاد لي من أثر على ثرى ذاكرتك، تنقب بين مدائنها فلا تعثر على مستحثة قد تكون أنا قبل الألف عام.
لا تجهد فرشاتك فما عدتُ هناك؛ التي خلفتُها ما عادت تشبهني،فراقنا الأول اقتلع ملامحي، و أعاد تشكيل صلصالي، و أخال نساءك أعدن رسمك بملامح الأبطال أم أنها فقط بطولة رجل يملك أن يهجر الحبيبة ألف عام، لا يلقاها إلا سلاما عابرا.
و ها نحن نتقاطع، و نسترجع عاداتنا بالافتراق سريعا عند كل عتبة للبدء، ترانا أبدا لن نبدأها قصتنا الواهنة. أجلس إلى الورق أخبره عنك؛عن نقطة تشبه لحظة تمزق ألف عام من التيه، تحدث شرخا بسيطا ليعود الجفاء يلتئم. لن يتوفى حتى بعد ألف ألف عام جفاؤك وبالغ إهمالك.
نقطة انتهت الرسالة الأخيرة. دفنتُ ذكرى رجل كان لي. الباقي من الحبر أرقه أو استحم به أيها القلم بل أيها القلب.
أطفأت شموعا كانت ضياء العمر، و أغمضت العيون لأول مرة بعد ألف عام، أغمضتها على تقاسيم وجهي لا وجهك،و حلمت بغد يكون أنا لا أنت، تراه يحل و لو لاتفاق مصادفة، و لو ليوم واحد بعد عمر نذرته لك رجل العمر أولا و آخرا..
على رنة هاتف أفيق، الصوت أعرفه لكن الكلمات غائمة شبه غائبة،بالكاد أرتشف الحروف بل بالكاد أتذوقها،طلب للالتحاق بالمقهى المقابل لشقتي، كأن الصوت القادم من عتمة ليل ولى لا يعرف أني ضيعت بوصلتي،و تمزقت بين الأمواج أشرعتي أن رصيفي هدمه طول وقوفي عليه عارية من كل أمل سواه.
معطف و خطوات متثاقلة بالكاد تتعرف طريقها، تتيه الأماني تتبعثر على مد الرصيف أحاول لملمتها فتسقط مني الكلمات تلك التي انتقيت و رتبت على صفحات الرسائل طيلة ألف عام..خلت.
بلغت المقهى أو ربما هو عثر علي و تبناني، جالستك أصغي لصمت أطبق على شفاه ما جاءت لتُـكبِرني بل لتكسرني ، وقع مني الزاد الذي شغف الفؤاد بحفظه، ما عاد يفيدني قبالتك رجلا لم يأت ليصغي بل حملته إلي سطوة إشاعة تناثرت على الصحف، قالوا أني زينت العمر بقفص ذهبي، الصحافة لا تعرف أن الأشجار لا تدخل الأقفاص بل تصنع منها بعض الأقفاص..الصحافة لا تعلم لأنها لا تعرف من هي هذه المرأة.
و أنت يا رجل العمر ألا تعرف، أ لم تتذكر اسمي و نسبي، و أنت تستعيد أرقام هاتفي، أ لم تسق إليك ألوانا من صور الأمس الذي احتل مني عمرا...
ينبسط الصمت عند انكسارات اللغة التي فجأة ما عادت الشعر و لا حتى مجرد رسائل مراهقين يتخيرون من دواوين نزار أعنف عبارة لأرق إحساس..
اللغة بيننا تفقد هويتها و تتجنس بألف جنسية لتشبه ألف عام من الصمت و من...أشياء ما عاد لها اسم. لتصحو على حين انصراف،تتفتق صمامات الأمان التي حمتك دوما من كيد النساء تقول أنك عرفتني لحظة عشق تُرمَق اختلاسا، و تُعاش بطقوس الديانات المحرمة،بسرية تامة أنكَ كنت دوما تُسائل نفسك إن كنتَ أهلا لي،فقد كنتُ دوما أرفع من الجميع،النجم الأشد اختيالا.
على هذه العتبة أمام باب هو لمنزلي واجهة، تخرج كتيّبا صغيرا، تضعه بين يدي، تكتمه بكلتا يديَ و تكتمهما بكلتا يديك تؤنس الجبين مني بقبلة و تغادر.
تنصبني قبل أن أستفتي القلب ملكة الحكم على قلبي شنقا، تبرئ ساحتك من دمي و تشكلني جلاد يمارس جرمه على ظهره ، أي مذبحة أعددت لي،أ يمكن أن تكون نهايتي موقعة بيدي.
أجلس إلى كتابك دماء لم تزهق مني بعد كانت تتدفق منه، على العتبة منه وجدتني معلقة "قصائد ألف عام خلت" ذاك عنوان فصلي الأخير،الفصل الذي كتبتَ لي، قبل الأبيات أعثر على خاتم بدقة إصبعي جندي آخر أرسلته تراه من الصنف القناص أم أنه مجرد متدرب،و أني لست بعناد من يرسل إليها قناص، بلى كان كذلك،ترى لِم تبدد غنائمك هنا هذه معركة لا تحتاج فيها إلى خاتم باهظ الثمن شديد الأناقة ،جل ما يحتاجه رجل من وزن الريشة الذي أنت عليه لا تمتلكه و أبدا لن تمتلكه، ذلك المستعصي ما هو إلا صدق قول حتى إن لم يتفق و صدق العمل، النوايا الحسنة التي لم تصنع يوما رجالا صالحين هذا حل اللغز.
أما قصائد الألف عام و رسائلي التي لم يلثم الحبر فلا تحل الأحجية،راقبتك بين أشيائك، النسج الذي يلفك به فؤادي شرع يلفها، وانتهيت أسائلها على رسالة أخرى أي الموتين أختار؛ أ عليَ إعادتها إليك و المضي بألف عام أخرى من البحث فيك عن قلب لك قد يمنحني و لو لاتفاق المصادفة بعض الإحساس، أم أن عليَ اختصار المسافات و اختراق حجاب الزمن نحو اليقين، إخماد العبارات ،إطفاء الرسائل ، و وأد اللغة .
لينتهي الشعر حيث تنتهي المشاعر في قبر صغير ضيق تتخطفها عذاباته، لوجع الغرباء طعم النكرة أما وجع الأحبة فهو ذاك الذي لا يوصف و لا يطاق. وجع رجل يقتنص امرأة عاشت تعشقه خوفا من أن تشهر غيره في وجهه يوما. أ تخاف أن يوجعك من يحظى بي، ما كنتُ لأسكن غيركَ قلبي، و ما كنت لأسكن بيت غيركَ، لو تريثت قليلا و تركت للقلم أوراقه المحجوبة و للقلب حبره يغتسل به في طقوس العبادة السرية التي تفتش عنها.. بما قد يحكم القلب اليوم على القلب منه.
تطرق بابي دون مواعيد هذه المرة ، الحرب خدعة و مواعيد غير مقررة، أراقب طاقة الورد، لا تجند الجمال في حربك فذلك فعل لا يأتيه إلا اليهود يزينون الخطوط الأولى بالجميلات، اليهوديات جميلات، لكن القدر بخسهن الأنوثة،هذا قدر امرأة يرسم مصيرها رجل أعمى لا يقدر على رؤية الجمال،و حتى إن رآه لا يحسه..
تقول:- ما زال الحب يعرف طريقه إلى هذا القلب و ما زلتي تهندسين النفس و تؤثثينها كما تشائين..
و ما عاد بي متسع للغناء فالكلمات ما عادت الشعر:
ـ أتشتري لي قفصا ذهبيا للنسيان،أ تجعلني وديعة عند الإهمال.. طالما كنتُ الحب و كنتَ الجفاء. ارحل فالزيجات الملفقة لا تليق بالشعراء.
ـ الشعراء لا يتزوجون ملهماتهم بل يراقبونهن عن بعد بعيد..أنا فقط أحاول الانتحار فرحا إن أنتِ تلطفت بقفص من ذهب للحب.
ـ اللوحة لا تتزوج مبدعها
ـ لست لوحة بل تمثالا مرمريا فريد الروعة.
ـ تزين به قصرك الزجاجي ليغرم القاصي و داني
ـ من ستحسدين ساعتها المرمر أم القصر..أم مالك القصر
انفلتت بسمة،لم تستشرني، دغدغتها نبرة التحدي الرقيق، لرجل حرب استنزاف عبارات رصفتها طيلة ألف سنة خلت، يدخل المعركة الحاسمة،بكل ما للرجال من أسلحة، بكل ما بين " قصائد ألف عام خلت" من أشطر و أبيات، و خضتها قِصرا دون أن أدري، بلا عدة ولا عتاد، حتى الرسائل التي نمقت طيلة ألف عام خلت، اندثرت،قلّـبتُ الذاكرة لم أتلمس منها حرفا.
و انتصر.. ختم معاركه الخاطفة، و أغلق سفريات عمر من التنقيب له عن قلب إذ هو بالكامل قلب، ونشيد للصبا. بكلمة واحدة يهزم ألف عام من التيه، و يفك عقد الشك يحرره، يهزمني وسط أسوار مملكتي،أنا التي أوصته سرا ألا يثق بالأسوار، أفيق أجدني مكورة بقلب جدار لم يقن غارة واحدة من قصائد كتاب واحد يؤرخ لي بين أبياته والأشعار، يخلع أرصفة الكلمات ،و يهدم جدران الشك،حتى تغور ذكرى مروره المنكر لي و لأوراقي.
ماذا أقول لرسائل ألف عام خلت؛ أني خنتها و عقدت حلفا مع الرجل الذي صنع وحدتنا يوما، ماذا أفعل بالحبر الذي كان سقاية العمر، أراسله أخبره عن بعد أني صدقت الرجل، و أنا أعرف أنها كلمات ليست أكثر من كلمات، قد لا تكون صادقات لكنهن جميلات، وضعن في الصف الأول من المعركة الأخيرة فأرديننا ببهائهن قتيلات، أنا و كل الوريقات و رسالات الأعوام الخاليات.
2010-08-24, 21:19
