النص الأدبي بين لسانيات اللغة وعلم الجمال في (علم النص)
تظل إشكالية النص الأدبي أساس الكتابة وفي كتاب (علم النص) للناقد د. مدحت الجيار أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الزقازيق يتناول النص الأدبي وتحليله وبيان آلية عمل العناصر وكيفيات الفن والجمال داخل هذه البنية اللغوية الخاصة مشيرا إلى تطوير نوع الأدب العربي وما طرأ عليه من أنواع أدبية غير عربية عبر العصور المختلفة حتى العصر الحديث ويختم المؤلف هذا الكتاب بوحدة مهمة تستدرك العلاقة بين نظريات النص ولسانياته ولسانيات النص.. حيث يظل النص أسير اللغة والتقنية ولكن يظل الإبداع هو المحرك والأداة الحقيقية للنص الأدبي.
يقول الجيار في الباب الأول من الكتاب: ان النص الأدبي هو بنية مفتوحة قابلة للتشكل الدائم، أداتها الأولى: اللغة وأداتها الثانية: التقنية وأداتها الثالثة: الآلية وهو بنية ذات مستويات وطبقات متجادلة لا تنفصل عن المتلقي، أو عن حس المبدع أو عن نشاط الجماعة التي ينتمي إليها النص والمتلقي والمبدع وكذلك هو بنية قابلة للشرح والتفسير والتأويل من منظور نسبي خاص، أو منظور تأملي أو علمي عام، مؤكدا أن التصوير جوهر كل ممارسة فنية أو أدبية، وبناء على ذلك يقوم الفن، والأدب جزء منه، على التصوير أي إكساب الموضوع سمات فنية ترتبط بطرق التشكيل والصياغة والتراكيب والأساليب التي تتغير من مكان لآخر، ومن زمان لآخر، ومن مبدع لآخر ، لأنها سمة جوهرية دالة على جوهر الموضوع المبدع على السواء
النص بين البلاغة والنقد
يعرف المؤلف النقد الأدبي بأنه، هو الإطار النظري، والتحليلي، والمقارن للنص الأدبي، واشتراكه مع بعض العلوم أغناه بنظر نقدي ، ثم كانت تفرعات النقد التي أوجدت لكل نوع أدبي نظرية كنظرية الشعر ونظرية السرد (القصصي والروائي) ونظرية الدراما ويقول المؤلف إن علم دراسة الأدب، هو المنوط به دراسة النص والظاهرة والمنتج وسياقاتها وعلاقاتها وخصائصها وهو ما كان يسمى بالنقد الأدبي وهو علم يدرس (شعرية النص) و(جماله) ومنتجه ومتلقيه وهو يعطي كل شعرية خصوصياتها، وكل جمال شروطه وخصائصه، وكل منتج ومتلق دوره في عمليتي التكوين، والإنتاج والعرض والتقييم وهو علم راصد بالضرورة وقادر على الحركة التاريخية والجغرافية عند تتبع الظاهرة أو النوع، للوراء، أو للأمام عند استقراء المستقبل، والتنبؤ بمظاهر أو ظواهر جديدة، يمكن أن ترتبط بالقادم العلمي أو التكنولوجي.
يقول المؤلف إن (نظرية الأدب العربي) صيغت حول أصلين أولهما: الشعر العربي وثانيهما: القرآن الكريم حيث إن الأفق الأدبي لم يخرج عن كون الشعر أعلى مراتب الاستخدام البشري للغة، وعن كون القرآن الكريم أعلى مراتب الاستخدام اللغوي والأسلوبي والدلالي على الإطلاق داخل حدود اللغة العربية وهي حاملة لغة الوحي.. وهي اللغة التي قدمها المسلمون فيما بعد نزول القرآن الكريم (بلسان عربي مبين) وكما حظي الشعر بالحكمة، وحظي الشاعر بقدرته على صياغتها وحظي البيان بالسحر، والقدرة على التأثير في المخاطب ويرى المؤلف أيضاً أن نظرية الأدب العربي، هي الأصول النظرية والإبداعية التي صاغت لنا عبر القرون الماضية، الأسس النظرية: الفلسفية، والاجتماعية، والعقائدية، والجمالية، والفنية للأدب ولقد صيغت نظرية الأدب العربي حول عدة أجناس أدبية، نشأت في العصر الجاهلي هي الشعر، والخطابة، والرسائل ثم استطاع القرآن الكريم أن يجمع الناس حوله، وأن يستقطب الاهتمام اللغوي والأدبي والبلاغي.
نظرية الأدب
يبين المؤلف عدة ملاحظات تظهر عند الحديث عن مقدمة لنظرية الأدب العربي فأولها أن نظرية الأدب العربي مزجت بين الموروث الذوقي والأخلاقي العربي وبين ما ثقفه العرب من الترجمة عن اللغة الأخرى، وثاني هذه الملاحظات، أن تاريخ الأدب العربي، (والنقد والبلاغة)، وزعت الاهتمام، فهناك الاهتمام بطبقات فحول الشعراء لابن سلام والشعر والشعراء لابن قتيبة، ونقد الشعر لقدامة، وعيار الشعر لابن طباطبا وحاولت بعض المؤلفات أن تجمع بين (الصناعتين) الشعر والنثر لأبي هلال العسكري، ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء، لحازم القرطاجني وآخر هذه الملاحظات أن نظرية الأدب قد شملت داخلها تحليل النص الأدبي، باعتباره جزءا من النظرية، لاختيار الأدوات التحليلية، وهو مجمل العلوم العربية المستخدمة في تحليل النص.
النص و البحث والترجمة
يقول المؤلف إن البحث يقوم - كغيره - من المؤلفات على عنصرين: النص موضوع البحث ومادته، وهو المستهدف بيانه، والمنهج: وهو الطريقة أو النظام أو المنطق المتبع للبحث في هذا النص، لتفهمه وتذوقه وتحليله، وتفسيره وبين كل ذلك أن النص هو المتن والآية والشاهد، وهو جماع المصطلحات والتعبيرات التي تبني نوعا من الكتابة ويذكر المؤلف أن المصطلح (نص - النص) في لغتنا العربية يفيد، الرفع والإظهار والشهرة •• ونجده في تقلبات هذه المادة (بمعنى أنه يظهر) ويرفع ليرى بين أشباهه، وكذلك من معاني النص أن تجعل أجزاء الشيء فوق بعضها، كما تقول (نص المتاع نصاً) أي جعل بعضه على بعض ونخرج من قراءة هذه المادة اللغوية أن النص هنا يعني شيئين: النص أي الشكل النهائي المباشر والظاهر للشيء أما المنهج فهو يعني النظام والطريقة، وإجراءات منطقية تعيد (النظام، البنية، النص) إلى مكوناته لتكشف عن علاقاته وأنشطته وعناصره، وكيف صنعت هذا النظام وبالتالي، تشرح وتوضح وتفسر وتؤول عبر تحليل مناسب للنص ولصاحبه ولمتلقيه.
ويذكر المؤلف أن الترجمة كانت عبر الحضارات القديمة والوسيطة سببا في نمو الأفواج الأدبية، فإنها في العصر الراهن أشد تأثيراً في عمل وسيط حضاري بعامة وأدبي بخاصة والحق يقال إن الترجمة هي في الإطار العولمي الحالي، ضرورة من ضرورات الحياة العصرية، إنها وسيلة تواصل لا غنى عنها لنا، إنها أداة محتومة لتبادل المعارف خاصة وضرورة تبادل الخبرات الإنسانية محتومة بين سكان الأرض.
علم النص
ويرى المؤلف أن ظهور الاختلافات بين النظريات والمناهج على أنها اختلافات وجهات النظر بسبب العصر، أو النظام السياسي، أو درجة التطور العلمي والبحثي في مجتمع من المجتمعات •• وبالتالي فإن كل رؤية علمية مهما تكن قديمة أو حديثة فهي صالحة للنظر إلى الظاهرة والنص الأدبيين في وقت واحد وكان ذلك - عبر التاريخ سبباً كافياً لمعرفة أسباب التطور والتغير الدائمين في الظاهرة والنص والنظر إليها وليست النظرية القديمة عديمة الجدوى بل هي صالحة لإضاءة غير كافية ويكمل المؤلف: إن علم النص (وهو يلتقط العلوم اللغوية والبلاغية المساعدة) يلتقط أيضاً (العلوم الإنسانية المساعدة) إلا أن علم النص العربي الآن لا يفرط أبداً في علوم محددة تتماس معه بعمق وجوهرية وهي تاريخ الأدب، النقد الأدبي، علم الجمال، علم البلاغة والأساليب• هو - إذن - علم مركب يحتاج إلى صبر في صياغته وصبر طويل في التطبيق من خلاله، إذ كلما حطم العلم حدود الزمان والمكان، أو فتح باباً مغلقا في معرفة الإنسان،نجد الظواهر الأدبية متأثرة بما فتحه من آفاقه، وما اكتشفه من العلوم والظواهر والقوانين حتى وصل العلم إلى اختراق المجهول الزماني والمكاني والانساني.
علم النص والبلاغة
البلاغة مستوى مركب من العلوم والرؤى، ترى النص في مستوى المجاز والرمز والتراكيب والدلالة والموسيقى الصوتية والدلالية•• وتتطرق البلاغة للأسلوب الجمالي في النص ثم لأسلوب النص ككل، ولا يقف النص عند عمل البلاغة القديم المنقسم لثلاثة اقسام أو علوم هي: المعاني والبيان والبديع• ويشير المؤلف إلى أن البلاغة قد أضافت على علوم اللغة، والدلالة، والمجاز، والأصوات، وموسيقى النص وإيقاعه،إضافات جعلتها أكثر تخصصاً عن ذي قبل، وجعلت علوم البلاغة القديمة مجرد بداية لدراسة المستوى المجازي والرمزي من لغة وتراكيب وموسيقى النص الأدبي• ويذكر المؤلف أن علم النص أصبح ذا صلة كبيرة ببلاغة النص، ككل وبلاغة مفردات وعناصر النص في شكلها الأدبي الجزئي داخل مكون الجملة ثم الفقرة ثم النص كله وأصبح علم النص قادراً على تحليل مكونات النص الأدبي وبيان علاقات العناصر والأنظمة والعلاقات وطرق أدائها ووظائفها والرسالة التي تحملها وأشار علم النص أيضا إلى مصطلحات بلاغية جديدة أثرت النظر إلى الخصائص العامة والخاصة للنص فأصبح من صفات النص: الشعري والنثري والسردي والملحمي والدرامي والغنائي والشعبي ، بل حولت النظر إلى أفق جديدة في فهم النص ومعرفة خصائصه، وتصنيفه إذ إلى جانب أدبية الأدب وشعرية الشعر وسردية السرد••• إلخ ظهرت خصائص تميز داخل أدبية الأدب خصائصها لكل نوع بفضل ربط علم النص بعلم بلاغة النص إذ وضحت العلاقة بين النظريات والمناهج وزوايا الرؤية وبين طبيعة النص وطبيعة التلقي (التناص) وطبيعة الإبداع ويذكر المؤلف أن ما يجوز في النحو العربي يمكن أن يجوز في البلاغة لكن البلاغة لها حقوق أكبر من النحو بمعنى أن أغراض المتكلم تجعل الذي يتحدث ببلاغة قادراً على أن يقدم كلمة على كلمة أو يؤخر كلمة عن موضعها وذلك وفقا للقواعد الآتية:
القاعدة الأولى ، ومعناه أن تأمن عدم حدوث لبس في فهم المتلقي - ولو حدث لبس عند المتلقي فغير تركيب الجملة، إلا إذا كان اللبس غرضاً بلاغيا في هذا السياق فعندما تقول: ( ضرب عيسى موسى) من الذي ضرب من؟ ومن الذي يحكم من ضرب من؟ فعيسى ينتهي بألف لينة، وموسى ينتهي بألف لينة - هنا يحدث لبس في فهم المتلقي، وما دام في الجملة لبس فالكلام غير بليغ ويذكر المؤلف قاعدة أخرى وهي (موقع المتحدث من السامع وموقع السامع من المتحدث) فحين أخاطب من هو أعظم منه لا يمكن أن آمره ولكن التمس منه كقولنا أمام القاضي (التمس من سيادتكم البراءة) وحين أخاطب من هو مثلي يمكن أن آمره، أما عندما أخاطب من هو أصغر مني يمكن أن آمره وأنهاه، ويرى المؤلف أن علم النحو لا ينفصل عن علم المعاني فكلاهما وجه للآخر ولا نستطيع أن نتخيل علم النحو مفصولاً عن علم المعاني أو علم التراكيب اللغوية لأنه مبدؤها، وتنمو الجملة تبعاً لمنطقهما معاً.
لسانيات النص
يقول المؤلف في نهاية المطاف في علم نص الأدب، إن علم اللسانيات العربي القديم - وقد تأثر بعلوم اللسانيات اليونانية؟؟؟ - لم يجد غضاضة في إضافة ( لسانيات أرسطية) إلى لسانيات النص العربي ثم كان النص الشعري ثم النثري قد أضاف هذه الإضافات مرة أخرى بعد استعمالها وشيوعها على الألسنة فبنظرة سريعة على مقولات أرسطو في فن الشعر أو فن الخطابة ثم نظرة إلى ما يقوله عبد القاهر الجرجاني أو ابن جني أو ثعلب أو القرطاجني، سيرى المتواصل الكم الضخم في اللسانيات النظرية بل سيرى المتابع التأثير الشديد للنص الشعري والنثري بل القرآني في هذه اللسانيات النظرية•• وعندما تتقدم في التاريخ العربي للإبداع سنجد أن فترة صعود النصوص الشفاهية والشعبية قد أضافت ثراء ظهر أثره في الإبداعية العربية في القرن العشرين ثم في اللسانيات النظرية في الوقت نفسه.
إن لسانيات النص ضد استمرار الجمود أو الثبات لأنها تدمر الحواجز وتدخل المناطق المحظورة ومن هنا تقوم كل أعمال المصادرة والحظر والمراقبة والمنع والتحريض للنص المجازي بالضرورة ولسانياته الجديدة.