قصة قصيرة ( لمحبي الادب )
زوربا العراقي :
**************
صعد السلم المؤدي الى شقته بتثاقل وبوقع اقدام متباعدة وئيدة و هو يمسك حاجز السلم المعدني و كآبة تطغي على ملامح وجهه وقد نالت منه سنون من الخيبات و الاحزان التي عمت حياته حيث لم يكمل تعليمه العالى لضيق ذات الحال ولاضطراره للتوظف المبكر لتأمين عيش اسرته بعد موت والده ومن ثم وفاة امه منذ عدة سنوات.في حادث تفجير ارهابي في السوق....فهو موظف في احدى دوائر الدولة يؤدي فيها اعمال مكتبية رتيبة و مملة وبقي في حالة عزلة عن باقي الموظفين و لايتبادل معهم غير التحيات و ما يتطلبه عمله الذي يؤديه وكأنه آلة في مصنع .هو في الخمسينات من العمر وفي الدرجة الوظيفية الثالثة وهو اقصى ما وصل اليه بعد ثلاثة عقود من الخدمة ولايترقى للدرجة الاعلى مالم يسلك سبل اخرى ..رغم ان راتبه يكفي لسد حاجاته المتواضعة وقلما يعد الطعام لنفسه اذ غالبا ما يأكل وجباته في احد المطاعم التي اعتادها في طريقه المعتاد بين شقته ومكان عمله ويوفر بعض النقود التي يصرف منها على شراء ادوية الضغط و السكري و علب السكائر و الكثير من الكتب وليس له اصدقاء مقربون سوى موظف شاب يتبادل معه الكتب الادبية وقد صحبه مرات الى عدة مكتبات ليبتاعا منها ما شاءا من الكتب... وسبق له ان تزوج من أمرأة من أقاربه وقد تركته بعد عشر سنين من الزواج لانه عقيم بعد ان فرقت بينهما المحكمة . اخفق في شبابه في حب فتاة الجيران الجميلة التي تزوجت من رجل ثري واكثر ما يمكن وصفها بانه حب من طرف واحد ...حاول ان يكتب الشعر لكنه تركه بعد عدة محاولات فاشلة ... . له اخت متزوجة ولها اولاد في احد دول الخليج قد يتصلون به هاتفيا في فترات متباعدة . . يقضي اوقاته عندما لا يكون في العمل في التجوال في حدائق الكورنيش المحاذي للنهر و يجلس احيانا على احد المصاطب حيث يقرأ جريدة او كتاب غالبا ما يكون في الفلسفة او الشعر او الادب واخرها كان رواية زوربا اليوناني للاديب اليوناني كازا نتزاكيس .. وصل باب شقته وعالجه بالمفتاح و دلف الى حمامه ثم خرج و ارتدى ملابس النوم ... فتح التلفاز وقلب قنواته ... اخبار عن غرق عبارة لمحتفلين بعيد الربيع ومقاطع لانقلابها و غرق العشرات او فقدانهم .. انقلاب قطار في مصر .. سقوط طائرة اثيوبية .. سيول تجرف المنازل و السيارات في عدة بلدان شرق اوسطية ... مقطع اخباري عن غزة يصور قصفا اسرائيليا على سكان غزة المحاصرين .. متابعة لاغتيال صحفي في قنصلية بلاده ... مظاهرات لمحتجين في عدة دول عربية .. مقاطع لحروب اهلية في سوريا و اليمن و ليبيا .. منظر للاجئين وارامل من العراقيين برامج حوارية حول الفساد الاداري و المالي في العراق .. ارهابي استرالي يقتل عشرات المصلين في مسجد في نيوزلندا .وفاة فنان مشهور . انتحار طفل ادمن على لعبة الحوت الازرق ... تأوه بصوت عالي و اطفأ التلفاز .. تناول سيكارة و ارثها و رسم بدخانها دوائر حلزونية فوق رأسه الذي غزاه الشيب .. ..تناول كتاب زوربا اليوناني واكمل قراءة ما بعد الصفحة المطوية و قد اوشك على نهاية الرواية وتذكر انتوني كوين الذي قام بتمثيل دور زوربا اليوناني الانسان الفطري البسيط لكن العميق في افكاره التي اتت من خبرته في الحياة حيث جاب موانئ الدنياواشتغل في كثير من المهن.مصحوبا بآلة السنتوري الموسيقية التي يعزف عليها الحانه و قد يرقص في اي وقت ومكان شاء .. . وهذا الفلم كان قد شاهده منذ عدة سنوات ...وتذكر رقصة زوربا الجنونية على ساحل البحر هو و مدير العمل المثقف والمتعلم باسيل تذكر موسيقاه و تناول الموبايل وبحث عن موسيقى زوربا في اليوتيوب ورقصاتها... شعر برغبة جامحة في الرقص وهو لم يسبق ان رقص حتى في يوم زفافه الذي شعر فيها بالخجل عندما حاول احد اقاربه ان يمسك بيده ويسحبه ال حلقة الراقصين لكنه امتنع و احمر وجهه. والصق جسده بالكرسي المخصص للعرسان ... رفع صوت الموبايل الى اعلى ما يستطيع حاول ان يقلد رقصة زوربا و حركاته... فتمايل وقفز وراح يمينا و شمالا ملوحا بيديه و رجليه في الهواء و مطلقا صيحات وحشية و في حركات خرقاء تفتقر الى الانسجام و ايقاع الموسيقى و لكنه على اي حال يرقص شعر بنشوة عجيبة و موجة انشراح لم يسبق ان مر بها و شعور بالتسامي والعلو عن كل الخيبات و الاحزان تناول عدة صحون خزفية و كسرها واحدا تلو الاخر .. اعاد تشغيل الموسيقى عدة مرات .. و رقص بحماسة و جنون في جولات رقص اخرى شعر بالعرق يتناثر على جبينه ويدخل عينيه مسببا حرقة فيهما ... و في كل مكان من جسمه غطاه عرق بارد .احس بالاعياء والتعب و القى بكل جسمه على الكرسي الوحيد في الغرفة و هو يشعر بالم لا يطاق في صدره... تنفس بصعوبة شديدة ... واحس بدوار لذيذ ثم سكن الى الابد وهو يبتسم...
************
كتبت في 26/3/2019