[rtl]اختصمت قطتان إلى كلب المنزل ،في واقعة تقع بينهما منذ مدة ولم تجدا لها حلا يريحهما ، فاضطرتا إلى الاحتكام إلى كلب الدار رغم ما بين الطرفين من عداوة أزلية ، وتخشيان من سوء العاقبة إذا ما اقتربتا منه ، فقد يبطش بهما في أي لحظة من اللحظات ، لكن للضرورة أحكام والضرورة تقدر بقدرها .[/rtl]
[rtl]تقدمتا نحوه في خفر مصحوب بوجل وحذر، ثم خاطبتاه قائلتين : سيدنا الكلب ابن سادتنا الكلاب جئناك في قضية ونود من جنابكم المحترم أن تفصل بيننا بما عُلمت من علوم الفقه والمعرفة المتوارث عن أجدادك كابرا عن كابر . فاحكم بيننا بالعدل ولا تشْطُط.ْ[/rtl]
[rtl]الكلب : ما قصتكما أيتها القطتين؟[/rtl]
[rtl]القطتان : قصتنا يا سيدي أننا دائمتا الخصام فيما بيننا فلا نكاد نتصالح من خصومة حتى نشرع في أخرى ، والغريب أننا لا ندري مَن المخطئة فينا ومن التي على حق ![/rtl]
[rtl]الكلب : اقْصُصا عليّ قصتكما وأتمنى على الله أن أوفق في الفصل بينكما بالعدل وأن أرفع عنكما هذا اللبس الذي تعيشانه ، وبالتالي تعرف كل واحدة منكما ما لها وما عليها ، ويتبين لكما الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أعني تعرفان من تخطئ في حق صاحبتها فتطلب منها السماح وتنوي ألا تعود لفعلها فيصفوا العيش بينكما وتدوم العِشرة وتحسٌن الرفقة. فمن منكما تود أن تبدأ بعرض قضيتها؟ [/rtl]
[rtl]هيا تكلمي أيتها القطة البيضاء. [/rtl]
[rtl]القطة البيضاء : سيدي الكلب ، إنني أتقاسم مع هذه القطة غرفةً أفردَتْها لنا صاحبة ُالبيت ، على أساس أن نتقاسم تنظيفها وتوضيب أثاثها وتهويتها وكل ما يتعلق بشؤونها باعتبارها مأوانا، وتتفضل علينا صاحبة البيت ـ زادها الله من فضله وكرمه ـ أكلة لكل واحدة منّا دسمة ومتوازنة ، فتعمد صاحبتي هذه إلى أكل ربع وجبتي كل يوم . وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه بأي حال من الأحوال ولا غفرانه مهما تطلب الأمر من جهود لرفع الحيف، وإني نبهتها إلى سوء عملها هذا أكثر من مرة لكن لا حياة لمن تنادي ، حتى بلغ السيل الزُبى ووصل الأمر بيننا إلى ما نحن فيه .[/rtl]
[rtl]الكلب : إيه ، وأنت أيتها القطة السوداء ما ردك على مل ادعته صاحبتك البيضاء؟[/rtl]
[rtl]القطة السوداء : أطال الله عمُر سيدي الكلب ،ووقاه شر البليّة ؛ إن جارتي هذه قد قالت نصف الحقيقة وأخفت النصف الآخر ، ولم تنطق إلا بما يضمن لها العطف من جنابكم المحترم فتحكمون لصالحها ، ولقد أظهرت من قولها ما شاءت وأخفت ما أرادت .[/rtl]
[rtl]الكلب : ماذا أظهرت وماذا أخفت ؟ أجيبي بسرعة ولا وقت لديً للزُّلفى ، منك ومنها [/rtl]
[rtl]القطة السوداء : لقد صرحت جارتي بحضرتكم يا سيدي ، أنني آكل ربع طعامها ، نعم هذا صحيح ، لكن أي ربع آكله ولماذا آكله !! والتفتت إليها وكأنها توجه السؤال إليها لتجيب عنه .[/rtl]
[rtl]الكلب : أتمي قولك دون الرجوع إليها ، هيا . انطقي .[/rtl]
[rtl]القطة السوداء : سيدي إن جارتي هذه قليلة الأكل بحيث لا تستطيع أن تأكل وجبتها كلها بالتمام والكمال كما أنها لا تنظف صحْنها ، فهي دائما تأكل نصف الوجبة وتترك النصف الآخر ، فيطول به العهد ويبدأ في التعفن ويصدر روائح كريهة مما يصبح معه فضاء بيتنا غير صحي ولا مريح ، فأعمد إلى أكل ربع طعامها المتبقي من باب إنقاص الضرر الذي يلحقنا جراء تخثر المشروب وتعفن الطعام . حتى أصبحت كما تراني يا سيدي غاية في السمن واكتناز الجسم ، آه يا سيدي لقد فقدت رشاقتي وقدّي الجميل واعتدال قامتي ، وفقدت قدرتي على النط والقفز واصطياد الحشرات والطير على الشجر، ومطاردة الفئران بعد التربص بها .حتى صاحبة البيت صارت تعيب علي هذا الجسم الثخين ، ويرجع سبب تعاستي التي أعيشها اليوم إلى هذه الجارة التي أمامكم ـ مشيرة إليها باستخفاف ـ وصارت تكفكف الدمع المنهمر من عينيها الزرقاوين .[/rtl]
[rtl]الكلب : يسأل القطة البيضاء ، هل كانت جارتك هذه تأكل ربع طعامك قبل أن تتخلي عنه أم كانت تأكله ابتداء وبمجرد أن تضعه لكما ربة البيت.[/rtl]
[rtl]القطة البيضاء : كانت يا سيدي تأكل من النصف المتبقي عني ، وبعد أن أكون قد اكتفيت ورفعت يدي عن الطعام .[/rtl]
[rtl]الكلب : وهل تكونين حينئذ قد استغنيت عنه أم لا زال في نفسك حاجة إليه؟ بمعنى هل تتركينه ادخارا أم استغناء ؟ هيا أجيبي .[/rtl]
[rtl]القطة البيضاء : بل أكون قد استغنيت عنه ولم يعُد لي به حاجة .[/rtl]
[rtl] بعد أن أدلت كل قطة بقولها وأتت كل واحدة منهما بالشوهد تدعم بها موقفها ،رفع الكلب القضية للتأمل، وأمر القطتين بالانصراف على أن تعودا يوم غد في نفس التوقيت ليستمعا إلى الحكم. [/rtl]
[rtl]في اليوم الموالي أتت القطتان في نفس الموعد وجلستا تنتظران خروج الكلب عليهما للنطق بالحكم . خرج الكلب من بيته وهو يحمل ملفا أحمر يعض عليه بالنواجد. ثم جلس مقعيا .[/rtl]
[rtl]الكلب : نحنح ، وضرب بكفه على باب بيته لإثارة الانتباه ، وقال: بسم الله خالق الكلاب اللاهثة ، وجامع رفاث الجثت المتحللة من القبور المبعثرة يوم لا ينفع الخلق إلا من أتى الله بقلب سليم ، نعلن افتتاح الجلسة ، القضية حرف ألف .ثم نادى بصوت جهوري :[/rtl]
[rtl] ـ القطة البيضاء ،[/rtl]
[rtl]ـ حاضر سيدي ،[/rtl]
[rtl]ـ القطة السوداء، [/rtl]
[rtl]ـ حاضر سيدي.[/rtl]
[rtl]وبعد أن أشَّرَ بقلمه على حضور المتخاصمتين ، رفع رأسه وقال : لقد تأملت المحكمة في القضية ونظرت في ملابساتها وحيثياتها ولقد تبين لها ما يلي :كلا الطرفين كان مخطئا ؛ الطرف الأول من حيث كونه أكل نصف النصف المتبقي عن الطرف الثاني بدافع النظافة وتطهير البيت من النفايات والروائح الكريهة ، لكنه لم يستأذن في ذلك صاحب الطعام ومالكه ، أما الطرف الثاني فلقد ثبت لدينا وبما لا يدع مجالا للشك أنه يسئ للطرف الأول بإبقاء نصف وجبته دون أن يأكله ، مما ينتج عنه عواقب وخيمة مضرة بجاره وبالبيئة الأيكلوجية لمحل السكنى ، ولقد تبين للمحكمة الموقرة أن عنصر القصد متوفر نظرا لأن الفعل تكرر أكثر من مرة خصوصا وأن الطرف المتضرر اشتكى من هذا الاهمال للطرف الثاني ولفت انتباهه إلى خطورة الأمر. كما تبين للمحكمة الموقرة كذلك غرابة هذه الخصومة لأنها تجري على خلاف العادة ، فالشائع في الخصومات التي تجري بين القطط تكون بسبب القلة و الخصاص في الطعام وما يترتب عنه من جوع وهزال وفقر في الدم وخور في القدرة وسقوط للشعر وكراهة المنظر، أما أنتما فخصامكما ناتج عن الشبع الدائم والوفرة في الطعام والشراب الطهور واللذيد ! [/rtl]
[rtl]لكل هذه الحيثيات حكمت المحكمة قطعيا وحضوريا بما يلي : [/rtl]
[rtl]ـ أولا ، انقاص وجبة القطة البيضاء إلى النصف لكونها مستغنية عنه.[/rtl]
[rtl]ـ ثانيا ، انقاص وجبة القطة السوداء إلى النصف ، نصفه لتعويض الخسارة التي أحدثتها بسبب الترامي على ملك الغير دون استئذان من صاحبه ودون أخذ تراخيص منه ،أما الربع الثاني من النصف فلقد أملاه الواجب الإنساني ، لأنكِ المشتكية اشتكت من السمنة التي هي عليها وما سببته لها من معاناة وحرج أمام ربة البيت، فقبلنا دعواها ضد نفسها وحكمنا بانقاص الربع الذي هو تكملة للنصف لتعود إليها رشاقتها وجمالها وتحظى باقبال ربة البيت عليها وحب أبنائها ، وكذلك حتى لا تصاب بمرض من أمراض السمنة وهي خطيرة كما هو معلوم اليوم وأكده طب التغذية.[/rtl]
[rtl]ـ النصفان المخصومان للمتنازعتين سيؤول إلى ذي الحاجة والخصاص في هذا البيت ، ولا يوجد من هو أحق بهما من الكلب الحارس للدار . رُفعت الجلسة ( قالها بصوت أجش وغليظ وقوي أخاف به القطتين اللتين خرجتا تهرولان ولا تلويان على شيء ، وكل واحدة ترد القول على الأخرى وتصرخ في وجهها.) مياو مياو مياو بخخخخ مياو مياو بخخخخ ...[/rtl]
[rtl]صرفهما الكلب الحَكم وعيناه تشعان بالمكر والخديعة ، ثم بسط ذراعيه بباب بيته وأسند رأسه إليهما برفق مبالغ فيه وبحذلقة بادية منتشيا بالغنيمة التي ظفر بها بعد أن سيقت إليه ، وهو يقول بصوت ساخر خفيض ومفعم بالتشفي : " قطتان مغفلتان ، تحتكمان إلى كلب ٍ!العدو التاريخي للقطط ، الذي لا زال ولم يزل عدوا لدودا لعِرق القطط " [/rtl]
[rtl]أخرج لسانه يمرره على شفتيه ولعابه يسيل ، ويتلمظ اشتهاء للأكل الطيب الذي سينضاف إلى مائدته كل يوم ، وهو على يقين من أن ربة البيت لا يمكنها أن تطعن في الحُكم ولا في نزاهة الحَكم ، وهي لا محالة ستجيزه وتدعمه .[/rtl]
[rtl]طبعا ، طبعا ستوافق ، ومن الواجب أن توافق . ألستُ حامي الدار والذِّمار.[/rtl]
[rtl]بصبص بذيله يمينا وشمالا وأغفى قليلا حالما . [/rtl]
2015-01-20, 21:59
