كتب الدكتور: أحمد الخضري (في صفحة التداولية بين يديك)


المنحى العرفاني في المصطلح النحوي العربي (2)

سبق وتناولت المنحى العرفاني في المصطلح النحوي في جانبي العلامة الإعرابية والتصور العاملي، أما الآن فأريد أن أركز الضوء على مصطلح الزمن (النحوي)؛ لأكشف عن منحاه العرفاني كما تصوره الفكر اللغوي القديم.
يقسم الزمن النحوي إلى مقولات ثلاث:
(الماضِي، المضارِع، المُستقبَل).
ومن الجلي (استعارةُ) صيغتي (الفاعلية والمفعولية) للمقْولات الثلاث؛ لتنتظم جميعها في خطاطتين، هما: خطاطة (المسار/من - إلى) بالنسبة للـ (ماضي، والمستقبل)، وخطاطة (الاحتواء) بالنسبة للـ (مضارع)، ومن الجلي، كذلك، أن الخطاطتين السابقتين ما هما إلا تجربة (جسدية) انطبعت على الفاعلية (الذهنية)، أو فيما عرف بـ (الجسدنة).
و(الفعل/ العامل/المحمول الأصلي) هو أكثر (المقولات النحوية) تمثيلًا للمصطلح الزمني، ومن اللافت حقًا هو الاستعانة بخطاطة (المسار) نفسها لتبيان موقع (المعمولات/الحدود) من الفعل، ومن ثم فإننا نستطيع أن نقول إن مقاصد (العناية، أو الاهتمام، أو ...) الناتجة عن إدراك النحوي لخطاطة المسار، إنما هي نتاج تصور (استعاري) بامتياز.
وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال (سلطة القراءة) النحوية؛ أي أننا نفهم المقصد الخطابي من خلال (التصور الاستعاري) للنحاة، فتصورنا لتقديم (إياك) في قوله تعالى: ﴿إياك نعبد﴾ إنما هو من خلال ما سجله النحاة من مناويل عرفانية لإدراك مقصد الخطاب.
إنه لأمر خطير أن ينكشف لنا أن ما نتبناه مفهوميًّا كأسس قارة بالنسبة للمقاصد الخطابية إنما هو (استعاري)، أو هو كما تصوره استعاريًّا مؤسسو الخطاب النحوي.
وبعد، فمن المهم أن نلتفت إلى أنني لا أزعم أن النحاة العرب كانوا عرفانيين، كنوع من (الإسقاط) المبتذل، وإنما أريد أن أشير إلى خضوعهم إلى التصور العرفاني في تأسيس المصطلح النحوي.