يوسف تغزاوي عضو نشيط
البلد : المغرب عدد المساهمات : 24 نقاط : 72 تاريخ التسجيل : 02/12/2011
| موضوع: الإعراب : المفهوم والمنهج 2014-11-07, 18:22 | |
| الإعــراب : المفهــوم والمنهـــج د. يوسـف تغـزاوي. تـمــهــيـد : يعتبر الإعراب عنوان الدرس اللغوي العربي منذ نشأته حتى الآن، وهو مصطلح يرمز لاستمرارية وجود أمة بكاملها، لأنه يحمل دلالة القصد من عملية التكلم على حد تعبير الزجاجي في كتابه «الإيضاح في علل النحو»، أو لأنه وسيلة التحليل اللغوي التي يقصد من ورائها الفهم والإفهام. لقد بذلت مجهودات في تعريف الإعراب الهدف إما إلى شرح مفهومه أو تبيان وظيفته في الدرس اللغوي العربي، وقد انطلقت تلك المحاولات، من سلمية زمنية مفادها أن الإعراب علامات تجسم حركات أعضاء النطق المتكلم (الزجاجي، 1982 : 83)(1) وحركات مبنية على معاني اللغة (الزجاجي، 1982 : 85)(2) إلى تعبير أو آخر الكلم لتعاقب العوامل، ثم الجنوح إلى اعتبار الإعراب منهجاً تحليلياً يوظف كل مكونات الكلام، مما يؤهله لأن يكون علماً مستقلاً بذاته أو منهجاً خاصاً للتحليل. ما معنى الإعراب وما وظيفته؟ وما دوره في تحليل الدرس اللغوي العربي؟ 1- مفهوم الإعراب في تاريخ الدراسات اللغوية العربية : من خلال تتبعنا لتاريخ الدراسات اللغوية العربية، نجد أن مجال استعمال مصطلحي النحو والإعراب يضيق، ولعل ذلك هو ما سمح بظهور مصطلحات جديدة يتقل كل منها بجانب من جوانب الدرس اللغوي العربي المتكامل، لأن النحو عند الخليل عبارة عن جمل من المسائل النحوية والصرفية والصوتية ويجاريه الزجاجي في تسمية كتابه «الجمل في النحو» (الحسين كنوان 1992 : 100)(3)، أما ما وسمه المتأخرون بعلامات الإعراب فهو عند سيبويه (الكتاب، 1983 : 13)(4) «مجاري أو آخر الكلم» ولا يرتبط الإعراب عند الزجاجي بالعاملية وإنما هو عرض لعلامات الإعراب الأصلية منها والفرعية، وعند المبرد وابن الأنباري إشارة لطيفة إلى الكيفية التي ينبغي أن توظف بها بعض علامات الإعراب الفرعية التي هي الحروف. والملاحظ أن شمولية الدرس اللغوي العربي (موضوعاً، وهدفاً، ووسيلة تحليل) هي التي يقصدها الزجاجي بتسمية النحو (الزجاجي، 1982 : 81)(5) إعراباً، والإعراب نحواً، وذلك ما يلخصه ابن يعيش بقوله : «النحو قانون يتوصل به إلى كلام العرب». فالمسألة تتأرجح إذن بين الحصر والشمولية : شمولية مفهوم الإعراب الذي يعني عند البعض علم النحو، وحصر مجال هذا المفهوم في تغيير أو آخر الكلم لتعاقب العوامل وهذا هو التعريف السائد عند المتأخرين من اللغويين العرب. ويعتري هذا المفهوم نوع من الاهتزاز (بنوعيه الشامل والمحصور) فهو عند المتقدمين يجنح إلى الشمول، ولكنه غير دقيق المعالم، ولا محدد الوظائف، وعند المتأخرين، محصور في تغير أواخر الكلم لتعاقب العوامل، وله علامات محصورة، ومضبوطة، وبذلك لا ينسجم المفهوم والمنهج في الأمرين معاً، ويتضح ذلك من خلال ما يلي : - عدم مطابقة المفهوم للوظيفة ومسايرته لها. - عدم اعتبار الفرق بين وظيفة علامات الإعراب الأصلية والفرعية. - عدم اطراد مقولات علامة الإعراب وحرف الإعراب بين الإعراب الأصلي والفرعي بكامل الوضوح. - عدم اعتبار التدرج في وظيفة علامة الإعراب من حيث الأهمية. - عدم خضوع علامة الإعراب أحياناً للعامل (النحوي). - جواز أنواع من الإعراب لنوع واحد من الأسماء في حالة تركيبية واحدة. - حصول الفهم المخاطب رغم عدم احترام علامات الإعراب كما هي عند النحاة. (كنوان، 1992 : 101)(6). من خلال ما تقدم، بدو أن الإعراب ف اصطلاح النحاة لم يحظ بالحد الذي يناسب وظيفة كل العلامات المخصصة له، ولا المجال الذي يستعمل فيه، ولذا يمكن أن نستعرض بعض تعاريف النحاة للإعراب كما يلي : يقول ابن جني (ت 302هـ) معرفاُ الإعراب : «هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ». (الخصائص، ج1 : 35)(7). ويقول الزجاجي (ت 337هـ) «والإعراب : الحركات المبنية عن معان اللغة». (الزجاجي، 1982 : 81)(8). أما ابن يعيش (ت. 643هـ) فيقول : «والإعراب الإبانة عن المعاني باختلاف أواخر الكلم لتعاقب العوامل في أولها...». 2- الإعراب في خدمة التركيب والدلالة : يعتبر الإعراب أداة لسانية تساهم مساهمة فعالة في وصف وظائف مكونات الجملة التي تقوم بوظائف تركيبية ودلالية كبرى، وبناء على هذا يمكن أن نحدد الإعراب كما يلي : «إعراب مكون في الجملة هو وسم آخره»، ويكون هذا الوسم لفظياً أو معنوياً أي محققاً أو غير محقق. (السيوطي – السمع، ج1 : 14)(9). وفي اعتقادنا أن الأصل هو أن يكون الوسم الإعرابي لفظياً محققاً، يرتبط بظهور أثر صوتي واضح ومحدد في آخر المكون وهذا الأثر هو ما يسمى بالحركة الإعرابية أو العلامة الإعرابية. (السيوطي – الأشباه والنظائر، ج1 : 86)(10). تتغير هذه الحركة الإعرابية حسب موقع المكون الأصلي في الجملة ووظيفته التركيبية أو الدلالية أو هما معاً. وتكون هذه الحركة ضمة أو فتحة أو كسرة. يرى ابن خلدون أن النحاة «لما رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات اصطلحوا على تسميته إعراباً» (المقدمة : 604)(11). ويرى ابن يعيش أن العلامة الإعرابية أخرت لأن «الإعراب دليل والمعرب مدلول عليه، ولا يصح إقامة الدليل إلا بعد تقدم المدلول عليه» (شرح المفصل، ج1 : 51)(12) ويرى السكاكي أن «الإعراب لا ينتظم الكلمات إلا بعد أن يكون هناك تعلق بنتظم معانيها» (المفتاح : 119)(13). استناداً إلى ما سبق، يتبين لنا أن الإعراب يهم آخر الكلمات في الجملة، وقد يكون هذا الإعراب الصوتي ثابتاً كلياً أو جزئياً. الثابت كلياً هو ما يسميه النحاة بالمبني، والثابت جزئياً يمثل ما يسمى في النحو بجمعي المؤنث والمذكر السالمين. يرى النحاة أن الأثر الإعرابي الثابت كلياً بناء، ولكننا نذهب إلى أن الإعراب إجراء مستقل. ويمكن أن نعتبر البناء شكلاً من أشكال الإعراب، ويرى الفاسي الفهري أن ما يسمى ف النحو مبنياً يأخذ إعراباً لازماً في المعجم. (الفهري، ج2، 1985 : 101)(14)، أما الإعراب المعنوي، فيربط بالجمل أو الملفوظ اللذين يقعان ف موقع المفرد. من خلال ما سبق، نستنتج أن الإعراب وضع في الأصل ليتحقق على شكل آثار صوتية هي الحركات الإعرابية القصيرة، وهذا هو الإعراب الأكثر شيوعاً وتداولاً، أو هي الحركات الإعرابية الطويلة. 3- الإعراب في اللسانيات الحديثة : يرى أحمد المتوكل أن الإعراب نوعان : إعراب مجرد وإعراب محقق : الأول نتاج الحالات الإعرابية والثاني نتاج العلامات الإعرابية (المتوكل 1986 : 106)(15)، ويرى كذلك أن الحالات الإعرابية تسند في مستوى البنية الوظيفية وتتحقق على شكل علامات إعرابية بواسطة قواعد صوتية، تنتمي إلى قواعد التعبير. (المتوكل، 1987 : 46 – 128)(16). وتزداد المسألة وضوحاً، حينما قال أن الإعراب المجرد تمثله الحالة الإعرابية وأن الإعراب المحقق تمثله العلامة الإعرابية. (المتوكل، 1988 : 112)(17)، ويرى أن الإعراب المجرد قد يتحقق في شكل علامة إعرابية وقد لا يتحقق، حيث أن كلا من الرفع والنصب والجر يمثل حالة إعرابية تتحقق على شكل علامة إعرابية، أي على شكل ضمة أو فتحة أو كرة. (المتوكل، 1985 : 127 – 128)(18)، وصاغ المتوكل سلمية لتحديد الحالات الإعرابية النسبـــــة للغـــــة العربيـــة كمـــــا يـــلــــــي : الوظائف التركيبي الوظائف الدلالية الوظائف التداولية. ويرى شومسكي أن «نظرية الإعراب» تهتم بمسألة إسناد الإعراب المجرد إل العناصر التي تحتل مواقع يهمها التأثير الإعرابي. (شومسكي، 1987 : 82، 221 – 225)(19)، ويؤكد أن وجود الحالة الإعرابية تجعل العناصر واضحة وجاهزة لأن تطبق عليها قواعد مختلفة (صوتية ومنطقية) مسؤولة عن تحديد الأدوار المختلفة في السلسلة الكلامية. إذن من هذا المنطلق، لن يختلف تحليلنا، عن تحليلات بعض اللسانيات الحديثة إلى على مستوى المنهجية والمصطلح، نقترح أن يوسم الإعراب المجرد إعراباً نظرياً على حد تعبير الدكتور عبد العزيز العمار، حيث يرى أنه إذا تبنينا هذا المصطلح، سهل علينا أن نقول إن الإعراب يبدأ نظرياً ثم يصير تطبيقياً، حيث يحقق كلياً أو جزئياً، وهذا هو الإعراب اللفظي، وقد يحقــــق علـــى شكل صوتي ثابت، وهذه خاصيـــة ما سمــــي في النحــــو بالمبنــــــى. (العماري، 2004 : 158)(20). ويميز الفهري بين ثلاثة أنواع من الإعراب في اللغة العربية : الإعراب النحوي، وهو خاص بالحدود (الفاعل والمفعول به)، والإعراب الدلالي، ويسند إلى الملحقات مثل الظرف والتمييز والحال، وإعراب التجرد، ويسند إلى الوظائف التي ليست موضوعات ولا ملحقات، كالمبتدأ أو الخبر. (الفهري، 1986 : 49)(21). إذن، نلاحظ أن أوجه الاختلاف في تفسير ظواهر الإعراب ذو طبيعة مصطلحية محضة، يرى النحاة البصريون أن الإعراب أصل في الأسماء وفرع في الأفعال (السيوطي، الهمع، ج1 : 15)(22)، وحجتهم أن «الاسم يقبل بصيغة واحدة معاني مختلفة، وهي الفاعلية والمفعولية والإضافة، فلولا الإعراب، ما علمت هذه المعاني من الصيغة ولولا الإعراب لوقع اللبس بخلاف الفعل، فإن الالتباس فيه لا يعرض لاختلاف صيغة باختلاف معانيه». ويرى الكوفيون أن الإعراب «أصل فيهما لأن اللبس الذي أوجب الإعراب في الأسماء موجود في الأفعال في بعض المواضع، نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن»، والصواب هو أن النحاة البصريين أقرب إلى الصواب، لأن الاسم داخل الجملة أشد حاجة إلى الإعراب من الفعل الذي يعتمد كثيراً في تحديده على الصيغة وعلى أشياء أخرى مثل اللواصق والعوامل اللفظية. وقد عبر ابن يعيش عن هذه الفكرة بوضوح : «الإعراب في الاسم إنما كان للفعل بين المعاني، فكل واحد من أنواعه أمارة على معنى، فالرفع علم الفاعلية والنصب علم المفعولية والجر علم الإضافة، وليس في الأفعال كذلك، وإنما دخل فيها الضرب من الاستحسان ومضارعة الاسم، ولم يدل الرفع فيها على معنى الفاعلية ولا النصب على معنى المفعولية كما كان الأسماء» (ابن يعيش، الشرح المفصل، ج7 : 11)(23). وإذا كان لابد للأفعال من الإعراب، فإن إعرابها لابد أن يختلف عن إعراب الأسماء داخل الجملة. أما المعمولات الاسمية أو الشبيهة بالاسمية فنعاملها معاملة خاصة يفرضها شكلها ووظيفتها. 4- أدوار الإعراب بين الوصف والتفسير : يرى النحو العربي أن الإعراب وضع ليلعب أدواراً مختلفة ومتكاملة. لنتأمل الأفكار الآتية : - الإعراب دليل والمعرفة مدلول عليه (ابن يعيش، شرح المفصل، ج7 : 51)(24). - الإعراب هو الاختلاف. (الأستراباذي، 1979، ج1 : 24)(25). - الإعراب علم للمعاني. (السيوطي، الأشباه والنظائر، ج1 : 191)(26). - الإعراب إبانة المعاني المختلفة. (ابن يعيش، شرح المفصل، ج1 : 49)(27). - الأصل في الإعراب أن يكون للفرق بين المعاني. (السيوطي، الهمع، ج1 : 14)(28). نلاحظ أن هذه الأفكار متكاملة الأهداف، فالإعراب علم للمعاني، أي علم للوظائف، وهذا يعني أن كل وظيفة لها علم خاص. ومعنى هذا أن الإعراب وضع لإبانة المعاني وللتمييز بينها. وبعبارة أخرى إن الإعراب وسيلة لتحديد وظائف مكونات الجملة ودليل علها ولها. وقد حدد الجرجاني في دلائل الإعجاز أهمية الإعراب يقول : «إذا كان قد علم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأن الأغراض كامنة حتى يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه، والمقياس الذي با يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه». (الجرجاني، 1978 : 23 – 24)(29). من خلال هذا النص، نلاحظ أن الجرجاني نجح في اختصا أدوار الإعراب الأساسية، وحاول السيوطي أن يحدد الإعراب في الفكرة الجوهرية الآتية : «أما الإعراب فيه نميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين». (السيوطي، المزهر، ج1 : 329)(30). 5- دور الإعراب من منظور اللسانيات الحديثة : حددت اللسانيات دور الإعراب بطرق متباينة، حيث وردت مجموعة من الأفكار بهذا الخصوص في أعمال المتوكل : - تسند الحالة الإعرابية الرفع والحالة الإعرابية النصب والحالة الإعرابية الجر إلى المكونات بمقتضى وظائفها الدلالية أو التركيبية أو التداولية. (المتوكل، 1985 : 47)(31). - يأخذ المكون حالته الإعرابية على أساس دوره الدلالي أو وظيفته التركيبية أو وظيفته التداولية الملحقة به. ويرى الفهري أن التطابق الإعرابي ينتج عن التطابق الوظيفي. (الفهري، 1985، ج2 : 100)(32). وهذه فكرة مفادها أن لكل وظيفة إعراب يحددها وأن كل إعراب يحدد وظيفة وذلك بوسم آخر المكون الذي تنسب إليه هذه الوظيفة. ويبقى الدور الأساسي المنوط بالإعراب هو التفريق بين وظائف مكونات مختلفة تتألف من الجملة. الـهـــوامــش: 1- الإيضاح في علل النحو للزجاجي، ص : 83. 2- الزجاجي، نفسه، ص : 85. 3- الحسين كنوان، الإعراب بين الحد والوظيفة، ص : 100. 4- سيبويه، الكتاب، ج1، ص : 13. 5- الزجاجي، الإيضاح ف علل النحو، ص : 81. 6- الحسين كنوان، نفسه، ص : 101. 7- ابن جني، الخصائص، ج1، ص : 35. 8- الزجاجي، كتاب الإيضاح، ص : 81. 9- السيوطي، همع الهوامع، ص : 14. 10- السيوطي، الأشباه والنظائر، ص : 86. 11- ابن خلدون، المقدمة، ص : 604. 12- ابن يعيش، شرح المفصل، ص : 51. 13- السكاكي، مفتاح العلوم، ص : 119. 14- الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص : 101. 15- المتوكل، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، ص : 101. 16- المتوكل، من قضايا الرابط في اللغة العربية، ص : 46 – 128. 17- المتوكل، الجملة المركبة في اللغة العربية، ص : 112. 18- المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص : 127 – 128. 19- Chomsky, N. la Nouvelle syntaxe, p : 82 20- عبد العزيز العماري، أدوات الوصف والتفسير اللسانية، ص : 158. 21- الفاسي الفهري، المعجم العربي، ص : 49. 22- السيوطي، همع الهوامع، ص : 15. 23- ابن يعيش، شرح المفصل، ج7، ص : 21. 24- ابن يعيش، شرح المفصل، ص : 51. 25- الأستراباذي، شرح الكافية في النحو لابن الحاجب، ص : 24. 26- السيوطي، الأشباه والنظائر، ج1، ص : 191. 27- ابن يعيش، شرح المفصل، ص : 49. 28- السيوطي، همع الهوامع، ص : 14. 29- الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص : 23 – 24. 30- السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ص : 329. 31- المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص : 47. 32- الفهري، اللسانيات واللغة العربية نماذج تركيبية ودلالية، ص : 100.
|
|