الحكاية الرابعة
نعجة للبيع  
وتتسرب الى شاشة الذاكرة وأنا أرافق أخي الأكبر مساء أحد أيام الشتاء المشمسة  وانا أقود نعجة الى السوق لبيعها , حيث أعترض باقي اخوتي على ذبحها لكونها مسنة ولحمها غير مستساغ  بعد أشهر من تربيتها في البيت ، وقد ازدحم الجزارون و المتاجرون بالماشية حول الوافدة الجديدة الى السوق , وهم يتفحصون ظهرها وإليتها و رفعها بعضهم أو حاول ذلك وهو يمسك بخصل صوفها من الرقبة وآخر الظهر, و لم يُـدفع فيها الا خمسة دنانير ونصف وهو مبلغ معتبر اذا ما قورن براتب أخي الشهري  كمعلم والذي لا أعتقد أنه يتجاوز الأربعين دينارا ,واذا قارنا راتب المعلم الان بثمن النعجة حاليا فانه مغبون جدااا ، ولما لم يوافق أخي على الثمن أمرني بإعادتها الى  البيت ولكنه أوصاني - ان احدا اعترضك لشرائها فبعها باي مبلغ يزيد على ذلك - بينما مضى هو الى المقهى وتخلصت أنا من وقفتي وحرجي بين تجار الماشية والجزارين واحساسي بالخجل لكوني اول مرة أقود نعجة متجولا في السوق وفي طريق عودتي اعترضني أحد تجار الماشية بعد ان استفهم مني - أهي للبيع و بعد تفحصها وفعل بالنعجة المسكينة كما فعل بها من سبقوه ، وحاول مساومتي لكنني أخبرته بان ثمنها وصل الى ست دنانير وقد بالغت في ذلك ولما استفهم مني ابن من انت ، فمدح والدي على طيبته وصدقه و جعلني امتلأ بالزهو ، فأضاف ربع دينار للثمن الذي بالغت به , وشعرت بعدها بلوم داخلي على دعواي تلك ، وافقت في الحال فانقدني المبلغ و جر النعجة ورائه ولا اتذكر هل اعاد لي حبلها ، وبذا خلصني من مصاحبة النعجة المسكينة  التي ستـُذبح عاجلا أم آجلا ,  وأزال عني شعوري بالخجل الذي احسست به وأنا أصاحبها , وكنت اتحسب أن يراني احد زملائي في المدرسة ويبدو ان احدا لم يراني او ان احدا ربما شاهدني ولكن لا يبدو ان الامر  معيب او مخجل كما احسست حينها ، وخاصة اني كنت اتقدم اقراني في حصد الدرجات العالية و ظهوري مع النعجة  حسبته انتقاص لنبوغي  ، لكن  لم يحدثني احد بقصة النعجة  في صباح اليوم التالي , وكان هذه أول وآخر مرة افعل ذلك كبائع ماشية , ولو أني قد اصاحب احد الاخوة او الأقارب أو منفردا  للذهاب الى سوق الماشية في صباحات ايام عيد الاضحى وأيام النحر لشراء الاضاحي  بعد سنين ، أما ثمن النعجة فقد سلمته لأخي وقد مدحني بكلمة - عفية- والتي تعادل عفارم التركية او أحسنت بالفصحى و أعطاني ورقة الربع دينار التي زادت عن أوراق الدنانير الست ، والتي احتفظت بها وانطلقت مساء اليوم التالي لأشتري قاموس الجيب لأنطوان الياس انجليزي - عربي من مكتبة المدينة الوحيدة , وقد اختفى القاموس بعد ان ظهر في بيت العائلة جيل ثاني من ابناء الابناء من الصغار العابثين الذين ربما أتلفوه أو عبثوا به  وجعلوه اوراقا متناثرة أخذت طريقها الى حيث يفنى كل ما كتب و رسم[/center]