حبك الشيء يعمي ويصم !

وجدت نفسي أرقبه عن كثب ، مستلقٍ على ظهره على سور قرب المحطة الطرقية للحافلات يرتفع عن الأرض من جهةٍ قدر الأربعين سنتمترا، أما من الجهة الأخرى فسفُلت الأرض عنه قدر المتر والنصف ؛ شاب على مشارف نهاية عقده الثاني ، قد وضع حقيبة سفره المحمولة على الظهر تحت قفاه ونظره إلى قبة السماء لا ينظر إلا إليها ، يتكلم عبر هاتفه المحمول بفرحة غامرة وسرور بالغ يلفت الأنظار ، غير آبِهٍ للسيارة التي تقف بجواره تنفث دخانها عبر العادم يخرج موازيا لوجهه ، ولا لرائحة النشادر المزكم للأنوف الناتج عن بول قليلي الأدب من الرجال شبابا وشيوخا في ذلك المكان أسفل السور حتى أصبح أسود زلقا ، وليس ببعيد عنه تجلس امرأة متسولة في أطمار بالية تردد لازمتها كلما مر بها أحد من الناس .
عجبت لهذا الفتى واستغربت أمره ، كيف أنه لم يلتفت لكل هذه الآفات الاجتماعية التي تحيط به ! تلوثٌ دخاني ، وعفونة بشرية ، ولازمة تكررها متسولة تُشعِر بالفقر والفاقة وسوء الحال ! قلت مع نفسي أيمكن أن يرتفع بنا الحديث مع إنسان نحبه إلى هذه الدرجة ، فلا نشعر بما يجري حولنا ، وتتعطل بفضله جميع حواسنا فلا نشم ولا نرى ولا نسمع؟!
أجبت نفسي بنفسي ، صدق من قال : " حبك الشيء يعمي ويصم "

والله صدقتي