1. نمهيد
أن تاريخنا الإسلامي ، يصلنا أعرج معوقاً ، بعد مروره بالمحرفين من الحاشيات المتعاقبة على البلاطات اولا ، ونعرف كيف يكيد المعاصرون لتاريخنا بالطعن والتشكيك ثانيا ، لكن حتمية تلقي التاريخ تجعلنا متارجحين بين قول فلان وتاويل علان وبيقى المسكوت عنه او اللامفكر فيه اكبر عقبة لتطوير العمل الاسلامي الجاد الذي يؤمن بنسبية الادوات وجعل كل التراث الاسلامي حيزا للنقاش العلمي المجرد من الولاءات المذهبية المتصلة اساسا بالرؤى السياسية.
1. 2. العقل السياسي الاسلامي
من المؤسف ان تركيبة العقل الاسلامي القديم ومن يرفع لواءه اليوم ـ السلفية بمفهومها السياسي ـ يميل كل الميل لتبرير اي وضع سياسي ويحرص دوما على ايجاد مبررات ويغيب قاعدة الشورى والعدالة الاجتماعية.
ما معنى تعريف العدالة الاجتماعية على انها انزال الناس منازلهم؟؟ والذي يتشدق به بعض الشيوخ ، صراحة هذا التعريف يناقض النهج النبوي الذي يؤمن بأننا سواسية كأسنان المشط في جميع الحقوق والواجبات.
لا يمكن الحديث عن الخلافة الراشدة ا ودولة بني امية اودولة بني العباس وما نتج فيها من فرق:” خوارج شيعة معتزلة ..”بنفس الطريقة التي تم تعميمها على المتلقي القديم بمسميات الكفر والزندقة والهرطقة.
يجب ان نفهم ضرورة اعادة الاعتبار للبنى الفكرية التي قامت عليها هذه الفرق خصوصا في رؤيتها للعدل والمساواة ، وشرعنة ومن له حق الحكم … والتي كانت ضمن المحظورات لحظتئد والتي دفع هؤلاء دماءهم وعمروا السجون من اجلها.
سأحاول في هذه السطور تسليط الضوء على فترة خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه محاولا الخروج بخلاصة مبدائية قد تنفعنا لأخذ العبرة من السلف فالأخذ من السلف لا يكون بالاقتداء بهم فقط وإنما بعدم تكرار اخطائهم .
1. 3. قناعات متداولة
ان اول ما تم تكريسه في اذهانا في مراحل التعليم المختلفة فكرة ملائكية عن فترة الخلافة الراشدة فهي فترة ساد فيها الانسجام التام والتوافق المثالي وتبرير اي نقاش او حدث كان ان ذاك على انه وقيعة من اليهود والمنافقين لزلزلة التواجد الاسلامي الفتي وهذا امر منافض لمنطق التفكير البشري الانساني من جهة وما تضمه كتب التاريخ المختلفة وبعض المصادر الفقيه التي اشارت لبعض الوقائع من جهة اخرى .
ان وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حدث زلزل الدولة الاسلامية البدوية الفتية معلنا عن انقطاع الوحي وبداية ايجاد توافق بين الواقع وإحداثه وما جاء به الشرع الكريم ، واختيار خليفة رسول الله ليس بالأمر الهين لعدم وجود معيار ناهيك عن صعوبة التأقلم مع الوضع الجديد الذي يغيب فيه الرسول صلى عليه وسلم عن المشهد.
ان حجم الارتباك عظيم جدا بكل المقاييس فقد وصل لدرجة ان عمر رضي الله انفعل وهدد بقتل كل من يقول بوفاة رسول الله هدا وكتب الفقه تحمل لنا ان الرسول اصلى الله عليه وسلم اختلف هل يغسل بقميصه او بدونه واين يدفن؟ كما انه لم يصل عليه في جماعة
1. 4. الفعل السياسي في سقيفة بن ساعدة:
ان حادثة سقيفة بني ساعدة اول بداية فعلية للعمل السياسي ـ ان نقل ان الانصار ما ان بدات ملامح مرض رسول حتى بداووا يفكرون فيمن سيقود ويحكم ـ وهو اسم أطلق على ما حدث في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة محمد بن عبد الله نبي ألإسلام حيث اجتمع فيها عدد من الصحابة من المهاجرين والأنصار ودارت بينهم مفاوضات توجت في النهاية باختيار أبو بكر كأول خليفة للمسلمين ـ البعة الخاصة ـ .
لكن اختيار ابي بكر لم يكن بالأمر الهين والمحسوم ـ لعدم وجود معيار يتفق عليه لاختيار امير يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كانت الالطاف الله حاضرة حالت دون قيام حرب ضروس بين الانصار والمهاجرين وقد ااعترف عمر رضي الله نفسه حين قال ان مبايعة ابي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فقد كان للبعد القبلي دور كبير في الاتفاق على شخصية ابي بكر ناصره الاوس لكي لا تستأثر الخزرج بلامر حين رشحت سعد بن عبادة الذي بقي على رفضه لمبايعة ابي بكره الى ان تم اغتياله ونسبة قتله للجان .
1. 5. بيعة مبتورة
بقيت البيعة مبتروة لان علي كرم الله ومجموعة من الصحابة تخلفوا عن المبايعة لمدة ستة اشهر لأنهم يرون ابا بكر قد اغتصب حق ال البيت في الخلافة وقد روي ان علي قد رفض اثارة فتنة رغم ضغط بني هاشم عليه لتلوي الامر والوقوف في وجه ابي بكر و والقصة الواردة في هذه معروفة .
فقد ورد بالنص في كتاب الامامة والسياسة “انطلق أبو بكر فدخل على عليٍّ وقد جمع بني هاشم عنده، فقام عليٌّ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا أبا بكر إنكارٌ لفضيلتك ولا نفاسةٌ عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً، فاستبددتم به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم، فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر، فلما صمت عليٌّ، تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فوالله لَقَرَابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي، وإني والله ما آلوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير، ولكني سمعت رسول الله يقول ” لا نُورَثُ، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ” وإني أعوذ بالله، لا أذكر أمرا صنعه محمد رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله، ثم قال (علي): موعدك العشيّ للبيعة. فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليّاً ببعض ما اعتذر، ثم قام علي فعظَّم مِن حق أبي بكر رضي الله عنه وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر رضي الله عنه فبايعه. قالت (أي عائشة، وهي التي أخرج الطبري عنها هذه الرواية): فأقبل الناس إلى علي فقالوا: أصبت وأحسـنت، قالت: فكان الناس قريباً إلى عليٍّ حين قارب الحق والمعروف»
من المضحك ان بعض الباحثين يصر على استساغة اعتبار سقيفة بن ساعدة رضي الله عنه على انها مجلس شوري وانها اجتماعا توافقية بين الاقلية والأغلبية وكان القرار بيد الاغلبية التي يجب ان تنصاع لها الاقلبية واعتبار علي كرم الله وجهه حاملا لمشعل المعارضة مثل هذه الاسقاطات التبريرية للفراغ الدستوري السياسي التي عاشته الامة تزيد من تعقيد المعقد ما العيب ان قلنا ان التركيبة العقلية العربية البدوية لحظتئذ كانت دون مستوى ماسسة فعل الشورى .
خلاصة
ما يستخلص من الكلام اعلاه ان فترة الخلافة الراشدة زمن ابي بكر كانت فترة لولادة تلق جديد للخطاب الديني بأفهام مختلفة.
وما صدر عنهم في الية اختيار خليفة رسول صلى اله عليه كانت اجتهادا ومن الطبيعي ان لا يكون عليها اجماع خصوصا ان كانت معاييرها حبيسة صحبة رسول الله او النسب اليه او نصرته لان هذا المعيار زائل وغير ثابت وتسبب في مشاكل عظيمة للخلفاء الذين جاؤوا بعده .