غزو الحضارات القديمة

لم تكتف المدنيات المتقدمة عند غزوها للشعوب الأخرى من الاستيلاء على مقدراتها التي متعها الله تعالى بها من أراض خصبة ومعادن نفيسة وغاز ونفط وثروات برية و بحرية وتحتية وفوقية ... بل امتدت أياديها إلى الاستحواذ على الرموز الحضارية الأثرية لتلك الشعوب ، فقام المستعمرون بالحفر والتنقيب ما بين ثنايا الأرض وفي طبقاتها واستخرجوا ما تضمنته من أسرار، فنفضوا عنها الأتربة والغبار وأزالوا ما بها من عوالق بفرشاتهم وأدواتهم التي جلبوها معهم يساعدهم في ذلك أبناء البلد من الفقراء بأجور زهيدة ، ثم نقلوا ما وجدوا من تحف و أيقونات وصور ومنحوتات وأدوات ومومياوات وكنوز وألواح في صناديق مقفلة إلى بلدانهم ، فصنفوها وعرضوها في متاحفهم تحت وهج من الإنارة الساطعة وأحاطوها بنوع من القداسة وبنظام أمني صارم وكأنها مما خلفه أجدادهم ، وجعلوا الناس يطلون على تلك الحضارات القديمة ويتعرفون عليها من خلال أروقة متاحف بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وغيرها من المتاحف التي ما نالت شهرتها إلا بفضل تلك المآثر المسروقة من الدول المستضعفة ! حتى إن الفرد من أهل تلك التحف والكنوز ممن ينتمون إلى بلدها الأصلي إن أراد أن يطلع على حضارة أجداده وما تركوه من روائع عليه أن يحزم حقائبه ويركب طائرة للنزول بعاصمة أوربية ويقصد متحفا من متاحفها ؛ وإن اشتد به الحنين واستبد به الشوق وثارت في نفسه الأنفة وود استرجاع ممتلكاته وعنوان هويته المسلوبة منه ، يجد هذه الدول قد أحاطت ما سرقت بمجموعة من العراقيل والإجراءات القانونية التي تضمن بقاءها في متاحفها وأقلها أن أصحاب هذه الكنوز الأثرية ليس لهم القدرة على حفظها في بلدانهم وبالتالي فالواجب الإنساني يحتم عليهم أن يحتفظوا بها في متاحفهم ما داموا هم القادرون على حمايتها وهم الذين يتوفرون على الأنظمة المتطورة للإستشعار والإنذار المبكر ورجال التدخل السريع الأكثر كفاءة ، وهو لعمري عذرٌ أكبر من الزلة ! لأن هذه التحف ما كان أن تخرج من تحت الثرى بعد أن رقدت فيه مطمئنة حقبا مديدة من التاريخ وتغادر أوطانها في سرية تامة وفي توابيت مموهة وصناديق مقفلة لولا هذا الذي يدعي قدرته على حفظها .
فممن سيحفظها إن كان هو سارقها ؟؟! وهل حاميها هو حراميها كما يقول المصرين
قال الشاعر العربي :
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف بالرعاة إذا كانوا لها ذئاب.

حسن ستيتو