ما هي مهارة التفكير وهل يمكن تَعلُّمها؟
مهارة التفكير هي القدرة على التفكير بفعالية، أو هي القدرة على تشغيل الدماغ بفعالية . ومهارة التفكير - شأنها في ذلك شأن أي مهارة أخرى - تحتاج إلى:
1. التعلُّم لاكتسابها بالتمرين
.
2. التطوير والتحسين المستمر في الأداء
3. الممارسة والاصطبار على ذلك
.
إن تَعلُّم مهارة التفكير أمر مؤكد قائم فعلاً على الرغم من التشكيك المُثار حول ذلك ، والذي مردُّه إلى أن التفكير عملية طبيعية تلقائية يقوم بها أي إنسان . ولكن الإنسان يقوم بعمليات تلقائية كثيرة ومع ذلك فهو بحاجة إلى تعلُّمها وتطويرها ، كما أن فطرة الإنسان لم تعد بمنأى عن التغيير والتحريف حتى في أمور الغرائز . ناهيك عن التعصب والانحياز الأعمى والغشاوات الكثيرة القابعة على منافذ التفكير . وعليه فان الحاجة إلى تعلُّم التفكير وتعليمه تتأكد بأمرين:
1. اعتبار التفكير مهارة , وأية مهارة تحتاج في اكتسابها إلى التعلُّم
.
2. أن التفكير عملية معقدة متعددة الجوانب تتأثر بعوامل كثيرة وتقف في طريقها العقبات
.
ومما يؤكد صدق هذا التوجه ما تقوم به الكثير من المعاهد المتخصصة والمؤسسات التعليمية من تطبيق ذلك فعلاً على ارض الواقع ، في أماكن مختلفة من العالم . وسوف أبين جوانب مما طبقته بنفسي على طلاب الهندسة الكيميائية أثناء أدائهم التجارب المعملية في المختبرات التعليمية .
تميل معظم التوجهات إلى إدخال التفكير ضمن المناهج لاتخاذه سبيلاُ للتحصيل المعرفي وإنتاج الأفكار . وهذا أمر مُلحّ لا بد أن تتبناه كافة المؤسسات التعليمية وتُدرجه في مناهجها لتواكب التقدم الهائل في التعليم ووسائله ، وليكون لدى المتعلم القدرة على متابعة الكم المتسارع من المعلومات المتدفقة بغزارة . ولكن لا بد من الحرص على أن لا يصير مآل التفكير إلى مادة دراسية لها كتاب مقرر وتُعَد لها الامتحانات . حينها سيفقد التفكير أهميته ومهمته ، ولن يتجاوز كونه معرفة جديدة تضاف إلى لائحة المعارف الموجودة . فإنه مما يُؤخذ على التعليم تركيزه على إعطاء المعلومات وكثرة الواجبات والأعباء الملقاة على المتعلمين ، مما قد يعيق عملية التفكير أثناء التعلُّم بسبب التركيز فقط على تحصيل المعرفة .
تنمية مهارات التفكير
بالنظر إلى التعريف السابق للتفكير يمكن تلخيص مهارات التفكير فيما يلي:
أ- مهارات الإعداد النفسي والتربوي
.
ب- المهارات المتعلقة بالإدراك الحسي والمعلومات والخبرة
.
ت- المهارات المتعلقة بإزالة العقبات وتجنب أخطاء التفكير
.
حيث يتمثل الإعداد النفسي فيما يلي:
1. إثارة الرغبة في الموضوع ، وتُعرف بحب الاستطلاع وإثارة التساؤلات والتعمق .
2. الثقة بالنفس وقدرتها على التفكير والوصول إلى النتائج .
3. العزم والتصميم ، ويتمثل في : السعي لهدف ؛ تحديد الوجهة وطريقة العمل والمتابعة الدءوبة الذاتية لذلك؛ الحرص على النتائج المفيدة .
4. المرونة والانفتاح الذهني وحب التغيير : الإقرار بالجهل أن لزم ؛ الاستماع إلى وجهة نظر الآخرين (فتأخذ بها أو ترفضها) ؛ استشارة الآخرين ؛ الاستعداد للعدول عن وجهة نظرك ولتغيير الهدف والأسلوب إن لزم الأمر ؛ التريُّث في استخلاص النتائج .
5. الانسجام الفكري ، ويتمثل في تجنب التناقض والغموض ، وسهولة التواصل مع الآخرين بأفكار مُقنعة وواضحة ومفهومة .
أما المهارات المتعلقة بالإدراك الحسي والذاكرة فيمكن تلخيصها كالتالي:
1. توجيه الحواس حسب الهدف والخلفية العلمية أو الفكرية . وهذا يعني التمرس على توجيه الانتباه .
2. الاستماع الواعي والملاحظة الدقيقة وربط ذلك مع الخبرة الذاتية ، أي تمحيص الاحساسات والتأكد من خلوها من الوهم والتخيلات .
3. توسيع نطاق الإدراك الحسي بالنظر إلى عدة اتجاهات ومن عدة زوايا .
4. تخزين المعلومات وتذكرها بطريقة منظمة واستكشافية : إثارة التساؤلات ، استكشاف الأنماط ، استخدام الأمارات الدالة والأشياء المميزة ، اللجوء إلى القواعد التي تسهل تذكر الأشياء ، مناقشة الآخرين والتحدث معهم علهم يثيرون فيك ما يؤدي إلى التذكر .
أما المهارات المتعلقة بالواقع والمعلومات فهي كالتالي:
1. إعادة ترتيب المعلومات المتوفرة : التركيب ، التصنيف ، اتباع المنهج الملائم .
2. جمع المعلومات : استخراجها من مصادرها ، السؤال عنها ، البحث التجريبي .
3. تمثيل المعلومات بصورة ملائمة : في جدول أو رسم بياني أو مخطط أو صورة .
4. استكشاف الأنماط والعلاقات فيما بين المعلومات : ترتيب ، تعاقب ، سبب ومسبب ، نموذج ، مثل ، تشبيه ، مجاز .
5. اكتشاف المعاني : الاشتقاق ، التلخيص ، التخيل للكشف عن المضمون .
و حتى تنطلق عملية التفكير لا بد من وجود الدوافع ، والحوافز المشجعة على القيام بالأعمال ، والدعم المادي والمعنوي من الآخرين ، كما لا بد من إتاحة الفرصة لاستثمار ما اكتسبه الفرد من مهارات بالممارسة والتطبيق في مناحي مختلفة .
معوقات التفكير وأخطاؤه يمكن أن تحُول دون التفكير أو أن تحرفه عن مساره , لذا ينبغي التنبُّه لها وتجنُّبها والتغلب عليها . ولتنمية ذلك في نفوس الدارسين فانه ينبغي أن يتوصلوا إلى ذلك بأنفسهم عن طريق التساؤلات المتبادلة بينهم وبين المدرسين ، وعن طريق التفكُّر فيما حصل بعد كل تجربة . يمكن حصر المعوقات والأخطاء في ثلاثة أمور هي : الإدراك الحسي والمعلومات والحالة النفسية لدى الشخص المفكر .
تتمثل معوقات الإدراك الحسي في عدم القدرة على رؤية الوضع مثل رؤية العوارض دون المشكلة الحقيقية ، وفي رؤية جانب واحد من الموضوع وترك الجوانب الأخرى مثل رؤية حل واحد لا غير ، وفي اعتبار جانب من الزمن فقط كالماضي . وينطبق على ذلك كثير من الفروض المسلمة وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك . فقد وجد أن الأنماط الفكرية السائدة في الدماغ تؤثر على طريقة التفكير مما يؤدي إلى صرف الانتباه عن الوضع الصحيح ، لذا لا بد من تدريب الانتباه على ذلك .
أما معوقات واخطاء المعلومات فتتمثل في نقص المعلومات ، واستخدام معلومات خاطئة ، أو وجود معلومات زائدة عن الحاجة تؤدي إلى الإرباك.
في حين تتمثل معوقات الوضع النفسي في فقدان الرغبة في العمل والدراسة ، وعدم الاستماع للآخرين والأخذ بآرائهم ، وعند اخذ الأمور على علاتها أو كمسلَّمات ، وعند فقدان الثقة بالنفس والعزم والتصميم والانفتاح الذهني .
ولا بد من إضافة اثر البيئة أي ما يحيط بالطالب من تأثير على طريقة تفكيره من توفير الجو الملائم للتفكير . علاوةً على أن التفكير مرتبط بالبيئة الاجتماعية والثقافية والجسدية وبالمثيرات من حوله . فالجو العائلي والمجتمع مثل المدرسة لها تأثير بالغ قد يكون مشجعا وقد يكون مدمرا .
التنفيذ
التفكير عملية نشطة وفاعلة ، ولكن تنمية مهارات التفكير بطيئة وتحتاج إلى الصبر[ ] والمصابرة ، وينبغي الحرص على أن تجري بطريقة متكاملة تسهِّل اكتساب المعرفة والمهارات الأخرى . ويُفضَّل أن يكون ذلك عن طريق العمل الجماعي[ ] ، وذلك بتنظيم الطلاب في مجموعات صغيرة ، وإعطائهم الفرصة لإجراء التجارب بأنفسهم ليكتسبوا الثقة والجرأة ، وبتدريبهم على حل المشاكل بأنفسهم ، وعلى ممارسة أدوار إدارية وقيادية ، ثم التنويع في المشاريع المعطاة لهم بحيث تتراوح ما بين ما هو متوفر فيه المعلومات وآخر يحتاج إلى معلومات وآخر يحتاج إلى طريقة العمل وهكذا .
إن مثل هذه الأعمال تقوي النفس وتؤهلها للعمل الجاد وتَحمُّل المسؤولية ، فالعمل الجماعي يتطلب أن يُسهم كل واحد برأيه في استخلاص النتائج ، وان يستمع للآخرين ، وان يتجنب الوقوع في الأخطاء أمام زملائه ، كما يرفع من مستوى الكسالى ويحثهم على التقدم . كما أن المشاريع والتجارب تعني وجود أهداف لا بد من تحقيقها ، ولا بد من إنجاز العمل في وقت محدد ، وانهم لا بد أن يحصلوا على الدرجة المناسبة . كما يساهم الطلاب في اتخاذ القرارات وحل المشاكل وفي تقييم أداء بعضهم بعضا ، ثم الاستفادة من ذلك في حياتهم العملية .
دور المدرس وعملية التقييم
يتمثل دور المدرس في تسهيل عمل الطلاب بالحرص على توجيههم الوجهة الصحيحة ، ومراقبة أعمالهم ، ومتابعتها للحصول على نتائج سليمة . كما يترتب عليه إثارة روح التساؤل فيهم وتشجيعهم على ذلك وان يعمل هو بنفسه على استكشاف الخلفية التي لديهم عن طريق الأسئلة وذلك ليتمكن من البناء عليها . وهذا يعني التفاعل المستمر ما بين الطالب والمدرس لا سيما عن طريق التغذية المرتدة . كما يمثل المدرس دور المستشار حين الضرورة ، ويعمل أساساً عمل المدرب لا عمل المدرس الذي يصب المعلومات فقط . ولتحقيق ذلك لا بد أن تتوفر لديه روح التدريب ، والإشراف ، والتوجيه ، وحب العمل بالإضافة إلى الخلفية المناسبة لذلك .
التقييم هو قياس مستوى الأداء وتوجيهه . لا بد من تقييم أداء الطلاب وذلك للتمكن من معرفة المستوى الذي وصل إليه الطلاب . ومن الضروري أن تستند عملية التقييم على المستوى الشخصي والجماعي أي على قدرات الطالب الذاتية وادائة في الفريق . كما ينبغي أن تستند إلى كل من المحتوى والطريقة أي إلى المعرفة والمهارات . ويكون ذلك بالنظر إلى الأهداف هل تحققت؟ وبالنظر إلى أداء الطلاب بشكل مفصل لمعرفة نقاط الضعف والقوة في الأداء وفي اكتساب المعرفة والمهارات وفي الإعداد النفسي . وهذا يتطلب المتابعة المستمرة من قبل المرشدين والتغذية المرتدة الآنية والتفكر فيما حصل. .
يمكن تقييم الأداء عن طريق التأكد من فهم الطالب بتركه يُعبِّر عن الموضوع بعباراته وشرحها أمام المدرس والطلاب ، وان يُعطى المجال لتدريب زملائه ، وان يقيِّم بعضهم بعضاً ، وان يقوموا بكتابة المذكرات والتقارير وأوراق البحث ، والكشف عن مدى استفادة كل عضو في الفريق من الآخر وتأثير كل عضو على الفريق ككل .