بدا الوقت مثل عصر خريفي أو صبيحة تحجب عنها قرص الشمس ، سكون يعم المكان يبعث على التوحش ، صدر صوت نسائي يشبه ذلك الذي يتردد في  نداء المطارات ومحطات القطار يفيد أنه قد تعذر تامين مدفن لفلان في مقبرة للمسلمين بهذا المكان لذلك سيوارى جثمانه في إحدى المدافن التي سميت باسم أحد القديسين،
-:.. ربما لم يجدوا لي مدفنا في مقابر المسلمين...
-:.. هل علي التحدث إلى أحدهم في شأن ذلك ؟ ..
-:.. هل سيشكل فارقا إن تحلل جثماني في مدافن النصارى أو في مقابر المسلمين ؟
..هل يغني عني ذلك من الله شيئا في مرحلتي المقبلة. من سفرة الموت؟
...لن أتحدث إلى أحد في شأن ذلك وحسبي أن الله يعلم عقيدتي
واصل سيره في المعبر المخصص واستلم وعاء صغيرا أدرك أنه عليه استعماله  بمثل ما يشبه الوضوء أو التحلل..
هل آن لي أن افارق هذا الجسد الأليف..؟..
شعر بغصة كبيرة وهو يرى جسده وقد باشر بالتحلل وبدأ يفقد تماسكه،  حتى أن بعض المواضع من الجلد تتأهب لتتساقط بانسيابية
-:.. لو تسنى لي أن أعود لحياتي لأخبرت كل أحبتي أن يحبوا أجسادهم وكل أعضائهم الحيوية .
.ليتني أستطيع أن أعانقك يا جسدي وأضمك إلي بقوة
أطبق الصمت على كل المكان ..لم تعد الأشياء والحركات مسموعة ..اختلط مايشبه الضباب ببعض ما يشبه الظلام..
-: ..لازال بوسعي التحدث إلي
هل يعني ذلك أنني لم أنتقل بعد إلى ما بعد موتي..؟
.يحاول أن يتلمس جبينه ويكتشف مصدر هذا الهواء الذي يلفحه..بدأت الصور تستعيد وضوحها.. وجوه كثيرة وعيون تتطلع إليه وقد رسمت عليها الكثير من المشاعر الملغومة ..مستبشرة..مترقبة ..حزينة ..أحدهم يسكب الماء البارد على جبينه طلبا في خفض الحرارة التي تلهب كل جسده.وتجعله يتعرق بشكل مستمر .

حاول استيضاح الوجوه وتحديد الملامح الأليفة التي تحيط به..يشعر ان باستطاعته أن يبدد الكثير من تلك المشاعر الحزينة التي علت وجوه الأحبة بابتسامة بدت مستعصية قبل أن تصير إنجازا يحمل الكثير من المعاني ..تعالت الأصوات وعم الصخب كل المكان..انقطعت الأصوات فجأة...

سفرة أخرى - إقبال المرابط من اليوميات المستعارة