الدكتور رشيد هارون ومقالاته النقدية
محمود كريم الموسوي
عرفت الناقد الدكتور رشيد هارون من خلال متابعاتي لكتاباته النقدية ، وغير النقدية ، في الصحف العراقية ، وكم كنت في شوق للتعرف على شخصه وهو في مدينتي الحلة الفيحاء ، وكان لي ذلك في 26 / 7 / 2001م حين ألقى على أسماعنا شهادته القلمية ( دم مبتسما هكذا ) عن الدكتور صباح نوري المرزوك نحن الحضور في احتفالية اتحاد أدباء وكتاب بابل لبلوغ الدكتور المرزوك خمسين عاما من عمره ، فزاد إعجابي به ، ومتابعاتي لما يحبره يراعه في صفحات الصحف ، وعلى الأخص صحيفة (الثورة ) الملغاة التي كانت على قمة الهرم الثقافي آنذاك ، ذلك إن معرفة شخصية الكاتب لابد وان تكون لها انعكاسات تأثيرية في المتلقي والقارئ ، سلبا أو إيجابا ، وبنسب متفاوتة في المتابعة الجدية لنتاجه في ضروب المعرفة كافة ، وبالأخص في الأدب والنقد الأدبي 0
والدكتور رشيد هارون هو ابن الديوانية ولادة عام 1962م ، وابن الحلة نشأة واستقرارا إلى الآن ، ولذلك عد من أدباء الحلة وأعلامها في معاجم الحليين ومفهرسيها ، فترجم له الدكتور صباح نوري المرزوك في الجزء الثاني من ( شعراء الحلة أو تكملة البابليات ) الصادر بطبعته الأولى عام 2006م ، وعرض ثلاث قصائد من قصائده أنموذجا لنتاجه الشعري ، ثم ترجم له في مؤلفه ( النهضة الفكرية في الحلة ) الصادر عام 2008م ، ثم في الجزء الأول من كتابه ( حلة بابل أو بغداد الصغرى ) الصادر عام 2013م ، وهو معجم لرجال الحلة في الآداب والعلوم والفنون ، كما ترجم له الدكتور عبد الرضا عوض في الجزء الرابع من كتابه أدباء بابل وكتابها المعاصرون الصادر عن دار الفرات للثقافة والإعلام عام 2013م
والدكتور : هو رشيد بن هارون بن عليوي بن مطرود القيم الكرعاوي ، أكمل دراسته الأولية في الحلة ، وتخرج في الفرع الأدبي لإعدادية الفيحاء للبنين عام 1983م ، وبعد تخرجه في معهد إعداد المعلمين المركزي ببغداد عام 1986م ، عين معلما واستمر إلى أن حصل على إجازة دراسية ليدخل قسم اللغة العربية في كلية التربية / جامعة بابل ويتخرج فيه عام 1998م ، ثم الماجستير في النقد الأدبي الحديث عام 2004م ، والدكتوراه في فلسفة اللغة العربية وآدابها من الجامعة المستنصرية عام 2012م 0
وعندما عدت إلى الساحة الأدبية ، وظهرت في المشهد الثقافي الحلي ، بعد غياب قسري لسنوات طويلة ، وجدت الدكتور رشيد هارون قد أصدر العديد من مؤلفاته الشعرية والنقدية بعد إصداره الأول عام 2000م الموسوم (حين يهرم الكلام) ، وهو عبارة عن مجموعة شعرية رائعة ومن هذه الإصدارات
01 أذكر أني ــ نصوص سيرية / 2007م
02 المسير بهــذا الاتجــاه ــ مدونات القــــرية والمدينة
ونصوص سيرية / 2008م
03 القط والفــــار ــ مقالات في الشــعر العـراقي / ضمن
ســلسـلة خاصة بمهرجان كلاويــــز الثاني عشـر في
السليمانية / 2008م
04 دهشة الجبل ــ السياسي والفني في الادب الكوردي /
ضمن سـلسـلة خاصــة بمهرجان كلاويز الثالث عشر
في السليمانية /2009م
05 مصادر الصورة في شعر حميد سعيد / 2010م
إضافة إلى العشرات من المقالات النقدية في الصحف والمجلات العراقية 0
والتقينا مرة ، أخرى إذ جمعتنا أمسية من أماسي جمعية الرواد الثقافية المستقلة / المركز العام في الحلة ، واتفقنا للقاء مرة أخرى ، وأخرى ، من خلالها دفع لي مجموعة من مقالاته النقدية للتمتع بقراءتها ، ثم أردفها بإصداره الجديد ( القُبل تخمد جمر الشعر ) هدية لي ، وهو عبارة عن مجموعة شعرية صدرت عن دار الأرقم للطباعة في الحلة عام 2013م 0
وجدت في مقالات الدكتور رشيد هارون النقدية حالة من التوافق النادر بين قوة البناء اللغوي ، وبساطة الأسلوب ، ووضوح الفكرة ، وعمق الرؤية ، وقد طوع مفرداته ليجعلها مملكة مترعة بأنسجة تقترب إلى اللغة الشعرية ، تعطي القارئ فسحة من التأمل والارتياح ، وتدفعه بين حين وآخر للعجب بمقاساته الفنية في أوسع مساحة للنص الذي يقرأ ، وقد أخضعه لانزياح الملل 0
النقد الأدبي هو تقويم نص أدبي شعرا كان أو نثرا ، لبيان قيمته الأدبية ، وفنونه السحرية ، وطرائقه الإبداعية ، ومواطنه الجمالية ، وتشخيص هفواته وهناته وما علق به من أدران ، من خلال تسليط رؤية الناقد على فكرته وأسلوبه وبناءه ، باستخدامه أدواته النقدية التي من خلالها تظهر قدرته في النقد ، ومنزلة النص ، ومكانة كاتبه ، وقد وجدت الدكتور رشيد في إطار هذه الرؤية له الصدارة في تجسيدها 0
لغة الدكتور رشيد النقدية أجدها بعيدة عن التركيبات الجملية المبهمة ، العصية ، وتكاد تكون خالية من المصطلحات التي تهدم بنيان التتابع الفكري لكثير من القراء ، بسبب الحاجة إلى استدعاء لحظات استيضاحية لمحتواها ، أو عبورها دون الولوج إلى عالم مدلولاتها فيؤثر ذلك في تتابع الفكرة سلبا 0
لغة مرنة خالية تماما من الانفعالات الذاتية ، التي يسلطها بعض النقاد أحيانا في نصوصهم النقدية ، ليخلقوا حالة من التوتر بين القارئ والنص المنقود 0
كما وجدته يستعين بشواهد شعرية جميلة الصورة ، بديعة المعنى ، تريح النفس ، وتفتح مغاليق رؤياه النقدية أمام القارئ ، حتى لتجد القارئ في شوق للمزيد من القراءة دون ضجر ، كلما انتهى من مقالة انتقل إلى أخرى 0
ووجدت من إبداعات الناقد هارون ، ابتعاده عن الحشو المخل ببناء الفكرة ، بعيدا عن الترهل الذي يؤدي إلى تشظي الرؤية الانفعالية مع النص ، مستخدما التجديد الذي يبعد النمطية في صيغه النقدية ، فنصوصه النقدية تتقارب بالوضوح، وتتباعد بالأسلوب ، وتلتقي في قصدية الذات النقدية، وتتنافر في الإيحاءات التأملية ، حتى لتجعل القارئ في انفعالية وتفاعلية منسجمة مع الرؤية الهارونية التي تختلف من مقال إلى آخر ، باختلاف رؤيته المسلطة على هذا النص أو ذاك، من هذه الزاوية أو تلك 0
ولما وجدت إن ما عرضه لي الدكتور رشيد هارون من مقالات نقدية ، متجددة ومجددة ، تحوي على مفاهيم ورؤى يحتاج القارئ للاطلاع عليها ، وإضافة خزين معرفي لذاكرته ، عزمت إلى توثيقها ، بإصدار يحفظها ، وينتفع منه القراء الأعزاء ، واخترت له عنوان (الإزاحة الماكرة) ، وهو الموضوع الخامس ضمن موضوعات الاصدار
آخر اصدار للدكتور رشيد هارون في الادب العراقي المعاصر هو كتاب ( أصداء الصمت ) وقد صدر هذا العام 2014م عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد بـ (104 ) صفحة من القطع الوزيري