جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية – القطب الثاني
قسم الفلسفة
يوم دراسي حول " الفينومينولوجيا و التأويلية "
يوم الاثنين 18 فيفري 2014 بقاعة المحاضرات – كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
توطئة :
الفينومينولوجيا اليوم
( إن الذي سيؤهل الفينومينولوجيا في أن تكون لها المكانة اللائقة داخل الجامعة ليس ما تصنعه من فلاسفة ؛ وإنما في كون هدفها الحقيقي يكمن في إيجاد طلبة علميين قادرين على امتلاك وعيا بمعرفة ما ، وبعم خاص بهم ... ) مارتن هايدغر
- ملخص المداخلات –
المداخلة الأولى : د/ محمد محجوب تحت عنوان : في المولد التأويلي للفلسفة .
ينطلق المفكر التونسي ( محمد محجوب ) في تفكيك عنوان المداخلة حيث يرى أن لفظ " المولد " هو ليس " التأسيس " وإنما هناك ( ولادات ) تأويلية للفلسفة . فهذه الأخيرة قد أخذت أنماط مختلفة لميلادها ، فمثلا نجد : 1- نيتشه يرجع ميلاد الفلسفة إلى زمن التراجيديا الإغريقية ، 2- هايدغر فيرجعها إلى تلك اللحظة الحاسمة في انقطاع و انفصال الوجود عن الموجود ، 3- أما الفارابي فيرجعها مع ظهور مفهوم الحدوث . أما في نظره فيرى أن المولد التأويلي للفلسفة كانت من خلال ( الترجمة ) أي " براديغم الترجمة والتأويل " والتي كانت مع ( شلاير ماخر ) 1805-1833 ، حيث استعان بمقولة " بول ريكور " ومفادها : ( هل يمكن الحديث عن براديغم الترجمة قبل الحديث عن التأويلية ) .
لقد تجسد هذا المولد مع " شلاير ماخر " من خلال المحاضرة التي ألقاها في كلية اللاهوت بـ(هال ) يوم 24 جوان 1813 تحت عنوان ( في مختلف مناهج الترجمة مقارنة نظرية للترجمة ) . فهذا المولد عبر عنه ( محمد محجوب ) في ثلاثة أوجه : 1 – عرض عناصر تأويلية شلاير ماخر في سياق المنهجية الألمانية الرومانتكية 2- تحليل براديغم الترجمة من منطلق الامتداد إلى الأخر 3- امتحان إلى القدر على ترسيم الحدوث ( الحداثة ) .
يرى ( محمد محجوب ) بأن تاريخ الفلسفة هو تاريخ التأويلية هو " رحم البراديغمات " ، حيث كان الإلتقاء بين التأويلية الوسيطية و التأويلية الشاملة ، والذي كان فيه ( شلاير ماخر) المنعطف الحاسم بينهما . فبراديغم الترجمة – في نظره – هو الهدف الأقصى لبراديغم التأويلية ، ومنه يقدم افتراضات عن التأويلية الشلايماخرية وتتمثل في :
*- إن تأويلية من جهة " فن فهم " لا توجد إلاّ في تأويلية خاصة المنشودة إلى التأويلية العامة .
*- التأويلية هو ليس كلام الأشياء وإنما هو أيضا تحليل الكلام الإلهي ( تحديد الشق اللغوي بين المعنى الحرفي والمعنى المجازي ).
*- الفيلولوجيا هي عملية صناعة النقد خصوصا المتعلقة بالنصوص الدينية ، ( أن لا شيء غير الكتابة ) مارتن لوثر .
*- إن بداية المشروع التأويلي الحقيقي كان مع ظهور البروتانستية ( ديلتاي ).
*- حيث كانت الفيلولوجيا كانت هناك فلسفة حقيقية . ( نيتشه ) ، أي ضرورة ارتباط الفيلولوجيا بالفلسفة للوجود والزمان .
*- ليس سؤال الفيلولوجيا هو سؤال المعنى ... وإنما هو عملية استنطاق النص ليكون منهج حياة . (نيتشه )
من خلال هذه الافتراضات يستنتج ( محمد محجوب ) الحجج التي قدمها " شلاير ماخر " التي يبين فيها على أصالة التأويلية في رحم الفلسفة ، من بينها : 1 – صناع التأويلية جانبان ديني و أدبي ، 2- على صناعة التأويل أن تنفتح على النصوص الأخرى 3- حيث كان هناك نص أجنبيا كان هناك تأويل 4- التأويل لا يقتصر على الكتب والنصوص ؛ وإنما حتى في الجرائد و الاشهارت وحياتنا اليومية من خلال الكلام .
يرى ( محمد محجوب ) بأن غيرية الخطاب ( خطاب الأخر) هي هوية الفلسفة ضمن التأويلية العامة لأنه : خطاب غيري ، يتعين تملكه ، لا يمكن استفاءه ، خطاب يستدعي التأويلية كتكنولوجيا .
ماذا يعني شاير ماخر بالفهم ؟ يجيب ( محمد محجوب ) : تغريضه ( الغرض) إلى اللافهم . ويرى بأن " شلاير ماخر" و " فرديريك شيليغ " كان يهدفان من خلال الهيرمينوطيقا الرومانتيكية إعادة إحياء براديغم التأويل الإغريقي . وهذا الأخير – في نظر فوغلمان – في جانبه الفني تميز بخاصيتين : الأمثلة ( المثالية ) و الأمكنة ( ممكن ) . لذلك يرى ( محجوب ) كنتيجة يتوصل إليها أن أصالة الرومانتيكية الألمانية تمثلت في كيفية التوصيل بين الفلسفة والشعر والنقد .
المداخلة الثانية : د/ فتحي أنقزو تحت عنوان : كتابة الفينومينولوجيا ... أو كيف يمكن القول في التجربة الخالصة ؟.
يفتتح المفكر التونسي ( فتحي أنقزو ) مداخلته بمقولة إحدى تلامذة "بول ريكور " – أراد أن يوضح فيها على عمومية التجربة التأويلية – قائلا : ( إن التأويلية والفينومينولوجيا هي واحدة ، أي معرفة المعروف . ) . وتطرق أيضا إلى فكرة ( الميلاد ) من خلال ثلاث نقاط : 1- الميلاد مركب من نصوص مختلفة ، ينشئ التأويل مدخلا لنفسه ويصنع نفسه في الوقت نفسه . 3- هناك تزاحم في التجارب ، فلا يمكن أن نعرف الأسبقية بين التأويلية والفينومينولوجيا 3- التجربة الخالصة تعتبر عند الفينومينولوجيين هي الأساس ( انطلاقا من هسرل وامتدادا إلى تلاميذه إلى الفلاسفة المعاصرين . وهؤلاء يرون بأنها ( أي التجربة الخالصة ) هي معتمد كل تأويل ، فهي إضافة إلى مجرد الأشياء البحتة.
أراد هسرل من خلال هذا المفهوم – في نظر فتحي أنقزو - هو التخلص من كل الروابط الطبيعية والجسمية والرمزية للوجود البشري . ولقد طرح " هسرل " إشكالية مهمة في هذا السياق حيث قال : ما هو السبيل لتحديد عملية التفكير ؟ فيجيب ( الإمكان هو كل شيء فعلي في الوجود ) . ولقد أخذ هايدغر هذه الفكرة من أستاذه " هسرل " ووظفه في كتابه ( الوجود والزمان ) حيث رأى أن " الفينومينولوجيا هي علم الإمكان " وهي – في نظر أنقزو – صيغة من صيغ الكتابة الفلسفية .
و يرى أيضا بأن التجربة الخالصة تستوجب – في نظر هسرل – المداورة أو المعاودة ، وقد أراد أن يبين ذلك من خلال محاولته الجمع بين عملين أساسين ألفهما – وفي الوقت نفسه أراد أن يشرح مفهوم " التجربة الخالصة " – وهما : المشكلات الأساسية للفينومينولوجيا ( أو عيون المسائل ) سنة 1911 ، وكتاب تأملات ديكارتية 1929 ( وهي على شكل محاضرات ألقاها في جامعة السربون ).
يطرح ( فتحي أنقزو ) إشكالية مهمة حول هذا المفهوم حيث قال : هل وصف التجربة الخالصة بهذه الطريقة هل هو تمرين فلسفي ، أم أنه يحتاج إلى إطار جامع بنوع من الميتافيزيقا لتقدم نسق لها ؟ فهسرل منذ مدة – في نظره - بقي متردد في حسم هذه المسألة ، فمن خلال ذلك يمكن استنتاج
بأن النسق الفينومينولوجي الهسرلي قام على وتيرتين : 1- الوتيرة التطبيقية لبعض المقولات كـ : الزمان والوعي والوجود ... الخ ( التحليل التطبيقي ) 2- وتيرة الأعمال التي كتبها ونشرها هسرل ( وهي مقصودة ) التي نجح فيها على استعمال التداول العلمي ( البسط والعرض الميتافيزيقي ) بمعنى أنها فلسفية في آخر المطاف وهي ذات معنى تأويلي في حد ذاتها .
فمن خلال هذه الوتيرتين أراد " هسرل " أن يقيم عملية تداخل بينهما حتى يكون مشروعه أكثر نسقية .
يرى ( فتحي أنقزو ) أن فكرة " أسبقية العلم الطبيعي عن الفكر " قد استوحاها من الفيلسوف ( ريتشارد أفيرنياوس ) ، فهذا الأخير يرى بأن تجريد المقولات على نسق علمي غير كاف ( كرد على ديكارت وكانط )، لذلك فإن المفهوم الطبيعي للعالم – حسب هسرل – هي مقدمة ضرورية للفلسفة . إضافة يرى ( فتحي أنقزو ) إن نوع الابتداء للعالم يحتاج إلى انقلاب نظري ، أي وصف المقولات التي تختزل فيها التجارب كإضافة للمنطلق الطبيعي ( ما نوجده من قبل " قبلي " ). وهذا ما جعل ( هسرل ) يقول بأن " العالم التاريخي ليس له أهمية أساسية أو أسبقية ، إن لم يسبقه العالم الطبيعي ويجب فهمه " ويقصد بذلك – في نظره – ضرورة الانتقال من العالم إلى الوعي ( الغرض الفينومينولوجي = تغريض العالم لفهم الوعي ) أي رفع هذا الأخير إلى المستوى الفلسفي ( نظرية الوعي ) . وهذه النظرية بدورها تعبر عن الوصف المباشر للعالم الطبيعي الموجود في الوضع الذي نحيا فيه ككائنات طبيعية في مقابل كائنات طبيعية أخرى ( حتى هايدغر قد أخذ هذه الفكرة في كتابه " الوجود و الزمان " في ص 11 ، ولكن في سياق انطولوجي ، وأيضا ذكرها في رسالة حيث قال بأن الرؤية الطبيعية للعالم هي أصعب أمر في الفلسفة ).
يرى ( فتحي أنقزو ) أن المنظومة الدقيقة التي تعبر عن الرؤية الطبيعية للعالم مرتبطة بـ : الأنا ، الأخر ، الجسد . وقد قدم " هسرل " مواقف يشرح فيها معنى الوصف الطبيعي وهي :
1- الموقف الطبيعي للإنسان هو القاعدة الأساسية لفهم العالم ( وهو بديهي وعام ) ، حيث من هذه البداهة يخلق السؤال ( تعبر عن الوصف قبل العلم ) .
2- الأمر لا يتوقف عند الوصف وإنما يتعدى إلى المعرفة العلمية ( الفينومينولوجيا ليس الغرض المعرفة الطبيعية وإنما معرفة إسهامها في بناء المعرفة العلمية ) ومنه ،التجربة هي أساس شرعي للفكر النظري والعلمي .
3- المستوى الوصفي الطبيعي هو محاولة أو تجربة للابتداء على الفلسفة في هذه الطريقة ( هو إمكان متاح للعمل لتطوير العالم = وجود قاعدة قبلية )
كل هذا استفاد " هسرل " من كتابات ( ريتشارد أفيرنياوس ) من خلال مفهوم التجربة الخالصة . وهذه الأخيرة تتضمن فكرة ( العزل ) : أي هو ما يحصل عن حذف أو عزل كل الأفكار والمقولات الثانوية والإضافات التي يبتكرها الوعي تلقائيا لفهم الوصف الطبيعي ( هسرل تجاوز هذا الفهم من الفهم الوضعي ( مع ريتشارد ) إلى الفهم الفينومينولوجي التأويلي ) ومن هنا هسرل يطور ذلك إلى منهج ( الرد الفينومينولوجي ) هو منهج لا يمهد للفلسفة وإنما هو شكل من أشكال الفلسفة.
لقد قدم ( فتحي أنقزو ) استنتاجات وأفكار من كتاب " تأملات ديكارتية " نذكر منها :
*- أنموذج التصور الطبيعي في آخر المطاف هو إعطاء صبغة فينومينولوجيا .
*- التجربة الخالصة تجاوز الفهم الديكارتي للثنائية ( بين الحسي والمجرد ) .
*- رؤية ( ريتشارد ) هي من أجل التعديل والتخلص من المغالاة الوضعية والتقليل من الرؤية الديكارتية ( تأملات ديكارتية فهي ليست أفكار متناقضة وإنما هو استكمال للفينومينولوجيا لفهم نظرية الوعي ، وأيضا فهم الترابط بين الوعي والعالم ).
يرى ( فتحي أنقزو ) بأن هسرل هو كيفلسوف أفلاطوني سفسطائي لا يترك العالم كليا ولا يأخذه كليا ، فهو مثل الطفل الذي يأخذ كل الأشياء ولا يختار .
كل الفلاسفة الوجوديين أمثال : " سارتر ، ارنست كارسيل ، ميرلوبونتي ... " ينطلقون من الفكرة الهسرلية ( أسبقية التصور الطبيعي عن الفكر ).
يرى ( فتحي أنقزو ) أن التجربة الخالصة هي الكوجيتو أي أن " هسرل " لم يتخلص من ذاتية ديكارت ، لأن ( الكوجيتو ) هو العالم ، أي هو الذي يحوي التقسيم الانطولوجي الذي يميز بين تفكير في الأنا والتفكير في الأخر ( وهنا يكمن التناقض في نظر فتحي أنقزو ) .
المداخلة الثالثة : عبد القادر بودومة تحت عنوان : الإغريق طريق إلى الفينومينولوجيا ( هيدغر مستأنفا هسرل )
يرى الدكتور ( عبد القادر بودومة ) بأن هذا العنوان هو محاولة كشف العلاقة بين هايدغر و هسرل . فهايدغر غادر أرضية الفينومينولوجيا الهسرلية بمجرد ميلاد كتابه الأساسي ( الوجود والزمان ) إضافة إلى توظيف التأويل أو التطعيم – بمفهوم ريكور - الفينومينولوجيا الهسرلية .
- كيف نفهم انغراس " هايدغر " داخل الفينومينولوجيا الهسرلية بالرغم من هذا الانعطاف الذي أحدثه ؟
يجيب ( عبد القادر بودومة ) أن أهمية الفينومينولوجيا حركة تحاول أن تتعاطى مع مجموعة المواضيع المواضيع المجاورة الأخرى ، وعليه يعتبر " هايدغر " المدخل الأساسي للفينومينولوجيا الجذرية . يقول هايدغر في هذا السياق : ( لم تكن التأويلية شغلي الشاغل وإنما هو خاص بغادامير ) هذا القول هو عبارة كشهادة شخصية منه ، فأراد بذلك التصريح بأنها تأويلية الفينومينولوجيا للحداثية للحياة .
- ويرى أيضا بأن حضور الفينومينولوجيا في فلسفة هايدغر تبررها مجموعة المحاضرات والدروس – على غرار محاضرة ماربوغ – التي ألقاها هايدغر نفسه ، ويبين أيضا أن الفينومينولوجيا لم تقتصر فقط عند هسرل وإنما تعددت أي كانت هناك فينومينولوجيات نحو " الإمكان " عند ( هايدغر ) هذا ما قال عنه في " الوجود والزمان " 1913 . فالحدس التأويلي للفينومينولوجيا هي عبارة أطلقها ( هايدغر ) تعبر عن التقاطع بين التصور الميتافيزيقي و التصور الوجودي للإنسان ، هذه العبارة – في نظره – لا تعبر عن " فن الفهم " ولكن هي ( إيضاح ) للحداثية وإنما يهدف ( المفهوم ) لإيقاظ الوجود .
ترتبط التأويلية الحداثية لفهم ( اليوم ) والكشف عن الدازاين " الظواهر الدالة على الوجود " . إذا التأويلية – حسب هايدغر – هي ليست فلسفة وإنما هو عملية بث الانتباه واليقظة للفلاسفة وهو موضوع ظل في النسيان وهو ( الوجود ) . هي إلحاق ما هو " عيني " بمعنى فينومينولوجيا الفينومينولوجيا ( الفينومينولوجيا الثوثولوجية )، حيث يقدم فيها نقد لهسرل دون مغادرتها ، وذهب إلى هذا العمل إلاّ من أجل تجذير الفينومينولوجيا وتأسيس فينومينولوجيا جديدة ( المشكلات الأساسية للفينومينولوجيا ).
يرى ( عبد القادر بودومة ) لا يمكن تقسيم فترة هايدغر إلى فترتين : هايدغر الفينومينولوجي ، وهايدغر اللافينومينولوجي . ومن خلفيات الأنطو – فينومينولوجيا الهايدغرية نجد : أرسطو ، مارتن لوثر ، كيركيغارد ، هسرل . فالدلالة الحقيقية للفينومينولوجيا عند الرجوع إلى الإغريق1924 هو ( الالتفات التاريخي لمفهوم الفينومينولوجيا ) من خلال مفهومي " الظاهرة " و " اللوغس " لأرسطو.
يرى هايدغر أن إخفاق الفينومينولوجيا الهسرلية الحقيقية هي فينومينولوجيا إغريقية ذات المنطلق ( الرؤية ) الأرسطية . فالفينومينولوجيا عند هايدغر – في نظره – هي طريق ( أودوس ) الرجوع إلى الإغريق ( أي محاولة الذهاب إلى أكثر ما ذهب إليه الإغريق أنفسهم ) ولكن بأي طريق ؟ يكون من خلال " فهم وجودنا أكثر " ولكن في الطريق نفسه على أساس الهيرمينوطيقا الشلاياماخرية . فمشروع " هايدغر " يتمثل في التأليف بين نمطين أساسيين وهما : 1- الفينومينولوجيا الهسرلية 2- التجربة الإغريقية ( بهدف الذهاب إلى الفينومينولوجيا أكثر من الفينومينولوجيا نفسها ) .